المقال الثالث من سلسلة مقاصد السور: سورة آل عمران للشيخ علي هاني

يقدم لنا فضيلة الشيخ علي هاني في هذه السلسلة الغنية مبحثاً في مقاصد أول ثمان سور القرآن الكريم (الفاتحة – الأنفال)، متطرقاً لأسباب النزول، مع بيان السياق القرآني والتاريخي للسور، وأهم مقاصدها مع الاستفاضة فيها، مستخرجا وملخصاً وشارحاً أهم ما ورد بخصوص هذه المفاهيم في كتب التفسير المعتبرة.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة آل عمران

مقصود آل عمران باختصار:

إثباتُ وحدانيةِ الله تعالى وقدرتِه التامةِ، وصِدْقِ رسالةِ محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ الآتيةِ بالتوحيدِ الذي هو دين جميع الأنبياء، وبيانُ كيفيةِ الإسلامِ والخضوعِ والقنوتِ لله سبحانه الذي هو طريقُ الاصطفاءِ وسعادةِ الدنيا والآخرةِ، وكشفُ حقائقِ الذين لا يوحدون الله تعالى حق توحيده من النصارى، واليهود، والمشركين، والمنافقين، وبيانُ خسارتِهم دنيا وأخرى، وبيانُ منهجِ النَّصرِ عليهم.

ويمكن تلخيص المقصد: بأن سورة آل عمران: سورة تمام التوحيد لله، والإخلاص والخضوع والاستسلام وطريق الاصطفاء، والمواجهة للمخالفين بالجهاد والإقناع.

مقصود آل عمران بتفصيل:

إثباتُ وحدانيةِ الله تعالى وقدرته التامة، وأنه ليس له ولدٌ، وصدْقُ رسالةِ محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ الآتيةِ بالتوحيد المصدقةِ للتوراةِ والإنجيلِ المبَشَّرِ بها في جميع الكتب، فكل الأنبياء مأمورون بالإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأن دين الله تعالى هو الإسلام دين التوحيد متأصل في جميع الأمم السابقة، وأن ما يدعيه النصارى واليهود في مريم عليها السلام وعيسى غير صحيح، وأن التوحيد متأصل في هذه العائلة المصطفاة، وإثباتِ ذلك بالأدلةِ الكثيرةِ، وتفنيدِ الشبهاتِ، فدينُ الإسلامِ واحدٌ هو الدين عند الله، وهو دين كل الأنبياء السابقين الذي بعثهم الله به لهم ولأممهم، ومنهم آل عمران وعيسى.

و رسم المنهج الكامل للمؤمنين للاستسلام لله الواحد الذي لا شريك له، وكيفية تلقيهم لكل ما يأتيهم منه بالقبول والطاعة والاتباع الدقيق كما كان عليه آل عمران: من التبتل، والعبادة، والطاعة، والزهد، والتضحية لله، والاستسلام لله تعالى فاصطفاهم الله تعالى.

ومن جملة الاستسلام لله سبحانه مقاتلة الكافرين بالتوحيد لا سيما النصارى واليهود، وكشف لحقائقهم وكيدهم ومؤامراتهم، والتحذير من مولاتهم، وتعليم المسلمين كيفية التعامل معهم، وبيان أسباب النصر عليهم وعلى الكفار، والتهوين من شأنهم، وبيان زوال سلطانهم، ووعد المسلمين بالنصر عليهم، وتبشيرهم بأجر الشهادة، والتحذير من أسباب الهزيمة كما حصل في أحد، والحث على أخذ الدروس من غزوتي بدر وأحد[1].

فمن كذَّب بالتوحيد مِنْ أهلِ الكتاب وغيرِهم أو كتمَ صِدْقَ الرسولِ،وتصديقَ الكتبِ السابقةِ له ـ نال عذابَ الدنيا والآخرةِ، وإن ظهر في الدنيا أنه صاحبُ نعيمٍ وقوةٍ وتقلبٍ في البلاد، فلا بد من خسارته وغلبته دنيا وأخرى.

