سلسلة تفسير الفاتحة: الجزء الأول من أسماء سورة الفاتحة للشيخ علي هاني

يقوم فضيلة الشيخ الأستاذ المفسر اللغوي علي هاني بتقديم تفسير سورة الفاتحة، ويبدأ بمقدمات في تفسير تلك السورة تشمل التعريف بالسورة وبيان أسمائها المتنوعة وذكر اختلاف العلماء في أسمائها. فهذا الجزء الأول نقدم بعض أسماء هذه السورة وبيان السبب وراء هذه التسميات .

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أسماء سورة الفاتحة:
اعلم أن هذه السورة الكريمة لها أسماء كثيرة، وذلك يدل على شرفها فإن كثرة الأسماء دالة على شرف المسمى وكذلك كل اسم يبين جانبا منها وقد بلغت أسماء الفاتحة واحدا وعشرين اسما، أذكر أهما:

 

الأول: فاتحة الكتاب

سمّيت “فاتحة الكتاب” لأن موضعها يعطي ذلك لأن القرآن افتتح كتابة وخطا وترتيبا بها فهي أول سورة في القرآن من حيث الترتيب فَاتحة لما يتلوها من سور القرآن، والفاتحة: في الأصل صفة (مشتق) [1] ثم نقلت من الوصفية وجعلت اسما (لأوَّل الشيءِ) والتاء فيها للنقل من الوصفية[2] إلى الإسمية أي للدلالة على النقل من الوصفية إلى الإسمية (أي معاملة الصفة معاملة الاسم في الدلالة له على ذات معينة لا على ذي وصف) لا لتأنيث الموصوفِ المقدرِ (كالقطعة) مثلا إذا لا حاجة الى تقديره [3]
و(فاتحة) مشتقة من الفتح وهو إزالة حاجز عن مكانٍ مقصودٍ وُلُوجُهُ فصيغتها تقتضي أن موصوفها شيء يزيل حاجزا , وليس مستعملا في حقيقته بل مستعملا في معنى أول الشيء والعلاقة بين أول الشيء وفاتحته أن الفاتح للشيء ـ كالفاتح للباب مثلا ـ هو أول من يدخل، فسميت السورة الأولى من الكتاب الكريم (فاتحة الكتاب) لذلك، المعنى أوَّل الكتاب ومبدئه إذ بها يتعلق الفتح للمجموع، فـ(فاتحة) وصفٌ وُصِفَ به مبدأ القرآن وعومل معاملة الأسماء الجنسية ثم أضيف إلى الكتاب ثم صار هذا المركب علما [4]على هذه السورة.

 

وإضافة (سورة) إلى (فاتحة الكتاب) فيه ثلاثة:
القول الأول من إضافة العام إلى الخاص [5] بمعنى اللام إذ الاسم فاتحة الكتاب والبقرة وآل عمران مثلا فهو تركيب إضافي والإضافة بمعنى اللام لأن المضاف إليه ليس ظرفا للمضاف ولا صادقا عليه والإضافة بمعنى اللام لا يشترط فيها صحة ظهور اللام كما صرح به النحاة
القول الثاني: حققه القونوي وهو أن الإضافة هنا من إضافة العام إلى الخاص وهي إضافة بيانية على تقدير (من) البيانية مثل قولهم (شجر الأراك) و(علم الفقه) (فاتحة الكتاب)علما على المقدار المخصوص من الآيات من {الحمد لله}الى {الضالين}
القول الثالث: أجازه ابن عاشور قائلا: ويصح عندي أن تكون إضافة السورة إلى فاتحة الكتاب من إضافة الموصوف إلى الصفة، كقولهم: مسجد الجامع، وعشاء الآخرة، أي سورة موصوفة بأنها فاتحة الكتاب
القول الرابع: القول الثاني: رجح الشهاب والآلوسي: أنه من إضافة المسمى إلى الاسم كيوم الأحد ورده القونوي وسيأتي

 

و إضافة (فاتحة) إلى (الكتاب) فيها قولان:
رجح أبو السعود وزاده والقونوي أن الإضافة فيه بمعنى اللام قال القونوي: لامية من إضافة الجزء إلى الكل إذ المراد بالكتاب الكل كما هو الظاهر لا المعنى الكلي فإن الكلي لا أول له فالمختار أن الكتاب هو مجموع المنزل وهو ما نقل إلينا بين دفتي المصاحف تواترا كما في التنقيح

 

الثاني: أم [6] الكتاب وأم القرآن:
تسميتها أم القرآن وأم الكتاب قد ثبتت في السنة من ذلك ما في (صحيح البخاري.في كتاب الطب أن أبا سعيد الخدري رقى ملدوغا فجعل يقرأ عليه بأم القرآن ,وفي الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم (كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خِداج) أي منقوصة مخدوجة [7]
وفي سبب تسميتها هذا الاسم عدة أقوال:
القول الأول: وهو الأصح أنها سميت أما لأن الأم الأصل، وهي أصل القرآن لانطوائها على جميع أغراض القرآن وما فيه من العلوم والحكم، لأن الله تعالى أودعها مجموع ما في السور فهي متضمنة معاني القرآن مجملاً، لأن فيها إثبات الثناء على الله تعالى وإثبات أنه خالق الكون والعالمين ومربيهما ومعرفة عزة الربوبية وأنه عم برحمته العالمين وإثبات يوم القيامة وأنه مالكه سبحانه ثم إخلاص العبادة لله وحده دون شريك توحيدا بكل معاني التوحيد والاستعانة به وحده ومعرفة ذلة العبودية وعلى هذا يدور جميع القرآن ثم طلب طريق المنعم عليهم والاستعاذة من طريق المغضوب عليهم والضالين وهذه المعاني هي التي يدور عليها مقصود القرآن. وأم الشيء: أصله، فلما كان المقصد الأعظم من القرآن هذه المطالب وكانت هذه السورة مشتملة عليها لقبت بأم القرآن وسأذكر بعد أسماء السور خلاصة ما حوته الفاتحة من العلوم وكيف حوت مجمل معاني الفاتحة.
هذا الوجه اختاره الزمخشري والبقاعي والمنار والقشيري والمراغي الصابوني والنيسابوري والسامرائي أجازه أبو السعود والبيضاوي والآلوسي وقدمه الرازي

