ما حكم قراءة الفاتحة عند انتهاء المجالس ؟

 يجيب عن السؤال الشيخ  محمد فايز عوض

السؤال

ما حكم قراءة الفاتحة عند انتهاء المجالس ؟

الجواب

 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
 الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
فلا شك أن تلاوة كتاب الله تعالى من أهم القربات إلى الله تعالى و أعظمها أجرا و أجزلها مثوبة وما أعلمُ أنَّ أحداً يملك الإنكار على من يقرؤها أو لا يقرؤها في نهاية أيِّ مجلس فالأمر في معرض الجواز والتبرك والطَّمع برحمة الله على منهج التفصيل الآتي.
إن سورة الفاتحة كلامٌ إلهيَّ رباني عُلوي آياتٌ تضمنَّت خُلاصة مطالبَ شرعيةٍ منها: الرقية، و الشّفاء، و التلاوة، والدعاء، و الثناء لكونها الخلاصة الجليلة لمضامينِ كتاب الله تعالى، فهي أمُّ الكتاب وهي أعظم سورة في القرآن بنصِّ الحديث الصحيح  فعَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ: مَرَّ بِيَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَأَنَا أُصَلِّي ، فَدَعَانِي فَلَمْ آتِهِ حَتَّى صَلَّيْتُ ، ثُمَّ أَتَيْتُ فَقَالَ: «مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَ» ، فَقُلْتُ: كُنْتُ أُصَلِّي ، فَقَالَ: «أَلَمْ يَقُلِ اللهُ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلهِ وَلِلرَّسُولِ }» ثُمَّ قَالَ: «أَلَا أُعَلِّمُكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ» ، فَذَهَبَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لِيَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ فَذَكَّرْتُهُ ، فَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي ، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ»([1]) .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا ، حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ ، فَاسْتَضَافُوهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا ، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ ، فَأَتَوْهُمْ فَقَالُوا : يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ ، إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ ، وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ ، فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَيْءٍ ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : نَعَمْ ، وَاللهِ إِنِّي لَأَرْقِي ، وَلَكِنْ وَاللهِ لَقَدِ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا ، فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا ما يعطى على العمل ، فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنَ الْغَنَمِ ، فَانْطَلَقَ يَتْفُلُ عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ : { الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ أي انقطَعَتْ آلامُه فَورًا كأنَّما كان مَربوطًا بحَبْلٍ وأُطلِقَ منه ، فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ أَيْ مَا بِهِ أَلَمٌ يُقْلَبُ لِأَجْلِهِ عَلَى الْفِرَاشِ ،. .
قَالَ : فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمُ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ : اقْسِمُوا ، فَقَالَ الَّذِي رَقَى : لَا تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ ، فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا ، فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ ، فَقَالَ : «وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ» . ثُمَّ قَالَ : «قَدْ أَصَبْتُمُ ، اقْسِمُوا ، وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا» . فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ([2])
يقول الحافظ العيني في كتابه عمدة القاري شرح صحيح البخاري عند باب ما جاء في فاتحة الكتاب:
(اعلم أَن لسورة الْفَاتِحَة ثَلَاثَة عشر اسما:
الأول: فَاتِحَة الْكتاب، لِأَنَّهُ يفْتَتح بهَا فِي الْمَصَاحِف والتعليم، وَقيل: لِأَنَّهَا أول سُورَة نزلت من السَّمَاء.
الثَّانِي: أم الْقُرْآن.
الثَّالِث: الْكَنْز.
وَالرَّابِع: الوافية، سميت بهَا لِأَنَّهَا لَا تقبل التنصف فِي رَكْعَة.
وَالْخَامِس: سُورَة الْحَمد، لِأَنَّهُ أَولهَا: الْحَمد.
وَالسَّادِس: سُورَة الصَّلَاة.
وَالسَّابِع: السَّبع المثاني.
وَالثَّامِن: الشِّفَاء والشافية،
وَالتَّاسِع: الكافية لِأَنَّهَا تَكْفِي عَن غَيرهَا.
والعاشر: الأساس لِأَنَّهَا أول سُورَة الْقُرْآن فَهِيَ كالأساس.
وَالْحَادِي عشر: السُّؤَال لِأَن فِيهَا سُؤال العَبْد من ربه.
وَالثَّانِي عشر: الشُّكْر، لِأَنَّهَا ثَنَاء على الله تَعَالَى.
وَالثَّالِث عشر: سُورَة الدُّعَاء لاشتمالها على قَوْله: (اهدنا الصِّرَاط) .
وسُمِّيَتْ أمَّ الكِتاب أنَّهُ يُبْدَأ بِكِتابَتِها فِي المَصاحِفِ ويُبْدَأ بِقِراءَتِها فِي الصَّلاَةِ
أَي: وَسميت سُورَة الْفَاتِحَة أم الْكتاب وَذَلِكَ بِالنّظرِ إِلَى أَن الْأُم مبدأ الْوَلَد، وَقيل: سميت بهَا لاشتمالها على الْمعَانِي الَّتِي فِي الْقُرْآن من الثَّنَاء على الله تَعَالَى والتعبد بِالْأَمر وَالنَّهْي والوعد والوعيد، وَقيل: لِأَن فِيهَا ذكر الذَّات وَالصِّفَات وَالْأَفْعَال. وَلَيْسَ فِي الْوُجُود سَوَاء. وَقيل: لاشتمالها على ذكر المبدأ والمعاش والمعاد،
وَسميت: أم الْقُرْآن لِأَن الْأُم فِي اللُّغَة الأَصْل، سميت بِهِ لِأَنَّهَا لَا تحْتَمل شَيْئا مِمَّا فِيهِ النّسخ والتبديل، بل آياتها كلهَا محكمَة فَصَارَت أصلا، وَقيل: سميت أم الْقُرْآن لِأَنَّهَا تؤم غَيرهَا كَالرّجلِ يؤم غَيره فيتقدم عَلَيْهِ.)([3])
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ : اخْتُصَّتِ الْفَاتِحَةُ بِأَنَّهَا مَبْدَأُ الْقُرْآنِ وَحَاوِيَةٌ لِجَمِيعِ عُلُومِهِ ، لِاحْتِوَائِهَا عَلَى الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ وَالْإِقْرَارِ بِعِبَادَتِهِ وَالْإِخْلَاصِ لَهُ وَسُؤَالِ الْهِدَايَةِ مِنْهُ وَالْإِشَارَةِ إِلَى الِاعْتِرَافِ بِالْعَجْزِ عَنِ الْقِيَامِ بِنِعَمِهِ ، وَإِلَى شَأْنِ الْمَعَادِ وَبَيَانِ عَاقِبَةِ الْجَاحِدِينَ ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي أَنَّهَا كُلَّهَا مَوْضِعُ الرُّقْيَةِ.([4])
من أجل ذلك كان استحسانُ قراءتها دبر كلِّ عمل ومجلس من قبل بعض أهل العلم للتذكير بمطالِب بيان الله العظيم التي تضمنتها أم القرآن (الفاتحة) وذلك تجديداً لواقع المطالب العقائدية، وتحقُّقاً بمقام التوحيد واستشفاءً من كل داء.
وقد صنف ابن عبد الهادي جزءا حديثيا سماه (الاستعانة بالفاتحة على نجاح الأمور) ذكر فيه أسرارها و خواصها
ثم إن المؤمن لا يَشبع من خير يُفتح له بابه حتى يكون منتهاه حسن الختام. وجميلٌ أن نجمِّل في خاتمة أعمالنا ومجالسنا التذكير بالقرآن والاستشفاء بخلاصته عبر تلاوتها، علَّه بذلكمُ التذكير أن تُحلَّق بها الروح وتسمع البصيرة الخطاب العلوي الذي أخبر عنه من لا ينطق عن الهوى
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : «قَالَ اللهُ تَعَالَى : قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ . فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ : { الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } ، قَالَ اللهُ تَعَالَى : حَمِدَنِي عَبْدِي ، وَإِذَا قَالَ : { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } قَالَ اللهُ تَعَالَى : أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي ، وَإِذَا قَالَ : { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } قَالَ : مَجَّدَنِي عَبْدِي ، وَقَالَ مَرَّةً : فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي ، فَإِذَا قَالَ : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } قَالَ : هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ، فَإِذَا قَالَ : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ } قَالَ : هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ»([5]) .
وفي الختام: احرص أخا الايمان على قراءتها لتحظى بمناجاة ربك في كلِّ وقت وآن ، نسأل الله القبول و التوفيق
___________________________________________________________________

