ما حكم كشف الوجه للمرأة أو هل النقاب فرض؟

 يجيب عن السؤال الشيخ عبد السميع الياقتي

السؤال

ما حكم كشف الوجه للمرأة أو هل النقاب فرض؟

الجواب

 

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، و بعد:
ستر جميع وجه المرأة واجب لذاته عند الشافعية في القول المعتمد، وهناك قول آخر بوجوب ستر الوجه إن خشيت الفتنة، و هذا يعني جواز كشفه إن أمنت الفتنة و لم يكن هناك من الرجال من ينظر إليها ، و الله أعلم
 

التفصيل و البيان :

فقد دلت النصوص الشرعية على فرضية الحجاب ومشروعيته، وذلك لحكم عظيمة تتعلق بحفظ المرأة في نفسها وحيائها، ولصيانتها من الأذى ولعدم إظهارها للزينة في غير موضعها، ولإعانة الرجل على غض البصر وقطع الطريق على النفس والشيطان من إثارة الفتنة أو الشهوة المحرمة، ولحفظ الأخلاق والآداب العامة للمجتمع المسلم، وغير ذلك.
– يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: 59]
 ويقول أيضاً: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ … وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور 31]
و عن عائشة رضي الله عنها : ( أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها وقال: «يَا أَسْمَاءُ إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلَّا هَذَا وَهَذَا، وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ». رواه أبو داود و البيهقي .(1)
 

 و أما حكم كشف الوجه فهناك تفصيل و اختلاف بسيط عند علماء الشافعية: 

و الكلام هنا يشمل حكم تغطية الوجه كاملاً و حكم النقاب، الذي هو ستر جميع الوجه ما عدا موضع العينين كما هو معروف الآن.

فالقول الأول:

هو أن الوجه ليس بعورة فيجوز لها كشفه، و لكن هذا القول مقيدٌ بأمن الفتنة، أما عند وجود الفتنة أو علم المرأة بمن ينظر إليها من الرجال فيلزمها ستر وجهها كاملاً .

يقول الإمام الشيرازي في كتابه المهذب : ( فأما الحرة فجميع بدنها عورة إلا الوجه والكفين لقوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: ٣١] قال ابن عباس رضي الله عنهما: وجهها وكفيها ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المرأة في الحرام عن لبس القفازين والنقاب ولو كان الوجه والكف عورة لما حرم سترهما في الإحرام ولأن الحاجة تدعو إلى إبراز الوجه في البيع والشراء وإلى إبراز الكف للأخذ والإعطاء فلم يجعل ذلك عورة) (2)
– و يقول الإمام النوويُّ في «المنهاج»: (ويحرُمُ نظَرُ فَحْلٍ بالغٍ إلى عورةِ حُرَّةٍ كبيرةٍ أجنبيَّةٍ، وكذا وجهِها وكَفَّيْها؛ عندَ خوفِ فِتْنَةٍ، وكذا عندَ الأَمْنِ؛ على الصحيحِ) (3)
-و يقول ابن حجَرٍ الهَيْتَمِيُّ في التحفة : ( ومَن تَحقَّقَتْ نظَرَ أجنبيٍّ لها، يلزَمُها سَتْرُ وجهِها عنه؛ وإلَّا كانَتْ مُعِينةً له على حرامٍ فتأثَمُ) (4)
وقال الإمام الرَّمْليُّ الشافعيُّ:( وَمِمَّنْ اسْتَثْنَى الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ- أي النووي- لَكِنَّهُ فَرَضَهُ فِي الْحُرَّةِ، وَوُجُوبُ سَتْرِهِمَا فِي الْحَيَاةِ لَيْسَ لِكَوْنِهِمَا عَوْرَةً بَلْ لِكَوْنِ النَّظَرِ إلَيْهِمَا يُوقِعُ فِي الْفِتْنَةِ غَالِبًا) (5)

القول الثاني:

هو أن وجه المرأة عورة ويلزمها ستره، وهو القول المعتمد ، و حملوا قولَ المتقدمين بأن الوجه (ليس بعورة) على الصلاة فقط، أما خارج الصلاة فهو عورة

