المحاضرة العشرون من سلسلة تربية الأولاد في الإسلام للشيخ أنس الموسى: صفات المربي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم إنا نستهديك لأرشد أمورنا، وزدنا علمًا ينفعنا.

وبعد:

كثيرًا ما نتكلم عن فشلنا في تربية أبنائنا، وأحيانًا كنا نلوم أولادنا، ونحملهم مسؤولية هذا الفشل، وقلما كنا نبحث عن الأسباب الحقيقية وراءهذا الفشل.

 لقد ذكرنا في المحاضرتين الماضيتين عوامل الهدم في تربية الأبناء، وذكرنا من هذه العوامل المربي نفسه؛ فنحن لانُعْفي المربي من المسؤولية، وبذات الوقت لانحمِّلُه كامل المسؤولية؛ لذا لابد أن نعرف الصفات التي يجب أن تكون في المربي لنتعرف على مكان الخلل في التربية من هذه الزاوية لنتمكن من معالجته.

لقد اختار اللهُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؛ ليكون المربي الأول لهذه الأمة فقال في حقه: (وإنك لعلى خلق عظيم) [القلم 4]، وقال في حقه أيضاً: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) [الأحزاب 21] لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل صفات المربي الكامل، وكمال المربي ينتج عنه كمال التربية. لقد أثَّر كمال رسول الله وسرى في الأمة كمالاً؛ لهذا كان من الواجب أن نتعرف على صفات المربي حتى نتعرف على الصفات الناقصة، ونعمل على استكمالها، وبذلك نتلافى الفشل الذي قد يحدث في العملية التربوية من هذا الجانب.

مهمة:

هناك خطئان لابد من الإشارة إليهما:

1-من الخطأ قصر التربية على الأبناء فقط والحقيقة أن معنى التربية يشمل أطيافا أوسع من هذا؛ فهو يشمل الإخوة والأخوات، والأصدقاء في المدرسة، والجيران في المجتمع، والناس حول الداعية، فكل هؤلاء، وغيرهم جزء من التربية التي نتحدث عنها؛ فقضية التربية أوسع بكثير من قصرها على تربية الأولاد؛ لهذا عندما نتكلم عن صفات المربي فإننا نتكلم عن المربي بالمعنى الشامل الذي يشمل الوالدين، وغيرهم.

2-من الخطأ الظن أن تربية الأولاد قضية بسيطة لاتحتاج لمنهج، وأصول وضوابط؛ هذا الظن الخاطئ جعل الوالدين يهملان كثيرًا من الضوابط الصحيحة للتربية.

سؤال: ماذا نفعل لو لم نحقق كل صفات المربي؟ الجواب: هناك صفات يجب أن تكون موجودة في كل مربي، وهناك صفات تُكْتَسب شيئاً فشيئاً، وكلما كان المربي متداركًا لأخطاء التربية؛ كان هذا أدعى لنجاح عوامل التربية.

الصفات الأساسية في المربي التي ماينبغي أن يخلو عنها المربي:

أولًا: الحرقة في القلب، والرغبة في العمل: فلابد أن يشعر الأبوان برغبة في إصلاح أبنائهم. ربَّ أبٍ وأمٍ ليس عندهم صفات المربي، ولكنهما يحملان الحرقة في قلوبهم والشفقة على أولادهم فهما يبكيان، ويدعوان ربهم أن يجعل من أولادهم ذرياتٍ صالحين، يبحثون عن كل مايصلح أبنائهم بلهفة، وحرقة ؛ فيحصل الوالدان على أولاد في قمَّة التربية أكثر بكثير من الخبراء بأصول التربية، وضوابطها.

ثانيا: أن يستشعر الأب الخطورة، والخوف من الله؛ أن الله سيسأله عن أولاده. إذا كان الأب يستحيي من مدرسة ابنه لو استدعته تشتكي تقصير ولده بأمرٍ ما؛ فكيف سيكون موقف الأب أمام الله عزوجل، لو أوقفه يوم القيامة وسأله عن تقصيره تجاه ولده؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته والرجل في أهله راع، ومسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها”[البخاري 2419].ماذا سيقول الأب لربه حين يسأله عن قوله: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة) [التحريم6] كيف ترضى أيها الأب أن يصل ولدك لمابعد البلوغ، ولايزال لايصلي؟! إن شعور الإنسان بمسؤوليته يدفعه لإحسان التربية

ثالثا: التعلُّم الدائم، واكتساب الخبرات شيئاً فشيئاً في تربية الأولاد، وتصحيح الأخطاء.

