سلسلة تربية الأولاد في الإسلام| المحاضرة الخامسة والثلاثون| نصائح في العلم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا، ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. 

اللهم إنا نستهديك لأرشد أمرنا، وزدنا علماً ينفعنا.

وبعد: 

اليوم سنختم الحديث عن المسؤولية العلمية في تربية الأولاد، وذلك من خلال بعض النقاط التي ينبغي أن نربي عليها أبناءنا.

1- تربية الأبناء على إخلاص تعلُّم العلم لله عزوجل، وأن تكون الغاية من التعلم تحقيق مرضاة الله عزوجل لا كسبَ المال، وتحصيل الجاه والرياسة، والسلطان والمنصب، وخصوصاً عند تعلُّم العلوم الشرعية؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:” من تعلم علماً مما يُبتغى به وجه الله، لا يتعلمه إلا ليصيب به عَرَضَاً من الدنيا،لم يجد عَرْفَ الجنة يوم القيامة”، عَرْفُ الجنة: يعني ريحها[1].
ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أنّ النار أول ماتُسَعَّر بأصنافٍ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: “إنّ أَوّلَ النّاسِ يُقْضَىَ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَيْهِ، رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتّىَ اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَىَ وَجْهِهِ حَتّىَ أُلْقِيَ فِي النّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلّمَ العِلْمَ وَعَلّمَهُ وَقَرَأَ القُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلّمْتُ العِلْمَ وَعَلّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ القُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنّكَ تَعَلّمْتَ العِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ القُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِىءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَىَ وَجْهِهِ حَتّىَ أُلْقِيَ فِي النّارِ، وَرَجُلٌ وَسّعَ الله عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ المَالِ كُلّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إلاّ أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَىَ وَجْهِهِ، ثُمّ أُلْقِيَ فِي النّارِ”[2].

إنَّ تعلُّمَ العلم ابتغاء وجه الله عزوجل؛ هو تحقيق لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى ما هاجر إليه، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أوامرأة ينكحها فهجرته على ما هاجر إليه”[3].

إنّ خطورة تعلم العلم لكسب الدنيا تكمن في: أن هذا الإنسان إذا أراد المال، أو اهتزت مكانته بين الناس، أو أراد منصباً أوجاهاً؛ فإنه سرعان ما يضحّي بعلمه ومبادئه في سبيل تحصيل رغباته. 

أما عندما يكون تعلُّمُ العلم لله عزوجل؛ فإنه لايتنازل عن شيء من مبادئه التي تعلَّمَها لأجل أي شيء من الدنيا، وإنما يضحّي بالدنيا ما دام فيها مرضاة الله عزوجل.

لمَّا ألَّفَ الإمام مالك الموطّأ اتّهَم نفسه بالإخلاص فألقاه في الماء وقال: إن ابتلَّ فلاحاجة لي به. فلم يبتلَّ منه شيء[4].

لقد رفض سعيد بن المسيب أن يزوج ابنته من ابن الخليفة عبد الملك بن مروان، وزوَّجَها لأبي وداعة أحد تلاميذه في الحلقة بعد أن توفيت زوجته.. لقد رفض المال والجاه خشيةً على ابنته أن تفتن به؛ فآثر مرضاة الله عزوجل. 

على الآباء غرس الإخلاص في نفوس أبنائهم، وأن يعلِّمُوهم نتائج الإخلاص، وثمراته. 

لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: “يا أبا ذر لَأَن تغدو فَتَعَلَّمَ آيةً من كتاب الله عزوجل خيرٌ لك من أن تصلي مائة ركعة، ولَأن تغدو فتعلَّم بابا من العلم عُمِلَ به أو لم يُعْمَل خيرٌ لك من أن تصلي ألف ركعة”[5].

السلف الصالح عندما حملوا هذا الفكر؛ استسهلوا به كل صعب، وبذلوا فيه كل غالٍ ونفيسِ.  

2- من القضايا المهمة التي يجب أن يلاحظها المربون أثناء تربية أولادهم التربية العلمية هي تعلُّمُ الأدب مع تعلُّمِ العلم. فقد شاع بين الطلاب سوء الأدب مع المعلم.

الأدب مطلوب مع المعلِّم مهما كان اختصاصه، وخصوصاً مع علماء الشريعة الذين يعلِّمُون دين الله عزوجل؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” اطلبوا العلم، واطلبوا مع العلم السكينة والحلم، لِينُوا لِمَن تُعَلِّمون و لِمَن تَعَلَّمُون منه، ولا تكونوا جبابرة العلماء فيغلب علمكم جهلكم”[6].

كثيرون هم الذين يرسلون أولادهم للمسجد، ولكن نادراً مانجد الوالدين يربيان أولادهم على احترام الشيخ، والمعلم. بل لابد من تعظيم كل ما يمتُّ للعلم بصلة، كتعظيم كتب العلم، وتعظيم مجلس العلم، حتى كيفية الجلوس بين يدي المعلم، وأنها  يجب أن تكون بالأدب. 

هكذا كان سلف الأمة يقدرون مجالس العلم فقد كان الإمام مالك بن أنس يُطَيِّبُ مجلس العلم قبل أن يبدأ به. 

ومن الآداب أيضاً ألا يقاطِعَ الطالبُ المعلمَ أثناء حديثه، بل حتى ينته، وألاَّ يغتاب أحداً عنده، وأن يكون أسرع في قضاء حاجة الشيخ، وأن يتجاوز عن زلاته إذا أخطأ، والأدب في الحوار، والنقاش معه. 

لقد كان الإمام أبو حنيفة لايمدُّ رجله تُجاه بيت شيخه حماد بن سليمان. كم لهذا التعظيم للشيخ من تأثير في نفوس الطلاب، فإن من إجلال العلم إجلال أهله. 

لقد قالت أم مالك بن أنس له قبل أن يذهب لطلب العلم: تعال ألبسك زي العلماء، واذهب إلى ربيعة الرأي، وخذ من أدبه قبل علمه.

إن قلة الأدب مع العلم، وأهله؛ نتج بسببها ضياع بركة العلم؛ فلم نعد نرى علماء كما كان علماء سلف الأمة.  

3- تعليم الأولاد أن العلم وحده لايكفي مالم يقترن العلم بالعمل. فلا ينفع العلمُ صاحبَه مالم يعمل به، كما أن الناس لاينتفعون بالعلم أيضاً. 

 يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُلْقَى فِي النَّارِ ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ ، فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِالرَّحَى ، فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ ، فَيَقُولُونَ : يَا فُلَانُ مَا لَكَ ؟ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ ؟ فَيَقُولُ : بَلَى ، قَدْ كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ ، وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ[7].

فاليحرص الآباء في تربية الأبناء على تعلُّم العلم، والعمل به؛ فالله تعالى يقول: {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه} [الزمر 18]

وقد قالوا: من عَمِلَ بما عَلِمْ أورثه الله عِلْمَ مالم يَعْلَم.

اللهم وفقنا لمحابِك، وألهمنا مراشد الصواب، والهداية.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

____________

[1]: ابن حبان في صحيحه 152/1، من حديث أبي هريرة.

[2]: أخرجه مسلم، 3638.

[3]: البخاري، باب بدء الوحي، من حديث عمر بن الخطاب، رقم 1.

[4]: انظر مقدمة شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك.

[5]: سنن ابن ماجه، كتاب المقدمة، باب فضل من تعلم القرآن وعلَّمه، 219.

[6]: انظر الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي برقم 502، والحديث تكلم عليه العلماء.

[7]: صحيح مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب عقوبة من يأمر بالمعروف ولا يفعله، 5439.