ماذا يجوز من الأمور في إتيان الزوجة في الفراش؟ (شافعي)

يجيب عن السؤال الشيخ د. محمد محمد فايز عوض

السؤال

ماذا يجوز من الأمور في إتيان الزوجة في الفراش؟ (شافعي)

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد؛
      فمن فضل الله علينا أن علمنا الإسلام كل شيء، فالإسلام أتى للناس بكل خير في أمور معاشهم ودينهم ومحياهم ومماتهم لأنه دين الله عز وجل.
والجماع من الأمور الحياتية المهمة التي أتى ديننا بتبيينها وشرع لها من الآداب والأحكام ما يرقى بها عن مجرد أن تكون لذّة بهيمية وقضاء عابراً للوطر، بل قرنها بأمور من النيّة الصالحة والأذكار والآداب الشرعية ما يرقى بها إلى مستوى العبادة التي يُثاب عليها المسلم. وجاء في السنّة النبوية تبيان لذلك،

فمن حق الزوج على زوجته الاستمتاع بها، إذ عقد النكاح موضوع لذلك.
وقد ذهب الفقهاء إلى أنه يجوز للرجل أن ينظر إلى جميع بدن زوجته حتى إلى فرجها.
كما ذهب الفقهاء إلى أن للزوج الاستمتاع بزوجته كل وقت على أي صفة كانت إذا كان الاستمتاع في القُبل، ولو كان الاستمتاع في القُبل من جهة عجيزتها لقوله تعالى: ‏﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [1]
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب الطب النبوي:
(ومن منافعه – أي الجماع -: غض البصر، وكف النفس، والقدرة على العفة عن الحرام، وتحصيل ذلك للمرأة، فهو ينفع نفسه في دنياه وأخراه، وينفع المرأة، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعاهده) [2]

عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: «حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» [3]
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ! مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» [4].

ومن الأمور المهمة التي ينبغي مراعاتها عند الجماع:

  1.  إخلاص النية لله عز وجل في هذا الأمر، وأن ينوي بفعله حفظ نفسه وأهله عن الحرام، وليعلم أنه مأجور على عمله هذا، وإن كان يجد فيه من اللذة والسرور العاجل ما يجد.
    فعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قـــال: «وفي بُضع أحدكم صدقة – أي في جماعه لأهله – فقالوا: يا رسول الله: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال عليه الصلاة والسلام : أرأيتم لو وضعها في الحرام، أكان عليه وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر» [5]

  2.  أن ينوي تكثير نسل الأمة الإسلامية، ليرتفع شأنها، فإن الكثرة عز، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «النِّكَاحُ مِنْ سُنَّتِي، فَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِسُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي، وَتَزَوَّجُوا فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ، وَمَنْ كَانَ ذَا طَوْلٍ فَلْيَنْكِحْ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَيْهِ بِالصِّيَامِ، فَإِنَّ الصَّوْمَ لَهُ وِجَاءٌ» [6]

  3.  العناية بالنظافة والزينة من كلا الزوجين، فيستحب لكل من الزوجين أن يتزين للآخر؛ لقوله تعالى:‏ ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ﴾ [النساء ١٩] وقوله تعالى:‏‏‏ ﴿وَلَهُنَّ مِثۡلُ ٱلَّذِی عَلَیۡهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ﴾ [البقرة: ٢٢٨] ‏فالمعاشرة بالمعروف حق لكل منهما على الآخر، ومن المعروف أن يتزين كل منهما للآخر، فكما يحب الزوج أن تتزين له زوجته، كذلك الحال بالنسبة لها تحب أن يتزين لها.‏ ‏وكان محمد بن الحسن يلبس الثياب النفيسة، ويقول:‏ إن لي نساء وجواري، فأزين نفسي كي لا ينظرن إلى غيري.‏

    فمن حقوق الزوج على زوجته أن تتزين له بالملبس والطيب ‏مع النظافة، وأن تحسن هيئتها وغير ذلك، مما يرغبه فيها ويدعوه إليها، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟ فَقَالَ: «خَيْرُ النِّسَاءِ مَنْ تَسُرُّ إِذَا نَظَرَ، وَتُطِيعُ إِذَا أَمَرَ، وَلَا تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا» [7].