القول الثاني في سبب تسميتها أم القرآن:
تسمي العرب كل مبتدئ متقدم لأمر إذا كانت له توابع تتبعه أُمّاً فأم كل شيء ابتداؤه وإنما أطلق على المبدأ أماً: لتسمية العرب كل مقدِّمٍ لأمر أو جامع – إذا كانت له توابعُ تتبعه، هو لها إمام جامع – “أمًّا” [8] والفاتحة لأنها متقدمة على سائر سور القرآن [9] وابتداء القرآن متقدمة عليه وإمام لما يتلوها من السور وما سواها تبع يبدأ بكتابتها في الصحف وقراءتها في الصلاة قبل كلّ سورة ـ سميت بأم القرآن والكتاب لأنها أمّته أي تقدمته وتأخُّر ما سواها خلفها فهي كالأم التي يتكون الولد بعدها فيبدأ بقراءتها ويبُدأ بكتابتها في المصاحف قبل سائر القرآن، وذلك من معناها شبيهٌ بمعنى فاتحة الكتاب، قال البخاري: سميت أم الكتاب لأنها يبدأ بكتابتها في المصحف وبقراءتها في الصلاة.
رجح هذا القول: الطبري أبو عبيدة والبغوي والآلوسي وابن عطية والقرطبي والطبرسي وابن كثير والماوردي والطوسي والشوكاني والسمعاني قدمه البيضاوي وأبو السعود

قال السيوطي في الإتقان: واختلف لم سميت بذلك فقيل لأنها يبدأ بكتابتها في المصاحف وبقراءتها في الصلاة قبل السورة قاله أبو عبيدة في مجازه وجزم به البخاري في صحيحه واستشكل بأن ذلك يناسب تسميتها فاتحة الكتاب لا أم الكتاب وأجيب بأن ذلك بالنظر إلى أن الأم مبتدأ الولد قال الماوردي سميت بذلك لتقدمها وتأخر ما سواها تبعا لها لأنها أمته أي تقدمته ولهذا يقال لراية الحرب أم لتقدمها وإتباع الجيش لها ويقال لما مضى من سني الإنسان أم لتقدمها ولمكة أم القرى لتقدمها على سائر القرى
القول الثالث: لأنها أفضل السور كما يقال لرئيس القوم أم القوم، ضعفه الآلوسي
القول الربع: لأن حرمتها كحرمة القرآن كله ضعفه الآلوسي
القول الخامس: لأن مفزع أهل الإيمان إليها كما يقال للراية أم لأن مفزع العسكر إليها ضعفه الآلوسي
القول السادس: أو لأنها محكمة والمحكمات أم الكتاب، ضعفه الآلوسي

 

الخلاف في جواز تسميتها بأم الكتاب:
واختلف في تسميتها بأم الكتاب فجوزه الجمهور، لأن الكتاب هو القرآن، ومنعه الحسن وابن سيرين، وزعما أن أم الكتاب اسم اللوح المحفوظ فلا يسمى به غيره، لقوله تعالى: {وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم} وقال الحسن: الآيات المحكمات: هن أم الكتاب، ولذا كرها أيضا – أن يقال لها أم القرآن.
والأحاديث الثابتة ترد هذين القولين. روى الترمذي: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْحَمْدُ لِلَّهِ أُمُّ الْقُرْآنِ وَأُمُّ الْكِتَابِ وَالسَّبْعُ الْمَثَانِى ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

الثالث: (الأساس)

 شكا رجل إلى الشعبي وجع الخاصرة، فقال: عليك بأساس القرآن فاتحة الكتاب، قال الشعبي: سمعت عبد الله بن عباس يقول: أساس الكتب القرآن، وأساس القرآن فاتحة الكتاب، وأساس الفاتحة “بسم الله الرحمن الرحيم” فإذا اعتللت أو اشتكيت فعليك بالأساس تشف بإذن الله تعالى.
الثعلبي والطبرسي والقرطبي والنسفي.
وفيه وجوه:
الأول: أنها أول سورة من القرآن، فهي كالأساس. النيسابوري والرازي والبيضاوي والآلوسي والمراغي والشربيني
الثاني: أنها مشتملة على أشرف المطالب، وذلك هو الأساس.
أبو السعود والأمثل
النيسابوري والرازي
الثالث: أن أشرف العبادات بعد الإيمان هو الصلاة، ولا تتم الصلاة إلا بها ذكره الرازي

 

الرابع : سورة الكنز

القول الأول: لما أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده عن عليّ رضي الله
عنه أنه سئل عن فاتحة الكتاب فقال: حدثنا نبي الله صلى الله عليه وسلّم أنها أنزلت من كنز تحت العرش} [10] وأخرج ابن مردويه، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ آخر سورة البقرة، أو آية الكرسي ضحك وقال: « إنهما من كنز تحت العرش » وفي رواية (فاتحة الكتاب أنزلت من تحت كنز من كنوز العرش)، وفي رواية “إن الله قال فيما من به على رسوله إتي أعطيتك فاتحة الكتاب وهي كنز من كنوز عرشي”
قال الشهاب: وفي الحديث (كنز) أو (من كنز) استعارة وتمثيل لعظم قدر ما فيها وهو أنفس الجواهر بل هي عنده من الحجارة أخس وجعل العرش والسموات مهبطة، لأنها محل ابتداء ظهوره وفيضه.
قال (القونوي): وليست باستعارة لذكر الطرفين إلا أن يجعل من قبيل (قد زر أزراره على القمر) يقول علي هاني: وهو كذلك في الروايتين الأوليين (أنزلت من تحت العرش) (من تحت كنز) لأن الطرفين لم يذكرا على وجه ينبئ عن التشبيه أما الثالثة (وهي كنز) فهي تشبيه بليغ.
اختار القول الأول في سبب التسمية: حقي والنيسابوري والنسفي الشربيني وابن رجب وقدمه أبو السعود
القول الثاني: لِمَا ذُكِرَ في أُمِّ القُرآن، أي لاشتمالها على مقاصد القرآن وجملة معانيه وهذا قول آخر غير القول الأول كما نبه عليه الشهاب وغيره فكانت كأنها لاشتمالها على مقاصد القرآن صارت بمنزلة الكنز أي المال المدفون من حيث نفاستها [11] قال الشهاب: لاشتمالها على مقاصد القرآن أو جملة معانيه التي هي كالجواهر النفيسة المكنوزة لأنها ذخر المعاد والسعادة الأبدية ـ ثم إن كونها كنزا استعارة وتمثيل لعِظَم ما فيها وهو أنفس من الجواهر بل الجواهر عنده من الحجارة أو أخس.فالمكنوز في هذه السورة: إما أصول مقاصد القرآن 2 – أو جملةُ معانيه
الزمخشري والبيضاوي والآلوسي وأبو زهرة

