سلسلة تفسير الفاتحة: بيان أول المقاصد القرآنية من خلال تفسير سورة الفاتحة يبينها الشيخ علي هاني

الشيخ المفسر اللغوي علي هاني يستمر في تفسير سورة الفاتحة، وفي هذا الجزء من التفسير يذكر ويحدد المقاصد الشرعية من سورة الفاتحة واشتمالها على جميع معاني القرآن من الناحية الإجمالية، ومعلوم أن قضية المقاصد من القضايا المهمة التي يشتغل بها المسلم، لأنها مهمة، ولكن الأهمية تتفاوت فتكون أعلى إذا كانت متعلقة بكلام الله عز وجل وخاصة سورة الفاتحة.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

قال البقاعي:
فالغرض الذي سيقت له الفاتحة وهو إثبات استحقاق الله تعالى لجميع المحامد وصفات الكمال، واختصاصه بملك الدنيا والآخرة، وباستحقاق العبادة والاستعانة، بالسؤال في المن بإلزام صراط الفائزين والإنقاذ من طريق الهالكين مختصا بذلك كله، ومدار ذلك كله مراقبة العباد لربهم، لإفراده بالعبادة، فهو مقصود الفاتحة بالذات وغيره وسائل إليه، فإنه لا بد في ذلك من إثبات إحاطته تعالى بكل شيء ولن يثبت حتى يعلم أنه المختص بأنه الخالق الملك المالك؛ لأن المقصود من إرسال الرسل وإنزال الكتب نصب الشرائع، والمقصود من نصب الشرائع جمع الخلق على الحق، والمقصود من جمعهم تعريفهم الملك وبما يرضيه، وهو مقصود القرآن الذي انتظمته الفاتحة بالقصد الأول، ولن يكون ذلك إلا بما ذكر علما وعملا.

******

تفصيل المعاني والإشارات التي دلت عليها الفاتحة، ثم بيان اشتمالها على جميع معاني القرآن اشتمالا إجماليا:
اعلم أن هذه السورة اشتملت على جميع معاني القرآن وأمهات المطالب العالية أتم اشتمال، وتضمنتها أكمل تضمن

 

أولا: تفصيل المعاني والإشارات دلت عليها الفاتحة

1) تعليم عباده كيف يحمدونه ويمجدونه ويعظمونه ويتذللون له ويثنون عليه بأوصاف كماله وجلاله، والإقرار باختصاصه بالربوبية والرحمة الواسعة الثابتة والتصرف في الدنيا والآخرة، والخضوع لله والتسليم لأمره وبيان استحقاقه تعالى لجميع المحامد وصفات الكمال، واختصاصه بملك الدنيا والآخرة.

2) وفي مقدمة السورة {الحمد لله} وهذا فيه أن كل حمد وثناء فهو مستحق لله سبحانه وكل كمال وكل نعمة منه سبحانه وهو مصدرها سبحانه و تستوجب الحمد.

3) وكلمة رب فيها معنى التربية والإنماء وهو صريح بأن كل نعمة يراها الإنسان في نفسه وفي الآفاق وفي العالمين فمنه عز وجل، فليس في الكون متصرف بالإيجاد ولا بالإشقاء والإسعاد سواه، و{إياك نعبد وإياك نستعين} اجتث جذور الشرك والوثنية التي كانت فاشية في جميع الأمم.

4) بيان واسع رحمته في {بسم الله الرحمان الرحيم} فذكر الرحمة في أول الكتاب – وهي التي وسعت كل شيء – وفيها وعد بالإحسان، الإشارة إلى شمول نعمته تعالى جميع الخلق، وبيان العلاقة بين الله وعباده بأنها علاقة رحمة لا عداوة، والدلالة على أن الرحمة غلبت الغضب ولذلك كررهما في الفاتحة، وبيان أنه المستحق وحده لأن يتبرك ويستعان ويبتدأ باسمه سبحانه لا معبوداتهم الباطلة؛ لأنه (الرحمن) ذو الرحمة العظيمة الواسعة التي تعم الوجود كله السموات والأرض، والدنيا والآخرة، المدبر للوجود برحمته، ومن أعظم رحمته إرسال الرسل وإنزال الكتب فإن رحمته تمنع إهمال عباده، وعدم تعريفهم ما ينالون به غاية كمالهم، وهو الرحيم بعباده يغفر لهم ويتوب عليهم ويثيبهم ويخرجهم من الظلمات إلى النور، ولا يكلفهم إلى ما في طاقتهم، ورحمته الثابتة متعلقة بهم لا تعد ولا تحصى، وقد كررها مرة ثانية تنبيها لنا على غاية رحمته وأن علاقته الأصلية بعباده الرحمة.

