ما هو تأثير الإيمان بالحياة الآخرة على نظرة الإنسان للحياة الدنيا و للعالم؟

 يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

ما هو تأثير الإيمان بالحياة الآخرة على نظرة الإنسان للحياة الدنيا و للعالم؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين ، و بعد :

من أهم آثار و ثمرات الإيمان باليوم الآخر أنه يبصِّرُ الإنسان بحقيقة الدنيا، و علاقتها بالآخرة، و حقيقة وجوده فيها، و  مصيره بعد الموت، و التفكر في حال هذا الكون؛ كيف نشأ و من الذي أنشأه؟ و هل سيستمر إلى ما لا نهاية أم أنه سيزول و كيف سيزول؟ مما يدفعه إلى العمل و عدم الركون إلى الدنيا و الاغترار بها، كما جاءت بذلك الآيات و الأحاديث الكثيرة ،و الله أعلم

البيان و التفصيل :

مرَّ معنا في الإجابة عن سؤال سابق يتعلق بأهمية الإيمان باليوم الآخر، عدةُ أمورٍ ترتبط بالجواب كتعريف اليوم الآخر و حكم الإيمان به و ثمراته، فيمكن الرجوع إلى تلك الإجابة لتمام الفائدة .
فإنَّ من أهم ثمرات الإيمان باليوم الآخر :  تبصرةُ الإنسان بحقيقة الدنيا، و علاقتها بالآخرة، و حقيقة وجوده فيها، و ما مصيره بعد الموت؟ و ما مصير هذه الحياة الدنيا؟ و إلى متى ستستمر و كيف ستنتهي؟ و التفكر في حال هذا الكون؛ كيف نشأ و من الذي أنشأه؟ و هل سيستمر إلى ما لا نهاية أم أنه سيزول و كيف سيزول؟ و غير ذلك من الأسئلة المهمة التي تؤرق مضجع البشرية من غير المؤمنين و التي يكثر حولها التنبؤات والخرافات و النظريات.
و حسبنا في بيان تلك الإجابات ما جاءت به الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية الكثيرة.- ففي بيان حقيقة الحياة الدنيا و حقيقة الحياة الآخرة، يقول الله تعالى : ﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [العنكبوت 64]
يقول الطبري في تفسيره: ( يقولُ تعالى ذكرُه: وما هذه الحيَاةُ الدنيا التي يتمتعُ منها هؤلاء المشركون ﴿إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ﴾. يقولُ: إلا تعليلُ النفوسِ بما تَلْتَذُّ به، ثم هو مُنْقَضٍ عن قريبٍ، لا بقاءَ له ولا دوامَ، ﴿وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ﴾، يقولُ: وإن الدارَ الآخرة لفيها الحياةُ الدائمةُ، التى لا زوالَ لها، ولا انقطاعَ ولا موتَ معها.
كما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾: حياةٌ لا موتَ فيها… ) (1)
– فالحياة الآخرة هي الحياة الحقيقية ، أما الدنيا فهي عبارة عن حلم، كما قال سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «النَّاس نيام فَإِذا مَاتُوا انتبهوا» (2)
أو هي لحظات بالنسبة للآخرة، كما قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ [يونس 45] ، و يقول أيضاً : ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ ﴾ فيرد عليهم المؤمنون كما قال تعالى : ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [الروم 55-56]
و قال تعالى : ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا﴾ [النازعات 42-46]
– و قال الله تعالى في سورة الأحقاف مبيناً حقيقة الخلق و البعث و الحساب: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [الأحقاف 33-35]
و قال في سورة الأنبياء أيضاً : ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ [الأنبياء 104]

– و قال مبيناً حالة الكون و مصيره في ذلك اليوم : ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ [إبراهيم 48] و الآيات في ذلك كثيرةٌ جداً كما في سورة التكوير و الانفطار و غيرهما

– و لذلك، فإنه لا ينبغي للمؤمن أن يركن إلى الدنيا و يأنس بها و ينشغل بها عن الآخرة؛ فما هي إلا دار ابتلاء و زوال ، بل ينبغي أن يجعلها دار عمل و زرع ، يقول الله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾  [النازعات 37-41]

 – و أخيراً سنقف مع هذه الآية العظيمة من سورة الحديد، و التي لخَّص الله تعالى فيها حقيقة الحياة الدنيا و حقيقة الاخرة، ثم ذكر  جزاء كل فريقٍ ممن آمن و عمل،  أو أنكر و أساء و استكبر و كفر، فقال تعالى : ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأمْوَالِ وَالأوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [الحديد 20]

– فالإيمان باليوم الآخر -إذن- يبصر الإنسان بحقيقته و حقيقة الدنيا و يعرفه مصيره و مصير ها، فينعكس ذلك على كيفية نظرته إليها ، و كيفية التعامل معها ؛ فيوجه كل اهتمامه و عنايته نحو الآخرة.
و هذا ما أوصى به النبيُّ صلى الله عليه و سلم عبدَالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث قال : قَالَ: أخذ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بِمَنْكِبَيَّ، فقال: «كُنْ في الدُّنْيَا كَأنَّكَ غَرِيبٌ، أَو عَابِرُ سَبيلٍ». وَكَانَ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما، يقول: ( إِذَا أمْسَيتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ ) (3). رواه البخاري.

