المحاضرة الخامسة من سلسلة تربية الأولاد في الإسلام للشيخ أنس الموسى: الأولاد مسؤولية عظيمة في عنق الوالدين

يقدم لنا فضيلة الشيخ سلسلة في فقه تربية الأولاد على المنهج الإسلامي الصحيح، مع تناول دلالاته في القرآن والسنة والتراث، ومع بيان شروط ومقتضيات وثمار هذا المنهج التربوي، وإبراز واجبات المربي ومسئولياته.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
اللهم إنا نستهديك لأرشد أمورنا وزدنا علمًا ينفعنا
وبعد:
بعد أن قدمنا مقدمات تبين أهمية تربية الأولاد، وضرورة الاعتناء بهم؛ سنبدأ بالمقصود من هذه السلسلة، ولكن يجب أن نعلم بعض الحقائق.

1- الأولاد مسؤولية يحاسَب عليها الوالدان، إن خيرًا وإن غير ذلك؛ لقول رسول الله: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته” [1].
ولقوله أيضًا: “كل مولود يولد على الفطرة” [2].
ولقوله: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية. أو علم ينتفع به. أو ولد صالح يدعو له” [3].

2- الولد ملك الله وليس ملكًا للوالدين، وإنما هما سبب وجوده، ومهمتهم العناية به صغيرًا، وتربيته كبيرًا. فهو أمانة، ويجب على الوالدين القيام بحق هذه الأمانة؛ فلا يجوز إهمال حفظه، كما لا يجوز ضربه مثلًا فوق الحد الذي يصلحه لو اعوج ولهذا قال ربنا: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق} [الإسراء: ۳١] فالله وهبه للوالدين وضمن له الرزق …

وما المال والأهلون إلا وديعة ولابد يومًا أن ترد الودائع [4]

3- ليس للوالدين الخيار في تحديد وسائل التربية التي يريدونها؛ فليس من حق الوالدين ألا يسمحا لولدهم أن يصلي، أو لابنتهم أن تحتجب، أو يقفا في وجه الالتزام لولدهم؛ لأن الله الذي أوجب على الوالدين رعاية الولد أوجب عليهم تربيته ضمن منهج الله وبالطريقة التي أمر الله بها والتي يريدها الله منك.

4- رغبة الوالدين أن يكون ولدهم صالحًا لا يكفي، بل لابد من معرفة المنهج الصحيح الموصل لهذه الغاية فالغايات الصالحة تحتاج الوسائل الصحيحة

ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس [5]

والآن ماهي المسؤوليات التربوية الواجبة على الوالدين؟

أولًا: التربية الإيمانية: لابد من تنشئة الولد على العقيدة الصحيحة، كتعليمه أركان الإيمان ومعرفة الله عز وجل.
ثانيًا: التربية العبادية: كتعليمه الصلاة، وتعويده الصيام، وتعريفه بأركان الإسلام.
ثالثًا: التربية العقلية والذهنية والعلمية: أي تعليم الولد وسائل النجاح، وأسباب الفشل ليأخذ بأسباب النجاح في الدنيا والآخرة.
رابعًا: التربية الاجتماعية والآداب العامة: كتعريفه أهمية صلة الرحم، والإيثار وآداب الطريق والمجلس، وتحذيره الكبر والأنانية وعدم المبالاة وغير ذلك من الأخلاق المرذولة.
خامسًا: التربية الجسمية الصحية: وتعني المحافظة على جسم الولد؛ فإذا مرض أداويه، وأبعد عنه ما يضره، فالسهر على صحة الولد عبادة لأنها تكليف من الله.
سادسًا: التربية الجنسية: كتعريف الولد علامات البلوغ، وكيفية التطهر من الجنابة وما يجوز للحائض، وما يحرم عليها، وأحكام الغسل والطهارة من الحدث الأكبر، والسوائل التي تخرج من جسم البالغ، وأحكامها.
والآن ننتقل للحديث عن وسائل التربية، ولكن قبل ذلك يجب أن نعلم أن هذه الوسائل منها ما نملكه، ومنها ما لا نملكه؛ فالأصل عندما نتحدث عن التربية المثالية أن تكون شروطها متوفرة. فمن الضروري، ونحن نتحدث عن التربية وجود البيئة المثالية لتطبيق بنود هذه التربية، ولكن نجد أن الواقع لا يساعد على تطبيق هذه البنود بل أحيانا يقف في وجه تطبيقها. مثلًا أربي ولدي على الفضائل، فأجد أن المدرسة والإعلام لا يعيناني على ذلك بل ربما يعارضان.
ولأن المدرسة، والإعلام مثلا وسائل لا نملكها؛ فيجب بذل الجهد مضاعفا لتفادي الخلل في النقص الحاصل جراء عدم قدرتنا على تسخير هذه الوسائل بما يعود بالنفع على الناشئة؛ كمثل الذي ينقصه بعض العناصر الغذائية، فلابد أن يعوض هذه العناصر من خلال عناصر أخرى.
ولد لأحد الأشخاص مولود، فجاء فور ولادته لأحد المربين يسأله عن أفضل وسيلة يربي عليها هذا المولود؛ فسأله المربي كم عمر ولدك؟ فقال: الآن ولد فقال له: لقد تأخرت تسعة أشهر.
نفهم من رمزية هذه القصة أن خطوات التربية الصحيحة تسبق ولادة الولد، بل تسبق الزواج.

الوسائل الميسرة سبيل التربية الصالحة:

1- اختيار الزوجة الصالحة (الأم الصالحة لولدك): فهي مما يعين على تربية الولد، وتنشئته التنشئة الصالحة؛ لأن أغلب الوقت يقضيه الولد برفقة أمه

الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق [6]

2- امتلاك ثقافة تربوية إسلامية واعية قبل الزواج، تتضمن معرفة المطلوب تعليمه للأبناء.

3- بناء الوالد نفَسه بناء صحيحا: لأن الولد يحكي فعل أبيه، وعين الولد منعقدة على مربيه تسجل كل ما يراه؛ فأدبُ الرجل نفَسه أدبٌ لأهله، والقاعدة العامة المضطردة: إن صلاح الآباء يسري في الأبناء، وبالعكس، ولا عبرة للحالات الاستثنائية، وما ينبغي تعميمها؛ فالله أرسل رسوله وجعله في ذات الوقت قدوة {لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر} [الأحزاب: ۲١].

4- الإكثار من الدعاء أن يرزقك الله الذرية الصالحة، والأم الصالحة لولدك {والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين} [الفرقان: ٧٤].

5- اهتمامك بأولاد المسلمين سبب في إنقاذ أولادك، احفظ أولاد المسلمين، واتق الله فيهم؛ يحفظ الله أولادك. الشاب الذي يتلاعب بأعراض المسلمين، ويكون سببا في إفسادهم سيحاسبه الله على فعله، والجزاء من جنس العمل، والأخ والأخت اللذان يبذلان النصح، ويتقيا الله في أولاد المسلمين، يسوقونهم للمسجد يعلمونهم، ويحفظونهم القرآن، يدلونهم على الله، يحببونهم بالله ويحببون الله فيهم سيكافئهم الله {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} [الرحمن: ٦٠].

اللهم وفقنا لمحابك وألهمنا مراشد الصواب والهداية
صل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

[1] صحيح البخاري برقم: 2558
[2] صحيح البخاري برقم: 1385
[3] صحيح مسلم برقم: 1631
[4] لبيد بن ربيعة في قصيدته بلينا وما تبلى النجوم الطوالع.
[5] من شعر أبي العتاهية.
[6] قصيدة العلم والأخلاق لحافظ إبراهيم.