سلسلة كمال الإسلام في العقيدة والأخلاق والأحكام | المقالة الأولى | الشيخ أنس الموسى




          • مقدمة في الفوائد المرجوة من هذه السلسلة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا، ونبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم إنا نستهديك لأرشد أمرنا وزدنا علماً ينفعنا.

وبعد:

 لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره؛ نريد أن نوضح الفوائد المرجوة من هذه السلسلة التي نتحدث فيها عن كمال الإسلام في العقيدة والأخلاق والأحكام، فنبين أهمية توضيح كمال الإسلام للمسلم في حياته كلها.

 لقد اعتاد الناس الاكتفاء بالمحاضرات التي تتحدث عن الجانب العاطفي للإسلام، لاشك أن الحديث في هذا الموضوع له فوائد كثيرة، أقلها شَحْذُ الهِمَم لحب الدين، والذود عنه، وتطبيق أحكامه، لكنَّا أثناء ذلك سنكون أمام عاطفة غيرِ مَحْمِيَةٍ؛ وهذا يجعل الحاجة ملحَّةً للحديث عن هذا الدين من خلال العاطفة المسيجة بسياج العقل، والفكر والعلم، فالعاطفة الإسلامية وحدها تجعل المسلم مهيَّئَاً لكل فكرة، والتفاعل مع كل داعٍ؛ لهذا كان لابد أن تكون هذه العاطفة مسورة بأسوار الدين، والعلم والعقل، والفكر، فلا نقبل عاطفة هَوْجَاءَ، ولا نرضى بمشاعر غير منضبطة بأحكام الشرع والعقل، فسياج العاطفة هو: القواعد العلمية والوعي الفكري.

يُطْلَبُ من المسلم بدايةً أن يصحح عقيدته وفكره؛ فَيمْتَلِكُ فكرة يغذِّيها بالعلم والوعي، ثم بعد ذلك ينشأ عن ذلك عاطفةٌ، ومشاعر تملأ القلب، وتغذي الروح، ثم يثمر ذلك الأحكام والأخلاق.

اعتاد الناس تلقِّي الأحكام الفقهية الجزئية بشكل تفصيلي، كما اعتادوا الحديث في أمور العقيدة عن الإلهيات من حيث ما يجب لله سبحانه، وما يجوز، وما يستحيل، وما يجب في حق الرُّسل عليهم السلام، وما يجوز، وما يستحيل، وكذلك الحال بالنسبة للسمعيات المتعلقة بالاعتقاد (الأحكام العقدية التي يكون دليلها سمعياً)، ونحن أيضاً نريد من خلال هذه السلسلة الكلام عن أحكام الإسلام، ولكن بشكل شمولي كلِّي قبل الدخول بالمسائل التفصيلية الجزئية؛ لهذا نستطيع أن نحدد فوائد هذه السلسلة من خلال عشرة فوائد هي:

  • الفائدة الأولى:
    أن نفهم الإسلام فهماً شاملاً، لا فهماً تفصيلياً فنتعرف على العبادات مثلاً لا من حيث التفصيل، والدخول بالجزئيات، بل من حيث الفهم الكلي لمعاني العبادات، كخصائص، ومزايا، ومقاصد العبادات في الإسلام، وكذلك سنفعل عندما نتحدث عن المعاملات، فنتكلم عن الاقتصاد الإسلامي بضوابطه، وأفكاره الكلية وقواعده العامة وخصائصه ومزاياه، ثم نفعل الشيء ذاته عندما ننتقل للحديث عن نظام الأسرة فنتعرف على هذا النظام بنظرة شمولية إجمالية عامة؛ فنتكلم عن خصائص الأسرة، ومزاياها في الإسلام، وكذلك الحال عند تناول جانب العقيدة فنتكلم عن مزايا العقيدة الإسلامية وأساليبها وخصائصها والمقصود منها، وثمراتها في عرضٍ كلِّي يشكل السقف لمباحث العقيدة،  ثم ننتقل لمباحث الأخلاق الفاضلة؛ لنفهمها فهما شمولياً أيضاً فنتحدث عن مصادر الأخلاق، وكيفية التحلي بها.

