المحاضرة الرابعة عشر من سلسلة تربية الأولاد في الإسلام للشيخ أنس الموسى: أطفالنا ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم الجزء الأول

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم إنا نستهديك لأرشد أمورنا وزدنا علمًا ينفعنا

وبعد:

فهذا هو اللقاء الرابع عشر من سلسلة تربية الأولاد في الإسلام، وقد أنهينا في المحاضرة الماضية المرحلة الرابعة من مراحل تربية الأولاد. ولعلنا اليوم ننتقل لقسم آخر من أقسام التربية؛ ألا و هو قضية محبة النبي صلى الله عليه وسلم التي يجب أن نتربى عليها جميعًا صغارًا وكبارًا. المحبة التي ينبغي زراعتها في قلوب أولادنا أطفالًا ويافعين.

هذه الزاوية يهملها بعض الآباء من قضايا التربية؛ ظنًا منهم أنها تمثل الجانب العاطفي في التربية، وظنوها أمرًا بسيطًا يمكن الحديث عن تربية الأولاد بمعزل عنها.

كيف نستطيع أن ننشئ هذه المحبة؟، وكيف نخاطب أبنائنا في عناوين هذه المحبة؟؛ فأسلوب جذب قلوب الأطفال لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم يختلف عن أسلوب جذب قلوب الناشئة؛ فالكبار عادة ما نركز معهم على أسباب ووسائل إنشاء هذه المحبة.

اليوم نريد أن ننشئ الصلة بين أولادنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم؛ للأن محبة رسول أمر بها ربنا كما أمرنا بالصلاة عندما قال:) إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا( [الأحزاب 56]؛ فمحبة رسول الله عبادة نثاب عليها، وكما نعلِّم أولادنا الصلاة، ونحضهم عليها؛ علينا أن نغرس في قلوبهم محبته صلى الله عليه وسلم.

مهمة:

  1. بدايةً نريد أن نسأل أنفسنا أمام أبنائنا لماذا نحب النبي صلى الله عليه وسلم؟

دائما ما نقول لأبنائنا أحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لكن محبة رسول الله تحتاج للعاطفة، وتحريك القلب؛ فيجب أن نشرح لأولادنا قبل أن نطلب منهم محبة رسول الله لماذا نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.

  1. من الخطأ أن نَقْصِرَ وسائل تعليم محبة رسول الله لأبنائنا بأخذهم لإحياء ليالي مولده فقط، مع توزيع شيء من الحلوى؛ فيرتبط الطفل بحبه لرسول الله فقط من خلال قطعة حلوى.

شيء جيد أن تصحب ولدك للاحتفال بيوم المولد، وهذا يساعد في تهيج القلب بالمحبة، ولكن يوم المولد يتكرر مرة بالسنة، في حين إن أولادنا بحاجة لتذكير مستمر، وربط دائم برسول الله صلى الله عليه وسلم.

  1. أليس من التقصير الواضح في حق أولادنا ألا نربطهم برسول الله إلا من خلال تعريفهم به مرة بالسنة، وببعض الحلوى؟!

نريد أن نوضح لأبنائنا لم نحب رسول الله، وكيف تندفع قلوبهم لمحبته صلى الله عليه وسلم:

أولًا: أن الله قرن محبة رسوله بمحبته سبحانه وتعالى فقال: )قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ( [التوبة 24] ففي هذه الآية قرن الله بين محبته، ومحبة رسول الله فيجب تربية الناشئة على هذا المعنى.

