سلسلة يا باغي الخير أقبل | المحاضرة الثامنة | الثلث الأخير من رمضان | الشيخ أنس الموسى

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

وبعد:

فمع اللقاء الثامن من سلسلة “يا باغي الخير أقبل” ونحن نتحدث عن مكانة شهر رمضان والصيام فيه سنتحدث اليوم عن الثلث الأخير منه عن العشر الأخيرة منه.


  1. ها هي أيام رمضان تسارع مؤذنة بالرحيل، وها هي أيام العشر الأخيرة تحل لتكون الفرصة الأخيرة لمن فرط في أوله ولتكون التاج الخاتم لمن أصلح ووفَّى في ما مضى منه.
  2. ها هي صفوة أيام رمضان قد أهلت وجواهره قد أقبلت وشمس العشر الأخيرة منه قد أشرقت .
  3. تروي السيدة عائشة رضي الله عنها: «أنّ رسولَ اللهِ كانَ إذا دَخَلَتْ هذِهِ العَشْرَ الذّهَبِيَّة من رَمضان يَشدُّ مِئْزَرَهُ ويُوقِظُ أَهلَهُ، ويُحْيِي لَيْلَهُ» [البخاري 1941].. استنفار كامل لكل أهل البيت فلم يجتهد رسول الله وحده وبقية أفراد عائلته نائمون.

  4. العشر الأخير سوق يتنافس فيه أولو الهمم من المتنافسين، وموسم يضيق منه المفرِّطون، وامتحان تختبر فيه الهمم.
  5. ليال تَعْظُم فيها الهبات، وتنزل الرحمات وتقال العثرات، فطوبى لمن عرَف قدرها وأدرك عظيم فضلها.
  6. من تمام النعمة أن يوفقنا الله لاغتنام أيامها بالصالحات فسابقوا طالما في العمر بقية واغتنموا اللحظات فالعاقل من عرف شرف زمانه وقدَّر قدْر أوقاته، فمن الغَبْن البين تضييع هذه المواسم. تقول السيدة عائشة: «كانَ رسولُ اللهِ يَخْلُطُ العشرِيْنَ بصلاةٍ ونومٍ فإذا كانَ العَشْرُ شَمَّرَ وَشَدَّ المِئْزَرَ» [مسند أحمد24575].

  7. أحد الأسباب التي تجعل أيام الثلث الأخير من رمضان تفضل غيرها: أن أحد لياليها ليلة القدر التي قال عنها الله ﴿إِنَّا أَنـزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ [الدخان3-4] فقد أنزل الله في تلك الليلة القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، ثم بعد ذلك نزل مفرقا مُنجَّما بحسب الوقائع والأحداث.
  8. ليلة القدر ليلة ذات قدر وشرف، ذات خير وبركة قال فيها رسول الله «إنّ هذا الشّهرَ قَد حَضَرَكُم فيه ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شهرِ من حُرِمَها فقد حُرِمَ الخيرَ كُلَّهُ ولا يُحرَم خَيْرَها إلّا مَحْرُومٌ» [سنن ابن ماجه 1634]. فالعبادة في هذه الليلة أفضل من العبادة في ألف شهر.
  9. ليلة القدر هي ليلة سالمة من العذاب والشيطان، تنزَّل الملائكة في تلك الليلة إلى الأرض حتى تكون أكثر من عدد الحصى عليها.

  10. ليلةٌ من قامها إيمانًا بثوابها، واحتسابًا لأجرها غفر له ما تقدم من ذنبه.
  11. ليلة ارشدنا رسول الله  أن نكثر فيها من قول «اللّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي».
  12. أرشدنا رسول الله في هذا العشر أن نعتكف في المساجد وكم في هذه السنة من أسرار ودروس حيث يكون أنيس المعتكف ذكر الله والصلاة راحته والمناجاة متعته والتضرع لذّته، يرجع المصلون لبيوتهم بعد الانتهاء من الصلاة ويبقى هو في بيت ربه يرجو رحمته ويخشى عذابه.

  13. أيها الإخوة أيام شريفة تكاد أن تنتهي فكم من مستقبل لها لم يستكملها وكم من مؤمل أن يعود إليها ولم يدركها.
  14. أيها الإخوة أيامنا هذه أعظم الأيام فضلًا وأكثرها أجرًا يصفو فيها لذيذ المناجاة، كم لله فيها من عتيق من النار؟ المغبون من انصرف عن طاعة الله! مغبون من لم يرفع يديه بدعوة ولم تذرف عيناه دمعة!! حقّاً إن نَزْع لذة المناجاة من القلب أشدُّ ألوان العقوبات والحرمان..  فيا بؤس من لم تُقَل عثْرَته.
  15. أيامنا هذه تمر كطيف زائر في المنام تنقضي سريعًا؛ فليكن استقصارنا المدة معينًا لنا على اغتنامها.

  16. تذكروا أيها الإخوة أن هذه الأيام لن تعود إلا بعد عام كامل، ولا ندري ما الله صانعٌ فينا! فهل تعود علينا ونحن فوق الأرض أم تحت التراب؟
  17. يامن يريد القرب من ربه أين أولو الهمم؟ أين أرباب المجد؟ أين المشمِّرون؟ أين التجار الماهرون؟ أروا ربكم من أنفسكم خيرًا في يوم سيقال للسابقين الصائمين الصادقين الساجدين القائمين لرب العالمين: ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ[الزخرف70]، ﴿وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ[الأعراف 43].
  18. فيا ليلة القدر للعابدين اشهدي، ويا ألسنة السائلين جدِّي في المسألة واجتهدي،

يا رجالَ اللهِ جِدُّوا .. رُبَّ داعٍ لا يُردُّ ** ما يقوم اللّيلَ إلّا .. منْ لَهُ عَزْمٌ وَجِدُّ


اللهم يا حبيب التائبين، وأنيس المنقطعين، ويامن حنت إليه قلوب الصادقين: أسلُك بنا سُبُل الأبرار، وأعتق رقابنا من النار، وسلمنا لرمضان،، وسلمه لنا وتسلمه منا متقبلا يا عزيز يا غفار.

آمين آمين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وصلى الله على سيدنا محمد عبدك ورسولك النبي الأميّ وعلى آله وصحبه وسلم.