المقال السابع من سلسلة مقاصد السور: سورة الأعراف للشيخ علي هاني

يقدم لنا فضيلة الشيخ علي هاني في هذه السلسلة الغنية مبحثاً في مقاصد أول ثمان سور القرآن الكريم (الفاتحة – الأنفال)، متطرقاً لأسباب النزول، مع بيان السياق القرآني والتاريخي للسور، وأهم مقاصدها مع الاستفاضة فيها، مستخرجا وملخصاً وشارحاً أهم ما ورد بخصوص هذه المفاهيم في كتب التفسير المعتبرة.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

سورة الأعراف

مقصود سورة الأعراف:

إنذار أهل القرى الذي أعرضوا عن توحيد الله وآياته واتبعوا الشيطان بالعقوبة الدنيوية والأخروية من خلال عرض مسيرة العقيدة في التاريخ البشري، وتوعدهم بالهزيمة وغلبة الحق، وعرض القدوة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمؤمنين بالنبيين في دعوتهم.

وإذا أردنا توضيحه أكثر نقول مقصود السورة:

– إنذار أهل القرى الذي أعرضوا عن توحيد الله وآياته واتبعوا الشيطان بالعقوبة الدنيوية والأخروية من خلال عرض مسيرة العقيدة في التاريخ البشري،وبيان أنَّ دينَ الله تعالى هو دين التوحيد الضارب في التاريخ البشري من آدم إلى نوح فمن بعده إلى قيام الساعة، فالله هو الخالقُ المنعمُ المستحِقُّ وحدَه للعبادة، فعلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والدعاة أن يستمروا في الدعوة بعزمٍ وقوةٍ دون حرجٍ، مخالفين الجاهليةَ وتقاليدَها كما فعلت قافلةُ الأنبياءِ الطويلةِ، وأن يقتدوا في دعوتهم بأحوال الرسل مع أممهم دعوة وصبرًا وإعراضًا عن الجاهلين وتلطفًا، وعلى الناس اتِّباعَ ما أنزله على نبيه من التوحيد والأحكام،وأن يحذروا اتِّباعَ الشيطانِ وضلالتِه، وأن يعتبروا بالأمم السالفة؛ لأنَّ من أعرض فله العقوبة الشديدة دنيا وأخرى[1] والله غني عنه، ومن آمن نجى دنيا وأخرى، ثم يبعثون وهناك توزن الأعمال ويجازى كل إنسان بعلمه[2].

مقصود سورة الأعراف بتفصيل:

– مقصودها إنذار أهل القرى الذي أعرضوا عن توحيد الله وآياته واتبعوا الشيطان بالعقوبة الدنيوية والأخروية من خلال عرض مسيرة العقيدة في التاريخ البشري، وبيان أن دين الله تعالى هو دين التوحيد الضارب في التاريخ البشري، فقد وحد جميع الأنبياء الله تعالى ودعوا لتوحيده من آدم إلى نوح فهود فصالح فشعيب فلوط فموسى فسيدنا محمد ـ عليه وعلى النبيين الصلاة والسلام ـ فهذا موكب الإيمان الذي سار جيلًا،فالله هو الخالق المنعم المستحق وحده للعبادة.
– فعلى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والدعاةِ إلى الله تعالى أن ينذروا ويصدعوا ويذكروا ويبلغوا بعزم وقوة دون حرج، وإن كان ما عندهم مخالف للجاه لية والعادات السائدة الباطلة؛ معذرةً إلى ربهم ولعل الكفار والعصاة ينتهون، كما فعل موكب الإيمان الضارب في التاريخ من عهد نوح إلى موسى، وأن يستعينوا على الاستمرار بذكر الله تعالى وبتذكر قصص الأنبياء والسابقين، وأن يقتدوا في دعوتهم بأحوالهم مع أممهم دعوة وصبرًا وإعراضًا عن الجاهلين وتلطفًا.
– وعلى الناس أن يؤمنوا بالله ربهم الواحد الذي له ملك السماوات والأرض، لا إله إلا هو وحده، وبالقرآن الكتاب العظيم المعجز الذي أنزله الله عز وجل على علم بصائر وهدى ورحمة وبشرت به الكتب السابقة،و برسولهم النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث.
– ولا يتبعوا من دونه أولياء من شياطين ورؤساء ضلال وأصنام؛ لكي لا يحققوا مراد الشيطان فيهم في إضلال البشر ـ حتى لا يهلكوا كما أهلك الأقوام الكثيرة السابقة الذين كذبوا بالرسل فأذلهم الله سبحانه وغضب عليهم، وعندها يتوبون حين لا تقبل التوبة ولا تنفعهم معبوداتهم من دون الله، ومن قبل أن يأتي يوم القيامة فتوزن أعمالهم فيهلك من خفت موازينه وكفر ولم يؤمن بالآيات، وينجوا من ثقلت موازينه، وهم الذين اتبعوا الرسول النبي الأمي.
– فإن لم يستجيبوا واستكبروا فالله سبحانه غني عنهم وعن عبادتهم، وله ملائكة لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون.

