لماذا ترث الأنثى أقل من الذكر في الميراث الإسلامي؟

 يجيب عن السؤال الشيخ محمد فايز عوض

السؤال

لماذا ترث الأنثى أقل من الذكر في الميراث الإسلامي؟

الجواب

 

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:

لقد وضع الإسلام نظامًا دقيقًا وعادلًا لتوزيع التركة بين المستحقِّين لها بصورة تقطع النزاع، ولم يسمح للعواطف والأهواء والميول أن تتدخَّل في هذا الشأن؛ لأن صاحب المال قد يُؤثِر أحدَ ورثته بشيء لغرضٍ في نفسه؛ إمَّا حُبًّا في هذا الشخص، أو نكايةً بالورثة الآخرين، وهذا يُوغِر صدورَ بقية الورثة، ويُؤجِّج نار العداوة بينهم؛

لذا مُنِعَت الوصية للوارث، ومُنِعت الزيادة لأحد الورثة عن نصيبه، ما لم يسمح بذلك بقيةُ الورثة، وحدَّد بشكل دقيق ما يستحقُّه كلٌّ منهم، وجُعِل ذلك غير قابل للاجتهاد من أحد، كما لم يُعْطَ المورِّث حقَّ حرمان الورثة أو أحدهم من الإرث، وبذلك استطاع الإسلامُ أن يحافظ على قوة الروابط الأسرية، ويمنع ما يؤدي إلى وهن هذه الروابط وإضعافها، وقضى على المشكلات التي تحدث من جرَّاء الاختلاف على توزيع التركة، واستئثار الأقوياء بها، الأمر الذي قد ينشر البغضاء بين الأقارب، ويزرع الحقد في نفوسهم.

إن الله هو الذي ترجع إليه الفرائضُ، وهو الذي يُقسِّم الميراث بين الناس، وإنَّ ما يوصي به الله ويفرضه، وخاصة قسمة أموال الناس وتركاتهم بين ذريَّتِهم وأولادهم، لهو أبَرُّ بالناس وأنفع لهم؛ ممَّا يقسمونه هم لأنفسهم.

وقد فرض الله تعالى نصيب الرجل مثل نصيب امرأتين في الميراث؛ قال تعالى:

﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 11]
وقد استغلَّ هذا بعضُ المستغلين، وأخذوا يلغطون في الميراث، وادَّعوا ظُلْمَ الإسلام للمرأة، وهضمه لحقوقها، فقد أعطاها نصف ما قد أعطى للرجل!

إن هذا التشريع في قمة العدل، وإنه لأمرٌ منطقيٌّ أن تأخُذَ المرأةُ نصفَ ما يأخذ الرجل؛ لأن تكاليف الرجل أكبر، وأعباءه أشدُّ، وقد أوجب الإسلامُ على الرجل لصالح المرأة أمورًا كثيرةً سواء في طفولتها، أو شبابها، أو كهولتها؛ كالنفقات والمهور، فلو ساوَيْنا المرأةَ بالرجل في الميراث، لظلمنا الرجل ظلمًا بيِّنًا للأسباب التالية:

فمن بعض حكم التفاضل في الميراث بين الرجل والمرأة ما أوجبه الإسلام على الرجل من أعباء الزواج والنفقة على الزوجين والأبوين ، والمرأة تأخذ مهرا هو حق لها ، وينفق عليها ،

ولكن هناك من الحالات التي يتساوى فيها الرجل والمرأة، بل هناك من الحالات ما تأخذ المرأة أكثر من الرجل ، ولا بد من استحضار عدل الله تعالى في حكمه ، وألا يشكك في شرعه .

وما ورد في القرآن الكريم من توريث المرأة نصف الرجل ليس موقفا عاما للذكور والإناث. و إنما قصد به حالة بعينها  وهي حالة الأولاد وكذا حالة الإخوة ، لذا قال تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) ولم يقل يوصيكم الله في الوارثين للــذكــر مثل حظ الأنثيين.

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:

(فاوت الله بين الصنفين، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين؛ وذلك لاحتياج الرجل إلى مؤنة النفقة والكلفة ومعاناة التجارة والتكسب وتجشم المشقة، فناسب أن يعطى ضعفي ما تأخذه الأنثى)([1]) [44].

وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله:

(فإن اجتمع البنون والبنات فللذكر مثل حظ الأنثيين للإجماع، ولآية ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ﴾ [النساء: 11] ولآية ﴿ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ [النساء: 176]، وإنما فضل الذكر على الأنثى؛ لأنه قوام على النساء بالنفقة، وغيرها)([2]).

وقال ابن المنذر رحمه الله:

(أجمع أهل العلم على أن مال الميت بين جميع ولده للذكر مثل حظ الأنثيين، إذا لم يكن معهم أحد من أصحاب الفرائض، فإذا كان من له فرض معلوم بدئ بفرضه فأعطيه، وجعل الفاضل من المال بين الولد للذكر مثل حظ الأنثيين)([3])

وعند استقراء حالات ميراث المرأة نجد أنها قل ما ترث نصف الــرجـــــل، وفي أغلب الحالات ترث أكثر منه أو تساويه، وحالات ميراثها مصنفة على النحو الآتي و سنذكر أمثلة على بعضها:

 

  • 1.   هناك خمس حالات فقط ترث فيها المــرأة نصـــف الرجـــل.
أحدها: البنت مع الابن، وبنت الابن مع ابن الابن؛ لقوله سبحانه وتعالى:
﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ [النساء:11].
الثانية: الأخت الشقيقة مع الأخ الشقيق؛ لقوله عز وجل:
﴿ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ [النساء:176].
الثالثة: الأخت لأب مع الأخ لأب؛ لقوله عز وجل:
﴿ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ [النساء:176].
الرابعة: الأم مع الأب في حال عدم وجود أولاد؛ لقوله عز وجل:
﴿ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ﴾ [النساء:11].
الخامسة: الزوج، والزوجة؛ لقوله عز وجل:
﴿ وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ ﴾ [النساء:12].

 

  • 2.   وهناك أكثر من ثلاثين حالة ترث فيها المرأة مثل الرجل.

 

  • 3.   وفي ست حالات ترث فيها المرأة أكثـــر من الرجـــل.
أحدها: الأم مع الجد في حال وجود زوج، فالأم ترث الثلث، والزوج يرث النصف، والجد يرث الباقي وهو السدس.
الثانية: البنت أو بنت الابن مع الزوج؛ فالبنت أو بنت الابن لها النصف فرضا والباقي ردًّا، والزوج له الربع.
الثالثة: البنت أو بنت الابن مع الزوج في حال وجود أخ شقيق، أو أخ لأب، أو عم شقيق،… إلخ؛ فالبنت أو بنت الابن لها النصف فرضا، والزوج له الربع، وصاحب العصبة يرث الباقي وهو الربع.
الرابعة: البنتان مع الزوج والأب والأم؛ فنصيب البنتين الثلثان، وهو أكثر من الابنين في حال وجودهما بدلا من البنتين.
الخامسة: الأختان الشقيقتان مع الزوج والأخ لأم والأم؛ فنصيب الأختين الثلثان، وهو أكثر من الأخوين الشقيقين في حال وجودهما بدلا من الأختين.
السادسة: الأختان لأب مع الزوج والأخ لأم والأم؛ فنصيب الأختين الثلثان، وهو أكثر من الأخوين لأب في حال وجودهما بدلا من الأختين.

 

  • 4.   و توجد حالات تـرث فيها المـــرأْة ولا يــرث نظيرهـــــا الرجــل.
فليحذر المسلمون -خاصة الشباب- مِن الاستماع إلى تلك الدعوات الخادعة المارقة من الدين، والمفسدة لأهله، فمثلها كمثل الزبد يذهب جفاءً، قال سبحانه: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) [الرعد: 17].
ولا يُغتر بكثرة ترداد كلامهم وتداوله فإن الباطل زهوق لا ثبات له إذا جاء الحق، وقد قال عز وجل: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) [الأنبياء: 18].
فاللهم احفظ علينا ديننا، وثبِّتنا على الإسلام والسُّنة حتى نلقاك بهما يا رب العالمين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

([1])تفسير ابن كثير «تفسير القرآن العظيم»، (2/ 225).
([2]) أسنى المطالب في شرح روض الطالب، (3/ 8).
([3]) ابن المنذر، الإجماع، رقم «310»،والأوسط من السنن والإجماع والاختلاف، (7/ 381)، والإشراف على مذاهب العلماء، (4/ 316).