ما حكم ممارسة الألعاب الإلكترونية؟

يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع ياقتي

السؤال

ما حكم ممارسة الألعاب الإلكترونية؟

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد؛

حكم ممارسة هذه الألعاب مرتبط بمراعاة الضوابط الشرعية، فإذا رُوعِيت هذه الضوابط في لعبة ما؛ فلا شك في جوازها، و أما إذا كان الأمر على خلاف ذلك؛ فيحرم اللعب فيها، وتتفاوت شدة الحرمة على حسب شدة الضرر، والله أعلم.

التفصيل والبيان:
راعى الإسلام حاجة الإنسان إلى الترويح عن النفس بالمباحات وممارسة الألعاب الواقعية أو الافتراضية النافعة، وخاصة بالنسبة للأطفال والشباب، لما فيها من تقوية للأبدان وتنمية للعقول واكتساب للمعلومات والثقافات وتطوير للمهارات وتنشيط للنفس وترويح عن القلب وتفاعل مع المجتمع..

– يقول الإمام الغزالي في كتابه الإحياء :”وَيَنْبَغِي أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ بَعْدَ الِانْصِرَافِ مِنِ الْكُتَّابِ أَنْ يَلْعَبَ لَعِبًا جَمِيلًا يَسْتَرِيحُ إِلَيْهِ مِنْ تَعَبِ الْمَكْتَبِ، فَإِنَّ مَنْعَ الصَّبِيِّ مِنَ اللَّعِبِ وَإِرْهَاقَهُ إِلَى التَّعَلُّمِ دَائِمًا يُمِيتُ قَلْبَهُ، وَيُبْطِلُ ذَكَاءَهُ، وَيُنَغِّصُ عَلَيْهِ الْعَيْشَ” [1]

والنصوص الشرعية في ذلك أكثر من أن تحصى، منها:

ما جاء في  حديث حنظلة رضي الله عنه…، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَو تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمُ المَلائِكَةُ عَلَى فرشِكُم، وَفِي طُرُقِكُم، وَلَكِن يَا حَنْظَلَة سَاعةً وساعةً ثلاث مرات» [2]

والألعاب الإلكترونية أو ألعاب الفيديو، هي من الألعاب المعاصرة التي لم يرد فيها نص أو قول أو حكم شرعي من عصور السلف، وبالتالي فهي تعتريها الأحكام الشرعية الخمسة: الوجوب، والحرمة، والكراهة، والندب، والإباحة، على حسب مراعاة الضوابط والمقاصد الشرعية العامة، بالإضافة إلى الاعتبارات الخاصة بهذه الألعاب، وما تُحدثه من أثر سلبي أو إيجابي في نفوس الشباب أو أخلاقهم أو عقولهم أو حتى أجسادهم في بعض الحالات.

– فهناك بعض من هذه الألعاب له من الإيجابيات والفوائد ما يساعد في تربية الأطفال والمراهقين، وتعليمهم وإكسابهم مهارات الترتيب والتنسيق وحل المشكلات بسرعة وزيادة التركيز وتقوية الذاكرة وغير ذلك. فهذه بلا شك جائزة ومطلوبة، بشرط مراعاة باقي الضوابط الشرعية التي سنذكرها لاحقاً.
– والبعض الآخر من هذه الألعاب له تأثير سلبيٌّ، وضرر بالغ على سلوك الأطفال والشباب، وأخلاقهم وصحتهم ومجتمعهم؛ فهذه بلا شك محرمة، وتشتد حرمتها على حسب الضرر الذي تُحدثه، كما سنبينه الآن في هذه الضوابط الشرعية.

أهم الضوابط الشرعية للألعاب الإلكترونية المباحة في عصرنا:

  1. ألا يصاحبها أمر منهي عنه: كمشاهدة العورات مثلاً، أو الاستهزاء بالمعتقدات والأديان أو الرموز الدينية، أو الدعوة إلى القتل والعنف وممارسة القمار وغير ذلك من المحظورات الشرعية.

