سلسلة تربية الأولاد في الإسلام| المحاضرة السادسة والأربعون| آداب اجتماعية (2)

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين سيدنا، ونبينا محمد وعلى آله، وصحبه أجمعين.

اللهم إنا نستهديك لأرشد أمرنا، وزدنا علماً ينفعنا.

وبعد:

بعد أن تكلمنا في المحاضرات السابقة عن المسؤولية الاجتماعية من محاور متعددة، فذكرنا محور الأخلاق، و محور العقوق، و تناولنا في المحاضرة الماضية على وجه الخصوص: محور الآداب، وقد بدأنا الحديث عن آداب العِشْرَةِ مع الناس، وقد وصل بنا الحديث للأدب الثامن. واليوم بمشيئة الله سنكمل الحديث في نفس المحور، ونتمم الموضوع.

  • آداب العِشْرَةِ مع الناس: 
  • ثامناً: عدم مواجهة الناس في عيوبهم: «فقد كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ في خِدْرِهَا، وَكانَ إذَا كَرِهَ شيئًا عَرَفْنَاهُ في وَجْهِهِ» [1].

فلم يكن  يواجه أحداً بعيبٍ، ولم يكن يجرِّح الأشخاص، والهيئات، وكان إذا أراد أن ينبِّه لخطأ ما؛ فإنه يخاطب الناس على جهة التعريض فيقول: «مابال أقوامٍ ؟..» ويقول: «مابال العامل نبعثه فيقول هذا لكم، وهذا أهدي إلي؟» فلم يكن يسمي المخطئ باسمه؛ لأنه كان يسعى لتصحيح الخطأ، وليس التشهير.  