 

الخامس (الوافية) فيه ثلاثة أقوال:
القول الأول: لأنها لا تنتصف في الصلاة، كان سفيان بن عيينة يسميها بهذا الاسم؛ لأنها لا تقبل التنصيف ولا تحتمل الاختزال [12]، ألا ترى أن كل سورة من القرآن لو قرىء نصفها في ركعة والنصف الثاني في ركعة أخرى لجاز، وهذا التنصيف غير جائز في هذه السورة. ولو نصفت الفاتحة في ركعتين لم يجز.
الخازن والنيسابوري والقرطبي والرازي والثعلبي والنيسابوري وابن رجب
القول الثاني: تسميتها بالوافية لاشتمالها على معاني القرآن كما سيأتي تفصيله
الزمخشري والنسفي والبيضاوي وأبو السعود وأبو زهرة وحقي
قال الزمخشري: وتسمى أمّ القرآن لاشتمالها على المعاني التي في القرآن من الثناء على اللَّه تعالى بما هو أهله، ومن التعبد بالأمر والنهى، ومن الوعد والوعيد. وسورة الكنز والوافية لذلك.
القول الثالث: وقيل: لأنها جمعت بين ما لله وبين ما للعبد. قاله المرسي [13]

 

السادس: (الكافية)
القول الأول:
سماها عبد الله بن يحيى بن أبي كثير [14]: الكافية؛ لأنها تكفي عما سواها ولا يكفي ما سواها عنها، ويؤيد ذلك ما رواه عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم [15] الحديث المرسل: “أم القرآن عِوَضٌ من غيرها، وليس غيرها عوضا عنها” [16] الثعلبي والنيسابوري والخازن وابن كثير والقرطبي والرازي والطبرسي والنيسابوري والشوكاني والسراج المنير.
القول الثاني:
تسميتها بالكافية لاشتمالها على معاني القرآن كما سيأتي تفصيله
الزمخشري والنسفي والبيضاوي وأبو السعود وحقي وأبو زهرة

 

السابع: سورة الحمد؛ لأنها افتتحت بالحمد ولأن فيها ذكر الحمد كما يقال: سورة الأعراف والأنفال والتوبة ونحوها.

 

الثامن: سورة الشكر
وذلك لأنها ثناء على الله بالفضل والكرم والإحسان فلِذكرِ بعض أفراد الشكر اللساني فيها كـ(رب العالمين الرحمن الرحيم) وهذا فوق أنه حمد لله تعال هو شكر لأنه في مقابلة نعمة الربوبية والرحمة الشاملة فإن كل قارئ منعم عليه فإذا حمد كان في مقابلة ذلك كان شاكرا
التاسع: سورة الدعاء، لاشتمالها على قوله: {اهدنا الصراط المستقيم} فنصفها مسألة ودعاء
البيضاوي والبقاعي والشربيني والآلوسي

العاشر:
تعليم المسألة: لاشتمالها على المسألة [17]، والمسألة هنا مصدر ميمي بمعنى السؤال والمراد تعليم كيفية السؤال وطريقته: فإن السائل ههنا حمد أولا ثم أثنى عليه ثم ذكر أن عبادتي ليس إلا له ولا استعانة إلا منه ثم سأل فقدم على سؤاله أمورا يحسن تقديمها عليه فهي مشتملة على تعليمه وبيان كيفيته اللائقة بالكاملين وسيأتي في تفصيل ذلك قريبا في بيان جمع الفاتحة لمقاصد.

الحادي عشر (الصلاة):
لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: قال الله تعالى: قسمت الصلاة [18] بيني وبين عبدي نصفين، نصفها لي، ونصفها لعبدي، فإذا قال العبد: (الحمد لله رب العالمين) يقول الله: حمدني عبدي. فإذا قال: (الرحمن الرحيم) يقول الله أثنى علي عبدي. فإذا قال العبد: (مالك يوم الدين) يقول الله: مجدني عبدي. فإذا قال: (إياك نعبد وإياك نستعين) يقول الله: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل. فإذا قال: (اهدنا الصراط المستقيم) إلى آخره، قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل، أورده مسلم بن الحجاج في الصحيح، فقوله صلى الله عليه وسلم “قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين” يعني الفاتحة وسميت الفاتحة صلاة من باب تسمية الشيء باسم أهم أركانه لأنها فرض أو واجب فلا تتم أو لا تصح إلا بها فهو مجاز مرسل من إطلاق الكل على الجزء أو الملزوم وإرادة اللازم
ابن كثير والشربيني والنيسابوري والرازي وشحاته والنووي في شرح مسلم وفي المفهم لما اشكل من صحيح مسلم
ومن العلماء من جعل الاسم: “سورة الصلاة” أي مع إضافة (سورة) النسفي والزمخشري وأبو السعود والشوكاني والمظهري أبو زهرة واختاره الآلوسي وضعف تسميتها (الصلاة) بدون سورة كما سيأتي [19]

الثاني عشر: (الشافية) (الشفاء):
روى الخلعي فى فوائده: (فاتحة الكتاب شفاء من كل شىء الا السَّامُ) ولقولة عليه السلام “فاتحة الكتاب شفاء من كل داء إلا السام” – والسَّامُ الموت
و لما روى الدارمي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فاتحة الكتاب شفاء من كل سم)
قال الرازي:وأقول: الأمراض منها روحانية، ومنها جسمانية، والدليل عليه أنه تعالى سمى الكفر مرضاً فقال تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ} [البقرة: 10] وهذه السورة مشتملة على معرفة الأصول والفروع والمكاشفات، فهي في الحقيقة سبب لحصول الشفاء في هذه المقامات الثلاثة..

الثالث عشر: السبع المثاني
تسميتها السبع المثاني ثبتت بالسنة، ففي صحيح البخاري عن أبي سعيد ابن المعلى “أن رسول الله قال الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته”
وبيان جزئي العلم:
(السبع):
وأما تأويل اسمها أنها “السَّبْعُ”، فإنها سبعُ آيات [20]، لا خلاف بين الجميع من القرَّاء والعلماء في ذلك [21].
وإنما اختلفوا في الآي التي صارت بها سبع آيات:
القول الأول:
فقال معظم أهل الكوفة ومكة: صارت سبع آيات بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ورُوي ذلك عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين والشافعي يعد البسملة آية منها.
القول الثاني:
قالوا هي سبع آيات، وليس منهن {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ولكن السابعة “أنعمت عليهم”. وذلك قول معظم قَرَأةِ أهل المدينة والبصرة والشام ومُتْقنيهم ومنهم الإمام مالك
(المثاني):
أ‌- يحتمل أن تكون من الثناء لما فيها من الثناء على الله تعالى أو لما ورد من الثناء على من يتلوها
ب‌- وأن تكون من الثُّنْيا [22] لأن الله تعالى استثناها لهذه الأمة والحمد لله على هذه النعمة وهو قول مجاهد، وابن جبير عن ابن عباس: “إنما سميت الحمد السبع المثاني [لأن الله استثناها لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، لم يعطها أحد قبل أمة محمد صلى الله عليه وسلم” ورووا في ذلك حديثا قال عليه الصلاة والسلام: “والذي نفسي بيده ما أنزل في التوراة، ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثل هذه السورة وإنها السبع المثاني والقرآن العظيم.”
وضعف هذا القول ابن عطية قال: وقيل: سميت مثاني لأنها مستثناة من سائر الكتب
ت‌- ويحتمل أن تكون المثاني من التثنية [23] وهو الأصح وعلى هذا الأخير ففيها أقوال
القول الأول: وهو الأصح إنما سميت السبع المثاني لأنهن يثنين في كل صلاة مكتوبة وتطوُّع أي يعدن فتكون التثنية بمعنى التكرير واستعمال المثنى في مطلق المكرر شائع نحو {فارجع البصر كرتين} ونحو لبيك وسعديك ويقويه ما أخرجه ابن جرير بسند حسن عن عمر قال السبع المثاني فاتحة الكتاب تثنى في كل ركعة

قال الحسن البصري: تثنى في كل قراءة – أو قال – في كل صلاة. وهذا هو الذي قصده أبو النجم العجلي بقوله:
الحمدُ لله الذي عَافَانِي وكلَّ خَيْر بعدَهُ [24] أَعْطانِي
*** مِنَ القُرَآن ومِنَ المَثَاني***
وكذلك قول الراجز الآخر:
نَشَدْتُكم بِمُنزل الفُرقانِ *** أمِّ الكِتَاب السَّبع من مَثَانِي
ثُنِّينَ [25] مِنْ آيٍ من القُرْآنِ *** والسَّبعِ سبعِ الطُّوَل الدَّوانِي [26]
اختار هذا القول سيدنا عمر بن الخطاب ابن عباس والحسن وقتادة والطبري والطبراني والخازن والبغوي والسعدي وابن عطية ومحمد رشيد رضا وأبو زهرة وسيد طنطاوي
والطوسي والثعلبي ومكي والسمعاني وجمهور العلماء وهو الأصح
القول الثاني: أن تلك الآيات تثنى في كل ركعة أي تضم إليها السورة في كل ركعة
اختاره ابن عاشور قائلا: ووجه الوصف به أن تلك الآيات تثنى في كل ركعة قيل وهو مأثور عن عمر بن الخطاب، وهو مستقيم لأن معناه أنها تضم إليها السورة في كل ركعة [27]
القول الثالث:
أنها مثنى: نصفها ثناء العبد للرب، ونصفها عطاء الرب للعبد
القول الرابع: لأنها كلما قرأ العبد منها آية ثَنَّاه اللهُ تعالى بالإخبار عن فعله كما في الحديث المشهور [28]
القول الخامس: سميت مثاني لأن الله أنزلها مرتين قال ابن عاشور: وَهَذَا قَوْلٌ بَعِيدٌ جِدًّا وَتَكَرُّرُ النُّزُولِ لَا يُعْتَبَرُ قَائِلُهُ، وَقَدِ اتُّفِقَ عَلَى أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ فَأَيُّ مَعْنًى لِإِعَادَةِ نُزُولِهَا بِالْمَدِينَةِ.
تنبيه:
لا تنافي بين تسمية الفاتحة السبع المثاني وتسمية القرآن مثاني فليس في تسميتها بالمثاني وأم الكتاب ما يمنع من تسمية غيرها بذلك، قال الله عز وجل: “كتابا متشابها مثاني” فأطلق على كتابه: مثاني لأن الأخبار تثنى فيه فهو جمع مُثَنَّى بضم الميم وفتح النون المشددة بمعنى مردد ومكرر ّ لمَا ثُنِّي من قصصهِ وأنبائِه وأحكامِه وأوامرهِ ونواهيهِ ووعدِه ووعيدِه ومواعظِه لما كرر وثنى من أحكامه ومواعظه وقصصه، وهذا يتضمن امتناناً على الأمة بأن أغراض كتابها مكررة فيه لتكون مقاصده أرسخ في نفوسها، وليسمعها من فاته سماع أمثالها من قبلُ. ويتضمن أيضاً تنبيهاً على ناحية من نواحي إعجازه، وهي عدم المَلل من سماعه وأنه كلما تكرر غرض من أغراضه زاده تكرره قبولاً وحَلاوة في نفوس السامعين.

 

الرابع عشر:سورة السؤال
وسماها الرازي السؤال بدون سورة [29] فالمراد أن تسميتها بالسؤال لأنها مشتملة على الدعاء وعلى تعليمه وبيان كيفيته اللائقة بالكاملين، وقد فعل الخليل عليه السلام ذلك حيث قال: {الذى خلقني فَهُوَ يَهْدِينِ} [الشعراء: 78] إلى أن قال: {رَبّ هَبْ لي حُكْماً وألحقني بالصالحين} [الشعراء: 83] ففي هذه السورة أيضاً وقعت البداءة بالثناء عليه سبحانه وتعالى وهو قوله: {الحمد لله} إلى قوله {مالك يوم الدين} ثم ذكر العبودية وهو قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ثم وقع الختم على طلب الهداية وهو قوله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم} وهذا يدل على أن أكمل المطالب هو الهداية في الدين والسورة جامعة بينهما
وقد سماها الآلوسي وحقي والشربيني والسيوطي في حاشيته على البيضاوي “سورة السؤال” بإضافة (سورة) أما الرازي فقال السؤال بدون سورة

الخامس عشر:
الرقية، ثبت ذلك من حديث أبى سعيد الخدري وفيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي رقى سيد الحي: (ما أدراك أنها رقية) فقال: يا رسول الله شيء ألقى في روعي … الحديث. خرّجه الأئمة وفي الصحيح وسيأتي بتمامه.

 

السادس عشر:
الواقية [30]: سماها سفيان بن عيينة: الواقية، ذكره ابن كثير والبقاعي وأبو حيان وسيد طنطاوي وابن جزي

السابع عشر: سورة المناجاة لأن العبد يناجي ربه بقوله إياك نعبد وإياك نستعين، سورة المناجاة لأن العبد يناجي ربه بما فيها من ثناء ودعاء واستعانة ولا سيما في قوله {إياك نعبد وإياك نستعين}

الثامن عشر: سورة التفويض لأن العبد يناجي ربه بقوله إياك نعبد وإياك نستعين وبالتالي يحصل التفويض

التاسع عشر: القرآن العظيم، روى الإمام أحمد عن أبي هريرة: أن النبي قال لأم القرآن هي أم القرآن وهي السبع المثاني وهي القرآن العظيم “سميت بذلك لتضمنها واشتمالها على المعاني التي في القرآن” كما سيأتي

العشرون: سورة الحمد الأولى، وسورة الحمد القصرى [31]

الواحد والعشرون: سورة النور [32] لظهورها بكثرة استعمالها أو لتنويرها القلوب لجلالة قدرها، أو لأنها لما اشتملت عليه من المعاني عبارة عن النور بمعنى القرآن.

عدد كلماتها وحروفها:
قال الخازن:وسبع وعشرون كلمة ومائة وأربعون حرفا وقال ابن كثير: كلماتها خمس وعشرون كلمة، وحروفها مائة وثلاثة عشر حرفًا النيسابوري: وكلماتها خمس وعشرون وحروفها مائة وثلاثة وعشرون.
و لم يوجد فيها الثاء والجيم والخاء والزاي والشين والظاء والفاء

 

[1] وفيها قولان آخران الأول: قول الشريف قدس سره: الفاتحة مصدر كالكاذبة بمعنى الكذب، ثم أطلق على أوّل الشيء تسمية للمفعول بالمصدر لأنّ الفتح يتعلق به أوّلاً، ثم بواسطته يتعلق بالمجموع، فهو المفتوح الأوّل،القول الثاني: وقيل:وصف والتاء فيه للمبالغة ولا اختصاص لها بزنة علامة كما توهم ويرد الأول: قلة فاعلة في المصادر ويرد الثاني عدم ظهور قصد المبالغة
[2] قال ابن عاشور: قال التفتزاني في شرح الكشاف: ولعدم اختصاص الفاتحة والخاتمة بالسورة ونحوها كانت التاء للنقل من الوصفية إلى الاسمية وليست لتأنيث الموصوف في الأصل، لأنهم يقولون فاتحة وخاتمة دائما لا في خصوص جريانه على موصوف مؤنث كالسورة والقطعة، وذلك كقولهم فلان خاتمة العلماء، وكقول الحريري في المقامة الأولى أدتني خاتمة المطاف، وهدتني فاتحة الألطاف.
[3]قال التفتزاني في شرح الكشاف: (ولعدم اختصاص الفاتحة والخاتمة بالسورة ونحوها كانت التاء للنقل من الوصفية الى الاسمية وليست لتأنيث الموصوف في الأصل) ,يعني لأنهم يقولون فاتحة وخاتمة دائما في خصوص جريانه على موصوف مؤنث كالسورة والقطعة وذلك كقولهم خاتمة العلماء وكقول الحريري (أدتني خاتمة المطاف)
[4] قال مجموعة من العلماء هي علم بالغلبة ورده الشهاب قائلا وقال الفاضل الشريف: فاتحة الكتاب صارت علما بالغلبة للسورة وقد ذكره في الكشف أيضاً، وفي اجتماع الغلبة والتجوّز نظر مع أنه مناف لما مرّ من النقل
[5]بيانية قال الشهاب: ثم إنهم أطلقوا كون الإضافة إلى الجزئي كـ(شجر الأراك) بيانية، وهو مخالف لما صرّح به كثير من المتقدمين والمتأخرين من أنها إنما تكون كذلك إذا كان بينهما عموم وخصوص وجهيّ، كخاتم فضة، فإن كان مطلقاً كمدينة بغداد فهي لامية [أي على تقدير اللام]، وذهب شارح الهادي إلى أنها بيانية أيضا، ولذا تراهم يجعلون شجر الأراك من الإضافة اللامية تارة، ومن البيانية أخرى، وهذا مما غفل عته كثير من الناس فاحفظه. قال القونوي: الأولى كون الإضافة بيانية بمعنى من البيانية فإن صاحب الكشاف ذهب إلى أن إضافة البهيمة إلى الأنعام وإلى أن إضافة اللهو إلى الحديث في قوله تعالى {احلت لكم بهيمة الأنعام} {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} بيانية، ورضي به المصنف مع أن البهيمة عامة والأنعام خاصة ـ ـ فعلم منه أن النحويين قائلون بالإضافة البيانية في إضافة العام إلى الخاص المطلق فاتضح ما ذكرناه من أن القول بأن إضافتها لامية وليس من شرطها أن يصح إظهار اللام ضعيف والتعويل على ما يستفاد من كلام الشيخين وهو أحسن المسلكين مع أنه قد نقله عن بعض النحاة بعض الثقات
[6] وأصل أم أمهة، ولذلك تجمع على أمهات قال الله تعالى: “وأمهاتكم”. ويقال أمات بغير هاء. قال:
*** فَرَجْتَ الظلام بأمّاتكا*** وقيل: إن أمهات في الناس، وأمّات في البهائم، حكاه ابن فارس في المجمل.
[7]خداجا نقص والحامل ألقت ولدها قبل تمام أيامه وإن كان تام الخلق فهي خادج
[8]
1) فتسمى لواء الجيش (راية الحرب) التي يجتمعون تحتها أما لتقدمها واتباع الجيش لها، ومن ذلك قول ذي الرُّمة، يصف رايةً معقودة على قناة يجتمع تحتها هو وصحبُه:
وَأَسَمْرَ، قَوَّامٍ إذَا نَام صُحْبَتِي،… خَفِيفِ الثِّيابِ لا تُوَارِي لَهُ أَزْرَا
عَلَى رَأْسِه أمٌّ لنا نَقْتَدِي بِهَا،… جِماعُ أمورٍ لا نُعاصِي لَهَا أمْرَا
إذَا نزلتْ قِيلَ: انزلُوا، وإذا غدَتْ… غَدَتْ ذاتَ بِرْزيقٍ نَنَال بِهَا فَخْرَا
يعني بقوله: “على رأسه أمٌّ لنا”، أي على رأس الرمح رايةٌ يجتمعون لها في النزول والرحيل وعند لقاء العدوّ.
شرح البيت: [أسمر]: يعني رمحًا أسمر القناة. قوام: يظل الليل قائمًا ساهرًا. خفيف الثياب: يعني اللواء والأزر: الظهر. يقول: رمح أسمر عاري الثياب، لا يواري اللواء ظهره كما يواري الثوب ظهر اللابس.] و(أمه)التي ذكر، هي اللواء، ويقال للواء وما لف على الرمح منه: أم الرمح. وجماع أمور: أي تجمعها فتجتمع عليها، وفي الحديث: “حدثني بكلمة تكون (جماعًا) قال: اتق الله فيما تعلم”. والأمور جمع أمر: يعني شئونًا عظامًا يقول أمر الجماعة إليها. وأما قوله: لا نعاصي لها أمرًا. فهو من الأمر نقيض النهي. “نزلت” يعني الراية. و”غدت”: سارت غدوة. وفي المطبوعة “ذات تزريق” وهو خطأ. والبرزيق: الموكب الضخم فيه جماعات الناس. وقال في كتاب التعريب والمعرب: إِنَّمَا البرزيق الْجَمَاعَة من النَّاس فُرْسَانًا ورجالة والبرازيق الْجَمَاعَات وَفِي الحَدِيث لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يكون النَّاس برازيق وَقَالَ أَبُو عبيد أَي جماعات
وَقَالَ اللَّيْث البرزيق جمَاعَة خيل دون الموكبوقوله: “ننال بها فخرًا” أي نغزو في ظلالها، فنظهر على عدونا ونظفر ونغنم، وذلك هو الفخر. وفي الديوان: “تخال بها فخرًا”، كأنه من صفة الراية نفسها، تهتز وتميل فخرًا وتيهًا لكثرة أتباعها من الغزاة والفرسان. قال أبو بكر القفال قال: سمعت أبا بكر بن دريد يقول: الأم في كلام العرب الراية التي ينصبها العسكر، قال قيس بن الحطيم:
نصبنا أمَّنَا حتى ابْذَعَرُّوا… وصاروا بعد إلفتهم سلالا
أبْذَعَرُّوا. أي: فَزِعوا فتفرّقوا.
2) وقد قيل إن مكة سميت “أمّ القُرى”، لتقدُّمها أمامَ جميعِها، وجَمْعِها ما سواها. وقيل: إنما سُميت بذلك، لأن الأرض دُحِيَتْ منها فصارت لجميعها أمًّا.ورجح كثيرون أنها سميت بذلك: لأنها كانت أعظم القرى شأناً لأنها قبلة أهل القرى ومحجهم ومجتمعهم ومن ذلك لأنها أشرف البلدان فهي متقدمة على سائرها [بحث المسألة]
3) وسميت الأرض أمّاً لنا لأنه منها ابتدأنا الله تعالى وإليها مرجعنا فهي مرجع الخلق إليها في حياتهم ومماتهم قال أمية بن أبي الصلت:فالأرض مَعْقلُنا وكانت أمنا *** فيها مقابرنا وفيها نولد
4) وقيل لما مضى على الإنسان من سني عمره، أم لتقدمها ومن ذلك قولُ أبي محمد التيمي عبد الله بن أيوب:
إذا كانتِ الخمسُونَ أُمَّكَ، لَم يكنْ *** لِدَائك ـ إلا أَنْ تَمُوت ـ طَبِيبُ.
لأن الخمسين جامعةٌ ما دونها من العدد، فسماها أمًّا للذي قد بلغها.وهذا البيت لأبي محمد التيمي عبد الله بن أيوب، مولى بني تيم ثم من بني سليم، من أهل الكوفة، من شعراء الدولة العباسية. أحد الخلعاء المجان الوصافين للخمر، كان صديقا لإبراهيم الموصلي وابنه إسحاق، ونديمًا لهما. ثم اتصل بالبرامكة ومدحهم، واتصل بيزيد بن مزيد، فلم يزل منقطعًا إليه حتى مات يزيد.
5) وتطلق الأم على الجلدة التي تجمع الدّماغ: “أم الرأس”. وهذا المعنى مناسب للمعنى الأم لأم الكتاب أي أنها جامعة لجميع معاني القرآن
[9] فيه ما تقدم في الفاتحة عن الآلوسي على الاعتبار بالكتابة بالمصحف أم القراءة في الصلاة قال أبو السعود: وتسمى أمَّ القرآن لكونها أصلاً ومنشأً له، إما لمبدئيتها له، وإما لاشتمالها على ما فيه من الثناء على الله عز وجل، والتعبُّدِ بأمره ونهيه، وبيانِ وعدِه ووعيده ـ وتسمى أمَّ الكتاب أيضاً ـ ومناطُ التسمية ما ذُكر في أم القرآن، لا ما أورده الإمامُ البخاري في صحيحه من أنه يُبدأ بقراءتها في الصلاة، فإنه مما لا تعلق له بالتسمية كما أشير إليه
[10] رواه إسحاق بن راهويه في مسنده (المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية للحافظ ابن حجر 14/ 429 حدثنا يحيى بن آدم، ثنا أبو زيد عبثر، عن العلاء بن المسيب، عن فضيل بن عمر، عن علي، ورواه الثعلبي في الكشف والبيان عن تفسير القرآن 1/ 418 وعنه الواحدي في أسباب نزول القرآن 17 من طريق مروان بن معاوية، كلاهما (عبثر، ومروان) عن العلاء بن المسيب. وعند الثعلبي زيادة … بمكة.
ورجال إسحاق بن راهويه رجال الشيخين ما عدا فضيلا فإنه من رجال مسلم، غير أن في السند انقطاعا، فإن فضيلا لم يلق أحدا من الصحابة. انظر في: جامع التحصيل في أحكام المراسيل للعلائي 252 وتحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل لأبي زرعة العراقي 4 وهو في ضعيف الجامع الصغير وروى البخاري في صحيحه عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعطيت فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة من كَنْز تحت العرش)
[11] قال السيالكوتي قوله لذلك ترجع لقوله: لاشتمالها على ما فيه أو على جملة معانيه وليست راجعه لقوله: لأنها مفتتحه ومبدؤه لأن هذا وإن كان يمكن إجراؤه في تسميتها بسورة الكنز بأن يقال لما كانت مفتتحا للقرآن الذي هو بمنزلة الكنز في النفاسة سميت بها لكن لا يجري في تسميتها بالوافية والكافية وسوق العبارة يقتضي اشتراك الثلاثة في وجه التسمية فمن قال لذلك أي لجميع ما ذكر فقد خرج عن السوق
[12] اخْتَزَلْتُهُ اقْتَطَعْتُهُ
[13] هو محمد بن عبد الله بن محمد شرف الدين المرسي، كان محدثا فقيها، صنف تفسيرا حسنا، توفي سنة خمس وخمسين وستمائة.
[14] (عبد الله بن يحيى) اليمامي عبد الله بن يحيى بن أبي كثيرٍ اليمامي كَانَ من خِيَار النَّاس ورعاً وَتُوفِّي فِي حُدُود الثَّمَانِينَ وَمِائَة وروى لَهُ البُخَارِيّ وَمُسلم
[15] صححه ابن حجر: رواه الحاكم عن عبادة مرفوعاً: أم القرآن عوض عن غيرها وليس غيرها عوضاً منها. ذكره الحافظ في التلخيص. قال: وله شواهد فساقها، الصحيح وهو قوله – عليه السلام -: أم القرآن عوض عن غيرها، وليس غيرها عوضا عنها-قال ابن كثير: حديث مرسل
[16] قال الثعلبي: الكافية، أخبرنا أبو القاسم السدوسي، أخبرنا أبو جعفر محمد بن مالك المسوري، حدّثنا أبو عبد الله محمد بن عمران قال: حدّثنا سهيل بن (محمّد)، حدّثنا عفيف بن سالم قال: سألت عبد الله بن يحيى بن أبي كثير عن قراءة الفاتحة خلف الإمام فقال: عن الكافية تسأل؟
قلت: وما الكافية؟ قال: أما علمت أنها تكفي عن سواها، ولا يكفي سواها عنها. إياك أن تصلي إلاّ بها.
وتصديق هذا الحديث ما حدّثنا الحسن بن محمد بن جعفر المفسر، حدّثنا عبد الرَّحْمن بن عمر ابن مالك الجوهري بمرو، حدّثنا أبي، حدّثنا أحمد بن يسار، عن محمد بن عباد الاسكندراني عن أشهب بن عبد العزيز، عن ابن عيينة، عن الزهري، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أمّ القرآن عوض عن غيرها وليس غيرها منها عوضاً ».
[17] قال ابن القيم: فصل [كيفية الدعاء المستجاب وصيغة سؤال الله] ولما كان سؤال الله الهداية إلى «الصراط المستقيم » أجل المطالب، ونَيْلُه أشرفَ المواهب: علَّم الله عباده كيفية سؤاله، وأمرهم أن يقدموا بين يديه حمده والثناء عليه، وتمجيده. ثم ذكر عبوديتهم وتوحيدهم. فهاتان وسيلتان إلى مطلوبهم. توسلٌ إليه بأسمائه وصفاته، وتوسل إليه بعبوديته. وهاتان الوسيلتان لا يكاد يرد معهما الدعاء. ويؤيدهما الوسيلتان المذكورتان في حديثي الاسم الأعظم اللذين رواهما ابن حبان في «صحيحه ». والإمام أحمد والترمذي. أحدهما: حديث عبد الله بن بُريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو، ويقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك الله الذي لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد. فقال صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لقد سأل الله باسمه الأعظم، الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئل به أعطى » قال الترمذي: حديث صحيح.