  2. أن لا يترتب علها تضييع الواجبات الشرعية – كالصلوات مثلاً – والمسؤوليات المجتمعية، كالعمل والدراسة والقيام بالواجبات الأسرية وغير ذلك.
3. ألا يترتب عليها أي نوع من أنواع الضرر:
      • ضرر نفسي: كالإدمان الإلكتروني أو الاكتئاب أو القلق والتوتر  أو الخوف أو غير ذلك مما يؤدي في بعض الحالات إلى الانتحار مثلاً.
      • ضرر أخلاقي: كالعنف وسرعة الغضب والكلام الفاحش والسب واستسهال فعل المحرمات وتقبلها وغير ذلك.
      • ضرر جسدي: كضمور العضلات أو إهمال التغذية الصحيحة أو تشوه العمود الفقري أو آلام الرقبة أو ضعف البصر، أو تعلم تعاطي التدخين أو الكحول أو المخدرات وغير ذلك.
      • أو ضرر مجتمعي: كالانعزال، و العدوانية تجاه المجتمع أو تجاه فئات خاصة مثلاً، و كتعليم كيفية ارتكاب الجرائم مما يؤدي في بعض الحالات إلى تطبيقها على أرض الواقع وغير ذلك.فكما قال صلى الله عليه و سلم : «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» [3]

4. أن تكون هذه الألعاب الإلكترونية مناسبة للمرحلة العمرية للطفل أو المراهق و تحت إشراف الوالدين اللذين تقع على عاتقهما المسؤولية العظمى في متابعة أولادهم و اختيار ما ينفعهم من هذه الألعاب. فكما قال صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُم مَسْؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ» [4]

بناءً على ما سبق:
إذا استطعتم أيها الشباب أو أنتم يا أيها الآباء والأمهات أن تراعوا هذه الضوابط الشرعية -التي ذكرناها – في ممارسة الألعاب الإلكترونية وفي اختيارها؛ فلا مانع عندئذٍ من ممارستها في أوقات أو حالات معينة، في إطار الترويح عن النفس وتجديد النشاط أو لاكتساب بعض الخبرات والمهارات النافعة التي لا تتحقق إلا بها، والله أعلم.



تمت الإجابة عن السؤال من قبل الشيخ عبد السميع ياقتي ، وراجعها الشيخ د. محمد أبو بكر باذيب.



الشيخ عبد السميع ياقتي عالم إسلامي من علماء سورية، مواليد حلب 1977م.
نال الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من كلية التربية جامعة حلب، ودبلوم الشريعة والماجستير في الشريعة من كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان في السودان، وهو الآن بصدد كتابة رسالة الدكتوراه.
تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ مصطفى التركماني، والشيخ الدكتور نور الدين عتر، وغيرهم…
عمل في مجال التدريس والتوجيه الثقافي في دار الأيتام وفي ثانويات حلب، وكان إماماً وخطيباً وقارئاً في مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، ومدرباً معتمداً للخطباء في برنامج تأهيل الخطباء في أبو ظبي.
ويقوم بالتدريس التقليدي بطريقة الإجازة في دار الفقهاء -تركية.
للشيخ مؤلفات أهمها: إمام الحرمين الجويني بين علم الكلام وأصول الفقه، وبرنامج (رسول الله فينا) ﷺ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] إحياء علوم الدين للإمام الغزالي، [3/ 73] طبعة دار المعرفة – بيروت.
[2] صحيح مسلم (2750)، [8/ 94] طبعة دار الطباعة العامرة – تركيا.
[3] موطأ الإمام مالك (2758)، [4/ 78] مؤسسة زايد بن سلطان، ط1.
وهذا الحديث مذكور في الأربعين النووية برقم 32.
[4] صحيح البخاري (893)، وصحيح مسلم (1829).