المحاضرة الخامسة والعشرون من سلسلة تربية الأولاد في الإسلام للشيخ أنس الموسى: وسائل تربية الأولاد الجزء الثالث

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم إنا نستهديك لأرشد أمرنا وزدنا علما ينفعنا.

وبعد:

ما نزال نتحدث عن وسائل التربية التي ينبغي أن يتعرف عليها المربون، وقد وصل بنا الحديث إلى….

الوسيلة التاسعة – التربية بالتنفير من الأخلاق المذمومة: أعرِّف ولدي على الأخلاق المذمومة؛ ليجتنبها، وأنفره من الكلمات المذمومة، والأخلاق المرذولة ليكرهها؛ كشرب السجائر، وغيرها، بحيث لو حصلت أمامه فإنه يكرهها، ويجتنبها. أعطيه صورة سيئة عن الكذب والسرقة مثلاً، سواء كذب أم لم يكذب، سرق أم لم يسرق فهذا منهج القرآن يقول الله تعالى: (ولايغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه) [الحجرات12]

وقال أيضاً: (فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون) [الأعراف 176].

 كل هذه الأمثلة وغيرها كثير الغرض منه التنفير من الأخلاق، والأحوال المذمومة.  

الوسيلة العاشرة – التشجيع على العمل الصالح، وإن كان قليلاً: لو وَجَدَ ولدك مبلغاً من المال وسلمك إياه؛ اشكره على أمانته، وشجعه على هذا الخلق؛ بذِكْرِه أمام الناس، وكافئه عليه لينمو خُلُقُ الأمانة في قلبه، وهكذا نفعل مع بقية الأخلاق المحمودة. تشجيع الولد على العمل الصالح؛ يزيد من فعل ولدك له، وهذا أيضاً منهج القرآن يقول تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً) [الكهف30]، وقال أيضاً: ( ولَمَن صَبَرَ وغَفَرَ إن ذلك لمن عزم الأمور) [الشورى 43].

الوسيلة الحادية عشرة – الثناء في العلانية، والمحاسبة في السر: الثناء على المواقف الإيجابية مطلوب، كما أن المحاسبة على المواقف السلبية مطلوب؛ فأثني على الولد عند الإحسان، وأعاقبه عند الإساءة، فمن الخطأ محاسبة الطفل على أخطاءه، وعدم إثابته على إحسانه، وربنا سبحانه يقول: (وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان) [الرحمن60] ؛لأن الثناء على الطفل يفعِّل عنده حب الخير، وينمِّيه، أما العقوبة فتكون سراً بينك، وبين الولد مهما كان نوع العقوبة نفسيةً كالحرمان، وغيره أو بدنيةً كالضرب.

تحذيرات وتنبيهات للمربين

أولاً: لاتعاقب وأنت غضبان : أجِّل معالجة الخطأ عن وقته؛ عندما تكون في حالة غضب؛ حتى تتمكن من اختيار الدواء المناسب دون أن يتأثر اختيار الدواء بحالة الغضب التي تعيشها.

مهمة: بعض الأمهات تشتكي للأب سوء خلق ولدها بشكل استفزازي؛ تجعل الأب يستشيط غضباً؛ فما ينبغي للأب أن ينصاع مباشرةً لشكوى الأم؛ بل يتريث حتى تهدأ ثائرته، ومن ثَمَّ يبدأ بعلاج الخطأ.

ثانياً: لايوجد وسائل تربية تتناسب مع جميع الأولاد  بل لكل حالة وسيلتها المناسبة لها؛ وبالتالي على المربي أن يضع أمامه جميع وسائل التربية، ويختار المناسب منها؛ فيكون كالطبيب يضع أمامه كل أنواع الأدوية، ويختار العلاج المناسب بعد التشخيص الصحيح.

ثالثاً: لايلزم من اتحاد الخطأ بين الأولاد أن تتحد العقوبة بينهم؛ فلكل ولد شخصيته، ونفسيته فولدٌ حساس ينزجر، ويرتدع بنظرة؛ فتكون النظرة بالنسبة له أشد من الضرب، وهناك أولاد لا تنزجر حتى بالضرب؛ فعلى المربي أن يتعامل مع كل حالة بحسبها فلا يجوز اختيار الوسيلة بناء على نوع الخطأ فقط بل وبحسب المخطئ أيضاً.

رابعاً: لايجوز للأب أن يحاسب أولاده ويعاقبهم على أمر هو يرتكبه أيضاً؛ فكيف يحاسب الأب ابنه على التدخين وهو يدخن؟! سواء رأى الولد والده مدخناً أو عَلِمَ أنه يدخن؛ فلا يجوز أن تخالف أقوال المربي أفعاله، وربنا تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون) [الحجرات2-3]،وقال تعالى:(أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) [البقرة 44]

وصدق الشاعر إذ يقول:

يا أيها الرجل المعلِّمُ غيرَه هلاَّ لنفسك كان ذا التعليم

لا تنه عن خُلِقٍ وتأتي مثله عارٌ عليك إذا فعلت عظيم

خامساً: لاتعاقب ولدك على عمل فعله اليوم ضَحِكْتَ له بالأمس: تختلف أمزجة المربين بين يوم، ويوم؛ فبعض الأولاد يصدر منه قول، أو فعل في حالة يكون فيها مزاج الوالد هادءاً فلا ينزعج الوالد مما صدر من ولده بل ربما يضحك، وقد يصدر من الولد ذات القول أو الفعل في وقت يكون فيه الوالد معكَّر المزاج؛ فيغضب، وربما يعاقب ولده؛ فيعيش الولد حالة من التناقض، وتشتبه عليه الأمور فهو لايعرف سبب العقوبة مع أنه بالأمس قال نفس الكلام، وفعل نفس الفعل فلا يعرف الصواب من الخطأ؛ فعلى الوالدين مراعاة هذا الأمر، والتنبه لهذه القضية.

سادساً: لايجوز للمربي أن يلحقه الملل والسآم من العملية التربوية، بل عليه الصبر والمتابعة دون كللٍ، أو مللٍ، فتربية الأولاد لا تنته والولد بحاجة للتربية، والرعاية بشكل مستمر فلا بد من البحث دائماً عن الحلول، والبدائل مهما كانت الحالة صعبة. ألا ترى أن الطبيب لو أخبرك مثلاً: إن حالة ابنك الصحية ميؤوس منها، وأنه لا حاجة لإبقائه في المشفى؛ فهل تترك ولدك، وتذهب أم على أقل تقدير تأخذه إلى بيتك، وتهتم به بنفسك، وتبدأ بالبحث عن طبيب آخر علَّكَ تجد عنده العلاج المناسب؟ ..وهكذا تربية الأولاد ماينبغي أن يلحقها ملل، وما ينبغي للأب أن يعتقد أن ابنه لن يصلح أبداً، وأن علاجه ميؤوس منه فيترك التربية ..لو فشلت كل وسائل التربية كما يظن بعض الآباء هل يفشل الدعاء الصادق بإخلاص ؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن دعاء الوالد لولده لايرد فقال:” ثلاث دعوات مستجابات لاشك فيهن دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده” [الترمذي من حديث أبي هريرة 1905].

فلا بد من اللجوء إلى عزوجل أن يردَّ الله الولد إلى الحق، والرشاد والاستقامة أولاً وآخراً.

نسأل الله عزوجل أن يوفقنا، ويلهمنا حسن التربية ..اللهم وفقنا لمحابك وألهمنا مراشد الصواب والهداية.

آمين آمين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .