كيف نحبب العلم الشرعي إلى أبنائنا؟

يجيب عن السؤال  الشيخ  محمد فايز عوض

السؤال

كيف نحبب العلم الشرعي إلى أبنائنا؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

1. العلم أهم ما في الوجود؛ فقد خلق الله الإنسان وعلمه ما لم يكن يعلم، حيث قال تعالى في محكم تنزيله: )عَلَّمَ ٱلۡإِنسَٰنَ مَا لَمۡ يَعۡلَمۡ([سورة العلق 5]

 وحري بالأهل والتربويين أن يقربوا مفهوم طلب العلم، ويشرحوا أهميته للأطفال؛ فيتربون على إجلال ذلك، وتبرز أهمية العلم في النقاط الآتية:

2. الإسلام دين العلم فأول آية نزلت من القرآن، تأمر بالقراءة التي هي مفتاح العلوم، قال -تعالى-: )ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ ﴿١﴾ خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِنۡ عَلَقٍ ﴿٢﴾ ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ ﴿٣﴾ ٱلَّذِي عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ ﴿٤﴾ عَلَّمَ ٱلۡإِنسَٰنَ مَا لَمۡ يَعۡلَمۡ ﴿٥﴾( [سورة العلق 1-5]

3. دعاء النبي بزيادة العلم نظرًا لأهمية العلم، أمر الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يدعو ويطلب المزيد منه، فقال -سبحانه-: )وَقُل رَّبِّ زِدۡنِي عِلۡمٗا ﴿١١٤﴾([ طه :114]

4. معرفة الله وخشيته تتم بمعرفة آياته ومخلوقاته، والعلماء هم الذين يعلمون ذلك، فقد أثنى الله عليهم بقوله: )إنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَٰٓؤُاْۗ([ فاطر :28]

التحذير من القول بلا علم وقد حذّر الله كل مسلم من القول بلا علم فقال -سبحانه-: )وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولٗا( [ الإسرَاء :36]

فضل طلب العلم

طلب العلم يرفع قدر المسلم ويصبح ذو شأن عظيم، ومن فضائل العلم ما يأتي:

رفع الله -عز وجل- قدر أهل العلم لا لجاه ولا لمال؛ بل بما وهبهم من العلم، قال -تعالى-: )يَرۡفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ دَرَجَٰتٖۚ ( [ المُجَادلة :11].

 العلم نور يهدي الله به من يشاء في هذه الدنيا قال تعالى: )أَفَمَن يَعۡلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ كَمَنۡ هُوَ أَعۡمَىٰٓۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ(     [ الرعد :19].

أجر العلم لا ينقطع حتى بعد موت الإنسان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ : إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ»([1]) .
طلب العبد للعلم علامة على إرادة الله الخير له قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»([2])

ومن أهم الأسباب التي تحبب إلى الصغار القراءة و طلب العلم ما يلي :

1. القدوة،

 فمن المهم جدًّا أن يرى الصغار الأم أو الأب و هم يقرأون ،

إن التربية بالقدوة لها أثر بالغ في نفسية الطفل وسلوكه لأن الأطفال بطبيعتهم يميلون لتقليد الكبار، و بناء على ذلك فإن خير طريقة لتعويد الأطفال على القراءة و تحبيبهم فيها هي أن نعود أنفسنا أولا على القراءة و المطالعة بشكل يومي، و جعل الكتب أهم مصادر معلوماتنا.

لكن الأطفال يحتاجون إلى قدوات: المعلم الذي يقرأ، يحتاجون إلى الإمام الذي يقرأ، يحتاجون إلى الأب والأم اللذان يقرآن، إلى الأخ الكبير الذي يقرأ.

فلذلك ينبغي أن نهتم بقضية القدوة، لا سيما في زمنٍ الصراع فيه شديد فيما يتعلق بقضية القدوات، يعني يوجد الآن منافسون لقضية العلم والقراءة، مثل الرياضة والفن،

2. الحوافز

  خاصة مع النشء الصغير، وحتى مع الكبار المراهقين، ينبغي أن نعوّدهم من نعومة أظفارهم ونربطهم بالحوافز والتشجيع،

والحوافزقد تكون حوافز مادية، حوافز معنوية، حوافز حسية، حوافز مالية، والحوافز كثيرة كلما تنوعت وكلما كانت مما يحبه الطرف الآخر، وكلما كانت مباشرة للإنجاز؛ كان هذا أفضل وأحسن.

3. التدرج

 عليكم بالتدرج وإياكم والقفز فيما يتعلق بقضية العلم، بمعنى نأتي معهم بالعلم شيئًا فشيئًا، وهذا يعني أيضًا معنى من المعاني التي ذكرها العلماء والمفسرون في قضية )كُونُواْ رَبَّٰنِيِّـۧنَ( [آل عمران:79]: فالرباني: الذي يربّي الناس بصغار العلم قبل كباره كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية.

إذن نحن نعطيهم شيئًا فشيئًا، نأخذ القصص كمثال، نأخذ جوانب السير: سيرة النبي ﷺ، قصص الأنبياء، قصص الصحابة، ونحببهم شيئًا فشيئًا، بعض الروايات النافعة، حتى يحبوا القراءة، ويحبوا العلم.

4. ادماج الكتب في البيئة الأولى للطفل

يؤكد الخبراء على عدم وجود سن مثالية لتعويد الطفل على القراءة. لذلك وجب على الآباء تأثيت بيئة الطفل بمجموعة من القصص المصورة المناسبة لسنه و المصنوعة من مواد آمنة و متينة، و ذلك لجعلهم يستأنسون بها منذ نعومة أظافرهم باعتبارها جزءا لا يتجزأ من بيئتهم. و تجدر الإشارة في نفس السياق إلى أن الطفل يستطيع متابعة و فهم القصص ابتداء من سن الثانية.

5. التشويق

يعتبر الأطفال أكثر الكائنات فضولا على وجه الأرض لذلك  يمكن استغلال هذه الخاصية لتحبيبهم في الكتب، و ذلك عبر الإشتراك في احدى المجلات أو الكتب المناسبة لسنهم، لجعلهم ينتظرون بشغف كبير صدور العدد الموالي لمعرفة تتمة قصة معينة أو حل لغز  أو نتيجة مسابقة…

 6. انشاء المكتبة الخاصة للطفل

بهذه الطريقة ستجعله يتعود على احترام الكتب و ستحفز رغبته في انشاء مجموعة خاصة به من الكتب التي ينبغي مساعدته في اختيارها دون التدخل المباشر في ميولاته.

 7. ربط القراءة بالهواية

خلال سن السابعة أو الثامنة، يمكنك اهداء كتب لطفلك لها علاقة بمهاراته و هواياته، كإهداء كتب تهتم بالرياضة لطفل يحب ممارسة هذه الأخيرة.

8. التركيز على القصص المصورة في السنوات الأولى

تعتبر القصص المصورة من الوسائل الفعالة لتعويد الطفل على القراءة الذاتية، نظرا لتوظيف الصورة كأداة مساعدة على فهم المحتوى، كما أنها تجتذب الأطفال في السن المبكرة أكثر من الكتب الخالية من الصور.

9. الصــبـــر

كن صبورا و لا تنتظر نتائج فورية عند تطبيق هذه النصائح، و تذكر أن إجبار الطفل على القراءة يفقده المتعة، و من يفقد متعة شيء ما يتركه في أول فرصة تتاح له.

([1])مسلم (1631) وابن خزيمة (2494) وابن حبان (3016)
([2])البخاري (3116) ومسلم (1037)

[الشيخ] محمد فايز عوض

هو الشيخ الدكتور محمد فايز عوض  من مواليد دمشق – سوريا 1965 

درس العلوم الشرعية في مساجد دمشق و معاهدها 

خريج الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1985

حائز على شهادة الدكتوراة في الدراسات الإسلامية من الجامعة الإسلامية بهاولبور  في باكستان. 

له الخبرة الواسعة في وضع المناهج وتطوير التدريس للعديد من الدورات العلمية وإقامة دورات مكثفة.

درّس الفقه وأصوله وعلوم القرآن وتاريخ التشريع والفرائض وغيرها في عدة معاهد وجامعات مثل: معهد الفرقان للعلوم الشرعية، ومجمع الفتح الإسلامي في دمشق، 

مدرس في  جامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية في اسطنول للعديد من المواد العربية و الشرعية

مدرس في عدد من المعاهد الشرعية في اسطنبول 

عضو رابطة علماء الشام، عضو مؤسسة زيد بن ثابت الأهلية، عضو رابطة العلماء السوريين، عضو المجلس العلمي لمركز الإيمان لتعليم السنة والقرآن..

من مشايخه الذين قرأ عليهم:

 والده الشيخ محمد محيي الدين عوض، والشيح محي الدين الكردي، والشيخ محمد كريّم راجح، والشيخ أسامة الرفاعي، والشيخ أيمن سويد، و الشيخ أحمد القلاش ، و الشيخ محمد عوامة ، والشيخ ممدوح جنيد.