بناء على ما سبق :

 أقول لك أيها الأخ الكريم ما قاله الإمام النووي في تعليقه على الحديث السابق : ( قالوا في شَرْحِ هَذَا الحديث: معناه لَا تَرْكَنْ إِلَى الدُّنْيَا وَلَا تَتَّخِذْهَا وَطَنًا، وَلَا تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِطُولِ البَقَاءِ فِيهَا، وَلَا بِالاعْتِنَاءِ بِهَا، وَلَا تَتَعَلَّقْ مِنْهَا إِلَاّ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْغَريبُ في غَيْرِ وَطَنِهِ، وَلَا تَشْتَغِلْ فِيهَا بِمَا لَا يَشْتَغِلُ بِهِ الغَرِيبُ الَّذِي يُريدُ الذَّهَابَ إِلَى أهْلِهِ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ) (4)، و الحمد لله رب العالمين.
المصادر و المراجع :
1- تفسير الطبري : [18\440]
2- كتاب المغني عن حمل الأسفار في الأسفار، في تخريج ما في الإحياء من الأخبار (مطبوع بهامش إحياء علوم الدين) المؤلف: أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي (ت ٨٠٦هـ)، دار ابن حزم، بيروت ، الطبعة: الأولى، ١٤٢٦ هـ – ٢٠٠٥ م صفحة (1358).
3- صحيح البخاري : [8\110] رقم ( 6416)
4- رياض الصالحين ،للإمام النووي : صفحة (242)، مؤسسة الرسالة الطبعة: 19،  عام 1991.

الشيخ عبد السميع ياقتيهو الشيخ عبد السميع ياقتي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م

نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد كتابة رسالة الدكتوراه

تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، وغيرهم…

 عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي

و يقوم بإعداد و تدريس برنامج تعليم الشباب في سيكرز عربية للعلوم الشرعية

للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ

هو الشيخ علي هاني عبد الحميد يوسف العقرباوي من علماء الأردن

ولد في عمان ، في جبل عمان، 8/4/1975م .

أنهى حفظ القرآن على الشيخ الولي الصالح  ممدوح أبي الشامات وختم عليه عدة ختمات.

درس القراءات السبع على الشيخ الصالح العالم الرباني محمود العريدي وأجازه بالقراءات السبع.

درَس البكالوريس في أصول الدين (علم التفسير وأصوله، والحديث وأصوله) في الجامعة الأردنية  وتخرج سنة  1997، ودرس فيها على كبار العلماء الذي تخرج أكثرهم من الأزهر منهم: العلامة الشيخ الدكتور فضل حسن عباس، والشيخ أحمد نوفل، وأحمد فريد أبو هزيم، وأحمد شكري، ومحمد خازر المجالي، وراجح الكردي، وسلطان العكايلة ، وغيرهم .

 درس على عدة مشايخ من علماء اليمن: منهم الشيخ العلامة قاسم بن بحر اليمني والعلامة الشيخ محمد غنيم المصري ثم اليمني.

كما ودرس على الشيخ أحمد علي  الشنقيطي.

درَس شرح قطر الندى لابن هشام في الجامع الكبير في صنعاء على شيوخ الزيدية .

حضر دروس القاضي الجرافي الزيدي في النحو.

درَس الرحبية على الشيخ علي سالم سعيد .

درَس الفقه الشافعي على علماء حضرموت.

درَّس القراءاتِ،  والنحو ، والمواريث في رباط تريم،  وختم عليه مجموعة من الطلاب قراءات مفردة وأسند في القراءات السبع  الشيخ الفاضل عبد الله الخطيب نفع الله به   .

درس على الحبيب العلامة سالم الشاطري.

ولما رجع من  اليمن درس علم المنطق، و العقائد، وأصول الفقه على الشيخ بلال النجار والشيخ أسامة نمر.

ودرَس على الشيخ العلامة  أكرم عبد الوهاب الموصلي حفظه الله : العقائد ، وأصول الفقه ، وكتاب عمدة الحفاظ للسمين الحلبي، والنحو، والصرف، والبلاغة، وتفسير الجلالين ، وجامع الأصول للحكيم الترمذي،  وأعطاه الشيخ أكرم حفظه أسانيد للمؤلفين وإجازات في هذه العلوم والكتب  .

أخذ دبلومًا عاليًا في الفقه الشافعي من كلية الفقه الشافعي .

تفرغ  لتدريس التفسير  واللغة ؛ وعمل مع الشيخ نوح كلر ترجمة لتفسير القرآن للغة الإنجليزية.

الكتب والأبحاث : 

شارك الشيخ نوح كلر في تأليف التفسير المشهود ، وهو تفسير مطبوع باللغة الإنجليزية.

شرح مطول على الآجرومية ل ، وشرح التسهيل على الآجرومية ، شرح التوضيح على الآجرومية ، وشرح كتاب البناء في الصرف (مطبوع في دار الضياء)،تعلق الجار والمجرور وأثره في المعنى (لم يطبع )، تفسير تحليلي لقصة آدم في جميع القرآن ( لم يطبع)  ، تفسير تحليلي لعدة سور  من القرآن ، ومئات الأبحاث والتحقيقات  في اللغة والتفسير غير مطبوعة، له أبحاث وتحقيقات لغوية وتفسيرية في ملتقى أهل التفسير باسم علي هاني يوسف.

يعمل حالياً في التدريس في مؤسسة سيكيرز وهو مقيم في الأردن في مدينة عمان.