تسميتها الأعراف[3] موافق لمقصدها:
الأعراف:

1) اختير اسم “الأعراف” لهذه السورة؛ لأنه أدل ما في السورة على حقيقة وقوع بأس الله في المكذبين بدين التوحيد المتبعين للشيطان والمستكبرين عن آيات الله التي جاء بها الرسل، ونجاة المؤمنين بالرسل والآيات وأمانهم من بأسه تعالى[4]، ويدل على قدرة الله تعالى على البعث والحساب وجزاء المؤمن وجزاء الكافر يوم القيامة[5].

2) والأعراف لقوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم يوم القيامة، إذ يوقفون على أعالي سور بين الجنة والنار، ثم يدخلهم الله الجنة بفضله ورحمته، فهو داع إلى امتثال كل خير واجتناب كل شر والاتعاظ بكل مرقق، فاجتهد أن تكون ممن ثقلت موازينه بالدعوة والإيمان بالتوحيد والسير على طريق الرسل، ولا تكن مع الذين خفت موازينهم بالكفر والعصيان. [6] أبو زهرة.

3) والاسم دال على إقامة غاية العدل في الآخرة كما أقامه سبحانه في الدنيا، وأنه توزن الأعمال هناك ويجازى كل إنسان بعلمه، فينقسم الناس ثلاثة أقسام، وهذا هو التقسيم العادل الذي لا يكون إلا من الله، وهو أنه بعد أن توزن السيئات والحسنات بميزان الله تعالى وهو الوزن يومئذ بالقسط، منهم من ترجح حسناته فيكون للجنة، ومنهم من ترجح سيئاته فيكون في النار وبئس المهاد، ومنهم من لم يرجح ميزانه.

بعض أقوال العلماء في مقصود السورة:

يمكن تقسيم أقوال العلماء في مقصود السورة إلى ثلاثة أقسام:

أ‌) القسم الأول: قالوا: تنذر أهل القرى الذي أعرضوا عن التوحيد بقوارع الدارين، وتوعدهم بالهزيمة وغلبة الحق.

– قال الفراهي: “سورة الأعراف: تنذر أهل القرى وتوعدهم بالهزم وغلبة الحق”[7].
– جاء في مصابيح الدرر في تناسب آيات القرآن الكريم والسور:
وَقد ذكر الشَّيْخ الفراهي أَن عَمُود سُورَة الْأَعْرَاف هُوَ إنذار أهل الْقرى، وتوعُّدهم بالهزيمة، وغَلَبَة الْحق، وَهَذَا حقٌّ، وَيدل عَلَيْهِ مَا سبق من كلامٍ فِي (ملامح السُّورَة) الَّتِي هِيَ ((قصُّ رحْلَة موكب الْإِيمَان حَامِلا العقيدة)، وَالَّتِي تُستنبط من نتائج هَذِه الْقَصَص الْمَذْكُورَة فِيهَا، من نصر الله أنبياءه وَرُسُله، ودوران الدائرة على أعدائهم.. بداية من لعن الشَّيْطَان الرَّجِيم وتحقير شَأْنه، وَحَتَّى تَمْكِين الْمُسْتَضْعَفِينَ من بني إِسْرَائِيل فِي الأَرْض بعد دمار فِرْعَوْن وَجُنُوده.. فَهَذِهِ النهايات كلهَا تذكير لـ (أهل الْقرى) من مُشْركي مَكَّة، وَمن كل الطغاة من بعدهمْ بِأَن نور الله غَالب، وَأَن كَلمته هِيَ الْبَاقِيَة، وَأَن جنده هم المنصورون[8].
– قال البقاعي: “مقصودها إنذار من أعراض عما دعا إليه الكتاب في السورة الماضية من التوحيد والاجتماع على الخير والوفاء لما قام على وجوبه من الدليل في الأنعام، وتحذيره بقوارع الدارين”[9].