ومَن آمن به ووحده واتَّقَى اللهَ تعالى، وقاتل أعداءه من الكفرة الذين لا يوحدون الله تعالى،
بأن صبر وصابر ورابط لمواجهة أعداء الله تعالى: كاليهودِ، والنصارى، والمشركين، وضحى لله سبحانه، وأطاع الله ورسوله في السراءِ والضراءِ، وأوذي في سبيل الله كما حصل في معركة أحد، ولم يوالِ الكفارَ،ولم يغتر بمتاعِ الحياة الدنيا القليلِ الزائلِ وشهواتها التي زينت للناس، وأمرَ بالمعروفِ ونهى عن المنكر، وبذل وأعطى لله ولدينه، واستسلم لله تعالى، وتلقى كلَّ ما يأتيه بالقَبول والطاعةِ والاتباعِ الدقيق، ومن جملة ذلك الاتحادُ بين المؤمنين وعدمُ التفرقِ، وتبتل له سبحانه ودعاه، وكان ربانيًا قائمًا لليل تاليًا لآياته آناء الليل، ساجدًا له، ذكرًا له في القيام والقعود وعلى الجنوب ـ نال السعادةَ والنصرَ،والعزةَ والاصطفاء في الدنيا، والرضوانَ والجنةَ في الأخرى، ورفع الله قدره وشأنه، وإن ابتلي وأوذي.

وفي هذه السورةِ تصحيحُ الاعتقادِ نحوَ الله تعالى في صفاتِه وأسمائِه الحسنى، ونحوَ دينِه وتصحيحُ جانبِ حركةِ الإيمانِ في أعماقِ النفسِ في ما يواجه الإنسانَ من تحدياتِ الرغبةِ والرهبةِ، والحربِ والسِّلمِ؛ لتكونَ قويةً في حلْبةِ الصِّراعِ، صابرةً على مواطنِ الإثارةِ والتحدي التي تختلف أشكالها وأساليبها ونوازعها العامة والخاصة.

إنّ مواضيع هذه السورة منسجمة ومتناغمة بشكل كأنّها نزلت في وقت واحد

مناسبة اسم السورة “آل عمران” لموضوعها:

1) إن ما ذكر من أخبار آل عمرانَ دالٌّ على القدرةِ التامةِ لله تعالى التي لا يتعاصها شيء الموجبةِ للتوحيد، سواء في ذلك قصة مريم البتول وكيف كانت مرزوقة مكفولة يأتيها رزقها رغدًا بغير حساب، أو قصة زكريا،وكون الله سبحانه وتعالى قد وهب له يحيى،مع أنه قد بلغ من الكبر عتيًا،وامرأته عاقر،وبذلك خرقت العادة المعروفة،وهو أن العاقر لا تلد قط،وهذا قد أنجب وقد أصابته الشيخوخة،وامرأته عاقر لا تلد، أو قصة ولادة السيد المسيح عليه السلام،وقد كان ذلك أعظم خرق للعادات،إذ ولد من غير أب القصة، وقصة حياة عيسى،التي اشتملت على خوارق كثيرة كانت في ذاتها أغرب من ولادته.؛منها: إبراء الأكمه والأبرص،وإحياء الموتى بإذن الله على يديه،وهكذا غيرها[2].
2) وفي قصة آل عمران بيان للتوحيد، وأن ما يدعيه النصارى في مريم عليها السلام وعيسى غير صحيح، وأن التوحيد متأصل في هذه العائلة المصطفاة، فقد ذكرَ مبدأَ أمرِ عيسى عليه الصلاة والسلام وأمِّه، وبسَطَ مولدَ مريم وتاريخَها، ومولدَ عيسى وتاريخَ بعثته وأحداثها، بطريقة لا تدع مجالًا لإثارة أية شبهة في بشريته الكاملة، إعلاماً أن عيسى من ذرية البشر المتنقلين في الأطوار المستحيلة على الإله.؛لتنفيَ فكرةَ الولدِ والشريكِ، وتستبعدهما استبعادًا كاملًا، وتظهرَ زيفَ هذه الشبهةِ وسخفَ تصورِها، وأنه واحد من سلالة الرسل، شأنه شأنهم، وطبيعته طبيعتهم.
وذكرت كيفيةَ دعوتِه للناس إلى التوحيد والإسلام تحقيقاً للحق وإبطالاً لما عليه أهلُ الكتابين في شأنهما من الإفراط والتفريط،وتفسر الخوارق التي صاحبت مولده وسيرته تفسيرا لا تعقيد فيه ولا غموض، من شأنه أن يريح القلب والعقل، ويدع الأمر فيهما طبيعيًا عاديًا لا غرابة فيه حتى إذا عقب على القصة بقوله: «إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ: كُنْ. فَيَكُونُ» وجد القلب برد اليقين والراحة وعجب كيف ثارت تلك الشبهات حول هذه الحقيقة البسيطة؟.
3) وفيها أن دين الإسلام دين التوحيد متأصل في جميع الأمم السابقة سواء في ذلك آل عمران ومنهم عيسى الذي جاء مصدقًا للتوراة، أو غيرهم كموسى الذي جاء بالتوراة التي فيها التوحيد، فبينت أن قضية حقيقة الدين وأنه الإسلام، ومعنى الإسلام وأنه الاتباع والاستسلام، وهذه ترِد كذلك في ثنايا القصص واضحة، ترِد في قول عيسى عليه السلام لبني إسرائيل: «وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ»، وفي هذا القول تقرير لطبيعة الرسالة، وأنها تأتي لإقرار منهج، وتنفيذ نظام، وبيان الحلال والحرام، ليتبعه المؤمنون بهذه الرسالة ويسلموا به، ثم يرد معنى الاستسلام والاتباع على لسان الحواريين: «فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ؟ قالَ الْحَوارِيُّونَ: نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ، آمَنَّا بِاللَّهِ، وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ. رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ» [3].
4) فيها أن ذكر تفاصيل هذه القصة يدل على صحة نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44)}.
5) وفيها زهد هذه العائلة ومن اتصل بهم بالدنيا، وعبادتهم لله تعالى، وتضحيتهم لأجل الله سواء ذلك أمُّ مريم التي نذرت بنتها لله، ومريم التي اعتزلت عابدة لله خاضعة قانتة راكعة ساجدة، وابنها عيسى عليه المقرب الصالح العالم بالكتاب، وزكريا ويحيى.
6) فيها أن من صبر وصابر ورابط وضحى لله سبحانه رفع قدره وشأنه، ففي مقدمة القصة {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)} [4] سواء كان من الأنبياء آدم ونوح وإبراهيم وعيسى عليه السلام، أم من غيرهم كمريم وأمها، وفي هذا رفع لهمة الناس للوصول للمراتب العلية[5].

أ‌) فأخبر أنه اصطفى آدم، أي: اختاره على سائر المخلوقات، فخلقه ونفخ فيه من روحه، وأمر الملائكة بالسجود له،
وأسكنه جنته، وأعطاه من العلم والحلم والفضل ما فاق به سائر المخلوقات، ولهذا فضل بنيه، فقال تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}، وتخصيص آدم عليه السلام بالذكر.؛لأنه أبو البشر خلقه سبحانه من غير أب ولا أم،وفي ذلك استدلال على النصارى ورد عليهم في ألوهية عيسى عليه السلام، ولما ذكر من فضائله.

ب‌) واصطفى نوحًا،فجعله أولَ رسولٍ إلى أهلِ الأرض حين عُبِدَت الأوثانُ، ووفقه من الصبرِ والاحتمالِ والشكرِ والدعوةِ إلى الله تعالى في جميع الأوقات ما أوجب اصطفاءه واجتباءه، وأغرق الله أهل الأرض بدعوته، ونجاه ومن معه في الفلك المشحون، وجعل ذريته هم الباقين، وترك عليه ثناء يذكر في جميع الأحيان والأزمان، وانتقم له لما طالت مدته بين ظَهْرَانَي قومه، وذكر نوح عليه السلام الذي هو أول نبي بعث للكفار للرد على عبدة الأوثان ليبين سبحانه أن التوحيد متأصل ضارب في عمق التاريخ ليبطل ما عليه أهل الشرك لا سيما النصارى، مع التهديد للكفرة الذين يتقلبون في البلاد بأن الله يمتعهم قليلًا ثم يهلكهم كما أهلك قوم نوح، مع حث العباد على الصبر والمصابرة والمرابطة فنوح عليه السلام مثل في طول الصبر.

ث‌) واصطفى آل إبراهيم [6]، والمرادُ بآل إبراهيمَ إسماعيلُ وإسحاقُ، والأنبياءُ من أولادهما الذين من جملتهم سيد ولد آدم نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأنهم من ذريته، ويدخل في آل إبراهيم جميع الأنبياء الذين بعثوا من بعده، ومنهم صلى الله عليه وسلم فإن الله تعالى جمع فيه من الكمال ما تفرق في غيره، وفاق صلى الله عليه وسلم الأولين والآخرين، فكان سيدَ المرسلين المصطفى من ولد إبراهيم،و إبراهيم عليه السلام من المصطفَين، فهو من أولى العزم من الرسل خليل الرحمن الذي اختصه الله بخلته، وبذل نفسه للنيران وولده للقربان وماله للضيفان، ودعا إلى ربه ليلًا ونهارًا وسرًا وجهارًا، وجعله الله أسوة يقتدي به من بعده، وجعل في ذريته النبوة والكتاب،، وقد خصهم بأنواع الفضائل ما كانوا به صفوة على العالمين،وإنما خصّ هؤلاء بالذكر؛ لأن الأنبياء كلهم من نسلهم اتخذه خليلًا،و جعله إمامًا للناس، وخص بالذكر لأن السورة من أهدافها بيان التوحيد وطريق الاصطفاء والتقوى وعبادة الله تعالى مع تمام الإخلاص والتضحية، وإبراهيم عليه السلام وآله من الأنبياء هو المثل الأعلى في هذا[7].