  • الفائدة الثانية:
    بناء الثقة بهذا الدين وبهذه الشريعة في عقول وقلوب من يسمع بها، أو يؤمن بأحكامها، فيجب علينا قبل دعوة الناس للإسلام، وتلقي أحكامه أن نبني الثقة بهذه الأحكام، فقبل أن أطلب من الناس تطبيق أحكام المعاملات، وأحكام الأسرة مثلاً، يجب أن أبني الثقة بهذه الأحكام؛ لأبين أنها الأحكام الكفيلة بتقديم السعادة للإنسان؛ فتَذُوقَ نساؤنا مثلاً: المعنى التشريفي لقول الله عزوجل: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ[النساء 34]،  فهذه القَوامة التي اختص الله بها الرجال ليست انتقاصاً، ولا هضماً لحقوق النساء، بل هي تكليفٌ لجانب الرجل يستدعي تشريفاً.

يجب أيضاً أن نعيد الثقة بدين الله عزوجل في قلوب شبابنا، وأبنائنا في ظلال قول الله عزوجل: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ۝ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا[طه 123- 124] وبقول الله عزوجل: ﴿إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ[الإسراء 9]، وأن نُذوِّقَ أبنائنا معنى قول الله عزوجل: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء 107].

 

  • الفائدة الثالثة:
    نستطيع من خلال هذه السلسة أن نبني المَلَكَةَ العلمية والفكرية في الدعوة إلى الله عزوجل للمسلمين، ولغيرهم، وتَمَلُّكُ حُسنِ العرض للإسلام، فالمسلمون يمتلكون هذا الدين العظيم متمثلاً بكتاب الله وسنة نبيه، ولكن كثيراً منهم لا يمتلك حُسْنَ العرض لهذا الدين، فحُسْنُ عرض البضاعة يحتل حيزاً كبيراً في حسن تسويقها، وإذا لم يكن عندنا التصور الشمولي لهذا الدين؛ قد يؤدي لخطأ العرض فنسيء للدين من حيث لا ندري.

  • الفائدة الرابعة:
    تحصين عقول الأمة وقلوبها من الشبهات الواردة على القلوب، والعقول فلا يوجد جزئية من جزئيات هذا الدين العظيم إلا وتَضرِبُها أمواج الشبهات، ولولا عَظَمة هذا الدين، وقوة الحق فيه لما استطاع الصمود أمام أمواج التشكيك العاتية، فنحن لا نستطيع حجب المواقع الالكترونية عن الناس، كما أننا لا نستطيع إغلاق القنوات الفضائية التي تبث سمومها صباح مساء، ولكننا نستطيع تحصين عقول، وقلوب أبنائنا من فتن الشبهات، والشهوات الواردة إلى قلوبهم، وعقولهم، من خلال المعرفة الصحيحة والواضحة لأحكام هذا الدين بما يحمله من عظمة وكمال وجمال ووسطية ومرونة، بحيث تشكِّل هذه المعارف في قلوب أبنائنا ثوابت لا يمكن التأثير عليها تحت ضغط أي شبهة أو شهوة.

  • الفائدة الخامسة:
    القدرة على الدفاع عن الإسلام بشكل علمي فأمة الإسلام لن تُعْدَمَ الحُرْقَة في قلوب أبنائها على هذا الدين، والتضحية من أجله، ولكننا قد لا نجد إلا القلة القليلة ممن يملكون الزاد الفكري، والعلمي للدفاع عن الإسلام، فعندما يدافعون عن الإسلام من دون علمٍ، ووعي؛ يؤدي هذا لخلل يقف عكس ما نطلب، فنريد أن نهيئ في هذه الأمة من يدافع عنها، ويرد سهام من يطعن بقرآنها، وسنة نبيها، الذي يمثل التطبيق العملي لهذه الأحكام.