ب‌) القسم الثاني: حِكَايَةُ قصَّةِ موكبِ الْإِيمَانِ، وسنة الصراع بين الإيمان والكفر، وعاقبته من خلال عرض سِيَر الأنبياء وأقوامهم:
– جاء في المختصر في تفسير القرآن الكريم: “بيان سنة الصراع بين الإيمان والكفر وعاقبته من خلال عرض سِيَر الأنبياء وأقوامهم”[10].
– لخص في مصابيح الدرر كلام سيد قطب بقوله: ” وشخصية سُورَة الْأَعْرَاف هِيَ حِكَايَة قصَّة موكب الْإِيمَان الذي يحمل العقيدة” [11].
– قال سعيد حوى: “ولقد استقرت قصة آدم في سورة البقرة على قوله تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ}.. والناظر إلى سورة الأعراف يرى أنها تتألف من مقدمة، ثم قصة آدم، وبناء عليها، ثم قصص قوم نوح، وعاد، وثمود، وقوم لوط، وقوم شعيب، ثم بناء عليها. ثم قصة موسى مع فرعون. ثم قصة بني إسرائيل بعد الخروج من مصر، ثم مواجهة مع بني إسرائيل، ومن تأمل هذه المعاني يجد باختصار أنها نماذج من الهدى الذي أنزله الله خلال العصور على أمم؛ وموقف هذه الأمم من هذا الهدى وما عوقبت به، وكل ذلك بمثابة درس لهذه الأمة، فالسورة تفصيل إذن لمحور خاص هو قوله تعالى: {فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ}[12].

ت‌) القسم الثالث: جمعوا بين القولين السابقين:
قالوا: سورة الدعوة إلى الإيمان بتوحيد الله سبحانه وآياته، التي عرضتها مسيرة العقيدة في التاريخ البشري، والتحذير من العقوبة الدنيوية والأخروية لمن كذب بها.
– قال د عمر عرفات: “سورة الدعوة إلى الإيمان بآيات الله التي عرضتها مسيرة العقيدة في التاريخ البشري، والتحذير من العقوبة الدنيوية والأخروية لمن كذب بها [13].
وكان قد قال ملخصًا ما قال علماء التفسير والكاتبون في مقاصد السور:
مقصودها إنذار من أعرض عما دعا إليه الكتاب في السورة الماضية ـ الأنعام ـ من التوحيد والاجتماع على الخير، وتحذيره بقوارع الدارين، وأدل ما فيها على هذا المقصد أمر الأعراف، فإن اعتقاده يتضمن الإشراف على الجنة والنار والوقوف على حقيقة ما فيهما، وهذا المحور متمثل في موضوعات السورة،إذ تعرض مسيرة العقيدة في التاريخ البشري وموقف المؤمنين والمكذبين من الأقوام تجاهها.
ويمكن أن ينبني على الأقوال السابقة بالقول بأن محور السورة هو: الدعوة إلى الإيمان بآيات الله تعالى وتعظيمها من خلال عرض مسيرة العقيدة التي جاءت بها هذه الآيات عن طريق الرسل في التاريخ البشري، والتحذير من بأس الله في الدنيا والآخرة لمن كذب بها واستكبر عنها.
– هكذا نجد بعد التطواف في مواضيع السورة كلها أنها جاءت متضمنة لموضوعين يمثلان محور السورة: 1) تعظيم آيات الله التي عرضتها مسيرة العقيدة في التاريخ البشري، والدعوة إلى الإيمان بها وبيان نجاة من آمن، والتحذير من بأس الله لمن كذب بها واستكبر عنها[14].
– قال ابن عجيبة: “الحث على اتباع ما أنزله على نبيه من التوحيد والأحكام، والتحذير من مخالفته ومتابعة الشيطان، وذكر وبال من تبعه من القرون الماضية، وما لحقهم من الهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة، تتميما لقوله: {إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم} [الأنعام: 165] [15]

 