 قال الشيخ محمد بن قاسم الغزي : ( و عورة الحرة في الصلاة ما سوى وجهها و كفيها ظهراً و بطناً إلى الكوعين، أما عورة الحرة خارج الصلاة فجميع بدنها ) (6)

و يقول الشيخ سليمان الجمل -في حاشيته على كتاب المنهج  عند قول النووي : « غير وجه وكفين”- : (وهذه عورتها في الصلاة . وأما عورتها عند النساء المسلمات مطلقًا وعند الرجال المحارم ، فما بين السرة والركبة . وأما عند الرجال الأجانب فجميع البدن . .. ) (7)ـ 

و خلاصة الحكم :

أن أئمَّةُ الفَتْوَى والتحقيقِ مِن الشافعيَّةِ يَنُصُّونَ على وجوب سَتْرِ المرأةِ لوجهِها، وإنِ اختلَفَ تعليلُهم للسترِ؛ فأقوامٌ يوجِبُون السترَ لذاتِه، وهذا المعتَمَدُ عند الشافعيَّةِ ، ومنهم مَن يُوجِبُه بالنسبة لحكم النظر إليها أو لدفعِ الفتنةِ والفسادِ.
 يقول إمامُ الحرمَيْنِ الجُوَيْنيُّ: (اتَّفق المسلمونَ على منعِ النِّساءِ مِن الخروجِ سافراتِ الوجوهِ؛ لأنَّ النَّظَرَ مَظِنَّةُ الفِتنةِ) (8)
أما عند عدم الفتنة أو عدم وجود من ينظر إليها من الرجال فيجوز كشفه
وكذلك يجوز لها كشف وجهها للحاجة إلى ذلك كإثبات شخصيتها أو لعلاج أو لظروف عمل أو دراسة مع مراعاة حكم غض البصر لكلا الجنسين.

– و هنا يتبغي التنبيه على أمر مهم و هو  : أنه لابد من معرفة حدود الوجه عند كشفه في حال أمن الفتنة و عدم نظر الرجال ..،  و حدود الوجه: هو من منبت الشعر إلى أسفل الذقن طولاً ،و أما عرضاً فهم ما بين شحمتي الأذنين. فلا يجوز الزيادة على ذلك كإظهار أسفل الذقن أو جزء من الرقبة و غير ذلك.

بناء على ما سبق:
يمكنك أختي أو ابنتي الكريمة أن تختاري أحد القولين، و لكن مع مراعاة موضوع الفتنة و نظر الرجال و عدم وضع ما يلفت النظر و يثير الفتنة، كمواد الزينة و التجميل و غير ذلك، و ينبغي كذلك مراعاة حدود الكشف للوجه بأن لا يزيد عن الحد الشرعي، و هذا كما قلنا في حالة عدم وجود الفتنة أو من ينظر إليك من الرجال و لا يراعِ حكم غض البصر كما أمر الله تعالى.
وكذلك يجوز لك كشف الوجه للحاجة إلى ذلك كإثبات الشخصيةأو العلاج أو لظروف عمل أو دراسة بقدر الحاجة ، و الله أعلم

المصادر و المراجع :

1- سنن أبي داود – رقم الحديث (4104)، وكتاب السنن الكبرى للبيهقي رقم الحديث(3218)
2- المهذب في فقه الإمام الشافعي للإمام الشيرازي، دار الكتب العلمية، [1\124]
3-  منهاج الطالبين وعمدة المفتين في الفقه للإمام النووي ، دار الفكر ،ط 1 صفحة (204)
4- تحفة المحتاج في شرح المنهاج للإمام ابن حجر الهيتمي ، [7\193]
5- نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، للإمام شمس الدين الرملي ، دار الفكر، بيروت [2\457]
6- شرح ابن قاسم الغزي المسمى : القول المختار في شرح غاية الاختصار،دار الفجر ،ط 1، ص(61)
7-  حاشية الجمل على شرح المنهج ـ للشيخ سليمان الجمل، [1 / 411] .
8-  كتاب نهاية المطلب في دراية المذهب لإمام الحرمين الجويني، [12\31].