رابعا: اليقين بأن الله قادر على إصلاح أولادنا، وإصلاح ما أفسدنا، وقصرنا وتصويب ما أخطأنا، وأن الله قادر على هداية أولادنا مهما كانوا متمردين أو مايحملوه من عقوق.

لاتيأس من هداية ولدك، حتى لو وضَعَ الطينَ في أذنيه، حتى لو انقطعت كل سبل التواصل بينك وبينه. لا تيأس بل الجأ إلى الله بالدعاء، والتضرع وتَحَيَّن أوقاتِ الإجابة مع الاستمرار؛ وسترى أن ولدك ينقلب رأسا على عقب.

إن لم نجعل من أوقات الأسحار دعاءً لأولادنا فلمن نجعلها؟! كن على يقين أن الله قادر على هداية ولدك.

كم من أب أراد تربية ولده بطرق التربية الحديثة، وهو لايحمل هذا الهم، واليقين بالله عزوجل؛ خرج ولده بغير ما يتمنى، ويريد.

كان والد الشيخ بدر الدين الحسني عاملاً، وقد رزقه الله بمولود؛ فكان يأخذه للعلماء والصالحين، ويطلب منهم الدعاء له أن يكون من الصالحين؛ فظهر الشيخ بدر الدين الحسني.

 ولنا في قصة والد إبراهيم ابن أدهم عبرة: عندما وجد تفاحةً على ضفة نهر فأكلها فشعر بتقصيرِ، وإثم أَكْلِهَا دون أن يَعْلَم من صاحبها؛ فبدأ يبحث عن مصدر التفاحة حتى اهتدى لصاحب البستان، وكان مَلِكَاً؛ فاشترط عليه ليسامحه أن يزوجه ابنته فتزوج أدهم ابنة الملك، وأنجبت له إبراهيم الزاهد الصالح ؛ تلك الثمرة من هذه البذرة فالثمرة الطيبة من البذرة الطيبة.

صفات هامة ينبغي أن يتحلى بها المربي:

 إذا كانت هذه الصفات التي سنتحدث عنها مفقودةً في المربي فيمكن أن تأتي بالتدريب.

1-الحلم والأناة: العجول الإنفعالي صاحب المواقف الارتجالية؛ لايصلح للتربية. لقد امتدح رسولُ الله الأشجَّ بنَ عبد قيس فقال له: “إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله الحلم والأناة”[مسلم543].

نادى الخليفة المأمون غلامه: ياغلام فقال الغلام للمأمون مُغْضَبَاً: أَكُلَّما خرجنا من عندك قلت: ياغلام ياغلام! أما ينبغي للغلام أن يأكل؟ أما ينبغي للغلام أن يشرب؟ فأَطْرَقَ المأمون وقال لجليسه عبد الله بن طاهر: إذا حَسُنَ خُلُقُ الرجل ساءت أخلاق رعيته، وإنا لانُحَسِّن أخلاق رعيتنا بسوء أخلاقنا.

2-الرفق واللين بين الأهل، وأولادهم: قال تعالى: (فبما رحمةٍ من الله لنت لهم ولوكنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) [آل عمران159] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” إن الله إذا أراد بأهل بيتٍ خيراً دلهم على باب الرفق” [مسند أحمد 24212]، وقال أيضا:”الرفق لم يك في شيئ إلا زانه، ولم يُنْزَع من شيئ إلا شانه”[مسند أحمد25334].

3-القلب الرحيم بالولد: أي أن يشعر الوالدان بألم، ومشاعر الطفل. جاء وفد للنبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا شَبَبَةً  أقاموا عنده عشرين ليلة  فشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم باشتياقهم لأهليهم فقال لهم:”ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلِّموهم ومُرُوهُم …فليؤذِّن لكم أحدُكم وليؤمُّكُم أكبركم”[البخاري 6819].