[1]“ويستطيع دارس هذه السورة أن يضع يده على أسباب إهلاك الله تعالى لهذه الأمم إنه الانحراف عن أصل الفطرة في الاعتقاد والإعراض عن دين الله تعالى وأحكام شريعته، والانحراف عن سنن الفطرة والشذوذ في العلاقات الجنسية، والاغترار بالقوة والتكبر والطغيان والعدوان ويأتي مع ذلك الطمع والشجع وسلب الحقوق، ومن هذه الأسباب جحود نعم الله تعالى وتحجر المشاعر وبلد الإحساس بسبب السرف والترف والانهماك في الشهوات وهذا يسبب انسلاخا عن الشعو بالمسؤولية وإنكار يوم الحساب والجزاء
وأما استباب نهضة الأمم هو الالتصاق بالحق الذي خلق الله به السماوات والأرض والحق هو دين الله عز وجل ورسالاته للناس فبقدر ما يتوجهون لعبادة الله تعالى وحده والخضوع له يكتب لهذه الأمة البقاء والقوة” (سور القرآن دروس ومحاور/ موقع إسلاميات).
[2]قال سيد قطب: “وبينما يمضي السياق في الأنعام في موجات متدافعة؛ وبينما تبلغ المشاهد دائما درجة اللألاء والتوهج والالتماع، وتبلغ الإيقاعات درجة الرنين والسرعة القاصفة والاندفاع.. إذا السياق في الأعراف يمضي هادئ الخطو، سهل الإيقاع، تقريري الأسلوب. وكأنما هو الوصف المصاحب للقافلة في سيرها المديد، خطوة خطوة، ومرحلة مرحلة، حتى تؤوب! وقد يشتد الإيقاع أحياناً في مواقف التعقيب.؛ ولكنه سرعان ما يعود إلى الخطو الوئيد الرتيب!.(في ظلال القرآن/ سيد قطب إبراهيم(3/ 1245).
[3] ورد اسم الأعراف في السورة في قوله تعالى:{وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46)}،{وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48)}{وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ}: حالَ بين أهل الجنة وأهل النار حجابٌ عظيمٌ كما يدل عليه التنكير، يمنع وصول أثر أحدهما الآخر، وإن لم يمنع النداء، وأمور الآخرة لا تقاس بأمور الدنيا، وقدم {بينهما}: على المبتدأ بالمكان المتوسط بين الجنة والنار.
ومعنى {وَعَلَى الْأَعْرَافِ}: على أعراف الحجاب وأعاليه على ذراه جمع (عُرْف) استعير من عُرف الديكِ (الرّيش الذي في أعلى رأسه) وعرفِ الفَرَسِ (شعر ناصية الفرس)، وإنما قيل لعُرْف الديك عرف لارتفاعه على ما سواه من جسده، وكل مرتفع عال عُرف؛ لأنه بظهوره أعرف مما انخفض، كأنه عُرِف بارتفاعه دونَ الأشياءِ المنخفضة فإنها مجهولة غالبًا، وهي الأعالي المشرفات من ذلك الحجاب
،وفي الذين على الأعراف قولان:
1) الذي عليه الجمهور أنهم قوم استوت حسانتهم وسيئاتهم، يحبسون بين الجنة والنار ويوقفون هناك حتى يقضي الله تعالى فيهم ثم يدخلهم الجنة بفضله ورحمته، وممن اختار هذا:ابن عباس، وابن مسعود، وحذيفة بن اليمان وعطاء، وابن جبير،والضحاك، وأبو هريرة وغير واحد من السلف والخلف، والبيضاوي، والزمخشري، وأبو السعود، والجلال، والبقاعي وابن كثير، والآلوسي، وابن جزي،و أبو حيان،و ابن عطية، والواحدي، والفراء، والشنقيطي، ومحمد سيد طنطاوي، وأبو زهرة، وسيد قطب وغيرهم. قال ابن عاشور:” والذي ينبغي تفسير الآية به: أنّ هذه الأعراف جعلها الله مكاناً يوقف به من جعله الله من أهل الجنّة قبل دخوله إياها، وذلك ضرب من العقاب خفيف”. (التحرير والتنوير/ا بن عاشور (8/ 142))، وقال سيد طنطاوي:”والذى نراه: أن هناك حجاباً بين الجنة والنار، الله أعلم بحقيقته، وأن هذا الحجاب لا يمنع وصول الأصوات عن طريق المناداة، وأن هذا الحجاب من فوقه رجال يرون أهل الجنة وأهل النار فينادون كل فريق بما يناسبه، يحيون أهل الجنة ويقرعون أهل النار، وأن هؤلاء الرجال – يغلب على ظننا – أنهم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم. لأن هذا القول هو قول جمهور العلماء من السلف والخلف، ولأن آثار تؤيده، ولذا قال ابن كثير: ” واختلفت عبارات المفسرين في أصحاب الأعراف من هم؟ وكلها قريبة ترجع إلى معنى واحد، وهو أنهم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم، نص عليه حذيفة وابن عباس وابن مسعود وغير واحد من السلف والخلف رحمهم الله ” (التفسير الوسيط للقرآن الكريم/ محمد سيد طنطاوي(5/ 278)). قال أبو زهرة: “وإن ذلك هو التقسيم العادل الذي لا يكون إلا من الله، وهو أنه بعد أن توزن السيئات والحسنات بميزان الله وهو الوزن يومئذ بالقسط، منهم من ترجح حسناته فيكون للجنة، ومنهم من ترجح سيئاته فيكون في النار وبئس المهاد، ومنهم من لم يرجح ميزانه ـ ـ ـ وقد يرد على هذا أنهم في مكان من الأعراف، فظاهر أنهم فوق الفريقين، ونقول: إن علوهم ليروا الفريقين، لا لمنزلة لهم فوق أهل الجنة،وبعض العلماء يرى أن أهل الجنة لم يكونوا قد دخلوا الجنة بعد، فالضمير في (دخلوا) يعود إليهم، والحق أن ذلك ليس متسقا مع السياق، لأنهم صاروا أصحابها، ويقتضي ذلك أن يكونوا دخلوا فيها”. زهرة التفاسير /أبو زهرة (6 / 2849). وقال ابن عاشور:” وليس تخصيص الرّجال بالذّكر بمقتض أن ليس في أهل الأعراف نساء، ـ ـ، ولكن هؤلاء رجال يقع لهم هذا الخبر، فذكروا هنا للاعتبار على وجه المصادفة، لا لقصد تقسيم أهل الآخرة وأمكنتهم، ولعلّ توهّم أنّ تخصيص الرّجال بالذّكر لقصد التّقسيم قد أوقع بعض المفسّرين في حيرة لتطلّب المعنى لأنّ ذلك يقتضي أن يكون أهل الأعراف قد استحقّوا ذلك المكان لأجل حالة لاحظّ للنّساء فيها، فبعضهم حمل الرّجال على الحقيقة فتطلب عملاً يعمله الرّجال لاحظ للنّساء فيه في الإسلام، وليس إلاّ الجهاد، فقال بعض المفسرين: هؤلاء قوم جاهدوا وكانوا عاصين لآبائهم، وبعض المفسّرين حمل الرّجال على المجاز بمعنى الأشخاص من الملائكة، أطلق عليهم الرّجال لأنّهم ليسوا إناثاً كما أطلق على أشخاص الجنّ في قوله تعالى: {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن} [الجن: 6] فيظهر وجه لتخصيص الرّجال بالذّكر تبعاً لما في بعض تلك الأحاديث التي أشرنا إليها”.(لتحرير والتنوير/ ابن عاشور(8/ 142)).
2) ومن العلماء من اختار أن الأعراف من الأماكن العالية التي يكون عليها أشراف الناس وفضلاؤهم من الأنبياء والشهداء والعلماء، فهم أهل كرامة الله تعالى، أكرمهم الله تعالى بذلك لينظروا إلى حكم الله تعالى في الخلق وإلى عدله، وممن اختار هذا، الحسن ومجاهد والمهايمي، ومحمود شلتوت،و دروزة والمصطفوي، والطباطبائي، والمنتخب، واختار الإمام الرازي والماتريدي أنهم الأنبياء،قال الماتريدي:” والأشبه أن يكونوا الأنبياء.؛ يكونون على الأعراف، يشهدون على الأمم كقوله تعالى: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} [النساء: 41]”. تفسير الماتريدي (تأويلات أهل السنة)/ محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي/ دار الكتب العلمية(4/ 431).
وعلى هذا تكون المناسبة بين اسم السورة وموضوعها ما ذكره المهايمي بقوله: في (تبصير الرحمن وتيسير المنان(1/245): سميت بها لأنها من المنازل الرفيعة لأهل الكمال المفيضين على سائر الطوائف فشأنها أولى بالاعتبار من سائر الشؤون المذكورة في هذه السورة”، وما جاء في كتاب ” من دلالات أسماء السور في القرآن الكريم/وادي. مهنا/ص85: “مقصود السورة الأنبياء والمصلحون هم أشراف الخلق وشهداء الله تعالى على الناس في الدنيا والآخرة ـ ـ واسم السورة يحمل مكانة أهل الأعراف وتبكيتهم للكفار”.
[4] انظر “دلالة أسماء السور القرآنية على محاورها وموضوعاتها/ د عمر عرفات (96) بتصرف.
