سلسلة تربية الأولاد في الإسلام| المحاضرة الخامسة والأربعون| آداب اجتماعية (1)

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا، ونبينا محمد وعلى آله، وصحبه أجمعين.

اللهم إنا نستهديك لأرشد أمرنا، وزدنا علماً ينفعنا.

وبعد:

بعد أن تكلمنا في المحاضرات الماضية عن المسؤولية الاجتماعية من محاور متعددة، فذكرنا محور الأخلاق، ومحور العقوق، نريد أن نتكلم اليوم عن محور الآداب.

عندما نتناول هذا الموضوع نريد مراعاة أمورٍ مخصوصةٍ نهتم بها عند تعاملنا مع الناس، وهي عبارة عن مسالك، وضوابط يلتزم بها الإنسان مع الناس بدءاً من الدائرة الصغرى، وهي الأهل، وصولاً للدائرة الأبعد، وهم الأقارب، وانتهاءً بالدائرة الأخيرة، وهم الناس جميعاً من جيرانٍ وغيرهم.

الإنسان عندما يعاشر الناس لابد أن يعاشرهم بالأخلاق الحسنة حتى يتمكن من العيش معهم.

لقد غابت هذه المعاني عن الناس؛ لظنهم أنهم يستطيعون العيش وحدهم، وبمنأً عن الآخرين، والحقيقة أن يعيش الإنسان بعيداً عن مجتمعه؛ يُفْقِدُه روح التواصل مع الآخرين، وهذا يسبب لصاحبه أزماتٍ نفسيةٍ؛ لأنه يسير خلاف فطرته.

تمسك كثير من المسلمين ببعض الدعوات التي جاءت من عند غير المسلمين، والتي تدعو لمكارم الأخلاق -على حد زعمهم – وتركوا ما جاء به القرآن، وما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما ورثناه من مكارم الأخلاق عن السلف الصالح فتركوا قول الحق سبحانه: ﴿إنما المؤمنون إخوة فأصلحوابين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون﴾ [الحجرات 10]، وتركوا قوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون﴾ [آل عمران 103]، وتركوا قوله تعالى: ﴿ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم﴾ [الأنفال46]، كلها تؤكد على حسن العلاقة بين الإنسان، والآخرين في المجتمع المسلم؛ لذلك عندما فهم المسلمون هذه الحقائق استطاعوا أن يضربوا أروع الأمثلة بعلاقات اجتماعية لاتخطر على بال إنسان أبداً، سمواً، ورقياً في المواقف و الأخلاق، ومبادرةً في العمل الإيجابي.

بالنظر لما عرضه الإسلام، بما تمثَّل بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى» [1]، إن هذا الحديث يمثل أعلى درجات التواصل في المجتمعات الإسلامية.

  ولننظر لحديث النبي أيضاً: «إنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وشَبَّكَ أصَابِعَه» [2].

إن هذه الآيات والأحاديث ليست شعاراتٍ، بل استحقاقات سلوكيةٍ يجب الالتزام بها.

إن الإسلام يسعى لإيجاد خطوات عملية، من خلال مبادئِ، وقيمِ أخبرنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال:

«ألَا أُخْبِرُكُم مَنِ المُسلِمُ؟ مَن سَلِمَ المُسلِمونَ مِن لِسانِه ويَدِه، والمُؤمِنُ مَن أمِنَه الناسُ على أمْوالِهِم وأنْفُسِهم، والمُهاجِرُ مَن هَجَرَ الخَطايا والذُّنوبَ، والمُجاهِدُ مَن جاهَدَ نَفْسَه في طاعةِ الله» [3].

فهذا مبدأٌ عامٌّ استطاع الإسلام أن يجعل الإنسان يكف أذاه عن أخيه الإنسان.

ربانا الإسلام على مبدأ: «لا يحلُّ لمسلمٍ أن يهجرَ أخاه فوقَ ثلاثٍ، فمن هجر فوقَ ثلاثٍ فمات، دخل النَّارَ» [4].

ربانا الإسلام على مبدأ: «آيَةُ المُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذَا وعَدَ أخْلَفَ، وإذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» [5].

ربانا الإسلام على مبدأ: ﴿يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود﴾ [المائدة1].

هذه المبادئ وغيرها كثيرٌ، استطاعت أن تبني مجتمعاً مثالياً واقعياً، فالوفاء بالعقد هو التزام الإنسان مع أخيه الإنسان، هذا المبدأ كم يبني من العلاقات بين الناس، وكم يزيل من العداوة، والبغضاء بين أفراد المجتمع؛ لأنه لوزال هذا المبدأ وغيره من المبادئ لتحولت حياة الناس إلى جحيم.