5) وفيها تقديم الدالِّ على الرحمة وهو (الرحمن الرحيم) على الدالُّ على الجلال والهيبة وهو (مالك يوم الدين) وتقديم الدالّ على الوعد، وهو (أنعمت عليهم) على الدالّ على الوعيد، وهو (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) لأن الترغيب أبعث للنفوس، ولأن رحمته تعالى سبقت غضبه، وفيها تقديم أمر الآخرة على أمر الدنيا وأن من طلب الهداية حصل خيري الدنيا والآخرة وأنها هي النعمة الحقيقية.

6) واشتملت على التعريف بالمعبود – تبارك وتعالى – بأربعة أسماء، وهي مرجع الأسماء الحسنى والصفات العليا إليها، ومدارها عليها ـ كما سيأتي توضيحه ـ، وهي: «الله، والرب، الرحمن، الرحيم ».

7) وفيها ذكر الأمور التي اختص بها تعالى لا يشاركه أحد فيها، وهو إيجاده للعالمين وتربيته لهم، ورحمته الواسعة العميمة الثابتة، وملكه ليوم الجزاء بجميع أحواله إيجادا وملكا وملكا وتصرفا، والخضوع له الذي هو المقصود الأصلي لذلك اليوم، وفيها النظر للترغيب (رب، الرحمن الرحيم) والترهيب (مالك يوم الدين) للدنيا والآخرة ثم لما تميز بذلك سبحانه أكمل تميز وبان أنه المنفرد بهذه الأمور التفت إليه سبحانه وبين أنه المستحق وحده لأن يستعان وأن يعبد وهذان الأمران اللذان يدور عليهما عبادة العابد وفيهما الإقرار بأنه عبد لله وأن الله سبحانه هو المعبود المستعان وحده.

8) وفيها الوعد والوعيد فذكر يوم القيامة، وبيان أنه تعالى هو الذي يملكه يملك إيجاده والتصرف فيه والحكم وغير ذلك من أحواله، فـمعنى الدين في {مالك يوم الدين} الجزاء والخضوع والانقياد لجزائه، وأن العالم كله يكون فيه خاضعا لعظمته ظاهرا وباطنا، يرجو رحمته ويخشى عذابه، وهذا يتضمن الوعد والوعيد وزد على ذلك أنه ذكر بعد ذلك {الصراط المستقيم} وهو الذي من سلكه فاز ومن تنكبه هلك، وفيها الترغيب والترهيب بالهداية والإنعام والغضب والضلال، وذلك يستلزم الوعد والوعيد.

9) وتضمنت إثبات المعاد، وجزاء العباد بأعمالهم – حسنها وسيئها – وتفرُّدَ الرب تعالى بالحكم إذ ذاك بين الخلائق، وكون حكمه بالعدل. وكل هذا تحت قوله {مالك يوم الدين}.

10) وفيها تخصيص العبادة بكل أنواعها لله وإفرادها له دون غيره والإخلاص فيها، والإقرار أنه المستحق وحده للعبادة، وتشمل التكليف بالأصول والفروع، الأصول: من توحيد واستعانة وتوكل واعتماد وتفويض ونحوها، والفروع: من صلاة وصوم وغيرها من أمور الفروع، كل ذلك في {إياك نعبد وإياك نستعين}.

11) وفيها الاستعانة به على كل الأمور، والإقرار بأن المعونة من عنده، والقدرة له والاعتراف بالعجز عن القيام بشيء منها إلا بإعانته تعالى، والاستعانة به تعالى لا سيما الهداية بالثبات والزيادة من الهداية للصراط المنعم عليهم، والسؤال بإلزام صراط الفائزين المنعم عليهم الذين هم مغايرون للمغضوب عليهم والضالين، والإنقاذ من طريق الهالكين، والاستعانة بالله أن يجنبه صراطهم ونتيجته السيئة.

12) فيها ذكر الصراط المستقيم، فهو سبحانه قد وضع لنا صراطا سيبينه ويحدده وتكون السعادة في الاستقامة عليه، والشقاوة في الانحراف عنه، وهذه الاستقامة عليه هي روح العبادة وروح العبادة هي إشراب القلوب خشية الله وهيبته والرجاء لفضله واستقامة على صراطه.

13) وفيها الأخبار والقصص ففي قوله تعالى {صراط الذين أنعمت عليهم} تصريح بأن هناك قوما تقدموا وقد شرع الله شرائع لهدايتهم فاستقاموا عليها فكانت سببا لسعادتهم دنيا وأخرى، ونجاتهم مما أصاب الظالمين فاعتبروا بها كما قال تعالى لنبيه يدعو إلى الاقتداء بمن كان قبله من الأنبياء {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} حيث بين أن القصص إنما هي للعظة والاعتبار.

14) وفيها ذكر النبيين والصديقين والشهداء والصالحين الذين أنعم الله عليهم بالإسلام والإيمان الراسخين وغاية الصلاح والتقوى والفوز بسعادة الدنيا والآخرة وإنعام الله في الدارين، وفي قوله تعالى {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} تصريح بأن من البشر من تعمد العصيان والمخالفة، فاستحق الغضب وكان محفوفا بالغضب الإلهي والخزي في هذه الحياة الدنيا، ومن الناس من حاد عن الطريق وضل فكانت عاقبته الخزي، والقرآن يفصل لنا في أخبار الأمم هذا الإجمال على الوجه الذي يفيد العبرة فيشرح حال الظالمين الذين قاوموا الحق عنادا، والذين ضلوا فيه ضلالا، وحال الذين حافظوا عليه وصبروا على ما أصابهم في سبيله.

15) فيها تعليم كيفية دعائه سبحانه، فالفاتحة تعلمنا آداب و كيفية السؤال فمن ذلك:

أ‌) أن يقدم العبد بين يدي دعائه و سؤاله أمورا يحسن تقديمها: كالضراعة إلى الملك سبحانه و التعظيم والإجلال وأن يحمده بمحامده اللائقة به سبحانه، ويثني عليه ويمجده، ثم يذكر العبودية وأن العبادة ليس إلا له، ثم يذكر الاستعانة وأنه لا استعانة إلا منه، ويتبرأ إليه من حوله وقوته، ويستعين الله على كل أموره لا سيما الهداية، فيطلب الهداية والإعانة عليها لأنها ملاك الأمر وفيها سعادة الدارين.

ب‌) وفيها من طرق الدعاء أن لا يخص الإنسان نفسه بالدعاء بل يسأل مطلوبه في حق المؤمنين كافة {إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا} فقد جاء فيها (اهدنا) ولم يقل (اهدني) فإن الدعاء كلما كان أعم كان الى الإجابة أقرب، فإنه لا بد أن يكون في المسلمين من يستحق الإجابة فإذا أجاب الله تعالى دعاءه، في حق البعض فهو أكرم من أن يرده فالفاتحة مشتملة على تعليمه المسألة وبيان كيفيتها اللائقة بالكاملين.
قال بعض العلماء [1] إذا تأملت الفاتحة وجدتها تحتوي مقاصد القرآن:
• فـ(الحمد لله) تشتمل سائر صفات الكمال التي استحق الله لأجلها حصر الحمد له تعالى
• و(رب العالمين) يشمل سائر صفات الأفعال
• (الرحمن الرحيم) يشمل بيان شمول رحمته وعظمتها وسعتها وثباتها التي منها كل ما قص القرآن علينا من نعمه تعالى على عباده كالنعم المذكور في سورة النحل والأنعام وغيرهما
• و(مالك يوم الدين) يشمل أحوال يوم القيامة.
• (إياك نعبد) يجمع معنى الديانة والشريعة والتوحيد بكل معانيه
• (إياك نستعين) يجمع معنى الإخلاص لله والاستعانة والافتقار والاعتراف بالكمال له سبحانه وافتقار العبد
• (اهدنا الصراط المستقيم) يشمل الأحوال الكاملة من عبادات ومعاملات وآداب وأحوال ظاهرة وباطنة وأحكام الدين كله من عبادات ومعاملات وآداب
• (صراط الذين أنعمت عليهم) يشير إلى أحوال المنعم عليهم المستقيمين الفاضلين أخيار العباد من النبيين والصديقين والصالحين أمما وأفرادا
• (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) يشمل سائر قصص الأمم الكافرة الجاحدة من المغضوب عليهم والضالين ويشير الى تفاصيل ضلالاتهم المحكمة عنهم في القرآن.

 

ثانيا: بيان اشتمالها على جميع معاني القرآن اشتمالا إجماليا:

الفاتحة تشتمل معانيها على مجمل معاني القرآن من الحكم النظرية والأحكام العملية، فإن معاني القرآن إما علوم تقصد معرفتها وإما أحكام يقصد منها العمل بها
1) فالعلوم :
أ‌) علم الأصول (العقائد): ومعاقده معرفة الله تعالى وصفاتِه وتوحيده، وإليها الإشارة بقوله {رب العالمين الرحمن الرحيم} ومعرفة النبوات وهي المرادة بقوله تعالى {أنعمت عليهم} والمعاد المُومَى إليه بقوله تعالى {مالك يوم الدين} .
ب‌) علم الأخلاق: وهو علم ما به يحصل الكمال وأجله الوصول إلى الحضرة الصمدانية والالتجاء إلى جناب الفردانية، والسلوك لطريقة الاستقامة في منازل هاتيك الرتب العلية وإليه الإشارة بقوله: {إياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم}
ت‌) علم القصص والمواعظ والأخبار عن الأمم السالفة السعداء والأشقياء وما يتصل بها من وعد محسنهم ووعيد مسيئهم وعد من أخذ بالصراط المستقيم وتبشيره بحسن المثوبة ووعيد من لم يأخذ به وإنذاره بسوء العقوبة، والوعد يشمل ما للأمة وما للإفراد فيعم نعم الدنيا والآخرة وسعادتهما والوعيد كذلك يشمل نقمهما وشقاءهما وهو المراد بقوله تعالى:{أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}.
2) الأحكام :
علم الفروع وأسُّه العبادات وهو المراد بقوله: {إياك نعبد} والعبادات بدنية ومالية، وهما مفتقران إلى أمور المعاش من المعاملات والمناكحات، ولا بد لها من الحكومات فتمهدت الفروع على هذه الأصول
أ‌) إما: عمل الجوارح وهو العبادات والمعاملات.
ب‌) وإما عمل القلوب أي العقول وهو تهذيب الأخلاق وآداب الشريعة
• وكلها تشتمل عليها معاني الفاتحة بدلالة المطابقة أو التضمن أو الالتزام كما تقدم.
• ولباب مقصود القرآن متضمن في الفاتحة، وذلك أن المقصود من إرسال الرسل وإنزال الكتب نصب الشرائع، والمقصود من نصب الشرائع جمع الخلق على الله سبحانه وتعريفهم ما يرضيه، وأعظمه عبادة الله وحده {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} بكل معاني التوحيد: من، واستعانة وتوكل وافتقار و حمد وثناء وخوف ورجاء وأهم هذه العباده معرفة الله تعالى معرفة تامة {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}، فهو هذا مقصود القرآن الذي انتظمته الفاتحة بالقصد الأول.
وقد تبين من مجموع ما تقدم أن الفاتحة قد اشتملت إجمالا على الأصول التي يفصلها القرآن تفصيلا، فلا جرم يحصل من معاني الفاتحة – تصريحا وتضمنا علم إجمالي بما حواه القرآن من الأغراض إذ كل كلمة من كلماتها، وكل آية من آياتها، تشير من قريب أو بعيد، إلى جملة محتويات القرآن الكريم، ومقاصده المتعددة، وموضوعاته المتنوعة، بما فيها من عقائد وذلك يدعو نفس قارئها الى تطلب التفصيل على حسب التمكن والقابلية ,ولأجل هذا فرضت قراءة الفاتحة في كل ركعة من الصلاة حرصا على التذكر لما في مطاويها، وقد قال كثير من المفسرين:إنها براعة استهلال رائعة للقرآن، وبسبب هذا تكون الفاتحة جديرة بأن تسمى (أم القرآن).

ولعل في ذلك كله تنطوي حكمة وضعها فاتحة للمصحف وإيجاب قراءتها في كل ركعة قال سيد قطب:يردد المسلم هذه السورة القصيرة ذات الآيات السبع، سبع عشرة مرة في كل يوم وليلة على الحد الأدنى؛ وأكثر من ضعف ذلك إذا هو صلى السنن؛ وإلى غير حد إذا هو رغب في أن يقف بين يدي ربه متنفلا، غير الفرائض والسنن. ولا تقوم صلاة بغير هذه السورة لما ورد في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث عبادة بن الصامت: “لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب” إن في هذه السورة من كليات العقيدة الإسلامية، وكليات التصور الإسلامي، وكليات المشاعر والتوجيهات، ما يشير إلى طرف من حكمة اختيارها للتكرار في كل ركعة، وحكمة بطلان كل صلاة لا تذكر فيها.

وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: مَقَاصِدُ الْقُرْآنِ سِتَّةُ ثَلَاثَةٌ مُهِمَّةٌ؛ وَثَلَاثَةٌ مُتِمَّةٌ الْأُولَى تَعْرِيفُ الْمَدْعُوِّ إِلَيْهِ كَمَا أُشِيرُ إِلَيْهِ بِصَدْرِهَا [وهو الله سبحانه عرفه بالحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم] وَتَعْرِيفُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِيهَا وَتَعْرِيفُ الْحَالِ عِنْدَ الرُّجُوعِ إِلَيْهِ تَعَالَى وَهُوَ الْآخِرَةُ كَمَا أُشِيرَ إِلَيْهِ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وَالْأُخْرَى تَعْرِيفُ أَحْوَالِ الْمُطِيعِينَ كَمَا أُشِيرَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} وَحِكَايَةُ أَقْوَالِ الْجَاحِدِينَ وَقَدْ أُشِيرَ إِلَيْهَا بِ {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} وَتَعْرِيفُ مَنَازِلِ الطَّرِيقِ كَمَا أُشِيرَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
قَالَ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي كِتَابِهِ «حَلُّ الرُّمُوزِ وَمَفَاتِيحُ الْكُنُوزِ»:الطَّرِيقَةُ إِلَى اللَّهِ لَهَا ظَاهِرٌ (أَيْ عَمَلٌ ظَاهِرٌ أَيْ بَدَنِيٌ) وَبَاطِنٌ (أَيْ عَمَلٌ قَلْبِيٌّ) فَظَاهِرُهَا الشَّرِيعَةُ وَبَاطِنُهَا الْحَقِيقَةُ، وَالْمُرَادُ مِنَ الشَّرِيعَةِ وَالْحَقِيقَةِ إِقَامَةُ الْعُبُودِيَّةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُرَادِ مِنَ الْمُكَلَّفِ.
وَيَجْمَعُ الشَّرِيعَةَ وَالْحَقِيقَةَ كَلِمَتَانِ هُمَا قَوْلُهُ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ فإياك نَعْبُدُ شَرِيعَةٌ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ حَقِيقَةٌ.

 

[1] مع تصرف وتغيير في بعض الأمور