[5] المصدر السابق (95)، وأضاف أيضا:” هكذا نجد بعد التطواف في مواضيع السورة كلها أنها جاءت متضمنة لموضوعين يمثلان محور السورة: 1) تعظيم آيات الله التي عرضتها مسيرة العقيدة في التاريخ البشري، والدعوة إلى الإيمان بها وبيان نجاة من آمن، والتحذير من بأس الله لمن كذب بها واستكبر عنها وهما موضوعان قد جلاهما مشهد الأعراف الذي سميت السورة باسمه أيما تجلية، ولذلك سميت السورة به للدلال على المحور المذكور”. المصدر السابق ص 103.
[6] قال البقاعي: “مقصودها إنذار من أعراض عما إليه الكتاب في السورة الماضية من التوحيد والاجتماع على الخير والوفاء لما قام على وجوبه من الدليل في الأنعام، وتحذيره بقوارع الدارين، وهذا أحسن مما كان ظهر لي وذكرته عند (والوزن يومئذ الحق) وأدل ما فيها على هذا المقصد أمر الأعراف فإن اعتقاده يتضمن الإشراف على الجنة والنار والوقوف على حقيقة ما فيها وما أعد لأهلها الداعي إلى امتثال كل خير واجتناب كل شر والاتعاظ بكل مرقق. نظم الدرر /البقاعي/ دار الكتب العلمية (3/3).
[7] نظام القرآن/الفراهي ص94.
[8] مصابيح الدرر في تناسب آيات القرآن الكريم والسور/ عادل بن محمد أبو العلاء(ص125).
[9] نظم الدرر /البقاعي/ دار الكتب العلمية (3/3)/.
[10] جاء في المختصر في تفسير القرآن الكريم/جماعة من علماء التفسير ص151.
[11] وهو أيضا تلخيص لما جاء في التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم: حيث قالوا:
“سورة الأعراف سورة مكية موضوعها العقيدة كشأن السور المكية، لكن هذه السورة تتحدث عن العقيدة في تاريخها البعيد الضارب في عمق التاريخ إلى مبدأ الوجود البشري وتسير مع هذا التاريخ عبر رسالات الرسل والأنبياء، ودعوتهم أقوامهم، ورد أقوامهم عليهم، مرورا بنوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم الصلاة والسلام، وانتهاء بموسى عليه الصلاة والسلام وما لقي من قومه فالسورة ” وهي تعالج موضوع العقيدة كذلك – تأخذ طريقا آخر، وتعرض موضوعها في مجال آخر.. إنها تعرضه في مجال التاريخ البشري.. في مجال رحلة البشرية كلها مبتدئة بالجنة والملأ الأعلى، وعائدة إلى النقطة التي انطلقت منها.. وفي هذا المدى المتطاول تعرض «موكب الإيمان» من لدن آدم – عليه السلام – إلى محمد – عليه الصلاة والسلام – تعرض هذا الموكب الكريم يحمل هذه العقيدة ويمضي بها على مدار التاريخ. يواجه بها البشرية جيلا بعد جيل، وقبيلا بعد قبيل..
ويرسم سياق السورة في تتابعه: كيف استقبلت البشرية هذا الموكب وما معه من الهدى؟ كيف خاطبها هذا الموكب وكيف جاوبته؟ كيف وقف الملأ منها لهذا الموكب بالمرصاد وكيف تخطى هذا الموكب أرصادها ومضى في طريقه إلى اللّه؟ وكيف كانت عاقبة المكذبين وعاقبة المؤمنين في الدنيا وفي الآخرة..
إنها رحلة طويلة طويلة.. ولكن السورة تقطعها مرحلة مرحلة، وتقف منها عند معظم المعالم البارزة، في الطريق المرسوم. ملامحه واضحة، ومعالمه قائمة، ومبدؤه معلوم، ونهايته مرسومة.. والبشرية تخطو فيه بجموعها الحاشدة. ثم تقطعه راجعة.. إلى حيث بدأت رحلتها في الملأ الأعلى” وحين نستعرض السور نجد آياتها من مبدئها إلى منتهاها تدور حول هذا الموضوع وتعالجه، وتشكل كل آية أو مقطع من مقاطع السورة لبنة في بنائه المحكم المتين”. التفسير الموضوعي / مجموعة من العلماء (3/8).
[12] قال سعيد حوى/ الأساس في التفسير(4/1835).
[13] “دلالة أسماء السور القرآنية على محاورها وموضوعاتها/ د عمر عرفات(ص96).
[14] المصدر السابق ص 103.
[15] (البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ بن عجيبة)(2/ 195).