نريد أن نختم المسؤولية الاجتماعية بهذه المبادئ التي ذكرناها، وأن نغرسها في نفوس أبنائنا، و ندربهم عليها.

مهمة: بعض العوائل تغرس في نفوس أبنائها حب الأنا (أنا فقط) المهم أن أنجح أنا.. المهم أن أفوز أنا..، ولادخل لي بالباقي.. طبعاً هذا مبدأٌ خاطئ؛ لأن مبدأ المسلم المتوازن هو: «لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» [6]؛ لهذا تربية الأولاد يجب أن تكون في سياق هذا المبدأ؛ فكما أعلِّمُ ولدي النجاح أعلمه كيف يكون سبباً في نجاح الآخرين.

نريد أن نتعرف على بعض الممارسات السلوكية التي يعرفها كثير من الناس، ولكن المشكلة تكمن في التطبيق و سنسميها:

  •  آداب العِشْرَةِ مع الناس:
  • أولاً: حسن الخلق: لابد أن نعيش مع الناس بحسن الخلق فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» [7]، فأربي ولي على مكارم الأخلاق، وأنفِّرُهُ من مساويها.
  • ثانياً: تحسين العيوب:  من واجب المسلم أن ينظر إلى بعض النقائص الموجودة في الآخرين بنظرة إيجابية؛ فننظر إلى موضع الجمال في حياة الناس.

حسن الظن بالآخرين نوع من الذكاء العاطفي، وهو أفضل بكثير من سوء الظن، وعلينا أن ننظر إلى الناس على أنهم بشر، وليسوا أنبياء، ولا ملائكة.

  • ثالثاً: معاشرة المؤمنين، وترك الفجَّار، والفاسقين: قال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين﴾ [التوبة 119]، وقال أيضاً: ﴿ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً﴾ [الفرقان 27].
  • رابعاً: الصفح عن العثرات، والعفو عن الزلات : عندما تعيش مع الناس ستخطئ بحقهم، ويخطؤون بحقك؛ لهذا لابد من نسيان هذه الإساءات قال تعالى: ﴿والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين﴾ [آل عمران 134].

يقول بشار بن برد:

إذا كنت في كل الأمور معاتباً      صديقك لم تلق الذي لاتعاتبه

فعش واحداً أو صل أخاك فإنه    مقارف ذنبٍ مرةً ومجانبه

إذا أنت لم تشرب مراراً على القَذى    ظمئت وأيُّ الناس تصفو مشاربه  

هذا مبدأ تربوي هام عندما أعلِّم ولدي الصفح عمن أساء من الجيران والأصدقاء.

مهمة: كثير من أبنائنا تشرَّبَ فكرة أن العفو عن إساءة المسيء هو نوع من الضعف، كيف ورسول الله يقول: «مازاد عبدٌ بعفوٍ إلا عزاً» [8].

  • خامساً: موافقة الإخوان: فالمصاحبة مبنية على الموافقة، ومن نكد الحياة على الحر أن يَصْحَبَ من لايوافقه، ولا يفارقه، وإذا أردت دوام الود لأخيك فادم الموافقة، ولا تكثر من المخالفة. قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: من تمام عقل الرجل أن يعامل أخاه كما يحب.

سادساً: الحمد، والثناء للآخرين: ﴿وقولوا للناس حُسْنا﴾ [البقرة 83]، الكلمة الطيبة تؤلف القلوب، والبسمة في وجوه الناس مفتاح قلوبهم، ومِلاكها، وإن عطاء الشخص يتضاعف بسماعه الكلمة الطيبة.

سابعاً: ترك الحسد للناس: ﴿من شر حاسدٍ إذا حسد﴾ [الفلق]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تَباغضوا، و لا تَقاطعوا، و لا تَدابَروا، و لا تَحاسَدُوا، و كونوا عبادَ اللهِ إخوانًا كما أمرَكمُ اللهُ، و لا يَحلُّ لمسلِمٍ أن يهجُرَ أخاه فَوقَ ثلاثةِ أيَّامٍ» [9].

نتوقف عند هذا القدر، ونتابع بقية آداب العِشْرَةِ مع الناس في المحاضرة القادمة بمشيئة الله عزوجل.

اللهم وفقنا لمحابك، وألهمنا مراشد الصواب، والهداية.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

_____________________________________

[1]: مسلم 2586.

[2]: البخاري 481 من حديث أبي موسى الأشعري.

[3]: مسند أحمد 23967.

[4]: سنن أبي داوود 4914 وسكت عنه.

[5]: البخاري 33.

[6]: البخاري 13.

[7]: مجمع الزوائد 9/18.

[8]: مسلم 2588 من حديث أبي هريرة.

[9]: البخاري 6076 من حديث أنس بن مالك,