  • الفائدة السادسة:
    تنقية الإسلام من المفاهيم المغلوطة التي علقت به عبْرَ تاريخها الطويل، ودخول الفلسفات الأخرى، ودخول المغرضين فيه، والضعف العلمي عند بعض أبنائنا الذين سمحوا لهذه المفاهيم الخاطئة بالدخول لهذا الدين، كما ظهر هذا في قضايا العقيدة، وقضايا الأسرة، وأن نحافظ على الفهم الصحيح الدقيق الذي فهمه سلفنا، وخلفنا، وأن نميز بين ما دونه علمائنا لمختلف علوم الشريعة، وبين ما لَحِقَ بهذه المدوَّنَات من تشويش، وتخليط وأباطيل.

  • الفائدة السابعة:
    نريد أن نتذوق كمال الإسلام، وعظمته بشكل علمي لا من خلال دعاوى عاطفيةٍ وظواهر صوتية، فمن السهل القول: بأن الإسلام دين عظيم يضمن السعادة للإنسان، لكننا لو سألنا من يقول هذا الكلام كيف يضمن الإسلام السعادة للإنسان؟ لوقف عاجزاً؛ لهذا نبحث عن المسلم الذي يتذوق هذه المعاني فنريد إيجاد المسلم المتذوق لكمال الإسلام كما تذوق رسول الله كمال الصلاة عندما قال في حقها: «أرحنا بها يا بلال».

  • الفائدة الثامنة:
    بناء الشعور الحقيقي بنعمة الإسلام التي وفدت إلينا من عند الله عزوجل، بل نريد أن نشعر بها كما نشعر بنعمة الطعام، والشراب، والصحة والعافية، ونعمة الولد وغير ذلك من نعم الله تعالى، وألا يكون فرحنا بهذه النعم أكثر من فرحنا بنعمة الإسلام قال تعالى: ﴿وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي[المائدة 3] فالنعمة التامة هي بهذا الدين، وهذه الشريعة كما قال تعالى: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ۖ قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم ۖ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ[الحجرات 17] وقال أيضاً: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ[الأعراف 43]، وأن نشعر بقول الله عزوجل: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ[آل عمران 164].

  • الفائدة التاسعة:
    تهيئة نفوس المخاطَبِين بالأحكام الشرعية، لقبول الحكم، والاستجابة له كما قال تعالى آمراً عباده: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ[الانفال 24]، فنعرِّفَهم معنى قول الله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ[البقرة 185] فليست البطولة أن تقول لشخص: هذا الحكم حرامٌ؛ بل البطولة أن ترى الوسيلة المناسبة لقبول هذا الحكم والرضا به رضاً يَشْعُرُ من خلاله أن هذا الحكم بالحرمة هو عين السعادة والرحمة من الله عزوجل.

  • الفائدة العاشرة:
    إزالة التناقض المزعوم بين قضايا الشريعة في كلياتها، وجزئياتها؛ فهناك من يتكلم عن مقاصد الشريعة فينسف الأحكام الجزئية لهذه الشريعة ويضرب الأحكام التفصيلية لها بمقاصدها، ويجعل التناقض المزعوم في أحكام الشريعة متمثلاً بحرفية النصوص الشرعية، وروح النصوص، مع أن كلاًّ من حرفية النصوص، وروح النصوص كلها تتجه لتصدق بقول الله عزوجل: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا[المائدة 3].

وفي الختام نسأل الله أن يوفقنا لتحقيق هذه الفوائد من خلال هذه السلسلة، وأن يوفقنا لهذا في البدء والختام إنه ولي ذلك والقادر عليه.

اللهم وفقنا لمحابك، وألهمنا مراشد الصواب والهداية.

وصلى الله على سيدنا، ونبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم.