المحاضرة السابعة من سلسلة تربية الأولاد في الإسلام للشيخ أنس الموسى: سنن تراعى عند الولادة

يقدم لنا فضيلة الشيخ سلسلة في فقه تربية الأولاد على المنهج الإسلامي الصحيح، مع تناول دلالاته في القرآن والسنة والتراث، ومع بيان شروط ومقتضيات وثمار هذا المنهج التربوي، وإبراز واجبات المربي ومسئولياته.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
اللهم إنا نستهديك لأرشد أمرنا وزدنا علما ينفعنا

وبعد:
تكلمنا في المحاضرة السابقة عن الوسائل المساعدة في تربية الولد في فترة ما قبل الحمل، والولادة. واليوم سنتعرف على الآداب التي يسن للإنسان فعلها عندما يرزقه الله تعالى بمولود.

يجب ألا ننسى أن تطبيق هذه السنن، والآداب يثاب عليها الإنسان أولًا، و لها عظيم الأثر في تربية الولد ثانيًا، كما أن فيها إحياًء للسنن المهجورة الثابتة عن رسول الله، والتي قال عنها رسول الله : “من أحيا سنة من سنتي قد أميتت فإن له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء”[1].

كثيرون هم الذين يتركون هدي رسول الله، ويتجهون للتعلق بعادات ألفوها وما فهموها، ولا عرفوا خطرها مثل: تعليق خرزة زرقاء، والاعتقاد أنها تحمي المولود.

ما أكبر الفرق بين من يرزقه الله بمولود فيؤذن في أذنه، ويقيم، ويحنكه متأسيا بهدي رسول الله، ويعتقد أن الله هو الضار النافع، وهو الحافظ، ويحصن أولاده بالمأثور عن رسول الله؛ فيعوذهم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أعيذك بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة”[2] وكذلك يقرأ المعوذات (الفلق، والناس)، وبين امرأة تعلق خرزة زرقاء في صدر مولودها تعتقد أنها تدفع الضر عنه؟!

إن رسول الله ما أرشدنا لمثل هذه الأذكار إلا لأن فيها سعادتنا، ومع ذلك علينا الانتباه: إلى أن تطبيق هذه السنن ليس هو كل التربية؛ بل جزء منها.

الهدي النبوي عند قدوم المولود:

الهدي الأول البشارة ولها معنيان: الأول: أن تسارع إلى تبشير والد المولود، وأهله بأن الله منّ عليهم بمولود، وقد ذكر الله هذا بقوله: {فبشرناه بغلام حليم} [الصافات: ۱٠۱].

المعنى الثاني للبشارة: أن تقدم هدية لمن بشّرك مهما كانت الهدية؛ كما فعل سيدنا كعب بن مالك مع البشير الذي بشره بتوبة الله عليك حيث نزع ثوبه، وأعطاه للبشير [3].

إن هذه البشارة مستحبة سواء كان المولود ذكرًا، أو أنثى، وهذا خلاف ما كانت عليه الجاهلية؛ حيث كانوا يهنؤون بولادة الذكر، وموت الأنثى قال تعالى: {وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودًا وهو كظيم} [النحل: ٥٨].

ويستحب تهنئة أهل المولود بقولنا: بورك لكم في الموهوب، وشكرتم الواهب، ورزقتم بره، وبلغ أشده. ويرد أهل المولود بقولهم: بارك الله لكم وبارك عليكم وجزيتم خيرًا.

الهدي الثاني التّأذين والإقامة في أذن المولود: إن المولود لا يدرك المعاني التي يسمعها لكن روحه تدركها وتعيها؛ فالتأذين ليكون أول شيء يقرع أذن المولد عندما يقدم إلى الدنيا هو ذكر الله، وإن الطفل يتفاعل مع أول شيء يلج قلبه؛ لهذا يسارع الشيطان لهذا الطفل عند ولادته؛ فعلى أهل المولود المسارعة للأذان ليفر الشيطان عن المولود كما ذكر رسول الله “إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين” [4].

وقال رسول الله “ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخًا من مس الشيطان إياه إلا مريم، وابنها” ثم يقول أبو هريرة واقرؤا إن شئتم: {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم} [آل عمران: ۳٦] [5].

الهدي الثالث التحنيك: والمقصود به أن نأتي بالتمر فنمضغه بفمنا، ثم نأخذ قطعة منه، وندلك بها حنكي المولود يمينا ويسارًا، وهذا التحنيك بهذه المواد السكرية سهلة الهضم له فوائد طبية كثيرة، وأهمها: استثارة حاسة المص عند الرضيع؛ والتي لها أثر كبير في عملية إدرار حليب الأم الذي يُسْتَدَّر بمص المولود ثدي أمه.

من المهم جدا تطبيق هدي النبي في التحنيك أمام الناس لنذكرهم بهذا الهدي ونحرك فيهم الرغبة في فعله وهذا فيه إحياء لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

ومن المستحب أن يكون التحنيك على يد رجل صالح للتبرك بدعاء الصالحين وسؤرهم؛ كما فعل أبو موسى الأشعري حيث قال: “ولد لي غلام فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسماه إبراهيم وحنكه بتمرة” [6].

وكان رسول الله “يؤتى بالصبيان فيبرّك عليهم ويحنكهم” [7].

الهدي الرابع اختيار الاسم الحسن للمولود: ويبدأ هذا من أول يوم حتى اليوم السابع من عمر المولود.

قال رسول الله: “كل غلام رهين بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه يحلق ويسمى” [8]، ويستحب اختيار الاسم الحسن للمولود. قال رسول الله: ” إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسمائكم” [9].

وأما السقط فإنه يستحب تسميته إن كانت آلة الذكورة واضحة؛ بأسماء الذكور، وإن كانت علامة الأنوثة هي الواضحة فنسميه باسم الإناث، وإن لم يتضح جنس المولود نسميه باسم يصلح للجنسين.

تسمية المولود هي حق الأب قال تعالى: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} [البقرة: ۲۳۳]، ونَسَب الولد هو حق المولود فلا يجوز نفي نسب الابن قال تعالى: {ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله} [الأحزاب: ٥].

وقد نبه رسول الله لأحب الأسماء إلى الله وأصدقها فقال: “إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن” [10].
كما يسن تكنية المولود فقد كنى رسول الله السيدة عائشة بأم عبد الله [11].
ومازح طفلا فقال له: “يا أبا عمير ما فعل النغير” [12].

الهدي الخامس حلق شعر المولود ذكرا أو أنثى: ويكون في اليوم السابع، والتصدق بوزن الشعر ذهبا.

الهدي السادس العقيقة: فيسن أن يذبح الوالد عن ولده شاة؛ وهذا فيه شكر المنعم، وإشاعة الفرح والسرور بين الأهل؛ أن منَّ الله عليهم بالمولود. حيث يطبخ اللحم ويدعى له الأهل والأصحاب.

 

[1] جامع الترمذي (2677) من حديث عبد الرحمن بن عوف
[2] البخاري (3317)
[3] البخاري كتاب المغازي حديث رقم (4156)
[4] البخاري عن عبد الرحمن بن صخر رقم (3285)
[5] البخاري (4548)
[6] مصنف ابن أبي شيبة باب: في التمر يحنك به المولود رقم (22994)
[7] البخاري (229 – 5151)
[8] سنن الترمذي (1522) وأبي داوود (2837) واللفظ له
[9] سنن أبي داوود (4948) – مسند أحمد (5/194) مسند الأنصار
[10] مسلم (2132)
[11] أبو داوود (3739) (4970) مسند أحمد (24619)
[12] البخاري (5850)