المقال الخامس من سلسلة مقاصد السور: سورة المائدة للشيخ علي هاني

يقدم لنا فضيلة الشيخ علي هاني في هذه السلسلة الغنية مبحثاً في مقاصد أول ثمان سور القرآن الكريم (الفاتحة – الأنفال)، متطرقاً لأسباب النزول، مع بيان السياق القرآني والتاريخي للسور، وأهم مقاصدها مع الاستفاضة فيها، مستخرجا وملخصاً وشارحاً أهم ما ورد بخصوص هذه المفاهيم في كتب التفسير المعتبرة.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

سورة المائدة

مقصود سورة المائدة باختصار:

مقصودها الوفاءُ بالعقود ِالتي مع الله تعالى؛ شكرًا له على نعمه ورحمته والتزامًا لحدوده، واستدفاعاً لنقمه،والوفاءُ بالعقودِ مع الناس، وترغيبُ مَنْ وفَّى بخير الدنيا والآخرة، والتحذير البالغ عن نقضها وعدمِ الاعتناءِ بأمرها بعقاب الدنيا والآخرة، فعادته تعالى جرت بالرحمة على من التزم عهوده، والتشديد على من خروج عن ربقة العهد وتعدى حدود المواثيق المأخوذة عليه في الدين.

تفصيل المقصد: مقصودها الوفاء بالعقود التي مع الله ومع الناس، ويدخل فيها دخولًا أوليًا:

1. الايفاءُ بالعهودِ بينهم وبين اللهِ سبحانه [1] ورسولِه شكرًا له على نعمه ورحمته والتزامًا لحدوده، واستدفاعاً لنقمه بالإيمان بالرسول الصادقِ الذي جاءهم، وبكتابه المصدق المهيمن على الكتب السابقة، وبموالاتِه وعدمِ موالاةِ أعدائه، وبعدمِ الشرك به أحدًا من بشر كعيسى وأمِّه أو صنمٍ، فالله سبحانه له ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو المستحق للتوحيد وسيتبرأ منهم عيسى عليه السلام في الآخرة.

2. تحكيمُ شرعِه ودينِه وحدودِه بعدلٍ تامٍّ ودقةٍ تامةٍ من غير تأثرٍ بمودةٍ ولا شنآن أو تأثرٍ بانحراف الآخرين، وتحليلُ ما أحلَّ، وتحريمُ ما حرَّم، لا سيما أمر الأنعام والطعام والشراب.؛ فالله سبحانه له السلطان وحده على خلقه وملكه، فالإله واحد والخالق واحد والمالك واحد والحاكم واحد، والشريعة واحدة فعلى من آمن به أن يقيم شرعه، وأن لا يفعلوا ما فعله اليهود والنصارى: من نقضِ العهودِ والمواثيقِ، والمسارعةِ في الإثمِ والعدوانِ وأكلِ السحتِ، والقولِ على الله ما لا ينبغي، وتكذيبِ الأنبياءِ وقتلهم، والشركِ بالله، والحسد الذي جرهم إلى ما لا يرضي الله سبحانه ومنه كفرهم بهذا النبي، فحالهم كحال ابن آدم الذي قتل أخاه.

فمن وفى بالعقود مع الله ومع الناس بورك له في الدنيا، وكفر عنه سيئاته، ودخل جنات النعيم في الآخرة خالدين ونفعه صدقه في اليوم الذي ينفع الصادقين صدقهم، ومن نقض العقود عوقب في الدنيا وفي الآخرة، فكما أن الله سبحانه غفور رحيم لمن تاب فهو شديد العقاب لمن كفر وأصر، وعادته تعالى جرت بالرحمة على من التزم عهوده، والتشديد على من خروج عن ربقة العهد وتعدى حدود المواثيق المأخوذة عليه في الدين.