ورسول الله يقول: ” ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما..” [1]

ثانيًا: قرن ربنا سبحانه ذِكر رسوله صلى الله عليه وسلم بذكره في مواضع كثيرة وقال فيها )ورفعنا لك ذكرك( [الشرح 4] قال العلماء في تفسيرها ألا أُذكر إلا وتُذْكر معي. كالصلاة وغيرها لا يذكر الله إلا ويذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثالثًا: لأن رسول الله هو حبيب الله؛ فتذوِّق ولدك هذا المعنى وتعلمه أن الله أحبَّ رسوله؛ لهذا أنا أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

رابعًا: لأن محبة رسول عندما تلقى في قلب ولدي يسهل عليه اتباعه صلى الله عليه وسلم، والاقتداء به؛ فيندفع الولد إلى الطاعة. فرق بين أن تجبر ولدك على تطبيق هدي نبوي، وبين أن تزرع في قلب ولدك حب النبي فيبحث هو بنفسه عن هدي رسول الله ليطبقه.

خامسًا: لأن رسول الله اختاره ليكون مبلغا لهذه الرسالة؛ فينبغي أن يفهم ولدي هذا المعنى فالله تعالى قال له:)يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ( [المائدة67]  وقال أيضًا:) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ( [الأنبياء 107] فيجب أن نذوِّق أبنائنا هذه المعاني؛ ليتذوق طعم الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

سادسًا: لأن رسول الله ادخر دعوته لأمته ليوم القيامة؛ فكل الأنبياء دعوا، وأما رسول الله فخبأ دعوته كما قال رسول الله: “لكلِّ نبيٍّ دعوةٌ مُستجابةٌ ، فتُجعَلُ لكلِّ نبيٍّ دَعوتُهُ ، وإنِّي خبَّأْتُ دَعوتِي شفاعةً لأُمتِي يومَ القيامةِ ، فهِيَ نائِلةٌ إنْ شاءَ اللهُ مَنْ ماتَ من أُمتي لا يُشرِكُ باللهِ شيئًا”[2]

سابعًا: تَشَوُّق رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة؛ فنخبر أولادنا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْمَقْبُرَةَ ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ ، وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا . قَالُوا : أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : أَنْتُمْ أَصْحَابِي ، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ.”

فأقول لولدي: رسول الله اشتاق إليك من ( 1400) سنة فنحن إخوانه لأننا آمنا به ولم نشرف برؤيته؛ فيشعر الولد بالصلة بينه، وبين رسول الله؛ فرسول الله يبادلنا الشوق.

ثامنًا: من أسباب المحبة لرسول الله التي ينبغي أن نربي عليها أبائنا أن نعلمهم أن: رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” المرء مع من أحب” [3]. كيف سيعيش الطفل لو علَّمناه هذه المعاني؟ نقول له: أنت تحب رسول الله؛ إذا أنت ستكون مع رسول الله، ونخبره قصة الصحابي الذي جاء لرسول الله وسأله متى الساعة يا رسول الله؟ قال:”ما أعددتَ لها؟” قال ما أعددتُ لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله، قال: “أنت مع من أحببت” [4]

قال سيدنا أنس بن مالك: مافرح المسلمون بعد الإسلام فرحهم بهذا .

جاء أعرابي جهوري الصوت قال: يا محمد الرجل يحب القوم، ولما يلحق بهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” المرء مع من أحب” [5]

تاسعًا: إن الله عزوجل وصف رسوله بأنه على خلق عظيم فقال: (وإنك لعلى خلق عظيم )[القلم 4]  فيجب توضيح هذا المعنى للصغار، ونوضح لهم مظاهر العظمة، ومظاهر القدوة في الأخلاق المحمدية، ونوضح لهم أنه لا يوجد شخص يحبونه إلا وفيه شيء من الكمال، وفيه الكثير من النقص، سواء كان شخصًا مرموقًا، أو غير ذلك،  إلا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فإن زوايا حياته كلها مضيئة، ولا يوجد أي زاوية فيها نقص. وكذلك لا يوجد شخص إلا وفيه بعض النقاط المَخْفِية لا يعرفها الناس؛ كقضايا الزوجية، والعمل والقضايا المالية، وفترة الطفولة والمراهقة والشباب، إلا رسولَ الله فلا يوجد شيء خفيٌ علينا من حياته ،فلا يوجد في حياته دوائر حمراء لا يطلع عليها أحد، ودوائر خضراء يسمح بمعرفتها؛ بل بالعكس فنحن نعرف عن رسول الله في علانيته كما نعرف في سريرته، نعرف عن حياته في العبادة، كما نعرف عن حياته الزوجية الخاصة؛ وذلك لأن الله تعالى اختاره ليكون قدوة لنا فلا يوجد نقاط حمراء في حياته لا نعرفها. لا يوجد سطر محذوف في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن حياة رسول الله كلها نوركما وصفه الحق سبحانه: وإنك لعلى خلق عظيم …فيجب أن نربي أبنائنا على فهم هذه المعاني التي تغرس المحبة في قلوبهم.

