ما هو الهدف من الصيام؟

يجيب عن السؤال  الشيخ  محمد فايز عوض

السؤال

ما هو الهدف من الصيام؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

لم يفرض علينا الله تعالى الصيام في شهر رمضان من أجل أن نجوع ونعطش ونتعب، وإنما هناك مقاصد وأهداف وحِكَم كثيرة لهذه العبادة، ولا تدرك عقولنا المحدودة إلا بعض هذه المقاصد والأهداف والحكم، ومن أهمها:

1.   تقوى الله سبحانه، قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:183].

وقوله: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) معناه: لتحصل التقوى لكم.

ومعنى التقوى: أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية،

وعرفها ابن مسعود رضي الله عنه بقوله: أن يطاع الله فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر.

وعرفها علي بن أبي طالب رضي الله عنه بأنها: الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل.

ومن العلماء من فسر التقوى بأنها الخشية من الله حق الخشية، ومؤدى هذه التعريفات واحد،

خَلِّ الذُنوبَ صَغيرَها               وَكَبيرَها فَهوَ التُقى

كُن فَوقَ ماشٍ فَوقَ أَر       ضِ الشَوكِ يَحذُرُ ما يَرى

لا تَحقِرَنَّ صَغيرَةً        إِنَّ الجِبالَ مِنَ الحَصى

ولكي يؤتي الصوم النتيجة المرجوة منه، فلابد للصائم أن يلتزم بآداب الصوم، وأن يتجنب ما يخدش فيه،

عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ : إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ»([1])

ومعنى جنة: وقاية في الدنيا من المعاصي بكسر الشهوة، وحفظ الجوارح، وفي الآخرة من النار

2.   إشعار الصائم بنعمة الله تعالى عليه:

فعندما يصوم المسلم يمتنع عن الطعام والشراب والجماع وسائر المفطرات، وحينئذ يتذكر نعمة الله تعالى عليه بوجود هذه النعم وتيسيرها له حال الفطر، فيشكر الله تعالى على نعمه التي لا تحصى، قال تعالى: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)[إبراهيم:34].

3.   تذكير الصائم بإخوانه الفقراء والمساكين:

فإن الصائم إذا شعر بألم الجوع والعطش يتذكر إخوانه الفقراء والمساكين، فيرحمهم ويعطف عليهم ويمد يده بالعون والإحسان إليهم، قال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ)[النساء:36].

قال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله في كتابه لطائف المعارف: (وسئل بعض السلف: لِمَ شُرِع الصيام؟ ، قال: ليذوق الغني طعم الجوع فلا ينسى الجائع)([2])

4.   الصيام فيه قهر للشيطان:

ذلك أن وسيلة الشيطان لإغواء بني آدم هي الشهوات، وتقوى هذه الشهوات بالأكل والشرب، والصيام يضيِّق مجاري الدم، فتضيق مجاري الشيطان، فتسكن وساوسه ويُقهر بذلك، فعن صفية رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ »([3])

قال الإمام الغزالي في أسرار الصوم :(فَيُفْرَغُ لِلصَّائِمِ جَزَاؤُهُ إِفْرَاغًا وَيُجَازَفُ جُزَافًا فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ وَهْمٍ وَتَقْدِيرٍ وَجَدِيرٌ بِأَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّوْمَ إِنَّمَا كَانَ لَهُ وَمُشَرِّفًا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ وَإِنْ كَانَتِ الْعِبَادَاتُ كُلُّهَا لَهُ كما شرف البيت بالنسبة إلى نفسه والأرضُ كُلُّهَا لَهُ   لِمَعْنَيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا أَنَّ الصَّوْمَ كَفٌّ وَتَرْكٌ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ سِرٌّ لَيْسَ فِيهِ عمل يشاهد

وجميع أعمال الطَّاعَاتِ بِمَشْهَدٍ مِنَ الْخَلْقِ وَمَرْأًى وَالصَّوْمُ لَا يَرَاهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّهُ عَمَلٌ فِي الْبَاطِنِ بِالصَّبْرِ الْمُجَرَّدِ

وَالثَّانِي أَنَّهُ قَهْرٌ لِعَدُوِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّ وَسِيلَةَ الشَّيْطَانِ لعنه الله الشهواتُ وإنما تقوى الشهوات بالأكل والشرب فلما كان الصوم على الخصوص قمعاً للشيطان وسداً لمسالكه وتضييقاً لمجاريه استحق التخصيص بالنسبة إلى الله عز وجل ففي قمع عدو الله نصرة لله سُبْحَانَهُ وَنَاصِرُ اللَّهِ تَعَالَى مَوْقُوفٌ عَلَى النُّصْرَةِ له قال الله تَعَالَى (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ( فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ صَارَ الصَّوْمُ بَابَ الْعِبَادَةِ وَصَارَ جُنَّةً مخصبة)([4])

5.   الصيام يكسر حدة الشهوة:

إن الصيام يكسر حدة الشهوة، وبالمداومة عليه تحصل لدى المسلم الاستقامة وغض البصر والبعد عن المحرمات ومجاهدة النفس، ولذا أوصى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشاب الأعزب الذي لا يستطيع الزواج بالصيام، فعن عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَابًا لَا نَجِدُ شَيْئًا ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ ، مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ  »([5])

6.   الصيام مدرسة خلقية:

إن الصيام مدرسة خلقية كبرى يتدرب فيها المؤمن على خصال كثيرة، فهو جهاد للنفس، ومقاومة للأهواء ونزغات الشيطان التي قد تلوح له، ويعود المسلم على خلق الصبر، ويعلمه النظام والانضباط، ويدربه على الأمانة، ومراقبة الله في ظاهره وباطنه، إذ لا رقيب على الصائم إلا الله، وينمي عاطفة الرحمة والأخوة والشعور بالتضامن والتعاون بين المسلمين.

