المحاضرة العاشرة من سلسلة تربية الأولاد في الإسلام للشيخ أنس الموسى: المرحلة الثالثة من مراحل عمر الولد من سن السابعة لسن العاشرة الجزء الأول: خصائص هذه المرحلة

يقدم لنا فضيلة الشيخ سلسلة في فقه تربية الأولاد على المنهج الإسلامي الصحيح، مع تناول دلالاته في القرآن والسنة والتراث، ومع بيان شروط ومقتضيات وثمار هذا المنهج التربوي، وإبراز واجبات المربي ومسئولياته.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:

اللهم إنا نستهديك لأرشد أمورنا وزدنا علما ينفعنا

لقد وصلنا للمرحلة الثالثة من مراحل عمر الولد، والتي تبدأ من سن السابعة للسنة العاشرة، أو الحادية عشرة من عمره، وهذه المرحلة تعتبر أول مراحل نضج الطفل؛ ففيها ينتقل الطفل من المكان الضيق -المتمثل في البيت، ودائرة العلاقات الضيقة أيضا المتمثلة في الأب، والأم، والإخوة – إلى الدائرة الأوسع والمتمثلة في المدرسة والمسجد والطريق، وغير ذلك؛ لذا لابد أن نتعرف على خصائص هذه المرحلة لنصل للطريقة المناسبة للتعامل مع الطفل.

خصائص تربية الطفل في هذه المرحلة:

1- يبدأ الطفل في هذه المرحلة بالنضوج الفكري، والنفسي، والجسمي؛ فتبدأ شخصيته بالتشكل بعد أن كانت ذائبًة، أو غائبة في شخصية الوالدين.
– معظم الوالدين في هذه المرحلة لا يعترف بكيان الطفل، ووجوده؛ ظنًا منهم أنه ما يزال صغيرًا والحقيقة أنه صغيرٌ في نظر الوالدين فقط، أما في الواقع فقد دخل في سن الكبار؛ فصار له حضور ووجود، وفكر، وشخصية، وكيان؛ فتبدأ كثيرٌ من المعالم المفقودة سابقا بالظهور؛ لهذا يجب أن يلحظ الوالدان هذه التغيرات، ومعاملة الطفل بما يتناسب معها، فمن الخطأ اتباع نفس الأسلوب وقت كان الطفل في سن الثلاث سنوات، والأربع سنوات.
– كثير من الآباء والأمهات يعاملون الطفل على أنه إما طفل رضيع، أو رجل بالغ ناضج. والحقيقة أن الأمر مختلف، فهناك مراحل بين سن الطفولة، وسن الرجولة، ولكلٍّ مرحلته وطريقته في التعامل.

2- تبدأ في هذه المرحلة ظهور انعكاسات تربية الطفل السابقة من الناحية النفسية، والفكرية، والبيئية؛ فيظهر مثلًا أثر أداء الوالدين للعبادات الشعائرية أمام الولد، كالصلاة والصيام …، وأثر أمهات الفضائل، وما يناقضها كالصدق، والكذب والأمانة، والخيانة، والكرم، والشح، والإيثار، والأثرة …

3- تبدأ العلاقات الاجتماعية في هذه المرحلة بالتوسع لدى الطفل؛ فيدخل المدرسة، وقد يرسله والداه للمسجد؛ لتعلم القرآن، وحضور الصلوات، وما شابه، ويسمح له والداه بالخروج من البيت للعب مع أصدقائه؛ فيبدأ بالخروج من عش الوالدين الضيق إلى الدائرة الأوسع؛ فصار له ذهاب وإياب وعلاقات داخل البيت، وخارجه؛ فيجب وضع هذه الخصيصة بعين الاعتبار.

4- يبدأ الطفل في هذه المرحلة بالاستقلال الجزئي عن والديه في بعض الأعمال، والخدمات التي كانت تقدم له قبل هذه المرحلة؛ فيبدأ بالذهاب للمدرسة وحده، ويأكل وحده، ويخدم نفسه في كثير من الأمور دون أي مساعدة تذكر من أحد والديه أو كليهما… طبعا هذا له انعكاسه على أسلوب التربية.\