  • تاسعاً: ملازمة الحياء مع الناس: فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحياء لا يأتي إلا بخير» [2]، فالحياء يحمل صاحبه على كل خيرٍ، ويبعده عن كل شر.
  • عاشراً: إظهار الفرح، والبشاشة عند زيارة الناس، ولقائهم، والجلوس معهم، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم البشر، وقد قال الله تعالى في حقه: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين﴾ [آل عمران 159].
  • الحادي عشر: سلامة القلب: فلا حقد، ولا بغضاء، ولا عداوة، ولا غش للمسلمين. قال تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إلا من أتى الله بقلب سليم﴾ [الشعراء 88- 89]، وقد أرشد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنس بن مالك فقال له: «يا بنيَّ، فإن استطعتَ أن تصبِحَ وتمسي وليس في قَلبِك غشٌّ لأحدٍ، فإنه أهون عليك في الحساب» [3].
  • الثاني عشر: الإخلاص في الصحبة: المسلم لايعرف ما يسمى بالنفاق الاجتماعي، وليس عنده مجاملات كاذبة، بل عنده الصدق في الصحبة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمِنُ مرآةُ أخيهِ المؤمنُ، أخو المؤمنِ يَكُفُّ عليهِ ضَيْعَتَه ويحوطُه مِن ورائِهِ» [4].
  • الثالث عشر: ترك الأذى باللسان، واليد والمواقف، وتضييع الحقوق: وقد أخبرنا رسول الله عن المسلم فقال: «ألأُخْبِرُكُم مَنِ المُسلِمُ؟ مَن سَلِمَ المُسلِمونَ مِن لِسانِه ويَدِه، والمُؤمِنُ مَن أمِنَه الناسُ على أمْوالِهِم وأنْفُسِهم، والمُهاجِرُ مَن هَجَرَ الخَطايا والذُّنوبَ، والمُجاهِدُ مَن جاهَدَ نَفْسَه في طاعةِ اللهِ» [5].
  • الرابع عشر: حسن العشرة: كيف تعاشر جارك وأهل بيتك وأصدقاءك، بالمعروف والإحسان ولين الجانب.
  • الخامس عشر: حفظ العهود: فلاتخلف الوعد، ولاتترك مبادئك؛ لأن هذا من النفاق الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «آيَةُ المُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذَا وعَدَ أخْلَفَ، وإذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» [6].
  • السادس عشر: التواضع، وترك الكبر، بالأقوال، والمواقف: لأن الكبر شعورٌ داخل القلب بالفوقية على الخلق. قال تعالى: ﴿واخفض جناحك للمؤمنين﴾[الحجر 88].
  • السابع عشر: حفظ الأسرار: وقد قيل بأن قلوبَ الأحرار قبورُ الأسرار، وإذا حدثك أخوك حديثاً فالتفَتَ فهو أمانة.       
  • الثامن عشر: الإيثار والإكرام: لايوجد في المجتمع المسلم أثرة، وأنانية؛ بل المؤمن يفضِّلُ أخاه على نفسه قال تعالى: ﴿ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة﴾ [الحشر 9].
  • التاسع عشر: الذبُّ عن الإخوان، والدفاع عن أعراضهم في حضورهم، وغيبتهم.
  • العشرون: مجانبة الخصال المذمومة مع الإخوان: كسوء الظن، وإرادة الشر…
  • الواحد والعشرون: بغض الدنيا: لأن حبَّ الدنيا رأس كل خطيئة، يختلف الناس، ويتدابرون من أجل الدنيا؛ فبُغْض الدنيا يزيل أكبر أسباب العداوة بين الناس.
  • الثاني والعشرون: الانبساط في النفس، والمال بالممازحة، والمباسطة، والمؤانسة، ولين الجانب، وقد ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مؤانسته، وممازحته لأصحابه أروع المثل، فعن أنسٍ رضي الله عنه: «أنَّ رجُلًا مِن أهلِ البادِيَةِ اسمُه زاهِرٌ كان يُهدي للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم، وكان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم يُجَهِّزُه إذا أراد الخُروجَ إلى البادِيَةِ، وكان زاهِرٌ دَميمَ الخِلقَةِ فأتاه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم، وهو يَبيعُ شيئًا له في السُّوقِ، فاحتَضَنه مِن خَلفِه، فقال له: مَن هذا؟ أَرسِلْني، والتَفَت فعرَف النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم فجعَل النبي صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم يقولُ: مَن يَشتَري مِنِّي هذا العبدَ؟ وجعَل هو يَلصِقُ ظهرَه بصدرِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم ويقولُ: إذًا تَجِدُني كاسِدًا، فقال له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم: ولكنَّكَ عِندَ اللهِ لستَ بكاسِدٍ» [7].
  • الثالث والعشرون: العفو عن الهفوات، التي لا يخلو عنها أحد من الناس .
  • الرابع والعشرون: ترك المن بعد الإحسان: قال تعالى: ﴿ولاتمنن تستكثر﴾ [المدثر 6].
  • الخامس والعشرون: الإعراض عن النمام: فمن وَشَى لك وشَى عليك، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لايدخل الجنة قتَّات» [8]، القتات: هو النمام.
  • السادس والعشرون: الوفاء للمؤمنين في حياتهم، وبعد مماتهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أبَرَّ البِرِّ أنْ يصِلَ الرَّجلُ أهلَ وُدِّ أبيه بعدَ أنْ يولِّيَ» [9]
  • السابع والعشرون: ستر العورات: فلو اطلعت على عورة شخص؛ فاستره، ولاتفضحه؛ لأن: «مَن ستَر مُسلِمًا، سترَه اللهُ في الدُّنيا والآخِرةِ ، ومَن فكَّ عن مَكروبٍ، فكَّ اللهُ عنهُ كُرْبَةً مِن كُرَبِ يومِ القِيامةِ، ومَن كانَ في حاجةِ أخيهِ، كان اللهُ في حاجَتِه» [10].
  • الثامن والعشرون: التودد، والتلطف: أن تبادر الناس بالسلام، والكلمة الطيبة، و سلِّم على من تَعرِف، ومن لاتعرِف.
  • التاسع والعشرون: قبول الاعتذار : قيل لأحدهم: أتقبل عذر أخيك؟ قال لا بل لا أحوجُه للاعتذار.
  • الثلاثون: المسارعة لقضاء حوائج الإخوان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عليه صَدَقَةٌ، كُلَّ يَومٍ تَطْلُعُ فيه الشَّمْسُ، قالَ: تَعْدِلُ بيْنَ الاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وتُعِينُ الرَّجُلَ في دابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عليها، أوْ تَرْفَعُ له عليها مَتاعَهُ صَدَقَةٌ، قالَ: والْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وكُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيها إلى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، وتُمِيطُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ» [11].
  • الواحد والثلاثون: تفقد حال الإخوان، وتقديم المساعدة، والعون لهم .
  • الثاني والثلاثون: معرفة أقدار الناس: فمن الخطأ معاملة الناس جميعاً مهما كانت أقدارهم بنفس المعاملة، فقد أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا؛ فقال: «ليس مِنَّا مَن لم يُوَقِّرْ كبيرَنا، ويَعرِفْ حقَّ صغيرِنا»  [12].

«وقد مرّ بالسيدة عائشة رضي الله عنها سائلٌ؛ فأعطَتْه كِسرةً، ومرَّ بها رجلٌ عليه ثيابٌ، وهيئةٌ فأقعدتُه فأكل فقيل لها في ذلك؟ فقالت: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أَنزِلوا الناسَ منازَلَهم» [13].

اللهم وفقنا لمحابك والهمنا مراشد الصواب والهداية.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

_______________________________  

[1]: مسلم 2320 من حديث أبي سعيد الخدري.

[2]: البخاري من حديث عمران بن حصين 6117.

[3]: الترمذي 2678، أبو يعلى 3624.

[4]: أبو داود 4918 مع شيء من الاختلاف، والبخاري في الأدب المفرد 239 واللفظ له.

[5]: مسند الإمام أحمد 23967 من حديث فضالة بن عبيد.

[6]: البخاري 33 من حديث أبي هريرة.

[7]: مشكاة المصابيح 4815.

[8]: البخاري 6056 من حديث حذيفة بن اليمان.

[9]: ابن حبان 431.

[10]: مجمع الزوائد 6/249، سير أعلام النبلاء 9/422.

[11]: صحيح مسلم 1009 من حديث أبي هريرة.

[12]: الترمذي 1919من حديث أنس بن مالك.

[13]: أبو داود 4842، رياض الصالحين 360.