كان رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم يؤكد على أهمية الإيمان بالقدر خيره وشره. ما المقصود بالخير والشر هنا؟

يجيب عن السؤال الشيخ عبد الرحمن الخرسة

السؤال

كان رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم يؤكد على أهمية الإيمان بالقدر خيره وشره. ما المقصود بالخير والشر هنا؟

الجواب

الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان الستة التي لا يصحُّ إيمان عبد إلا إن أتى بها جميعاً، قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام حين سأله عن الإيمان : {الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره} [صحيح مسلم] وفي رواية: {خيره وشره حلوه ومُرِّه من الله تعالى}.

وبيَّن الله عزوجل حكمته فيه فقال: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم}[سورة الحديد: 22] فالمؤمن يعتقد أن كلَّ ما يقع في هذه الدنيا من خير أو شر من سعادة أو شقاوة من سراء أو ضراء كل ذلك بتقدير المولى عز وجل، لا يخرج شيء من ذلك عن إرادته وقدرته كما قال تعالى: {إنا كل شيء خلقناه بقدر} [سورة القمر: 49].

قال الإمام البدر العيني رحمه الله تعالى: “ومذهب أهل الحق أن الأمور كلها من الإيمان والكفر والخير والشر والنفع والضر بقضاء الله وقدره، ولا يجري في ملكه إلا مقدراته”(1) وقد قسَّم أهل العلم القدر أربعة أقسام تبعاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم:  {خيره وشره حلوه ومره من الله تعالى} : ـ

1ـ قدر خير حلو: وهو ما يوفق الله له عباده من الطاعات ويعينهم عليه، فهذا القدر خير لأنه يوصلهم إلى رضوان الله وإلى الجنة ويصرف عنهم عقابه وسخطه، وهو حلو لأنه موافق لما يرغبون فيه.

2ـ قدر خير مرٌّ: وهو المصائب التي يبتلي الله بها عباده المؤمنين فهي خير لهم، وفي الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: {عجباً لأمر المؤمن إنَّ أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له} [صحيح مسلم] فكلُّ ما يصيب المؤمن من أمراض وابتلاءات كله من القدر الخير المر.

3 ـ قدر شرٌّ حلو: وهو ما يعطيه الله للكفرة الفجرة والعصاة من اللَّذات والشهوات والتوسعة في الأموال والأرزاق فيستعملون ذلك في معصية الله، فهذا شر لهم لأنه يقربهم إلى سخط الله ويبعدهم من رحمته، وهو حلو لأنه موافق لرغباتهم وما يشتهون.

4ـ قدر شرٌّ مرٌّ: وهو ما يسمى بـ “صناديد القدر” وهو ما يسلطه الله على أعدائه وما يعجِّله لهم من المصائب والكوارث فهي شر لهم لأنها تقربهم من النار ومن سخط الله تعالى وتعجل من عقوبتهم، وهي مرة لأنها غير موافقة لأهوائهم.

فهذه هي أقسام القدر الأربعة أسأل الله تعالى أن يزيدنا وإياكم توفيقاً وفهماً لأمور الدين، وأن يجعلنا من المؤمنين الراضين بقضائه وقدره إنه سميع مجيب.

[تنبيه هام]
قال أهل العلم: مع أن القدر خيره وشره من الله تعالى فإن الأدب ألا ننسب له إلا الخير وأن ننسب الشر لأنفسنا كما قال الله تعالى مخبراً عن سيدنا إبراهيم عليه السلام: {الذي خلقني فهو يهدين، والذي هو يطعمني ويسقين} [سورة الشعراء: 79] أضاف الهداية والإطعام والسقي إلى الله تعالى لما فيه من التعظيم ثم قال: {وإذا مرضت فهو يشفين}[سورة الشعراء: 80] أضاف المرض لنفسه ولم يقل أمرضني تأدباً مع الله تعالى وإن كان الكلُّ منه سبحانه وتعالى، وهذا كثير جداً في القرآن العظيم (2).

وفقنا الله وإياكم لفهم كلامه وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم، وجعلنا من الراضين كل الرضا بقضائه وقدره إنه سميع قريب.


(1) عمدة القاري ـ كتاب القدر.
(2) انظر تحفة المريد شرح جوهرة التوحيد (229).

الشيخ عبد الرحمن الخرسه

هو الشيخ عبد الرحمن الخرسه من علماء سورية، مواليد دمشق 1971م.

نال إجازة اللغة العربية من جامعة دمشق. وتلقّى العلوم الشريعة على أكابر علماء الشام ومشايخها: كالشيخ عبد الرحمن الشاغوري، والشيخ تاج الدين الكتاني، والشيخ محمد كريّم راجح، والشيخ بشير الباري، والشيخ إبراهيم الهندي، والشيخ هشام الصلاحي، وغيرهم…

حفظ القرآن الكريم وقرأ القراءات العشرة من طريق الشاطبية والدرّة على الشيخ محمد هيثم منيني، والشيخ أبو الحسن الكردي.

وعمل مدرّساً في جامعة الأزهر في البقاع اللبناني، وأسّس دور القرآن في عدّة مناطق في لبنان، بالإضافة إلى إدارة دار القرآن الكريم في إستانبول؛ حيث يقوم بتحفيظ القرآن الكريم وإلقاء الدروس العامّة والخاصّة.

ويقوم بالتدريس بطريقة الإجازة في دار الفقهاء تركيا، ويعمل في تحقيق كتب المذهب الحنفي.

من أعمال الشيخ العلمية: تحقيق كتاب تنوير الأبصار، وجامع البحار للإمام التمرتاشي.. حفظه الله تعالى ونفع به.