ما هو المقصود بأحكم آية في كتاب الله تعالى وهل هناك مثال لذلك؟

 يجيب عن السؤال الشيخ  أنس الموسى 

السؤال

ما هو المقصود بأحكم آية في كتاب الله تعالى وهل هناك مثال لذلك؟

الجواب

 

بسم الله الرحمن الرحيم

معنى أحكم آية في كتاب الله تعالى أي: أصدق آية، وأقسط آية، وأعدل آية. وهذه الآية هي قوله تعالى:

(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة: 7- 8]
وهي من الآيات الدالة على كمال العدل الإلهي وأشملِها حكماً، ووُصِفَت أيضاً بأنها: أجمع آية،
وسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم: بالآية الفاذَّة الجامعة؛ كما في حديث طويل قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“الْخَيْلُ لِثَلَاثَةٍ: لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ…”.
وحين سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زكاة الحُمُر؟ “
قَالَ: ‌”مَا ‌أَنْزَلَ ‌اللَّهُ ‌عَلَيَّ ‌فِيهَا ‌شَيْئًا ‌إِلَّا ‌هَذِهِ ‌الْآيَةَ ‌الْفَاذَّةَ ‌الْجَامِعَةَ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شرا يره}”. (1)
  • وممن وصفوها بأحكم آية: ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، قال: ‌أحكم ‌آية في القرآن: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة: 7- 8] (2)
  • وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: في القرآن فيما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم آيتان أحصتا ‌ما ‌في ‌التوراة والإنجيل، ألا تجدون: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7 – 8]. (3)
  •  وعَنْ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَمِّ الْفَرَزْدَقِ، أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ: ” {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8] “، قَالَ: حَسْبِي، لَا أُبَالِي أَنْ لَا أَسْمَعَ غَيْرَهَا. وفي لفظ قال صعصعة: حسبي فقد انتهت الموعظة لا أبالي أن لا أسمع من القرآن غيرها. (4)
وهما في الحقيقة آيتان كما ترى، فقد تطلق الآية القرآنية ويراد بعضها أو أكثر، ولكن على ضَرْبٍ من المجاز والتوسع. (5)

ومعنى قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه} [الزلزلة:7]، المثقال: ما يُعرف به ثِقَلُ الشيء، وهو ما يقدَّر به الوزن، وهو كميزان. والذَّرة: النملة الصغيرة في ابتداء حياتها، وهو مَثَلٌ تضربه العرب في كل ما هو صغير ودقيق. والمقصود: أن من عمل في الدنيا وزن ذرة في الخير يرى ثوابه هنالك.

 وقيل: الذر : هو الهباء الذي يُرى في ضوء الشمس إذا دخلت من النافذة، فينعكس ضوء الشمس على الذر الدقيق جداً.

وقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} [الزلزلة:8]، أي: ومن كان عمل في الدنيا وزن ذرة من شر فإنه يرى جزاءه هناك. (6)

قال السيوطي: في هاتين الآيتين الترغيبُ في قليل الخير وكثيره، والتحذيرُ من قليل الشر وكثيره”. (7)

وقد اتفق العلماء على عموم هذه الآية، وأنها معدودة من جوامع الكلم. (8)

فلك أخي السائل أن تجعل مضمون هذه الآية نصب عينك في عموم أحوالك وأعمالك، لتكون على ذكر تام وفطنة كاملة مما يترتب على أعمالك من الجزاء.

وفي الختام لا ننسى قولَ الله تعالى: {وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاّ أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف: 50]وقولَ الله تعالى: (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً، وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها، وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) [الأنبياء: 47]

 

جعلنا الله جميعاً من زمرة المتذكرين الممتثلين لمقتضى هذه الآيات الكريمة بمنه وجوده.
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

(1):ينظر: البخاري (2705)؛ ومسلم في الزكاة (987).
(2):أخرجه عبد الرزاق في “تفسير القرآن” (2/ 388) عن معمر بلاغًا؛ وذكره السيوطي في الإتقان في علوم القرآن (2/ 205)؛ محاسن التأويل جمال الدين القاسمي (9/527).
(3): حلية الأولياء وطبقات الأصفياء أبو نعيم الأصبهاني (6/3).
(4):مسند أحمد بن حنبل (20593).
(5):مناهل العرفان للزرقاني (1/342).
(6):ينظر: تفسير التحرير والتنوير (30/494).
(7):الإكليل في استنباط التنزيل للسيوطي ص296.
(8):ينظر: إرشاد الساري للقسطلاني (10/349)؛ شرح الزرقاني على الموطأ (3/11)؛ الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (20/152).