إضافة إلى أن الصيام يكسب المسلم عفة اللسان؛ لأن الصائم يُمسك عن الرفث والصخب، ومجازاة من سبه، ومجاراة من سفه عليه، فعن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « … وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ »([6])

7.   الصيام يوحد مشاعر المسلمين:

إن الصيام يوحد مشاعر المسلمين، فالكل صائم وفق منهج تربوي واحد، من أقصى الأرض إلى أدناها، غنيها وفقيرها، أبيضها وأسودها، عربها وعجمها، الكل ممتثل لأمر الله تعالى.

8.   الصيام يكسب البدن الصحة والقوة:

أثبت علم الطب أن للصيام فوائد صحية كثيرة، فهو يعمل على إزالة السموم من الجسم، ويريح الجهاز الهضمي، ويساعد على علاج الالتهابات،

وقد لخص الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله في كتابه (زاد المعاد في هدي خير العباد) حِكَم ومقاصد عظيمة للصيام، فقال: ( لما كان المقصودُ مِن الصيام حبسَ النفسِ عن الشهواتِ، وفِطامَها عن المألوفات، وتعديلَ قوتها الشهوانية، لتستعِدَّ لطلب ما فيه غايةُ سعادتها ونعيمها، وقبولِ ما تزكو به مما فيه حياتُها الأبدية، ويكسِر الجوعُ والظمأ مِن حِدَّتِها وسَوْرتِها، ويُذكِّرها بحال الأكبادِ الجائعةِ من المساكين، وتضيق مجاري الشيطانِ من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب، وتحبس قُوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرُّها في معاشها ومعادها، ويُسكِّنُ كُلَّ عضوٍ منها وكُلَّ قوةٍ عن جماحه، وتُلجَمُ بلجامه، فهو لجامُ المتقين، وجُنَّةُ المحاربين، ورياضة الأبرار والمقرَّبين، وهو لربِّ العالمين مِن بين سائر الأعمال، فإن الصائم لا يفعلُ شيئاً، وإنما يتركُ شهوتَه وطعامَه وشرابَه من أجل معبوده، فهو تركُ محبوبات النفس وتلذُّذاتها إيثاراً لمحبة اللَّه ومرضاته، وهو سِرٌّ بين العبد وربه لا يَطَّلِعُ عليهِ سواه، والعبادُ قد يَطَّلِعُونَ منه على تركِ المفطرات الظاهرة، وأما كونُه تركَ طعامَه وشرابَه وشهوتَه من أجل معبوده، فهو أمرٌ لا يَطَّلِعُ عليه بَشرٌ، وذلك حقيقةُ الصوم )([7]).

نسأل الله بمنه و كرمه أن يحققنا بالصوم الذي يرضى به عنا إنه سميع مجيب

([1]) أخرجه البخاري (1894) ومسلم (1151)
([2]) لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف 168
([3]) أخرجه البخاري (2035) ومسلم (2175)
([4]) إحياء علوم الدين 1/231
([5]) أخرجه البخاري (5066) ومسلم (1400)
([6])  أخرجه البخاري  (1894) ومسلم (1151) ومالك (1099 / 323)
([7]) زاد المعاد في هدي خير العباد  2/27

[الشيخ] محمد فايز عوض

هو الشيخ الدكتور محمد فايز عوض  من مواليد دمشق – سوريا 1965 

درس العلوم الشرعية في مساجد دمشق و معاهدها 

خريج الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1985

حائز على شهادة الدكتوراة في الدراسات الإسلامية من الجامعة الإسلامية بهاولبور  في باكستان. 

له الخبرة الواسعة في وضع المناهج وتطوير التدريس للعديد من الدورات العلمية وإقامة دورات مكثفة.

درّس الفقه وأصوله وعلوم القرآن وتاريخ التشريع والفرائض وغيرها في عدة معاهد وجامعات مثل: معهد الفرقان للعلوم الشرعية، ومجمع الفتح الإسلامي في دمشق، 

مدرس في  جامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية في اسطنول للعديد من المواد العربية و الشرعية

مدرس في عدد من المعاهد الشرعية في اسطنبول 

عضو رابطة علماء الشام، عضو مؤسسة زيد بن ثابت الأهلية، عضو رابطة العلماء السوريين، عضو المجلس العلمي لمركز الإيمان لتعليم السنة والقرآن..

من مشايخه الذين قرأ عليهم:

 والده الشيخ محمد محيي الدين عوض، والشيح محي الدين الكردي، والشيخ محمد كريّم راجح، والشيخ أسامة الرفاعي، والشيخ أيمن سويد، و الشيخ أحمد القلاش ، و الشيخ محمد عوامة ، والشيخ ممدوح جنيد.