(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُـقْسِطُوا فِي الْيَتَامى فَانْكِحُوا…) فما هي علاقة مسألة اليتامى بالتعدد؟

يجيب عن السؤال فضيلة الشيخ أنس الموسى

السؤال

يقول الله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُـقْسِطُوا فِي الْيَتَامى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنى وَثُلثَ وَرُبَاعَ فما هي علاقة مسألة اليتامى بالتعدد؟

الجواب
      الآية التي ذكرها السائل هي الآية الثالثة في سورة النساء، وقد نظر علماء التفسير لوجه العلاقة بين العدل في اليتامى وتعدد الزوجات من جهتين:

الجهة الأولى:

ولا بد لفهمها من معرفة سبب وملابسات نزول الآية؛ فعن عروة بن الزبير: أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُـقْسِطُوا فِي الْيَتَامى. قَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي، هَذِهِ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا، فَيَرْغَبُ فِي مَالِهَا وَجَمَالِهَا، وَمَالِهَا، وَيُرِيدُ أَنْ يَنْتَقِصَ صَدَاقَهَا، فَنُهُوا عَنْ نِكَاحِهِنَّ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا فِي إِكْمَالِ الصَّدَاقِ، وَأُمِرُوا بِنِكَاحِ مَنْ سِوَاهُنَّ. [1]
أي إذا كان تحت حجر أحدكم يتيمةً، وعلمتم أو أحسستم من أنفسكم إلحاق الظلم بها؛ بعدم إعطائها مهرها المناسب لها؛ فعليكم ألا تتزوّجوا باليتيمة، وتزوّجوا بغيرها من النساء واحدةً أو ثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً.

الجهة الثانية:

وهو تفسير يتعلق بالعدل بين النساء ومنع إلحاق الظلم بهنّ حالة التعدد بغض النظر عن كونهن يتيمات؛ وذلك أنه لمَّا نزلت آية: ﴿وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ تحرَّج الأولياء من ولاية الأيتام، مع أنه كان للرجل أكثر من زوجة لا يعدل بينهم ولا يقيم حق الله فيهم ولا يتحرج من ذلك؛ فقيل لهؤلاء الرجال: كما خفتم ألاَّ تقسطوا في اليتامى، فكذلك خافوا في النساء ألا تعدلوا فيهنّ، فلا تتزوّجوا أكثر ما يمكنكم القيام بحقهنّ؛ لأن النساء كاليتامى في الضعف والعجز؛ فمن تحرّج من ذنب، وهو مرتكب مثله فهو غير متحرِّج؛ فتحقيق العدل واجب عليكم، فلا تتزوجوا بأكثر من أربع لتتمكنوا من العدل والقَسْم بينهن، فمن الرجال من يتزوّج اثنتين، ومنهم من يتزوّج ثلاثاً، ومنهم من يتزوّج أربعاً، وعدد الأربع هو الحدّ الأقصى الذي يمكن معه العدل بين الزوجات.

      ثم قال الله تعالى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا﴾ 
أي إن خفتم ألا تعدلوا حال تعدّد الزوّجات فعليكم أن تلزموا الزوّاج بواحدة، فإنَّ الذي يباح له التعدّد هو من يثق بنفسه تحقيق العدل المأمور به، أو تقتصروا على الاستمتاع بما تشاؤون من الإماء (السّراري) بطريق التّسري لا بطريق النكاح؛ لعدم وجوب العدل بين السراري، وإنما المطلوب فقط‍ حقّ الكفاية في نفقة المعيشة بحسب العرف؛ فهذا أقرب إلى عدم الوقوع في الجور والظلم.

والخلاصة في تفسير الآية:

إن البعد عن الجور سبب في تشريع الاقتصار على واحدة أو على التّسري، وفيه إشارة إلى اشتراط‍ العدل بين الزوجات. [2]
      وأخيراً: الله عز وجل أقام السماوات والأرض على ميزان العدل في كل شيء فقال: ﴿وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا ‌وَوَضَعَ ‌الْمِيزَانَ﴾ [الرحمن: 7]، وهذه الآية التي قمنا ببيانها ترشدنا أيضاً إلى وجوب التزام العدل في كلّ شيء، سواء في الإشراف على أموال اليتامى، أو في الزّواج بهن، أو في أثناء تعدّد الزوجات من غير اليتيمات، كما تبين أنه ليس من العدل أن تطلب من الآخرين ما لست أنت مستعداً لفعله.


تمت الإجابة عن السؤال من قبل الشيخ أنس لموسى، وراجعها الشيخ د. محمد أبو بكر باذيب.

الشيخ أنس الموسى عالم إسلامي من مواليد سورية حماة 1974م. حاز على إجازة في الحديث الشريف من جامعة الأزهر، وماجستير من جامعة يلوا في نفس التخصص، فضلاً عن أنه مجاز في الهندسة من جامعة دمشق. تتلمذ على أكابر علماء الشام ومشايخها: كالشيخ بكري الطرابيشي، والشيخ أديب الكلاس، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، وغيرهم…
لديه خبرة واسعة في تطوير التدريس والمناهج في المعاهد الإسلامية في سورية وتركية وغيرهما…
يقوم بالإقراء بالقراءات العشر من طريق الشاطبية والدرة، ومدرس لمختلف العلوم الشرعية في كثير من المعاهد الشرعية، ويقوم بالتدريس التقليدي بطريقة الإجازة في دار الفقهاء تركية. 


[1] صحيح البخاري (4804).
[2] جامع البيان للطبري (7/ 531)؛ تفسير ابن أبي حاتم (3/ 857)؛ أحكام القرآن للجصاص (2/ 341)؛ شرح مشكل الآثار (14/ 417)؛ التفسير المنير للزحيلي (4/ 231).