[18]قوله: ((قسمت الصلاة)) ؛ يعني: أم القرآن يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام عِنْد التَّفْسِير لَهُ وَالتَّفْصِيل لِلْمُرَادِ مِنْهُ إِذَا قَالَ الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ يَقُول اللَّه تَعَالَى حَمِدَنِي عَبْدِي إِلَى آخِر السُّورَة، سماها صلاة؛ لأن الصلاة لا تتم – أو لا تصح – إلا بها كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “الْحَجّ عَرَفَة”. ومعنى القسمة هنا: من جهة المعاني؛ لأن نصفها الأول في حمد الله وتمجيده، والثناء عليه وتوحيده. والنصف الثاني: في اعتراف العبد بعجزه وحاجته إليه، وسؤاله في تثبيته لهدايته ومعونته على ذلك انظر النووي وفي عون المعبود والمفهم لما أشكل من صحيح مسلم
[19] وعبارته: والسادس عشر والسابع عشر والثامن عشر: الرقية والشفاء والشافية، والأحاديث الصحيحة مشعرة بذلك والتاسع عشر سورة الصلاة لأنها واجبة أو فريضة فيها والاستحباب مذهب بعض المجتهدين ورواية عن البعض في النقل، قيل: ومن أسمائها الصلاة لحديث: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، وأراد السورة والمجاز اللغوي لعلاقة الكلية والجزئية أو اللزوم حقيقة أو حكما كالمجاز في الحذف محتمل.قال السيوطي في حاشية البيضاوي: قوله: (والصلاة) أي ومن أسمائها. سورة الصلاة، فيكون مجرورا معطوفا على الحمد وما بعده، ويجوز أن يكون مراده أن من أسمائها الصلاة من غير تقدير سورة، وهو قول ذكره بعضهم، لحديث “قسمت الصلاة بيني وبين عبدي” قال المرسي: لأنها من لوازمها، فهو من باب تسمية الشيء باسم لازمه، فيكون منصوبا معطوفا على سورة والأوّل هو الذي في الكشاف
[20] وقيل سميت بالسبع لأن فيها سبعة آداب في كل آية أدب وفيه بعد، وقيل لأنها خلت من سبعة أحرف الثاء والجيم والخاء والزاي والشين والظاء والفاء قال المرسي وهذا أضعف مما قبله لأن الشيء إنما يسمى بشيء وجد فيه لا بشيء فقد منه
[21] إلا ما روي عن حسين الجعفي: أنها ست وهذا شاذ. وإلا ما روي عن عمرو بن عبيد أنه جعل ” إياك نعبد ” آية وهي على عدة ثماني آيات وهذا شاذ. وقوله تعالى: ” ولقد آتيناك سبعا من المثاني وحديث (قسمت الصلاة) يرد ان هذين القولين.
[22] الثُّنْيا بالضم اسم من الاستِثناءِ تقول وهذه هبة ليس فيها ثنيا أي استثناء.
[23] جمع مُثَنَّى بضم الميم وتشديد النون، أو مُثْنَى مخفف مُثَنَّى، أو مَثْنَى بفتح الميم مخفف مثني كمعنى مخفف
[24] وقوله “بعده” الضمير عائد بالتذكير إلى معنى العافية في البيت السالف
[25] “ثنين”: كررن مرة بعد مرة. وقوله “الدواني”وكأنه أراد جمع دانية، ووصفها بأنها “دواني”، أي قطوفها دانية.
[26] وكأنه أراد جمع دانية، ووصفها بأنها “دواني”، أي قطوفها دانية.
[27] لكن كثير من العلماء أولوا كلام الكشاف وحملوه على القول الأول أي تكرير سورة الفاتحة في الركعات كما سيأتيك في شرح كلام الكشاف
[28] يشير إلى حديث: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله عزَّ وجلَّ: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل. قال: فإذا قال العبد: «الحمد لِلَّهِ رَبِّ العالمين» قال تعالى:
حمدني عبدي، فإذا قال: «الرحمن الرحيم» قال الله تعالى: أثنى عَليّ عبدي، وإذا قال: «مالك يَوْمِ الدين» يقول الله: فهذه الآيات لي ولعبدي بعدها ما سأل، وإذ قال: «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين اهدنا الصراط المستقيم» إلى آخره يقول الله عزَّ وجلَّ: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل»
[29] وفي تعليل الرازي رحمه الله بعض إشكال وضحه الشهاب: قال الشهاب: وفي التفسير الكبير الاسم العاشر السؤال يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن رب العزة سبحانه وتعالى قال: من شغله ذكرى عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين” وقد فعل الخليل عليه الصلاة والسلام ذلك حيث قال: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} [الشعراء: 78] إلى قوله: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} ففي هذه السورة وقعت البداءة بالثناء عليه تعالى، ثم ذكر العبودية، ثم ذكر الاستعانة، ثم وقع الختم على طلب الهداية. وأورد عليه أنه لا يتحصل مما ذكره الدلالة على تسميتها بالسؤال الذي أراده، ثم مقتضى الحديث تجرّد الذكر عن السؤال والسورة جامعة بينهما، فلا مناسبة لهذا الحديث هنا، وليس كما توهمه المعترض بل المراد أنّ تسميتها بالسؤال، لأنها مشتملة على تعليمه وبيان كيفيته اللائقة بالكاملين كما مرّ، ويشهد له قصة الخليل عليه الصلاة والسلام، وكذلك هذا الحديث القدسي أيضا بناء على أنّ المراد منه اشتغاله بذكره في ابتداء توجهه للسؤال لأنه نصب عينيه وقبلة اقباله، ومن أحب شيئا أكثر من ذكره ويؤيده ما ذكره بعده نعم هو لا يخلو من الخفاء وكون المراد بالحديث ما ذكر غير مسلم، وقد سئل بعض التابعين عما ورد في الحديث “أفضل ما دعاني به عبدي، لا إله إلاً اللّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد”، فقيل كيف سمي هذا دعاء، وهو صرف ذكر، فقال هو دعاء أيضاً لحديث “من شغله ذكري” الخ ثم نقل هذا الجواب لبعض السلف فقال: هو كما قال فإنّ الثناء على الكريم سؤال وطلب، فقيل: هل عرف مثله فقال: نعم أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت في ابن جدعان في قصيدته ا لمشهور ة:
“ذكرحاجتي أم قدكفاني حياؤك إنّ سميتك الحياء إذا أثنى عليك المرءيوما كفاه من تعرّضك الثناء”، ونحوه قول الغنوي: واذا طلبت إلى كريم حاجة فلقاؤه يكفيك والتسليم. وهو معنى بديع سيأتي بيانه.
[30] الواقية ما وقاك الشر، والمشهور أن الواقية سورة تبارك لأنها تقي عذاب القبر
[31] ذكره السيوطي في الإتقان وفي حاشيته على البيضاوي
[32]أقول تسميتها بالنور مع وجود سورة أخرى مسماة بالنور فيه شيء