عاشرًا: لأن الله شبهه بالنور المبين فحياتنا ظلام أضاءها نور رسول الله فينا. قال تعالى: (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين) [المائدة15]

الحادي عشر: لأن حبنا لرسول الله وإيماننا به سبب ورودنا على حوضه، فنخبر أولادنا أننا سنرد على حوض رسول الله لنشرب من يده شربة هنيئة لا نظمأ بعدها[6]

 هذه الحقائق ما ينبغي أن تغيب عن أبنائنا، ومن الخطأ الجسيم في التربية عدم تعريف الولد بها؛ فنقول لولدنا: كيف ستجيب رسول الله لو عاتبك على ترك أدب من آدابه؟! فنحرك في الولد الحياء من رسول الله، وندفع فيه الدوافع لما يسُرُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم غدًا.

الثاني عشر: لأن رسول الله هو اللبنة التي تمّم الله بها بعثة الأنبياء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مثلي، ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتًا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية  فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له ويقولون هلاَّ وضعت هذه اللبنة فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين” [7]

مهمة: أولادنا يبحثون عن مَثَلٍ أعلى، وقدوة يقتدون بها، والناشئة عندما فقدت المثل الأعلى الكامل؛ وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم حل محله البدائل، وحلت شخصيات مزيفة يقلدها أبناؤنا، وترفضها تقاليدنا، وتعاليم ديننا …السبب: هو أنهم وجدوا شيئًا من الكمال في تلك القدوات فهذا ممثل بارع، وذاك لاعب كرة قدم ناجح وتلك..هل هؤلاء قدوة أبنائنا ؟! إذًا لِمَ لا نوضح لأبائنا من هو قدوتهم؟

 مثلًا: نقول في البيت، وبشكل متكرر: نفعل هذا لأن رسول الله فعله، ونحب هذا لحب رسول الله له. كلما تحركنا في البيت نقول: هكذا فعل رسول الله، ونشرح بعض الحكم لهذه الأفعال.

كيف سيكون حال أبنائنا وهم يتذكرون قدوتهم في كل شيء، في أخلاقه، ومعاملته، و في مأكله إذا هم أكلوا، و مشربه إذا هم شربوا، وملبسه إذا هم لبسوا، وجلوسه إذا هم جلسوا؛ فيسري حال النبي فيهم  أنه قدوتهم في كل أمورهم؛ فيصل الولد لحد أن يقول هو بنفسه كلما فعل ما كان يفعله رسول الله: هكذا كان رسول الله يفعل.

اللهم إنا نسألك أن تُسْكن قلوبنا، وقلوب أبنائنا حب رسول الله صلى الله عليه وسلم

اللهم وفقنا لمحابك وألهمْنا مراشد الصواب والهداية

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

_____________

[1]: البخاري من حديث انس بن مالك كتاب الإيمان باب حلاوة الإيمان حديث (16)

[2]: البخاري عن أبي هريرة (6304)

[3]: البخاري عن عبد الله بن مسعود برقم (5716)

[4]: مسلم في البر والصلة والآداب باب المرء مع من أحب رقم(2639)

[5]: سنن الترمذي من حديث صفوان بن عسال برقم (2387)

[6]: ينظر مسلم برقم (2300)، البخاري (5/33)

[7]: البخاري عن عبد الرحمن بن صخر برقم (3535)