ج‌) واصطفى الله آل عمران،آل عمران: هم عيسى عليه السلام، وأمُّه مريمُ ابنةُ عِمرانَ، وأم مريم،والحق أنه من نسل هارون أخي موسى.؛ وعمران هو والد مريم، وذكرُ آلِ عمرانَ مع اندراجهم في آل إبراهيمَ: لخصوصية النصارى بهم،لإظهار مزيدِ الاعتناء بتحقيق أمرِ عيسى عليه الصلاة والسلام لكمال رسوخِ الخلاف في شأنه، فإن نسبةَ الاصطفاءِ إلى الأب الأقرب أدلُّ على تحققه في الآل،وأتبعه،فلهذا قال تعالى {ذرية بعضها من بعض}،أي: حصل التناسب والتشابه بينهم في هذا، فهؤلاء الآل تسلسل فيهم الصلاح، وسر ذكر آل عمران قد علم مما تقدم.

7) وفيها أن أهل الباطل قد مكروا بعيسى عليه السلام وأنه تحمل منهم الأذى الكثير لكنه كان هو المنتصر، وفيها أن من اتبع دين التوحيد هو الغالب وأن من كفر بعيسى عليه السلام وبدينه الذي هو التوحيد وخالفه فهو المغلوب، وكذلك ذكر نوح عليه السلام في أول القصة يشير لهذا كما تقدم.
وهذه الأمور التي في هذه القصة كالتلخيص لمقصود السورة، فكان عين الحكمة تسميتها بآل عمران.

أهم أقوال العلماء في مقصود سورة آل عمران:

يمكن تصنيف أقوال العلماء في مقصود آل عمران إلى ثلاثة أقسام:

أ‌) القسم الأول: ركزوا على أن مقصودها إثبات التوحيد بالأدلة الكثيرة:
– قال أ. د. محمد عبد المنعم القيعي: مقصود سورة آل عمران: تقرير مبدأ التوحيد.
– قال البقاعي: “المقاصد التي سيقت لها هذه السورة إثبات الوحدانية لله سبحانه وتعالى، والإخبار بأن رئاسة الدنيا بالأموال والأولاد وغيرهما مما آثره الكفار على الإسلام غير مغنية عنهم شيئاً في الدنيا ولا في الآخرة، وأن ما أعد للمتقين من الجنة والرضوان هو الذي ينبغي الأقبال عليه والمسارعة اليه وفي وصف المتقين بالإيمان والدعاء والصبر والصدق والقنوت والإنفاق والاستغفار ما يتعطف عليه كثير من أفانين أساليب هذه السورة هذا ما كان ظهر لي أولاً.
– وأحسن منه أن نخص القصد الأول وهو التوحيد بالقصد فيها فإن الأمرين الآخرين يرجعان إليه، وذلك لأن الوصف بالقيومية يقتضي القيام بالاستقامة، فالقيام يكون على كل نفس، والاستقامه العدل كما قال: {قائماً بالقسط} [آل عمران: 18] أي بعقاب العاصي وثواب الطائع بما يقتضي للموفق ترك العصيان ولزوم الطاعة.

– وهذا الوجه أوفق للترتيب، لأن الفاتحة لما كانت جامعة للدين إجمالاً جاء به التفصيل محاذياً لذلك، فابتدأ بسورة الكتاب المحيط بأمر الدين، ثم بسورة التوحيد الذي هو سر حرف الحمد وأول حروف الفاتحة، لأن التوحيد هو الأمر الذي لا يقوم بناء إلا عليه، ولما صح الطريق وثبت الأساس جاءت التي بعدها داعية إلى الاجتماع على ذلك؛ وأيضاً فلما ثبت بالبقرة أمر الكتاب في أنه هدى وقامت به دعائم الإسلام الخمس جاءت هذه لإثبات الدعوة الجامعة في قوله سبحانه وتعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم} [البقرة: 21] فأثبت الوحدانية له بإبطال إلهيه غيره بإثبات أن عيسى عليه الصلاة والسلام الذي كان يحيي الموتى عبده فغيره بطريق الأولى، فلما ثبت أن الكل عبيده دعت سورة النساء إلى إقبالهم إليه واجتماعهم عليه؛ ومما يدل على أن القصد بها هو التوحيد تسميتها بآل عمران، فإن لم يعرب عنه في هذه السورة ما أعرب عنه ما ساقه سبحانه وتعالى فيها من أخبارهم بما فيها من الأدلة على القدرة التامة الموجبة للتوحيد الذي ليس في درج الإيمان أعلى منه، فهو التاج الذي هو خاصة الملك المحسوسة، كما أن التوحيد خاصته المعقولة، والتوحيد موجب لزهرة المتحلي به فلذلك سميت الزهراء”[8].