([1])البخاري (4474) وابن خزيمة (862) وابن حبان (777) والنسائي في “المجتبى” (912 / 1) وأبو داود (1458) وأحمد (15971) ،

([2]) البخاري (2276) ومسلم (2201)

([3]) عمدة القاري شرح صحيح البخاري 18/79

([4]) فتح الباري بشرح صحيح البخاري 8/672

([5]) مسلم (395) ومالك (278 / 78) وابن خزيمة (489) وابن حبان (776) والحاكم (875)

الشيخ محمد فايز عوض

هو الشيخ الدكتور محمد فايز عوض  من مواليد دمشق – سوريا 1965 

درس العلوم الشرعية في مساجد دمشق و معاهدها 

خريج الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1985

حائز على شهادة الدكتوراة في الدراسات الإسلامية من الجامعة الإسلامية بهاولبور  في باكستان. 

له الخبرة الواسعة في وضع المناهج وتطوير التدريس للعديد من الدورات العلمية وإقامة دورات مكثفة.

درّس الفقه وأصوله وعلوم القرآن وتاريخ التشريع والفرائض وغيرها في عدة معاهد وجامعات مثل: معهد الفرقان للعلوم الشرعية، ومجمع الفتح الإسلامي في دمشق، 

مدرس في  جامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية في اسطنول للعديد من المواد العربية و الشرعية

مدرس في عدد من المعاهد الشرعية في اسطنبول 

عضو رابطة علماء الشام، عضو مؤسسة زيد بن ثابت الأهلية، عضو رابطة العلماء السوريين، عضو المجلس العلمي لمركز الإيمان لتعليم السنة والقرآن..

من مشايخه الذين قرأ عليهم:

 والده الشيخ محمد محيي الدين عوض، والشيح محي الدين الكردي، والشيخ محمد كريّم راجح، والشيخ أسامة الرفاعي، والشيخ أيمن سويد، و الشيخ أحمد القلاش ، و الشيخ محمد عوامة ، والشيخ ممدوح جنيد.