يمشي جابر بن عبد الله مع النبي صلى الله عليه وسلم وهم راجعون من الغزو فيسأل النبي جابراً:” أبكراً تزوجت أم ثيباً “فقال: بل ثيباً فقال رسول الله:” فهلاَّ بكراً تلاعبُها، وتلاعبك”[البخاري 4791]. هكذا كان رسول الله المربي يسأل جابراً، ويتفقد أحواله.

4-اختيار الأيسر في الأمور مالم يكن إثماً: وهذا من آثار الرحمة. رسول الله صلى الله عليه وسلم:” ماخير بين أمرين إلا اختار أيسرهما مالم يأثم فإذا كان الإثم كان أبعدهما منه”[البخاري 6404]، وهذا ينعكس على الأسرة، والأولاد، والتربية.

5-اللين والمرونة في المواقف: ليس من التربية في شيئ أن يتمسك المربي بموقف يتخذه، ولو كان موقفًا يرجع بالخلل على التربية قال رسول الله:” من حلَف على يمين ثم رأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير وليترك يمينه” [ مسلم 1651]

6-الابتعاد عن الغضب في المواقف: الغضب من مواقف الضَّعف، وليس من مواقف القوة، وهو خُلُق نقص لاخُلق كمال. أوصى رسول الله الصحابي الذي طلب الوصية فقال له:”لاتغضب” وقال رسول الله:”ليس الشديد بالصُّرَعَة ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب”[البخاري 6114].

نادى زين العابدين على غلامه: ياغلام ياغلام، والغلام لايرد فقال له: ألا تسمع فقال: بلى ولكن علِمْتُ حُسْن خُلُقِك فأَمِنْتُ غَضَبَك فقال: الحمد لله أن أَمِن خدَمِي غضبي.

كيف سيكون حال التربية لو كان المربي يحمل مثل هذه الأخلاق؟

7-الاعتدال والتوسط في الأمور كلها.

8-القدوة، وعدم المخالفة بين القول، والعمل قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون مالا تفعلون) [الصف 2]

9-الصبر والدأب في العملية التربوية: التربية مسؤولية تحتاج الصبرَ وعدمَ الكلال والملل قال تعالى: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها) [طه132].رسول الله والأنبياء من قبله ماتركوا وسيلة لإصلاح أقوامهم إلا ولجؤوا إليها؛ فهذا نوح عليه السلام كما وصفه الله:(قال ربِّ إني دعوت قومي ليلاً ونهارًا فلم يزدهم دعائي إلا فرارًا) [نوح5-6] وقال أيضا:(ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارًا) [نوح9] مكث فيهم يدعوهم إلى الله 950 عاماً (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا) [العنكبوت 14]

10-الاستيعاب والاحتواء للطفل: فالآنيةُ لكبيرة تستوعب الآنيةَ الصغيرة. أولادنا يحتاجون للاستيعاب في سن الطفولة، وهم كبارٌ أيضاً ،ولن يحصل الوالد على بر ولده مالم يستوعبه، ويستوعب انفعالاته، وكلما كان الإنسان أكبرَ عقلاً كان على استيعاب الآخرين أجدر.

11-العلم والثقافة بما يتعلق بالعملية التربوية لتكون التربية على بصيرة.

12-المراجعة الدائمة، والمحاسبة المستمرة للنفس في معاملة الأولاد، هل أنا أب ناجح؟ هل أنا أمٌّ ناجحة؟ هل أنا المربي الصالح لتربية أبنائي؟، والعمل على تجاوز الأخطاء الناشئة عن المحاسبة، بعد الاهتداء إليها.

13-معرفة الواقع الجديد الذي يعيش فيه الأبناء، وعدم التقوقع على عصر واحد؛ فزمان الأولاد غير زمان الكبار.

نسأل الله أن يعيننا على التحلي بهذه الأخلاق، واكتسابها كما نسأله سبحانه ألا يؤاخذنا بما قصرنا في تربية أبنائنا.

اللهم وفقنا لمحابك وألهمن مرشد الصواب والهداية.

                             آمين آمين.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.