ب‌) القسم الثاني: ركزوا على الطاعة والاستسلام
قال الفراهي في دَلَائِل النظام: “سورَة آل عمرَان سُورَة الْإِسْلَام، وَهُوَ طَاعَة النَّبِي”[9].

ت‌) القسم الثالث: جمع بين القولين السابقين فركز على إثباتها لوحدانية الله والإيمان بدعوة الإسلام، والطاعة والصبر على التكاليف، والحث على المصابرة مع أعداء الله جهادًا وإقناعًا وردًا لشبهاتهم:

1) قال الإمام الطيبي في فتوح الغيب في تفسير آخر آية من السورة: ” واعلم أن هذه خاتمة شريفة منادية على ما اشتملت عليه السورة من التحريض على الصبر في تكاليف الله، والحث على المصابرة مع أعداء الله، والبعث على التقوى في جنب الله، ولذلك افتتحت السورة بذكر الكتب المنزلة على أنبياء الله لتكون الفاتحة مجاوبة للخاتمة، فإن كتب الله ما نزلت إلا للحث على التقوى، والصبر على التكاليف، والمصابرة مع الكفار، والمرابطة في سبيل الله، وشحنت السورة بقصتي بدر وأحد، وأطنبت فيما يتصل بهما من المكابدة والمشقة وتعيير من عدم الصبر، وكرر فيها ذكر الصبر والتقوى كما سبق بيانه”[10].

2) قال الفراهي في تفسيره: “وأما نظام السورة في نفسها وتركيب أجزائها بعضها ببعض، فاعلم أن هذه السورة تنقسم إلى نصفين:
فالنصف الأول في إثبات الطاعة لله وإبطال ضلالات أهل الكتاب، لاسيما النصارى.
والنصف الثاني في تنبيهم على تضليل أهل الكتاب إياهم، وجمع شملهم بالاعتصام بحبل الله، وتثبيتهم على الطاعة، وحثهم على الجهاد، وتبشيرهم بالغلبة، وتحذيرهم عن التفرق عند المصائب والشدائد لكي يتم إسلامهم ويطيعوا الله في اليسر والعسر، فلا يكونوا كأمة موسى – عليه السلام -. خالفوا أمر بينهم فتاهوا أربعين سنة. فكأن النصف الأول تمهيد، والنصف الثاني مقصود”[11].
3) جاء في كتاب “التعريف بسور القرآن الكريم”: ” محور مواضيع السورة:
سورة آل عمران من السور المدنية الطويلة وقد اشتملت هذه السورة الكريمة على ركنين هامين من أركان الدين هما، الأول: ركن العقيدة وإقامة الأدلة والبراهين على وحدانية الله جل وعلا، والثاني: التشريع وبخاصة فيما يتعلق بالمغازي والجهاد في سبيل الله”[12].

4) قال محمد عناية الله في البرهان في نظام القرآن: “عمود سورة آل عمران: هو الدعوة إلى الإيمان بهذه البعثة المباركة والدعوة إلى اتباعها، مع تبديد الشبهات التي كان يثيرها أهل الكتاب ليصرفوا المؤمنين عنها”.
5) جاء في التفسير المختصر: ” الثبات على الإسلام بعد كماله، وردّ شبهات أهل الكتاب وخاصة النصارى”[13].
6) قال سيد قطب: “ولا يتم التعريف المجمل بهذه السورة حتى نلم بثلاثة خطوط عريضة فيها، تتناثر نقطها في السورة كلها، وتتجمع وتتركز في مجموعها، حتى ترسم هذه الخطوط العريضة بوضوح وتوكيد..

