المقالة الأولى من سلسلة يحبنا ونحبه للشيخ أنس الموسى – “مقدمة”

يقدم لنا فضيلة الشيخ دروساً غنية في الأسباب الجالبة لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم، وما يشتمل ذلك من معرفة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وأخلاقه وسماته، ومعرفة صحابته وما يقدموا لنا من أعلى وأمثل النماذج في حب رسول الله المصطفى.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله الذي جعل المحبة إلى الظفر بالمحبوب سبيلا ونصب طاعته والخضوع له على صدق المحبة دليلا [1]
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى أله وصحبه وسلم. وبعد؛

سنتحدث بمشيئة الله عن الأسباب الجالبة لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم وسنبدأ بتوطئة وتمهيد للموضوع من خلال خمسة محاور.
الأول: لماذا نتحدث عن الأسباب الجالبة لمحبة النبي؟
الثاني: حد المحبة وتعريفها؟
الثالث: علاقة محبة الله سبحانه وتعالى بمحبة رسوله صلى الله عليه وسلم.
الرابع: علاقة محبة النبي بالاقتداء به.
الخامس: حكم محبة النبي صلى الله عليه وسلم.

المحور الأول: لماذا نتحدث عن الأسباب الجالبة لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم؟
لقد فترت علاقة غالب المسلمين مع مرور الزمن وكثرة الفتن برسول الله حتى غدا أكبر تعبير عن المحبة لرسول الله هو الصلاة عليه عند ذكره أو إحياء ليالي مولده بالإنشاد وغيره من صنوف التعبير.
المسؤول عن هذا الفتور الذي يعيشه المسلمون الآن بكل صدق هو غياب المحبة لرسول الله مهما زعم الزاعمون أنهم يحبونه.
لقد قرأنا في سير المحبين أشياء غريبة رأينا الرجل إذا أحب امرأةً تفانى في حبها، ولعلنا نتذكر قول قيس بن الملوح (مجنون ليلى) وهو يقول:
أمر على الديار ديار ليلى أُقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا
فكيف نزيل هذا الفتور الذي لحق بحبنا لرسول الله؟ هذا هو المحرك الأساسي للحديث عن الأسباب الجالبة لمحبته صلى الله عليه وسلم.

المحور الثاني: حد المحبة وتعريفها: الحب في اللغة: نقيض البغض، والحب هو الوداد [2] أي المودة التي تكون في القلب، كما قال تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودًا} [مريم: ٩٦].
ودًا: أي محبة في قلوب أهل الخير والصلاح.
يقول ابن القيم في مدارج السالكين: “لَا تُحَدُّ الْمَحَبَّةُ بِحَدٍّ أَوْضَحَ مِنْهَا. فَالْحُدُودُ لَا تَزِيدُهَا إِلَّا خَفَاءً وَجَفَاءً. فَحَدُّهَا وُجُودُهَا. وَلَا تُوصَفُ الْمَحَبَّةُ بِوَصْفٍ أَظْهَرَ مِنَ الْمَحَبَّةِ. وَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ النَّاسُ فِي أَسْبَابِهَا وَمُوجِبَاتِهَا، وَعَلَامَاتِهَا وَشَوَاهِدِهَا، وَثَمَرَاتِهَا وَأَحْكَامِهَا. فَحُدُودُهُمْ وَرُسُومُهُمْ دَارَتْ عَلَى هَذِهِ السِّتَّةِ. وَتَنَوَّعَتْ بِهِمُ الْعِبَارَاتُ، وَكَثُرَتِ الْإِشَارَاتُ، بِحَسَبِ إِدْرَاكِ الشَّخْصِ وَمَقَامِهِ وَحَالِهِ، وَمِلْكِهِ لِلْعِبَارَةِ [3]
أي لا يعبر عن المحبة ولا يعرفها إلا المحب … فمن ذاق عرف.

ليس يدري الغير ما طعم الهوى إنما يدريه من ذاق الهوى

وبالجملة يمكننا تعريف المحبة: بأنها الميل إلى ما يوافق المحب.

المحور الثالث: حكم محبة النبي صلى الله عليه وسلم:
أولاً: محبة من نوع فروض الأعيان، وهي المحبة التي تقتضي الإيمان بنبوته صلى الله عليه وسلم وتلقي ما جاء به عن الله بالمحبة والقبول والرضا [4]
يقول الله عز وجل: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِين} [التوبة: ۲٤].
يقول القاضي عياض معلقًا على الآية: “فكفى بهذا حضا وتنبيها ودلالة وحجة على إلزام محبته ووجوب فرضها وعظم خطرها”. [5]
وأما السنة فقول النبي فيما يرويه عَنْه أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ، وَوَلَدِهِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ فقال عمر: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ”. قَالَ عُمَرُ: فَأَنْتَ الْآنَ وَاللهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “الْآنَ يَا عُمَرُ” [6]
فينبغي أن تكون المحبة أعظم من النفس والأنفاس التي يخفق القلب بها
ثانياً: محبة مندوبة: وتكون بتقصي أحوال النبي أقوالاً وأفعالاً وأوصافاً في مأكله ومشربه وكل شؤون حياته مما هو مذكور في كتب الشمائل.

المحور الرابع: علاقة محبة الله بمحبة رسول الله:
إن حب الله عز وجل من أجل العبادات والطاعات وإن حب رسول الله فرع عن محبة الله فلا يستقيم أن تحب الله ولا تحب رسوله صلى الله عليه وسلم.
يقول الله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِين} ]آل عمران: ۳۲].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيما يرويه عَنْه أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ “ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ طَعْمَ الْإِيمَانِ: مَنْ كَانَ يُحِبُّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَمَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَمَنْ كَانَ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْكُفْرِ، بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ” [7] … فحلاوة الإيمان ثمرة لحب الله وحب رسوله

المحور الخامس: علاقة محبته صلى الله عليه وسلم بالاقتداء به:
الاقتداء برسول الله ترجمة صادقة لدعوى المحبة، فالمحبة ليست دعوى بل هي سير وسيرة قول وعمل حق وحقيقة حب واتباع.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا، فَهُوَ رَدٌّ” [8]
ومن الخطأ قصر محبة النبي على اتباعه فقط … فماذا تركنا لقلوبنا؟
ومن الخطأ أيضا قصر محبة رسول الله على العاطفة فقط، فأين الاتباع؟
فالمحبة عاطفة صادقة ينبعث منها اتباع، واقتداء.
اللهم إنا نسألك حبك وحب رسولك وحب عمل صالح يقربنا إلى حبهم.
آمين آمين والحمد لله رب العالمين.

 

[1] مقتبسة من مقدمة كتاب روضة المحبين ونزهة المشتاقين لابن القيم.
[2] لسان العرب لابن منظور حرف الباء وفصل الحاء.
[3] مدارج السالكين إلى منازل إياك نعبد وإياك نستعين.
[4] ينظر فتح الباري لابن رجب الحنبلي (1/50).
[5] الشفا بتعريف أحوال المصطفى للقاضي عياض (2/18).
[6] مسلم برقم 44 باب وجوب محبة النبي والبخاري (15)
[7] البخاري برقم (6632).
[8] مسلم (1718) (18) مسند أحمد برقم (25472)