بعض أقوال العلماء في مقصود السورة:

يمكن تقسيم أقوال العلماء في مقصود سورة المائدة إلى ثلاثة أقسام:

أ‌) القسم الأول: قالوا: مقصودها الوفاء بالعقود فيما بينهم وبين الله وفيما بينهم:
– جاء في المختصر في تفسير القرآن الكريم: “الوفاء بالعقود والتزام الشرائع والحدود وإكمال الدين”[2].
– جاء في دلالة أسماء السور القرآنية على محاورها وموضوعاتها: “سورة دعوة المؤمنين إلى الوفاء بالعقود التي بينهم وبين الله تعالى”. وقال قبل ذلك من الممكن تلخيص أقوال العلماء في مقصد سورة المائدة: “بأن محور السورة هو أمر الأمة الإسلامية بالالتزام بالعقود التي ألزمهم الله بها، والتي أجلُّها التزام عقيدة التوحيد، والتحذير من التهاون بهذه العقود أو إضاعتها كما حصل من اليهود والنصارى”[3].
– قال الطباطبائي: “الغرض الجامع في السورة على ما يعطيه التدبر في مفتتحها ومختتمها، وعامة الآيات الواقعة فيها، والأحكام والمواعظ والقصص التي تضمنتها هو الدعوة إلى الوفاء بالعهود وحفظ المواثيق الحقة كائنة ما كانت، والتحذير البالغ عن نقضها وعدم الاعتناء بأمرها، وأن عادته تعالى جرت بالرحمة والتسهيل والتخفيف على من اتقى وآمن ثم اتقى وأحسن، والتشديد على من بغى واعتدى وطغا بالخروج عن ربقة العهد بالطاعة، وتعدى حدود المواثيق المأخوذة عليه في الدين.
ولذلك ترى السورة تشتمل على كثير من أحكام الحدود والقصاص، وعلى مثل قصة المائدة، وسؤال المسيح، وقصة ابني آدم، وعلى الإشارة إلى كثير من مظالم بني إسرائيل ونقضهم المواثيق المأخوذة منهم، وعلى كثير من الآيات التي يمتن الله تعالى فيها على الناس بأمور كإكمال الدين، وإتمام النعمة، وإحلال الطيبات، وتشريع ما يطهر الناس من غير أن يريد بهم الحرج والعسر.
وهذا هو المناسب لزمان نزول السورة إذ لم يختلف أهل النقل أنها آخر سورة مفصلة نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أواخر أيام حياته وقد ورد في روايات الفريقين: أنها ناسخة غير منسوخة، والمناسب لذلك تأكيد الوصية بحفظ المواثيق المأخوذة لله تعالى على عباده وللتثبت فيها “[4].
– جاء في الموسوعة القرآنية، خصائص السور: “وعلى وجه العموم، فإننا نجد سياق السورة كله يدور حول العقود والمواثيق، في شتى صورها، حتى حوار الله والمسيح يوم القيامة، الوارد في نهاية السورة، نجده سؤالا عمّا عهد به اليه، وعما إذا كان قد خالف عنه، كما زعم الزاعمون بعده”[5].
– قال البقاعي: “مقصودها الوفاء بما هدى إليه الكتاب، ودل عليه ميثاق العقل من توحيد الخالق ورحمة الخلائق شكراً لنعمه، واستدفاعاً لنقمه “[6].

ب‌) القسم الثاني: قالوا: تركِّز على بِنَاء الْإِسْلَام على الْعَهْد الإلهي، بِذكر أواسط الْعَهْد ونهايته:
قال الفراهي: “وَسورَة الْمَائِدَة تركِّز على بِنَاء الْإِسْلَام على الْعَهْد الإلهي، بِذكر أواسط الْعَهْد ونهايته”[7].

ت‌) القسم الثالث: الاحتكام إلى شرع الله تعالى في كل مناحي الحياة:
– جاء في كتاب “من دلالات أسماء السور في القرآن الكريم: “الاحتكام إلى شرع الله تعالى في كل مناحي الحياة من غير مغالاة، والتزام ميثاقه، يعصم من الانحرافات السلوكية والعقدية[8].

مناسبة اسم السورة:

التسمية ومناسبتها للمقصد:

