المحاضرة السابعة والعشرون من سلسلة تربية الأولاد في الإسلام للشيخ أنس الموسى: أساليب التربية على العقيدة الصحيحة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 اللهم إنا نستهديك لأرشد أمرنا وزدنا علماً ينفعنا.

وبعد:

تحدثنا في المحاضرة الماضية عن تربية الأولاد على العقيدة الصحيحة، وبيَّنا أهمية هذا النوع من التربية، واليوم سنتحدث عن الوسائل المتبعة للتربية على العقيدة الصحيحة.

مهمة:

1-قبل الحديث عن هذه الوسائل لا بدَّ أن ننبّه مرة أخرى إلى أنه ليس المقصود من العقيدة، والتربية عليها هي كتُبُ علم الكلام التي تعجُّ بالأحكام العقدية، والردود على المخالفين، وهو الذي يجعل الوالد يتسائل معه كيف أوصل مثل هذه المعلومات لولدي الصغير؟!

عندما نقول التربية على العقيدة: لانقصد هذا؛ وإنما نقصد التربية على أركان الإيمان التي تشمل الإيمان بالله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره والإيمان بالرسل، والملائكة..، نقصد تعليم الأطفال المعاني العقدية الموجودة في سورة الإخلاص، وآية الكرسي، عقيدة (هو الله الذي لا إله إلاهو عالم الغيب والشهادة) [الحشر22] بمعانيها البسيطة، والسهلة.

2-يجب الانتباه إلى أن هذه العقيدة لاتُلْقَى للطفل دفعةً واحدةً؛ بل بشكل متدرج يتماشى مع عمر الطفل، وقدرته على الاستيعاب.

وسائل التربية على العقيدة السليمة

1-ما فعلته أم السيدة مريم عندما كانت حاملةً لها في بطنها؛ حيث قامت بتعويذها بالله من الشيطان الرجيم، وقد ذكر القرآن هذا عندما قال تعالى: (إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك مافي بطني محرراً فتقبل مني إنك أنت السميع العليم فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) [آل عمران 35-36] لقد نفعت هذه الاستعاذةُ مريمُ، وابنها عيسى عليه السلام.

2-التأذين في أذن المولود عند الولادة نوع من تعليم العقيدة وليس بركةً  نُبَرِّكُ فيها الولد؛ والحقيقة هو نوع من تلقين الفطرة؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:” ما من مولود إلا يولد على الفطرة”[1] فنحن بهذا الأذان حرَّكنا الفطرة عند الطفل، ثم إن الروح تتعشق هذه المعاني عند سماعها في بداية حياة الطفل، فيسمع الطفل كلمات الأذان: أشهد ألا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله.

3-تعويذ الطفل بما كان يعوِّذ به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين “أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامَّة. ويقول: هكذا كان إبراهيم يعوذ إسحاق، وإسماعيل عليهم السلام “[2]  

4-الفتح على الطفل بـ: لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ فنكرر أمامه هذه الكلمة قال رسول الله” افتحوا على صبيانكم أول كلمة بـ: لا إلاه إلا الله”[3] ،وعلى الوالدين أن يعرِفا أن ابنهما يشبه جهاز التسجيل الذي يسجل كل مايسمع، وهو بنفس الوقت صدىً لكلمات والديه.

5-تعليم الطفل الأذكار المسنونة عند دخول البيت، وعند الخروج منه؛ كدعاء:” اللهم إني أسالك خير المولَج وخير المخرَج بسم الله ولجنا وبسم الله خرجنا وعلى الله ربنا توكلنا” [4] ،ودعاء:” اللهم إني أعوذ بك أن أضِل أو أُضَل أو أَزِل أو أُزَل أو أَجْهل أو يُجْهل عليَّ” [5]، وأذكار النوم، والاستيقاظ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ من منامه قال:”الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور، وإذا أراد أن ينام قال:  باسمك اللهم أموت وأحيا”[6] وكان يقول أيضاً:” إذا أوى أحدكم إلى فراشه فالينفض ثوبه بداخلة إزاره فإنه لايدري ما خلفه عليه ثم يقول : باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين”[7]، وغير ذلك من الأدعية المأثورة.