أ) أول هذه الخطوط بيان معنى ” الدين ” ومعنى ” الإسلام ” فليس الدين – كما يحدده الله – سبحانه – ويريده ويرضاه – هو كل اعتقاد في الله، إنما هي صورة واحدة من صور الاعتقاد فيه – سبحانه – صورة التوحيد المطلق الناصع القاطع: توحيد الألوهية التي يتوجه إليها البشر كما تتوجه إليها سائر الخلائق في الكون بالعبودية. وتوحيد القوامة على البشر وعلى الكون كله، فلا يقوم شيء إلا بالله تعالى، ولا يقوم على الخلائق إلا الله تعالى. ومن ثم يكون الدين الذي يقبله الله من عباده هو ” الإسلام ” وهو في هذه الحالة: الاستسلام المطلق للقوامة الإلهية، والتلقي من هذا المصدر وحده في كل شأن من شؤون الحياة، والتحاكم إلى كتاب الله المنزل من هذا المصدر، واتباع الرسل الذين نزل عليهم الكتاب. وهو في صميمه كتاب واحد، وهو في صميمه دين واحد، الإسلام، بهذا المعنى الواقعي في ضمائر الناس وواقعهم العملي على السواء.، ـ ــ ويتكئ سياق السورة على هذا الخط ويوضحه في أكثر من ثلاثين موضعا من السورة بشكل ظاهر ملحوظ..

نضرب له بعض الأمثلة في هذا التعريف المجمل:
(الله لا إله إلا هو الحي القيوم)، (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم).. (إن الدين عند الله الإسلام)، (فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن. وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين: أأسلمتم؟ فإن أسلموا فقد اهتدوا..)، (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم، ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون).. (قل: إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله…)، (قل: أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين)، (قال الحواريون: نحن أنصار الله، آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون. ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين)، (قل: يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله. فإن تولوا فقولوا: اشهدوا بأنا مسلمون).. (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين).. (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون؟)، (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه).. وغيرها كثير.

ب) فأما الخط الثاني الذي يركز عليه سياق السورة فهو تصوير حال المسلمين مع ربهم واستسلامهم له، وتلقيهم لكل ما يأتيهم منه بالقبول والطاعة والاتباع الدقيق ـ ـ (والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا – وما يذكر إلا أولوا الألباب -) (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد)، (الذين يقولون: ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار. الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار)، (قال الحواريون: نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون. ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين)،(كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)، (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح. للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم، الذين قال لهم الناس: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فزادهم إيمانا، وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل)..

ت‌) والخط الثالث العريض في سياق السورة هو التحذير من ولاية غير المؤمنين، والتهوين من شأن الكافرين مع هذا التحذير، وتقرير أنه لا إيمان ولا صلة بالله مع تولي الكفار الذين لا يحتكمون لكتاب الله، ولا يتبعون منهجه في الحياة.. (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين. ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء – إلا أن تتقوا منهم تقاة – ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير، قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض. والله على كل شيء قدير)، (ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون)..

(يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين. وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله. ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا…)إلخ..
وهذه الخطوط الثلاثة العريضة متناسقة فيما بينها متكاملة، في تقرير التصور الإسلامي، وتوضيح حقيقة التوحيد ومقتضاه في حياة البشر وفي شعورهم بالله، وأثر ذلك في موقفهم من أعداء الله الذي لا موقف لهم سواه[14].

7) قال مكارم الشيرازي (في الأمثل): “فإنّ المحاور الأصلية في أبحاث هذه السورة عبارة عن:

– إنّ قسماً مهمّاً من هذه السورة يرتبط بمسألة التوحيد وصفات الله والمعاد والمعارف الإسلامية الأخرى.
– وقسم آخر منها يتعلّق بمسألة الجهاد وأحكامه المهمّة والدقيقة، وكذلك الدروس المستفادة من غزوتي بدر واُحد، وبيان الإمداد الإلهي للمؤمنين، والحياة الخالدة الأخروية للشهداء في سبيل الله.
– وفي قسم من هذه السورة يدور الحديث حول سلسلة من الأحكام الإسلامية في ضرورة وحدة صفوف المسلمين وفريضة الحجّ وبيت الله الحرام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتولّي والتبرّي ومسألة الأمانة والإنفاق في سبيل الله وترك الكذب وضرورة الاستقامة والصبر في مقابل الأعداء والمشكلات والامتحانات الإلهيّة المختلفة وذكر الله على كلّ حال.
– وتطرّقت هذه السورة إلى تكملة للأبحاث التي تتحدّث عن تاريخ الأنبياء (عليهم السلام) ومنهم آدم
– ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى وسائر الأنبياء وقصّة مريم وكرامتها ومنزلتها عند الله، وكذلك المؤامرات التي كان يحوكها أتباع الديانة اليهوديّة والمسيحيّة ضدّ الإسلام والمسلمين.
إنّ مواضيع هذه السورة منسجمة ومتناغمة بشكل كأنّها نزلت في وقت واحد”[15].