أ ـ الاسم الأول: المائدة:
– قصة المائدة فيها تذكير رباني موجه إلى عيسى عليه السلام بما كان من رعاية الله له، ومن تأييد الله تعالى سيدنا عيسى بالأنصار بأن ألهم الحواريين[9] الإيمان وثبتهم الله تعالى على الإيمان، وأظهر المعجزات على يديه ومنها إنزال المائدة السماوية بناء على طلبهم منه والتماسه ذلك من الله عز وجل.
– اسم المائدة أنسب اسم للسورة التي أطالت في ذكر النعم والامتنان بخلق الأنعام، والحلال والحرام والصيد والذبائح، وهي أكثر سورة في القرآن الكريم تتحدث عن أحكام الطعام، وما يتعلق به من أحكام: كأحكام الصيد حلاله وحرامه، وما يحل من الطعام وما يحرم، وما افتراه المشركون على الله من المحرمات التي هي حلال[10] ،وطعام أهل الكتاب، والإطعام في الكفارات.
– في قصة المائدة أنهم أخذ عليهم الميثاق أن يؤمنوا إيمانًا ثابتًا إذا نزلت فوفوا بذلك، بخلاف غيرهم ممن كفر بعيسى عليه السلام، فكانت بمثابة عقد موثق بين الله تعالى وبينهم على عدم الكفر بعدها، فهذه القصة مع التعقيب الإلهي عليها أدل ما في السورة على التحذير من الوقوع بنقض العقود مع الله تعالى ومنها التحريم والتحليل وأجلها التزام التوحيد” [11]، ففيها تهديد لمن زاغ عن الطمأنينة بعد الكشف الشافي [12] {قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (115) وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116)}.
– واسم المائدة مرتبط كذلك بالنصارى الذين أطالت السورة إبطال عقائدهم [13] و ناقشتها وأبطلت التثليث الذي يقولون به، وبينت فساده وانحرافها[14].

فإذا جمعت ما سبق فكأن السورة تقول: الله تعالى منعم عليكم متفضل بنعم لا تعد ولا تحصى، فوفوا بالعقود بينكم وبين الله تعالى، وبينكم وبين الناس، ومن العقود المهمة التحليل والتحريم في الذبائح وفي غيرها التزموا ما حد لكم، فاحذروا أن تنقضوا كما نقض غيركم من الأمم فيعد لكم من العقاب في الدنيا والآخرة ما أعد لهم، ولا تعترضوا على نبيكم، ولا تتعنتوا كما اعترضوا وتعنتوا، ويجمع هذا كله الآية الأولى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1)}ففي أحلت تفصيل لأهم ما أجمله سبحانه من العقود مع الامتنان.

– قال المهايمي: “سميت بها.؛لأن قصتها أعجب ما ذكر فيها؛ لاشتمالها على آيات كثيرة ولطف عظيم على من آمن وعنف شديد على من كفر، فهو أعظم دواعي قبول التكاليف المفيدة عقدة المحبة من الاتصال الإيماني بين الله وبين عبيده”[15].
– وقال ابن عطية في قصة الحواريين: ” اعتراضٌ[16] أثناء وَصْفِ حالِ قول اللَّه لعيسى يوم القيامة، مضمَّن الاعتراض إخبارُ نبيِّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم، وأمته بنازلةِ الحواريِّين في المائدة، إذ هي مثالٌ نافعٌ لكلِّ أُمَّة مع نبيِّها، تقتدِي بمحاسِنِهِ، وتزدجرُ عمَّا يُنقد منه مِنْ طلب الآياتِ ونحوه”[17].
– وقال البقاعي: “مقصودها الوفاء بما هدى إليه الكتاب، ودل عليه ميثاق العقل من توحيد الخالق ورحمة الخلائق شكراً لنعمه، واستدفاعاً لنقمه، وقصة المائدة أدل ما فيها على ذلك، فإن مضمونها أن من زاغ عن الطمأنينة بعد الكشف الشافي والإنعام الوافي نوقش الحساب فأخذه العذاب، وتسميتها بالعقود أوضح دليل على ما ذكرت من مقصودها وكذا الأحبار”[18].
– وقي القصة تبكيت لبني إسرائيل بكثرة تقلبهم وعدم تماسكهم إبعاداً لهم عن درجة المحبة فضلاً عن البنوة، ففيها توبيخ اليهود المدعين أنهم أبناء وأحباء.
– فيها تأديب هذه الأمة وتذكير لها ووعظ لها بتعظيم نبيها عليه السلام لتجلّه عن أن تبدأه بسؤال أو تقترح عليه شيئاً في حال من الأحوال اكتفاء بما يرحمنا به ربنا الذي رحمنا بابتدائنا بإرساله إلينا لإيصالنا إليه سبحانه، بل عليها أن تسلم، فذكر شأن الحواريين في اقتراحهم بعدما تقدم من امتداحهم بِعَدِّهم في عداد أولي الوحي ومبادرتهم إلى الإيمان امتثالاً للأمر تخويفاً من أن نكون مثل من مضى من المقترحين الذين كان اقتراحهم سببَ هلاكهم[19].
– وفي السورة التي فيها بيان أن الله سلب بني إسرائيل كرامة رسالته وأصابتهم الفتن عندما عموا صموا وانتقلت الرسالة لهذه الأمة، “يكشف لنا هذا الحوار عن طبيعة قوم عيسى، المستخلصين منهم وهم الحواريون، فإذا بينهم وبين أصحاب رسولنا صلى الله عليه وسلم فرق بعيد، إنهم الحواريون الذين ألهمهم الله الإيمان به وبرسوله عيسى، فآمنوا وأشهدوا عيسى على إسلامهم، ومع هذا فهم بعدما رأوا من معجزات عيسى ما رأوا، يطلبون خارقة جديدة. تطمئن بها نفوسهم، ويعلمون منها أنه صدقهم، ويشهدون بها له لمن وراءهم، فأما أصحاب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فلم يطلبوا منه خارقة واحدة بعد إسلامهم، لقد آمنت قلوبهم واطمأنت منذ أن خالطتها بشاشة الإيمان، ولقد صدقوا رسولهم فلم يعودوا يطلبون على صدقه بعد ذلك البرهان، ولقد شهدوا له بلا معجزة إلا هذا القرآن، هذا هو الفارق الكبير بين حواريي سيدنا عيسى عليه السلام – وحواريي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ذلك مستوى، وهذا مستوى، وهؤلاء مسلمون وأولئك مسلمون، وهؤلاء مقبولون عند الله وهؤلاء مقبولون،ولكن تبقي المستويات متباعدة كما أرادها الله”[20].

ب ـ الاسم الثاني: العقود:
و تسميتها بالعقود مبين لموضوعها، وتسميتها: سورة العقود؛ لأَنها افتتحت بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ) الآية[21] ،ولأَنها ذُكِرَ فيها كثيرٌ من المواثيق، فقد ذكر أن فيها ثماني عشرة فريضة ليست في غيرها، ولذلك افتتحت بالوصايا بالوفاء بالعقود، وكذلك ليس للأذان ذكر إلا في هذه السورة.

[1] “وهذا الأمر يتناسب مع جو وظروف السورة الذي وضحه عبد الله شحاته في كتاب “تفسر القرآن الكريم” بقوله: “الظروف التي نزلت فيها السورة،نزلت سورة المائدة بعد أن قلمت أظفار المشركين، وانزوى الشرك في مخابئه المظلمة، وصار المسلمون في قوة ومنعة كانوا بها أصحاب السلطان والصولة في مكة وفي بيت الله الحرام، يحجون أمنين مطمئنين، وقد نكست أعلام الشرك وانطوت صفحة الإلحاد والضلال، وقد أتم الله نعمته على المسلمين بفتح مكة ودخول الناس في دين الله أفواجًا” وذلك قال ابن عاشور:” وقد احتوت هذه السورةُ على تشريعاتٍ كثيرةٍ تُنْبِئُ بأنها أُنزلت لاستكمال شرائع الإسلام، ولذلك افْتُتِحَتْ بالوصايةِ بالوفاءِ بالعقودِ ـ ـ فكانت طالعتُها براعةَ استهلالٍ”. (التحرير والتنوير/ ابن عاشور)(6/ 72).

[2] المختصر في تفسير القرآن الكريم /جماعة من علماء التفسير ص77.
[3] دلالة أسماء السور القرآنية على محاورها وموضوعاتها/ د عمر عرفات.72.
[4] الميزان في تفسير القرآن /محمد حسين الطباطبائي/ دار إحياء التراث العربي (5/134).
[5] الموسوعة القرآنية، خصائص السور/ جعفر شرف الدين (2/ 208).
[6] نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي(2/ 325).
[7] دَلَائِل النظام/الفراهي 94.
[8] “من دلالات أسماء السور في القرآن الكريم/عيس وادي، محمود مهنا. ص68.
[9] أ) وأرجح الأقوال عندي في متعلق {إذ}في {إذ قال الحواريون} أنه متعلق بـ(أوحيت) كما رجحه الطبري والراغب وقدمه الإمام الرازي والطوسي، فأصل النظم أوحيت إلى الحواريين حين قالوا {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ} أوحيت إليهم {أنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي} {قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} لكن القرآن الكريم قدمهما لأن فيه المنة على عيسى عليه السلام، ولأن القصة تتطول فلوا أخر {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} لما بين مسارعتهم لامتثال الأمر ولحصل الشك في أمرهم فمدحهم بالإيمان قبل ذكر قصتهم، وإليك بعض أقوال العلماء توضح هذا القول:
قال الراغب في تفسيره:” إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً} (إِذ) هاهنا لم يجعله معطوفاً، بل جعله داخلاً في فعله، قوله: (وَإِذْ أَوْحَيْتُ) إليهم في وقت ما قالوا كذا، (5/ 495)، وقال البقاعي:” وهذه القصة [وهي{إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً}قبل قصة الإيحاء إليهم فتكون” إذ ” هذه ظرفاً لتلك [أي {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ}، فيكون الإيحاء إليهم بالأمر بالإيمان في وقت سؤالهم هذه بعد ابتدائه، وتكون فائدته حفظهم من أن يسألوا آية أخرى كما سألوا هذه بعد ما رأوا منه صلى الله عليه وسلم من الآيات: {إذ قال}” (نظم الدرر / البقاعي/ دار الكتاب الإسلامي، القاهرة(6/ 354)، وقال الطبري ” إذْ قالَ الحَوَارِيّونَ ” من صلة «إذ أوحيت »، وأن معنى الكلام: وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي إذْ قالَ الحَوَارِيّونَ يا عيِسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبّكَ “.(جامع البيان في تأويل القرآن/ الطبري(11/ 220).
وقيل (إذ) متعلق بـ(اذكر) محذوف وقال به كثير من العلماء وقيل متعلق بـ(قالوا آمنا) وقال به جماعة من العلماء.
أ‌) والأظهر ـ كما رجحه الشهاب وحمل كلام البيضاوي عليه، واختاره ابن جزي ومكي والواحدي والبغوي والخازن وابن عطية وابن عاشور وابن الأنباري وغيرهم ـ أنهم لم يكونوا شاكين في قدرة الله تعالى، ولكنّهم سألوا آية لزيادة اطمئنان قلوبهم بالإيمان بأن ينتقلوا من الدليل العقلي إلى الدليل المحسوس، فإنّ النفوس بالمحسوس آنس، كما لم يكن سؤال إبراهيم بقوله {ربّ أرني كيف تحيي الموتى} [البقرة: 260] شكّاً في الحال،ويدل على ذلك أمور:
1) بأن وصفهم بالحواريين ينافي أن يكونوا على الباطل.
2) وبأن الله تعالى أمر المؤمنين بالتشبه بهم والاقتداء بسنتهم في قوله عز من قائل: {كُونُواْ أنصار الله} [الصف: 14]
3) أنهم قالوا{وتطمئن قلوبنا}.
4) وبأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مدح الزبير «إن لكل نبي حواريا وإن حواري الزبير ».
5) وأنه في الآية السابقة:{وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111)}، فهي توحي أنهم سارعوا مباشرة.
6) وقولهم ابن مريم: دليل على أنهم كانوا يعتقدون فيه الاعتقاد الصحيح من نسبته إلى أم دون والد.