كدعاء الطعام فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من أكل طعاماً ثم قال: الحمد لله الذي اطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ماتقدم من ذنبه، ومن لبس ثوباً فقال: الحمد لله الذي كساني هذا الثوب ورزقنيه من غير حول مني ولاقوة غفر له ماتقدم من ذنبه وماتأخر”[8] انظر إلى هذه الأذكار كم تحمله من معاني العقيدة الصحيحة حيث تربط مصدر كل نعمة ٍوخيرٍ بالله عزوجل. فكيف بأثر هذه الكلمات، وصداها في نفس الطفل؟ أضف إلى ذلك فإن الطفل سيعتاد هذه الكلمات، ويعيش فيها، وتبقى معه حتى الكبر.

6-تعليم الأولاد؛ بتحفيظهم مبادئ العقيدة الصحيحة كـ: الله سميع الله بصير، الله خالق السماوات والأرض، محمد رسول الله ..ونكرر هذه الكلمات على مِسْمَع الطفل، ونستثير حواسه بالسؤال فنقول له: الله يسمعنا؟ فنقول له نعم يسمعنا ..إذا الله مطلع علينا، ثم نسأله والطعام أمامه: من خلق هذا الطعام، ومن رزقنا هذا الطعام؟ فنجيبه: هو الله. ونسأله من خلق البحر، ومن خلق السماء، ومن خلق الجبال؟ ..إلى غير ذلك من الأسئلة التي ترسخ في نفسه مبادئ العقيدة الصحيحة، ويكون جوابنا له  بربط المخلوقات بخالقها سبحانه؛ فيترسخ في نفس الطفل أن الطبيعة لا ولم تخلِق، والصدفة لم توجِد، وإنما لكل مخلوقٍ خالقٌ، ولكل موجودٍ موجِدٌ، ولولا الله عزوجل ما وُجِد على هذه الأرض مخلوق.

7-تنبيه الأطفال على الأخطاء العقدية التي يرونها؛ سواء على التلفاز: كبرامج الأطفال  مثلاً، أو ما يسمعونه: ربما في المدرسة، وربما في الشارع؛ فهناك الكثير من الأفكار المغلوطة التي تُبَثُّ في وسائل الإعلام، فوسائل الإعلام تَبُثُّ منتجاتٍ صنعت في غير بلاد المسلمين من أشخاص لا يحملون عقائد المسلمين، ولا يهمهم ما يُنَشَّأُ عليه الأولاد من أخطاء، وسموم عقدية؛ فيصورون الله على هيئة صنم يعطي، ويمنع، أو يصورونه على هيئات أخرى، ويصورون الملائكة على هيئة طيورٍ، ويبثون في هذه البرامج أن الطبيعة توجِد وتخلُق ..

8-تحفيظ الأولاد الآيات والأحاديث الدالة على العقيدة السليمة؛ كالتي تثبت وحدانية الله عزوجل، وقدرته، كسورة الإخلاص، وآية الكرسي، ونحفظه قول الله عزوجل: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) [الشورى 11]،وقول الله تعالى: (قال من يحي العظام وهي رميم قل يحيها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم) [ياسين78-79]، وكذلك نشرح له، ونحفظه حديث ابن عباس” ياغلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله…” [9]

كم لهذه الآيات، والأحاديث من أثر على قلب الطفل، وصحة اعتقاده.