    وعليهما أن يحذرا ما يكدر صفو الجو، من أكل لكل ذي رائحة كريهة، أو وجود رائحة كريهة بسبب الحر والعرق، فإن ذلك تعافه النفوس وتستقذره، ويحجب الجو الصافي ويعكره. فعلى الزوجين استخدام العطور والأطياب الطيبة، وليعلم كل من الزوجين أن للنظافة والزينة أثر كبير في انجذاب كل منهما إلى شريكه.

  4.  أن يقدِّم بين يدي الجماع بالملاطفة والمداعبة والملاعبة والتقبيل، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يلاعب أهله ويقبلها، روى أنس مرفوعاً: «لَا يَقَعْنَ أَحَدُكُم عَلَى امْرَأَتِهِ كَمَا تَقَعُ البَهِيْمَةُ، وَليِكُنْ بَيْنَهُمَا رَسُولٌ، قِيْلَ: وَمَا الرَّسُولُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: القُبْلَةُ وَالكَلَامُ» [8].

  5.  الحذر من وجود الأطفال في مكان استمتاع الزوجين، ولو كانوا صغاراً، لأنهم ربما استيقظوا فجأة، ففي ذلك حرج شديد للوالدين، ومرض خطير على الأطفال؛ لأن علماء النفس أكدوا أن كثيراً من حالات الانحراف الجنسي المبكر عند الناشئة بسبب هذه المشاهدات التي تبقى في مخيلة الطفل.

  6.  أن يقول حين يأتي أهله: «باسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنِي الشَّيْطانَ، وجَنِّبِ الشَّيْطانَ ما رَزَقْتَنا»، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فَإنْ قَضَى اللهُ بَيْنَهُمَا وَلَدَاً، لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ أَبَدَاً» [9].

  7.  يجوز له إتيان المرأة في قُبُلها من أي جهة شاء، من الخلف أو الأمام قائمة وقاعدة، شريطة أن يكون ذلك في قُبُلها وهو موضع خروج الولد، لقول الله تبارك وتعالى: ﴿نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: 223].

    فيجوز للزوج أن يأتي امرأته في قُبُلها من أي جهة شاء من خلفها أو من أمامها، مقبلة ومدبرة وفي ذلك أحاديث كثيرة منها :
    عن جابر رضي الله عنه قال : كانت اليهود تقولك إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحولَ فنزلت: ﴿نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مُقْبِلَةٌ وَمُدْبِرَةٌ إذَا كَانَ ذَلكَ فِي الفَرْجِ» [10]

  8.  لا يجوز له بحال من الأحوال أن يأتي امرأته في الدُّبُر، بل ذلك حرام وإثمه عظيم، ونكاله كبير، قال الله عز وجل: ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ۖ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ﴾ [البقرة ٢٢٣] ومعلوم أن مكان الحرث هو الفرج وهو ما يُبتغى به الولد.
    وعن خُزَيْمَةَ بن ثابت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ لاَ تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ» [11]
    فيجب على الرجال اجتناب النساء في حال الحيض، ويحرم عليهم اتيانهن في الدُّبُر للآية السابقة والأحاديث الآنفة الذكر.

  9.  إذا جامع الرجل أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ، لقوله صلى الله عليه وسلم:
    «إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ». وفي رواية «فَإِنَّهُ أَنْشَطُ لَهُ فِي الْعَوْدِ» [12] .
    وهو على الاستحباب لا على الوجوب، وإن تمكن من الغسل بين الجماعين فهو أفضل،
    لحديث أبي رافع أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ عَلَى نِسَائِهِ ذَاتَ يَوْمٍ فَجَعَلَ يَغْتَسِلُ عِنْدَ هَذِهِ وَعِنْدَ هَذِهِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ جَعَلْتَهُ غُسْلًا وَاحِدًا،  قَالَ: «هَذَا أَزْكَى وَأَطْيَبُ وَأَطْهَرُ» [13]

  10.  يجب الغسل من الجنابة على الزوجين أو أحدهما في الحالات التالية:
أولاً. التقاء الختانين: لما رواه سَعِيد بن الْمُسَيِّبِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، وَعَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ كَانُوا يَقُولُونَ: إِذَا مَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ. [14] وهذا الغسل واجب أنزل أو لم يُنزل.

ثانياً. خروج المني ولو لم يلتق الختانان: لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنَّمَــا المَــاءُ مِنَ المَاءِ» [15]
ويجوز للزوجين الاغتسال معاً في مكان واحد ولو رأى منها ورأت منه، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: “كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء بيني وبينه واحد تختلف أيدينا فيه فيبادرني حتى أقول: دع لي، دع لي قالت: وهما جنبان” [16]

11. يجوز لمن وجب عليه الغسل أن ينام ويؤخر الغسل إلى قبل وقت الصلاة، لكن يستحب له أن يتوضأ قبل نومه استحباباً مؤكداص لحديث ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ؟ قَالَ: «يَنَامُ وَيَتَوَضَّأُ إِنْ شَاءَ»[17]

12. يحرم إتيان الحائض حال حيضها لقول الله عز وجل: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة: ٢٢٢]
لكن يجوز له أن يتمتع من الحائض بما دون الفرج لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأمر إحدانا إذا كانت حائضا أن تتزر، ثم يضاجعنا” [18].

13. يحرم على كل من الزوجين أن ينشر الأسرار المتعلقة بما يجري بينهما من أمور المعاشرة الزوجية، بل هو من شر الأمور، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَومَ القِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِيْ إلى امْرَأتِهِ، وِتُفْضِي إليهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا» [19]
وفقنا الله لما يحبه و يرضاه و جزى عنا نبينا و سيدنا محمدا خير الجزاء

تمت الإجابة عن السؤال من قبل الشيخ د. محمد فايز عوض، وراجعها الشيخ د. محمد أبو بكر باذيب.


أ. د. محمد فايز عوض عالم إسلامي من علماء سورية، حائز على شهادة الدكتوراه في أصول الفقه من الجامعة الإسلامية في باكستان. له الخبرة الواسعة في وضع المناهج وتطوير التدريس للعديد من الدورات العلمية وإقامة دورات مكثفة.
درّس الفقه وأصوله وعلوم القرآن وتاريخ التشريع والفرائض وغيرها في عدة معاهد وجامعات مثل: معهد الفرقان للعلوم الشرعية، ومجمع الفتح الإسلامي في دمشق، وكذا جامعة السلطان محمد الفاتح في تركية إلى الآن..
والشيخ عضو رابطة علماء الشام، ومؤسسة زيد بن ثابت الأهلية، ورابطة العلماء السوريين، والمجلس العلمي لمركز الإيمان لتعليم السنة والقرآن..
من مشايخه الذين قرأ عليهم: والده الشيخ محمد عوض، والشيح محي الدين الكردي، والشيخ كريّم راجح، والشيخ أسامة الرفاعي، والشيخ أيمن سويد، والشيخ ممدوح جنيد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين، عثمان بن شطا البكري، 3/ 340.
[2] الطب النبوي، ابن قيم الجوزية، ص249.
[3] مسند أحمد (12487)، ومستدرك الحاكم (2691) وسنن النسائي (1/ 3949).

[4] صحيح البخاري (1905) وصحيح مسلم (1400).
[5] صحيح مسلم (720).
[6] سنن ابن ماجه (1846).
[7] مستدرك الحاكم (2697) وسنن النسائي (5324).
[8] أخرجه الديلمي في مسند الفردوس.
[9] صحيح البخاري (141) وصحيح مسلم (1434).
[10] صحيح البخاري (4528) وصحيح مسلم (1435).
[11] مسند أحمد (22275).
[12] صحيح مسلم (308) وسنن ابن خزيمة (219).
[13] سنن النسائي (8986) وسنن أبي داود (219).
[14] صحيح مسلم (348) ومالك (143).
[15] صحيح مسلم (343).
[16] البخاري (261) وصحيح مسلم (321).
[17] سنن ابن خزيمة (211).
[18] صحيح البخاري (299) وصحيح مسلم (293) وموطأ مالك (185/47) ومستدرك الحاكم (618).
[19] صحيح مسلم (1437).