هل يُعتبر فتح القسطنطينية في زمن محمد الفاتح الفتح الموعود في حديث النبي ﷺ؟

تمت الإجابة عن السؤال من الشيخ د. محمد أبو بكر باذيب

السؤال

هل يُعتبر فتح القسطنطينية في زمن محمد الفاتح الفتح الموعود في حديث النبي ﷺ؟

الجواب

باسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد؛

      فإن حديث فتح القسطنطينية المشهور، رواه عبد الله بن بشر الخثعمي، ويقال الغنوي، عن أبيه، أنه سمع النبي صَلى الله عَليه وسَلم يقول: «لَتُفْتَحَنَّ القُسْطَنْطِيْنِيَّة، فَلَنِعْمَ الأَمِيرُ أَمِيرُهَا، وَلَنِعْمَ الجَيْشُ ذَلكَ الجَيْشُ».  [مسند أحمد، والبخاري في “التاريخ الكبير”، والبزار والطبراني والحاكم والبغوي وأبو نعيم، الهيثمي في “مَجمَع الزوائد”]. وفي بعض طرقه قال أحد الرواة: فدعاني مسلمة، فحدثته بهذا الحديث، فغزاهم. [1]

      فهذه الزيادة تدل على أن الحكام المسلمين كانوا يتحيّنون الفرصة لفتح القسطنطينية لينالوا شرف الوصف الوارد في الحديث، وكانت المحاولة الأولى في زمن بني أمية، ولكن لم يتم لهم الفتح.

وللحديث روايات أخر، منها ما خرجه الترمذي من حديث معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المَلْحَمَةُ العُظْمَى، وَفَتْحُ القُسْطَنْطِيْنِيَّة، وَخُرُوْجُ الدَّجَّالِ فِي سَبْعَةِ أَشْهُرٍ». قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وفيه عن أنس بن مالك موقوفاً: “أن فتح القسطنطينية مع قيام الساعة”، هكذا رواه موقوفاً. وقال: هذا حديث غريب. [2]

ثم أمر آخر مهم، لابد من ذكره، وهو أن مثل هذا الحديث الذي يتحدث عن أشراط الساعة، يدخل في الغيبيات، ومن الصعب جداً بل من المحذور على المسلم أن يسقط الأحاديث على أحداث بعينها، لعدم النص عليها من قبل الشارع، فالحديث عام في الفتح، وقد يكون ما تم على يد محمد الفاتح وقد يكون في آخر الزمان تفتح مرة أخرى.

قال القرطبي في (المفهم):

“والحاصل: أن القسطنطينية لا بد من فتحها، وأن فتحها من أشراط الساعة على ما شهدت به أخبار كثيرة، منها ما ذكرناه آنفاً”، ثم قال: “وعلى هذا فالفتح الذي يكون مقارناً لخروج الدجال هو الفتح المراد بهذه الأحاديث”. [3]

وقال ابن رسلان في (شرح سنن أبي داود):

“وسيأتي في الملاحم أن فتحها علامة خروج الدجال وقيام الساعة”[4].

وقال خليل أحمد السهارنفوري (ت 1246هـ) في (بذل المجهود):

“والمراد بفتح القسطنطينية فتحُ المهدي إياها”. [5]

وهناك من العلماء من ذكر فتح السلطان الفاتح، منهم العلامة المفسر أبو الثناء الآلوسي، فقد قال في كتابه (غرائب الاغتراب):

“والحاصل: أن الله تعالى عز وجل أبى فتحها إلا على يد المرحوم السلطان محمد خان… وهذا الفتح يحتمل أن يكون هو الذي من إماراتِ الساعة. ويحتمل أن لاَ يكون كذلكَ، ويكون الفتح الذي هو من إماراتها ما يقع زمَن المهدي رضي الله تعالى عنه”، انتهى. [6]

وخاتمة الأمر، أن فتح القسطنطينية على يد السلطان محمد الفاتح كان حدثاً عظيماً، مباركاً، فخراً للمسلمين أجمعين، به ازدادوا عزاً ومنعةً. ولكن قد يصح تنزيل الحديث الوارد عليه كما ذهب إليه العلامة الآلوسي، وقد يكون هناك فتح آخر في زمن الملاحم الكبرى، هذا باختصار، والله أعلم.



تمت الإجابة عن السؤال من قبل الشيخ د. محمد أبو بكر باذيب، وراجعها الشيخ د. محمد فايز عوض.


د.محمد أبو بكر باذيب عالم إسلامي من علماء اليمن، نال الشيخ الإجازة في الشريعة من جامعة الأحقاف، والماجستير من جامعة بيروت الإسلامية، والدكتوراه في أصول الدين من جامعة عليكرة الإسلامية (AMU). تتلمذ على أكابر العلماء: كالشيخ الحبيب أحمد مشهور الحداد، والشيخ فضل بافضل، والحبيب سالم الشاطري، والحبيب علي مشهور بن حفيظ، وغيرهم…
يشرف على القسم العربي سيكرز عربية للعلوم الشرعية (seekersguidance)، وعضو أمناء دار المخطوطات بإستانبول.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] الإمام أحمد، المسند: 4/ 335 (19165)، 31/ 287 (18957). البخاري: التاريخ الكبير: 2/ 81. البزار: كشف الأستار (1848). الطبراني: المعجم الكبير 2/ 83 (1216). الحاكم: المستدرك: 4/ 468. البغوي: معجم الصحابة: 1/ 97 (210). أبو نعيم: معرفة الصحابة: 3/ 456 (1101). الهيثمي: مَجمَع الزوائد: 6/ 218.

[2] سنن الترمذي

[3] الذهبي، تاريخ الإسلام: 2/ 1045.

[4] ابن رسلان، شرح سنن أبي داود: 11/ 104.

[5] السهارنبوري، بذل المجهود: 12/ 342.

[6] الآلوسي، غرائب الاغتراب: ص 230.