سمعت أن في القرآن سورة سميت بالمقَشْقِشَة ما هذه السورة وهل يوجد أسماء أخرى للسور غير هذا الاسم الغريب؟

يجيب عن السؤال الشيخ محمد أنس الموسى  

السؤال

 سمعت أن في القرآن سورة سميت بالمقَشْقِشَة ما هذه السورة وهل يوجد أسماء أخرى للسور غير هذا الاسم الغريب؟

الجواب

 

   بسم الله الرحمن الرحيم

نعم يوجد سورة سميت ولقبت بأنها المقَشْقِشَة، وهذا الاسم في الحقيقة مشترك بين أكثر من سورة، وهي: سورة الإخلاص، وسورة التوبة، وسورة الكافرون، وسورة الفلق، وسورة الناس.
والمقشقشة: هو اسم أو لقب تُسمى به السورة للدلالة على بعض مضامينها.
وفي لسان العرب: ” القَشْقَشَةُ: تَهيُّؤُ البُرْء وَقَدْ تقَشْقَشَ، وتَقَشْقَشَ الجُرْحُ: تَقَرَّفَ قَرْحُه للبُرْء. والمُقَشْقِشَتان: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، لأَنهما كَانَا يُبْرَأُ بِهِمَا مِنَ النِّفَاقِ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: كَمَا يُقَشْقِشُ الهِنَاءُ الجرَبَ فيُبْرِئُه، وَقِيلَ: هُمَا: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكافِرُونَ، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وسُمِّيتا مُقَشْقِشَتَين؛ لأَنهما تُبرِئان مِنَ الشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ إِبراءَ المريضِ مِنْ علَّته. قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: إِذا بَرَأَ الرَّجُلُ مِنْ عِلّته قِيلَ: قَدْ تَقَشْقَشَ”. (1)

وأشهر سورة لقبت بالمقشقشة هي سورة التوبة: ولها أسماء وألقاب كثيرة غير المقشقشة منها:

التوبة:  وسميت كذلك؛ لأنها وردت فيها توبة الله تعالى عن الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، وهو حدث عظيم، ولكثرة ما ذكر فيها من الدعوة إلى التوبة والأمرِ بها والحضِّ عليها. وأن التوبة أحب إلى الله سبحانه من تعذيب عباده.  عن زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قال: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ، فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ، حَتَّى وَجَدْتُ
آخِرَ ‌سُورَةِ ‌التَّوْبَةِ ‌مَعَ ‌أَبِي ‌خُزَيْمَةَ ‌الْأَنْصَارِيِّ، لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ”. (2)
وبراءة: لأنها بدأت بالبراءة من المشركين؛ أي سميت بأول كلمة منها.

المُقشْقِشة: بصيغة اسم الفاعل وتاء التأنيث؛ أي المُبْرِئَة لأنها تُبْرِئُ وتُخَلِّصُ من آمن بما فيهما من النفاق والشرك؛ لما فيهما من الدعاء إلى الإخلاص، ولما فيهما من وصف أحوال المنافقين، ولأنها تقشقش من النفاق أي تُبرئ منه. يقال: قَشْقَشَ البَعيرُ: إذا رَمَى بِجِرَّتِه.

المُخلِّصة: لأنها تخلِّصُ صاحبها من النفاق والشرك.

الفاضحة: لأنها فضحت المنافقين. عَنْ ‌سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: « قُلْتُ ‌لِابْنِ عَبَّاسٍ : ‌سُورَةُ ‌التَّوْبَةِ؟ قَالَ: آلتَّوْبَةُ؟ قَالَ: بَلْ هِيَ الْفَاضِحَةُ، مَا زَالَتْ تَنْزِلُ: وَمِنْهُمْ وَمِنْهُمْ، حَتَّى ظَنُّوا أَنْ لَا يَبْقَى مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا ذُكِرَ فِيهَا”. (3)

المُبعثِرة: لأنها بعثرت عن أسرار المنافقين، أي أخرجتها من مكانها، أو بعثرت مساوئ المنافقين وأسرارهم.

البَحُوث: بمعنى الباحثة؛ لأنها بحثت عن سرائر المنافقين والمشركين وأخرجت ما فيها.

الْمُنَقِّرَةُ: لأنها نَقَرَتْ عَمَّا فِي قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ. وهي بمعنى اسم البَحوث السابق.

المُدمْدِمة : بصيغة اسم الفاعل من دمدم إذا أهلك؛ لأنها كانت سببًا في هلاك المشركين.

العذاب: عن حذيفة بن اليمان قال: ” وَإِنَّكُمْ تُسَمُّونَهَا سُورَةَ التَّوْبَةِ وَهِيَ ‌سُورَةُ ‌الْعَذَابِ». (4)

 المثيرة: لأنها أثارت عورات المنافقين وأظهرتها.

 الحافرة: كأنها حفرت عما في قلوب المنافقين من النفاق، فأظهرته للمسلمين.

وزاد الزمخشري أسماء أخرى هي : المنكِّلة، والمخزية. وزاد الزركشي الْمُسَوِّرَةُ.

ونلحظ أن هذه الأسماء أو الألقاب كلها مشتقة مما فعلته السورة بالمنافقين من الفضح والبحث والخزي… (5)
 أمَّا سورة الكافرون: فسميت أيضاً بالمقشقشة  لأنها تبرئ من الشرك، فيقال قشقش البعير إذا رمى بجربه أو بجِرَّتِه.(6) وتسمى أيضا سورة المنابذة، أو المعابَدة، وسورة الإخلاص، أي إخلاص العبادة.(7)

ومن السور التي لها أكثر من اسم:

سورة البقرة: يقال لها فسطاط القرآن؛ لعظمها وبهائها، وسنام القرآن. وتسمى سورة البقرة وآل عمران بالزهراوين.
آل عمران: يقال: اسمها في التوراة طَيْبَة. (8)
الأنفال: تسمى سورة بدر.
النحل: تسمى سورة النَّعم؛ لما عدد الله فيها من النِّعم على عباده.
الْإِسْرَاءُ: تُسَمَّى أَيْضًا سُورَةُ ” سُبْحَانَ ” وَسُورَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
سورة الشورى: تسمى {حم عسق}.
سورة الجاثية: وتسمى الشريعة.
سورة محمد صلى الله عليه وسلم: تسمى سورة القتال.
سورة المائدة: العقود والمنقذة.
سورة غافر : الطَّول، والمؤمن.
سورة الفاتحة: ذُكر أن لها بضعةً وعشرين اسما: أم الكتاب، وأم القرآن، والسبع المثاني، والصلاة والكنز، والشافية، والشفاء، والكافية، والأساس، والقرآن العظيم، والنور، وسورة الحمد، وسورة الشكر، وسورة الحمد الأولى، وسورة الحمد القصرى، وسورة الرقية، وسورة الدعاء، وسورة المناجاة، وسورة التفويض، وسورة السؤال. (9)

ملحوظة: ذكر السيوطي أن كثرة أسماء السورة يدل على شرفها؛ فإن كثرة الأسماء دالة على شرف المسمى. (10)

وأخيراً: لم يرد نصّ بتسمية كلّ سورة من سور القرآن باسم يخصّها، إنّما وردت أحاديث كثيرة في تسمية كثير من السّور، كالفاتحة والبقرة وآل عمران، وغيرها، ولم يُحفظ ذلك في كلّ السّور، وما سبق يؤكد رأي من قال بأنّ تسمية سور القرآن لم تكن توقيفيّة عند أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وإلّا لما ساغ تسميتها بغير الوارد فيها. والله تعالى أعلم
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


(1):لسان العرب لابن منظور (6/337)؛ الإتقان للسيوطي (1/197).
(2):صحيح البخاري (6989).
(3): صحيح مسلم (3031).
(4): المستدرك على الصحيحين للحاكم (3274)؛ المعجم الأوسط للطبراني (1330)؛ فضائل القرآن لأبي عبيد القاسم بن سلام ص241.
(5): ينظر لكل ما سبق:  تفسير القرآن أبو المظفر السمعاني (2/284)؛  تفسير الكشاف للزمخشري (2/241)؛ زاد المسير لابن الجوزي (2/ 230)؛ تفسير القرطبي (8/ 40)؛ البرهان في علوم القرآن للزركشي (1/269)؛ الإتقان في علوم القرآن (1/192)؛ التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور (10/95)؛ محاسن التأويل للقاسمي (5/343)؛ معجم علوم القرآن إبراهيم محمد الجرمي ص108
(6):ينظر: شعب الإيمان للبيهقي (2292)، تفسير روح المعاني للآلوسي (15/484).
(7):مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد محمد بن عمر نووي الجاوي (2/672).
(8):تفسير القرطبي (4/1).
(9):ينظر: البرهان في علوم القرآن للزركشي (1/269)؛ الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (1/187).
(10):الإتقان في علوم القرآن (1/187).