قال ابن جزي:” نداؤهم له باسمه: دليل على أنهم لم يكونوا يعظمونه كتعظيم المسلمين لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا لا ينادونه باسمه، وإنما يقولون يا رسول الله يا نبي الله، وقولهم ابن مريم: دليل على أنهم كانوا يعتقدون فيه الاعتقاد الصحيح من نسبته إلى أم دون والد، بخلاف ما اعتقده النصارى ـ ـ ليس لأنهم شكوا في قدرة الله لكنه بمعنى هل يفعل ربك هذا، وهل يقع منه إجابة إليه، وهذا أرجح، لأن الله أثنى على الحواريين في مواضع من كتابه، مع أن في اللفظ بشاعة تنكر” (التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الكلبي (1 / 250).، قال ابن الأنباري:” ولا يجوز لأحد أن يتوهم أن الحواريين شكوا في قدرة الله، وإنما هذا كما يقول الإنسان لصاحبه: هل تستطيع أن تقوم معي، وهو يعلم أنه مستطيع، ولكنه يريد: هل يسهل عليك”.(زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي(1/ 601)، وقال الشوكاني: وقيل إنهم طلبوا الطمأنينة كما قال إبراهيم عليه السلام {رَبّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيي الموتى} الآية، ويدل على هذا قولهم من بعد وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا}فتح القدير / محمد الشوكاني/دار المعرفة(2/92).
ج) والظاهر: أن هذا كان في بداية حالهم وفي أول مراحل إسلامهم آمنوا بسيدنا عيسى عليه السلام فأرادوا أن يزدادوا يقينًا،وأن تطمئن قلوبهم كما قال إبراهيم {ربي أرني كيف تحيي الموتى}، ويشهدوا لغيرهم على نزولها فطلبوها، فطلبها سيدنا عيسى من الله تعالى عليه السلام، فأوحى الله عز وجل للحواريين أن يؤمنوا، فقالوا {آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ}”، كما في قول الصحابة رضي الله عنهم {وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)}[البقرة:285]، لكن لم يراعوا في خطابهم الأدب اللائق في خطاب الأنبياء، وهو الذي رجحه الشهاب وحمل كلام البيضاوي حيث قال البيضاوي:” هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء} لم يكن بعد عن تحقيق واستحكام معرفة” فقال الشهاب:” لك أن تقول أنّ المصنف رحمه الله لم يذهب إلى ما ذهب إليه الكشاف، وأنّ مراده أن إخلاصهم الذي ادّعو، لم يكن محكما محققاً تحقيقاً لا تعتوره الأوهام، والوساوس الذي لا تضرّ المؤمن، ولا توقعه في مزلة الكفر فطلبوا إزالة ذلك طلب من يتثبت لإنكارهم له، واستعظامه عندهم لا لشك منهم، ولكن خافوا أن يوقعهم الشيطان به في حبائله، وهذا تصرّف منه أخف من نسب الشك إليهم، ومخالفة ظاهر النظم كما يدل عليه ما سيأتي، وهذا هو النظر السديد عندي”.(حاشية الشهاب الخفاجي على البيضاوي(3/ 299).
د)1) والأرجح في معنى {هل يستطيع ربك}: كما يقول الإنسان لمن يعظمه: هل تقدر أن تذهب معي إلى كذا؟ وهو يعلم أنه قادر، ولكنه يكنى بذلك عن أن السائل يحب ذلك ولا يريد المشقة على المسؤول، فجرى قوله تعالى: {هل يستطيع ربّك} على طريقة عربية في العرض والدعاء، يقولون للمستطيع لأمر: هل تستطيع كذا، على معنى تطلّب العذر له إن لم يجبك إلى مطلوبك وأنّ السائل لا يحبّ أن يكلّف المسؤول ما يشقّ عليه، وذلك كناية فلم يبق منظوراً فيه إلى صريح المعنى المقتضي أنّه يشكّ في استطاعة المسؤول، وإنّما يقول ذلك الأدنى للأعلى منه، وفي شيء يعلم أنه مستطاع للمسؤول، فقرينة الكناية تحقّقُ المسؤول أنّ السائل يعلم استطاعته، ومنه ما جاء في حديث يحيى المازني « أنّ رجلاً قال لعبد الله بن زيد: أتستطيع أن تريني كيف كان رسول الله يتوضّأ »، فإنّ السائل يعلم أنّ عبد الله بن زيد لا يشقّ عليه ذلك، فليس قول الحواريّين المحكي بهذا اللفظ في القرآن إلاّ لفظاً من لغتهم يدلّ على التلطّف والتأدّب في السؤال، كما هو مناسب أهل الإيمان الخالص.
2) والقول الثاني: قالوا خالط قلوبهم مرض وشكّ في دينهم وتصديق رسولهم، وأنهم ادعوا الإخلاص، اختاره الطبري والزمخشري وجماعة وهو مردود بما سبق.