ث‌) القسم الثالث:

ركزوا على أن السورة لبيان الاصطفاء الخاص لآل عمران، والاصطفاء العام لأمة الإسلام
أ‌) قال صاحبا كتاب “من دلالات أسماء السور في القرآن الكريم”: مقصودها الاصطفاء الرباني باب مفتوح للبشر جميعًا، ولكنه يحتاج للأخذ بأسبابه والاجتهاد في طلبه[16] .
ب‌) جاء في كتاب دلالة أسماء السور القرآنية على محاورها وموضوعاتها: ” محور السورة بيان الاصطفاء الخاص لآل عمران، والاصطفاء العام لأمة الإسلام، وما نتج عنه من مواقف الأمم الأخرى”[17].

 

[1] والعجيب توسيط النهي عن الربا في أثناء الحديث عن معركة أحد {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130)} فكيف ينتصر في المعركة من يأكل الربا وقد أعلن الله الحرب على آكل الربا.(دلالة أسماء السور)(ص57).
[2]انظر زهرة التفاسير /لأبي زهرة (3/ 1193).
[3] انظر في ظلال القرآن / سيد قطب(1/ 390).
[4] لما بين سبحانه وتعالى أن محبته منوطة باتباع الرسول فمن اتبعه كان صادقًا في دعوى حبه لله، وجديرًا بأن يكون محبوبًا منه جل علاه{قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} [آل عمران: 31] ووليه:{قل أطيعوا الله والرسول}[آل عمران:32]، وختمها بأنه: {لا يحب الكافرين}، أتبع ذلك ذكر من أحبهم واصطفاهم وجعل منهم الرسل الذين يبنون طريق محبته، واختارهم الله تعالى، وجعلهم صفوة العالمين وخيارهم بجعل النبوة والرسالة.
{اصطفى آدم ونوحًا}[آل عمران: 33]الآيةَ: أصل الصفاء خلوص الشيء من الشوب، والاصطفاء تناولُ وأخذُ صفوِ الشيءِ، أي: خالصِه الذي لا شائبةَ فيه، كأنه أخذه.؛لأنه أصفى، كما أن الاختيار تناول خيره، ولتضمينه معنى التفضيل عدي بعلى، جعلَ هؤلاءِ صفوةَ خلقِهِ نقاهم من الكدر،فنحن نعاين الشيء الصافي أنه النقي من الكدر، فكذلك صفوةُ الله من خلقه اختارهم.
ذكر آدم ونوحًا فردين، وذكر آلَ إبراهيمَ وآلَ عمرانَ أسرتين؛ إشارة إلى أنَّ آدمَ بشخصه ونوحًا بشخصه هما اللذان وقع عليهما الاصطفاء، فأما إبراهيم وعمران فقد كان الاصطفاء لهما ولذريتهما، ففضلهم على العالمين.
فبدأ أولاً بأولهم وجوداً وأصلِهم، وثنَّى بنوح عليه السلام؛ إذ هو آدم الأصغر ليس أحدٌ على وجهِ الأرض إلاَّ من نسله، ثم أتى ثالثاً بآل إبراهيم، فاندرج فيهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، المأمورُ باتباعِه وطاعتِه، وموسى عليه السلام، ثم أتى رابعاً بآل عمران، فاندرج في آله مريم وعيسى عليهما.
[5] ويناسبها قوله تعالى في هذه السورة الكريمة {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136)}[آل عمران: (33ـ 136)، {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)}[آل عمران: 172، 173]، ذكر هذه النقطة الخامسة باسم جرار في كتاب من أسرار الأسماء (ص55)، وكتاب (من دلالات أسماء السور في القرآن الكريم) ص34، ويؤيده قوله تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32) إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)} فذكر الاصطفاء بعد الاتباع، قال محمد رشيد رضا:”فلما بين سبحانه وتعالى أن محبته منوطة باتباع الرسول فمن اتبعه كان صادقًا في دعوى حبه لله، وجديرًا بأن يكون محبوبًا منه جل علاه، أتبع ذلك ذكر من أحبهم واصطفاهم وجعل منهم الرسل الذين يبنون طريق محبته” تفسير المنار(3/ 237).
[6] للمفسرين قولان في المراد بالعالمين: 1) منهم من قال المراد عالمو زمانهم أي فضلوا على عالمين زمانهم وممن اختار هذا القول: أبو السعود، والنسفي، والسمعاني، والواحدي، ومقاتل، وابن عجيبة، والقاسمي، وسيد طنطاوي، 2) والقول الثاني وهو الذي أرجحه ما ذكرته وهو أنهم فضلوا على جميع العالمين مطلقًا والمراد بآل إبراهيم ما يشمل سيد ولد آدم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وممن اختار هذا القول: البيضاوي، ابن كثير، ابن جزي، المراغي، اطفيش، والحسن البصري، ومحمد رشيد رضا، وأبو زهرة والسعدي والأمثل وغيرهم قال المظهري:} إن كان ما ذكر شاملا لنبينا صلى الله عليه وسلم وإبراهيم عليه السلام كما هو شامل لموسى وعيسى فاصطفاؤهم على العالمين أجمعين ظاهر.
[7] قال أبو زهرة:” ثم جاء نوح من بعده بسنين وقرون لَا يعلمها إلا علام الغيوب، وهو الأب الثاني للخليقة، فاصطفاه رب العالمين للهداية كما قال تعالى: (كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ)،، فكان هو وآله من أقارب كلوط وذريته التي جاء من بعده فيها صفوة الخلق وفيهم النبوة، فكان منهم إسماعيل ومحمد في فرع، وإسحاق وبنوه في فرع آخر، وكان من هؤلاء آل عمران وهم ذرية عمران وأقاربه كزكريا ويحيى عليهما السلام، ومن تلك الدوحة النبوية عيسى عليه السلام الذي ختمت به تلك الشعبة من أولاد إبراهيم. وتسلم الرسالة الخالدة إلى يوم القيامة الفرع الثاني من أولاد إبراهيم وهم ذرية إسماعيل، فكان محمد، وبه ختمت الرسالة الإلهية في هذه الأرض” زهرة التفاسير ” 3/ 1195″.
[8] نظم الدرر في تناسب الآي والسور/البقاعي (2ج/ 3).
[9] دَلَائِل النظام/ الفراهي(ص94).
[10] فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب(4/ 398).
[11] تفسير نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان/ الفراهي(8/6).
[12] التعريف بسور القرآن الكريم/موقع أم الكتاب(6).
[13] المختص في تفسير القرآن الكريم/ جماعة من علماء التفسير ص50.
[14] في ظلال القرآن (1/358) بتصرف.
[15] الأمثل/ مكارم الشيرازي (2/154).
[16] لكن ما ذكره هذان الفاضلان غير شامل لكثير من آيات هذه السورة الكريمة، لا سيما فاتحتها وخاتمتها.
[17] وقد لخص الفيروزآبادي موضوعات سورة آل عمران فقل::” ومضمون السّورة مناظرة وَفْد نجران، إِلى نحو ثمانين آية من أَوّلها، وبيان المحكَم، والمتشابِه، وذمٌّ الكفَّار، وَمَذَمَّة الدنيا، وشَرَفُ العُقْبى، ومدح الصَّحابة، وشهادة التَّوحيد، والرَّد على أَهل الكتاب، وحديث ولادة مَرْيم، وحديث كَفَالة زكريا، ودعائه، وذكر ولادة عيسى، ومعجزاته، وقصى الحَوَاريّين، وخبر المباهلة، والاحتجاج على النَّصارى، ثمّ أَربعون آية في ذكر المرتدِّين، ثم ذكر خيانة علماء يهودَ، وذكر الكعبة، ووجوب الحج، واختيار هذه الأُمّة الفُضْلى، والنَّهى عن موالاة الكفار، وأَهل الكتاب، ومخالفي المِلَّةِ الإِسلامية. ثم خمس وخمسون آية في قصّة حَرْب أُحُدٍ، وفى التخصيص، والشكوى من أَهل المركز، وعذر المنهزِمين، ومنع الخَوض في باطل المنافقين، (وتقرير قصّة الشهداء، وتفصيل غَزْوَة بدر الصغرى، ثم رجع إِلى ذكر المنافقين) في خمس وعشرين آية، والطَّعن على علماء اليهود، والشكوى منهم في نقض العهد، وترك بيانهم نعتَ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم المذكور في التَّوراة، ثم دعواتِ الصحابة، وجدهم في حضور الغزوات، واغتنامهم درجة الشهادة، وختم السورة بآيات الصبر والمصابرة والرِّباط”. بصائر ذوى التمييز فى لطائف الكتاب العزيز/مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي (1/161).