5- يجب أن يلحظ الوالدان في هذه المرحلة أنهما يربيان ويبنيان ويغرسان في ولدهما داخل الأسرة، وقد يوجد خارج الأسرة من يهدم ما بنياه، ويغير ما زرعاه فقد يزرعا فكرًا ما فيأتي من يبث فكرًا مخالفا؛ فالولد يسمع داخل البيت شيئا، ويسمع خارج البيت شيئا آخر؛ وعليه فإن تربية الطفل في السنوات الأولى (من الأولى للخامسة) أسهل بكثير من السنوات اللاحقة لأن الموجه الوحيد للولد في تلك المرحلة هو الأب، والأم أما الآن فهو يتأثر بسماعه من المسجد، والمدرسة، والطريق فيعيش الطفل في تيارات قد تكون متوافقة مع ما نهله من والديه في المرحلة العمرية في سن الرابعة، وقد تكون مخالفة لها؛ فيبدأ الطفل بالتعرف على أشياء ربما لم يكن يعرفها في بيته فقد تعلم في بيته أن الكذب لا يجوز فيجد صديقه في المدرسة يكذب، تتربى البنت في بيتها على الحجاب، والعفة، والحياء، ولكن في طريقها للمدرسة تشاهد كمًا من الصور السيئة التي لم تألفها من قبل، ولم تترب عليها.

إن ما يراه الولد خارج البيت – سواء مما تربى عليه، أو مما لم يترب عليه – قد لا يخبر والديه به حتى لو سألاه عنه، ويحتفظ بهذه المشاهد لنفسه (صار له شخصية ووجود).

6- في هذه المرحلة يبدأ الولد بالميل لشخصيات جديدة، ويبدأ بتعظيمها، واحترامها كأستاذه، أو مدرّسته في المدرسة، أو شيخه في المسجد، أو صديقه، أو صديق صديقه في الطريق …فلم يعد الأب، والأم هما الوحيدان في قلب الولد. بل ربما يقدّم الولد في هذه المرحلة بعض أوامر مدرّسيه وأساتذته على أوامر والديه.

7- في هذه المرحلة تتوسع دائرة الطفل المكانية؛ فتبدأ توجهات الطفل بالانطلاق خارج البيت فلم يعد البيت يسعه فهو يريد أن يخرج للعب مع أصدقائه، أو غير ذلك والوالد لو قال لولده: اجلس في البيت؛ فجلوسه في بيته ليس تربية له؛ بل سجن له في قفص، والقفص مذمومٌ ولو كان من ذهب، ومهما قال الوالدان: إنهما يعوضان الولد فهذا غير صحيح؛ فلابد من إيجاد مساحة وحيز يعطى للولد يشبع فيه تطلعاته المتناسبة مع توسع شخصيته، والوالدان عندما يمتلكان الوعي والفهم للتغيرات الحاصلة في شخصية ولدهم يستطيعون وبكل سهولة تهيئة هذه المساحة.

وتجدر الإشارة لأمر مهم طالما كررناه وهو: أن الوالدان لا يستطيعان التحكم بكل ما هو خارج البيت؛ فلابد لهما من البحث عن البدائل الأخرى التي تعوض الخلل الحاصل من عدم تلك السيطرة.

8- يبدأ الطفل في هذه المرحلة برفض بعض أوامر الوالدين؛ لأن مكانتهما قد تراجعت قليلا في نفس الولد وهذا أمر طبيعي له أسبابه فقد صار هناك مصادر أخرى للمعرفة خارج البيت، أضف إلى ذلك بعض التناقضات التي يعايشها الولد في حياته فمثلا: قد يذهب الطفل للمسجد، ويسمع من الشيخ أن الكذب لا يجوز، ثم يرجع الطفل للبيت فيرى أن والده أو والدته يكذبان، أو يسمع من الشيخ حدود عورة الرجل أمام الرجال، وعورة المرأة أمام النساء، أو المحارم فيجد أن بيته لا يطبق هذه الأمور؛ فتهتز ثقة الولد بأبويه وهذا يدفع الولد لرفض بعض الأوامر التي يأمرانه بها بالإضافة لما ذكرناه في البند السادس.

9- يبدأ الطفل في هذه المرحلة بتقييم أفعال والديه لأنه لم يعد يعتقد فيهم العصمة؛ فيبدأ الولد بمحاسبة والديه، وقد يكون هذا بعيونه، وطريقة تعجبه، واستغرابه، ويبدأ بإصدار الأحكام بحقهما، ويحتفظ بهذه الأحكام لنفسه ولا يصرح بها؛ فعلى الوالدين الانتباه لهذا الأمر.

10- إن بداية توجيه الأوامر والنواهي الشرعية للطفل تبدأ في سن السابعة؛ ليعتاد الطفل الأحكام الشرعية، وآداب الإسلام؛ كما أمر رسول الله: “مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع”. [1]

وليس هذا من باب التكليف بل من باب التدريب الهادئ الهادف؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل”. [2]

اللهم وفقنا لمحابك وألهمنا مراشد الصواب والهداية
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

[1] سنن أبي داوود برقم (435).
[2] سنن أبي داوود – كتاب الحدود برقم (4403)، مسند أحمد – مسند العشرة المبشرين بالجنة (1/116).