[10] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4) الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5)
سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42)
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66)
مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88) لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92) لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95) أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96) جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98)
مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99) قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100) مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (103)
إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) إذ قالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119)

[11] دلالة أسماء السور القرآنية على محاورها وموضوعاتها/ د عمر عرفات.72، بتصرف.
[12] نظم الدرر في تناسب الآي والسور(2/ 325).
[13] من دلالات أسماء السور في القرآن الكريم/ عيسى وادي، ومحمود مهنا (ص68).
[14] انظر التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم (2/278).
[15] تفسير المهايمي(1/177).
[16] لأن قصة المائدة جاءت معترضة أثناء كلام الله سبحانه مع سيدنا عيسى يوم القيامة، والسر في اعتراضها بينه دروزة بقوله: “من الحكمة في ذكره بالأسلوب الذي جاء به هو ما قلناه قبلُ ـ التنديدُ بعقيدة النصارى في عيسى وأمه،وتبرئة عيسى من مسؤولية ذلك،وتقرير حقيقة ما قاله للناس، وتقرير كون كل ما خالف ذلك فيما أيدي النصارى من أناجيل وأسفار، وما هم عليه من عقائد هو مخالف لما أمر الله عيسى عليه السلام أن يقوله أو لما قاله. التفسير الحديث / دروزة محمد عزت (9/ 263).
[17] المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ عبد الحق بن عطية الأندلس/ دار ابن حزم ص596.
[18] نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي(2/ 325).
[19] نظم الدرر/البقاعي (2/ 892) بتصرف.
[20] في ظلال القرآن/ سيد قطب (2/ 998).
[21] اشتملت سورة المائدة على ستة عشر نداء وجهت للمؤمنين خاصة، يعتبر كل نداء منها قانونا ينظم ناحية الحياة عند المسلمين فيما يختص بأنفسهم وفيما يختص بعلاقتهم بأهل الكتاب.
فالنداء الأول: يطلب الوفاء بالعقود:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُود. (المائدة: 1).
والنداء الثاني: يطلب المحافظة على شعائر الله وعدم إحلالها:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ اللّهِ. (المائدة: 2).
والنداء الثالث: يطلب الطهارة حين إرادة الصلاة:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ، وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ. (المائدة: 6).
والنداء الرابع: يطلب القوامية لله والشهادة بالعدل ويحذر من الظلم.
والنداء الخامس: يطلب تذكر نعمة الله على المؤمنين بكف أيدي الأعداء عنهم.
والنداء السادس: يدعو إلى تقوى الله وابتغاء الوسيلة إليه والجهاد في سبيله.
و النداء السابع: يحذر من اتخاذ الأعداء أولياء من دون المؤمنين.
والنداء الثامن: يلفت نظر المؤمنين إلى أن المسارعة في موالاة الأعداء ردة عن الدين.
النداء التاسع: يدعو إلى شدة الحذر من موالاة الأعداء.
النداء العاشر: يذكر تحريم الطيبات التي أحلها الله.
النداء الحادي عشر: تحريم الخمر والميسر.
النداء الثاني عشر، والثالث عشر: يتعلقان بتحريم قتل الصيد في حالة الإحرام.
النداء الرابع عشر: يتعلق بالنهي عن سؤال ما ترك الله بيان حكمه توسعة على عباده: أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ. (المائدة: 101)
النداء الخامس عشر: يتعلق بتحديد المسئولية التي يحملها المؤمنون في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
النداء السادس عشر: يتعلق بكيفية الشهادة على الوصية في حالة السفر.
وجملة هذه النداءات تربية عملية للمؤمنين وبيان الطريق السوي التي يجب اتباعها في الشعائر والعبادات والمعاملات والمعاهدات. والنداء للمؤمنين بصفة الإيمان.؛ تذكيرا لهم بأن عليهم أن يعملوا بمقتضى هذا الإيمان وقوامة التصديق الباطني بوجود الله والتزام أوامره واجتياب نواهيه.” “تفسر القرآن الكريم”/ عبد الله شحاته.
“وهناك نداءان للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة بوصف الرسالة
1- يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر.
2- يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك…
وهناك خمسة نداءات لأهل الكتاب بعضها مباشر مثل 1- يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم
2- يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل.
وبعضها بوساطة الرسول الكريم مثل
3- قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله
4- قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم.
5- قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم…
وهذه النداءات تعقبها إفادات وإضاءات وتعليمات وتوجيهات تحتاج إليها الجماعات حتى تقوم بأمر الله وتستقيم على منهاجه..
وقد عدها الشارع عقودا حقيقة بالوفاء”. نحو تفسير موضوعي/ محمد الغزالي(67).