9-رواية القَصَصِ النبوي، وقَصَصِ السلف الصالح الذي يرسخ جانب العقيدة كقصة رسول الله مع أبي بكر عندما قال له:” يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟”[10] ونذكر للأولاد: قصة الأعرابي الذي أمسك السيف في وجه رسول الله عندما كان نائما فعن جابر – رضي الله عنه – أنه غزا مع رسول الله ﷺ قِبَل نجد، فلما قفل رسول الله ﷺ قفل معهم، فأدركتهم القائلة في واد كثير العِضاه فنزل رسول الله ﷺ وتفرق الناس يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله ﷺ تحت سمرة فعلق بها سيفه ونمنا نومة، فإذا رسول الله ﷺ يدعونا وإذا عنده أعرابي، فقال: إن هذا اخترط علي سيفي وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده صلتا، قال: من يمنعك مني؟ قلت: الله – ثلاثا ولم يعاقبه وجلس، وقصة سراقة بن مالك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء الهجرة، وقصة العلاء بن الحضرمي الذي سار هو وجنده على الماء.

وقصة سيف الدين قطز وهو يقول: يا الله انصر عبدك قطز، وقصة صلاح الدين الايوبي وفتحه بيت المقدس، ونبين للطفل جانب العقيدة  من التوكل على الله وحسن الظن به .

10-التحذير من البيئة المسمومة بالعقائد الفاسدة التي تثير الشبه على العقيدة كتدريس الطفل في مدارس غير المسلمين، وترك الطفل يعيش في أجواء يشيع فيها الإلحاد وإنكار وجود الله .

11-تعظيم شعائر الله في نفس الطفل: كتعظيم الأذان؛ لأن تعظيم هذه الشعائر يقوي صلة الطفل بهذه المعاني.

12-تعليم الطفل مبادئ العقيدة بشكل علمي فنربط وجود الله بحدوث العالم، وأنه مخلوق لله عز وجل، ولكن يكون هذا بعد أن نمر بالسلسلة الطويلة التي ذكرناه من قبل، والتي كنا نرسخ فيها مبادئ العقيدة، مع الانتباه إلى الأسلوب في تعليم هذه المعاني كأسلوب السؤال، والجواب فنسأل الطفل: هل يمكن للشمس هذا المخلوق العظيم أن تكون موجودة دون موجِدٍ وخالقٍ يخلقها؟ هل يمكن ألا يكون للبحر خالقاً يخلقه؟.. فنستحث نفس الطفل، وننبهه لهذه المعاني ثم نقول له: إذاً من خلقها؟ أليس هو الله؟ فنصل لنتيجة مع الطفل أنه لكل مصنوع صانعاً صنعه.

13-التنبيه على الآيات الكونية التي تثبت جانب العقيدة بما يتناسب وعمر الطفل، وإدراكه فنذكر له قول الله: (مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لايبغيان) [الرحمن 19-20] ونشرح له المعاني الموجودة فيها بأسلوب علميٍ بسيطٍ، ونحدث الطفل عن عالم البحار والفلك أيضاً بنفس الأسلوب.

14-بناء الثقة بالعقيدة الإسلامية، وبناء الثقة بالحقائق الدينية، وقوة أدلتها وترسيخ هذه المبادئ العقدية بشكل علمي؛ لنصل لتعظيم العقيدة والشريعة في نفس الطفل ليشعر بعزة انتماءه لهذا الدين العظيم (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين)[آل عمران 139] 

اللهم وفقنا لمحابك وألهمنا مراشد الصواب والهداية.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

________________________________

[1]: البخاري من حديث أبي هريرة 6599

[2]: جامع الترمذي عن ابن عباس 2060

[3]: شعب الإيمان للبيهقي برقم (8129)،والحديث فيه مقال.

[4]: أبو داوود عن أبي مالك الأشعري 5096

[5]: جامع الترمذي عن هند بنت حذيفة 3427

[6]: صحيح البخاري من حديث حذيفة بن حسيل 7394

[7]: صحيح البخاري عن أبي هريرة 6320

[8]: سنن أبي داوود من حديث أنس بن مالك4023

[9]: سنن الترمذي 2516

[10]: مسلم من حديث أنس بن مالك 4396