المحاضرة الخامسة عشرة من سلسلة تربية الأولاد في الإسلام للشيخ أنس الموسى: أطفالنا ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم الجزء الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم إنا نستهديك لأرشد أمورنا وزدنا علمًا ينفعنا.

وبعد:

فهذا هو اللقاء الخامس عشر في سلسلة تربية الأولاد في الإسلام، واليوم سنتابع الحديث في قضية محبة النبي صلى الله عليه وسلم، و كيف نستطيع أن ننشئ هذه المحبة؟ وكيف نخاطب أبنائنا في عناوين هذه المحبة؟؛ وقد ذكرنا أن أسلوب جذب قلوب الأطفال لمحبته صلى الله عليه وسلم يختلف عن أسلوب جذب قلوب الناشئة.

 وقد بينا في اللقاء الماضي لِمَ نحب رسول الله، وكيف تندفع قلوبنا لمحبته؟

واليوم سنكمل الحديث، ونتكلم عن الوسائل الواجب اتباعها لتحريك محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلوب أولادنا، وكيف نغرس هذه المحبة؟

لكن قبل ذلك لابد من توضيح هذه الأمور:

  1. لماذا نحرص على تربية أولادنا تربية سلوكية معينة فقط، ولا نحرص على تربيتهم على أن يكون رسول الله هو قدوتهم؟ فلو تعشق الولد شمائل رسول الله، وسيرته؛ فإنه سيسير باتباع دائم له.

  لم لا نوضح لأبنائنا أن رسول الله قدوتنا في الصلاة وفي كل عبادة لربنا، بل في أحوالنا كلها، وأن الله اختار رسوله ليكون قدوة لنا بعد أن زكَّاه في قلبه فقال:)ما كذب الفؤاد ما رأى([النجم11] ،وزكاه في بصره فقال: )مازاغ البصر وما طغى( [النجم17]،وزكى نطقه فقال )وما ينطق عن الهوى( [النجم3]، وزكى علمه فقال :)علمه شديد القوى([النجم5]، وزكاه كله فقال: )وإنك لعلى خلق عظيم( [القلم4]

2- لم لا نعلِّم أولادنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اقتدى به الأنبياء في الصلاة؟ فإذا كان الأنبياء قد اقتدوا برسول الله؛ فنحن أولى أن نقتدي به صلى الله عليه وسلم.

3- الطفل يحب أن يقلد العظماء؛ فكيف لو عرف أنه لا عظيم من البشر بعد رسول الله؟ فإذا وصلنا لمرحلة أن يتذكر الطفل أنه يقلد هذا الرسول العظيم.. فَخْرُ الكائنات وأشرف الورى فكيف سيكون سلوكه؟

مهمة: لابد من تعريف الطفل أن رسول الله قدوتنا؛ لأنه بشرٌ مثلنا؛ فهو يفرح ويحزن ويغضب، ويجوع ويعطش ويمرض؛ لهذا نقتدي به؛ فرسول الله يعتريه ما يعترينا؛ لهذا يمكن أن نقتدي به حال الفرح والحزن والتعب والمرض والشدة ..فلو كان رسول الله من الملائكة مثلًا، والملائكة لا تعرف موت الولد فكيف سيكون رسول الله قدوة لمن مات ولده مثلًا؟ لهذا نحن نقتدي برسول الله البشر الذي مات ولده، وقال: إن العين لتدمع، والقلب ليخشع، وكذلك رسول الله جاع فربط الحجر على بطنه من الجوع فكون رسول الله بشرًا فهذا يسهل علينا الاقتداء به.

الوسائل الواجب اتباعها لغرس حب رسول الله في قلوب أبنائنا:

  1. الوالدان قدوة لأولادهم في حب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فالوالد والوالدة لو كانا محبين لرسول الله؛ فإن الأولاد سيتشربون هذه المحبة. فعندما يجلس الوالدان للصلاة على رسول الله في البيت أمام أولادهم وتذرف عيونهم الدموع شوقًا، وحبًا لرسول الله؛ فهذا درس عملي للأولاد في محبة النبي صلى الله عليه وسلم، وسيسري فيهم حال المحبة.. والعكس بالعكس؛ فإذا كان الوالدان لا يقيمان لهذا الأمر وزنًا، ولا يتكلمان في البيت عن أخلاق رسول الله، وشمائله أبدًا فأنى للمحبة أن تنتقل للأولاد؟ فإذا كنا نرغب أن يُحِبَّ أولادنا رسول الله فيجب أولًا أن يوطِّن الوالدان أنفسهما على حب رسول الله.
  2. ذكر الوالدين لرسول الله دائمًا طريقة هامة لتتحرك المحبة في قلوب الأولاد.
  3. كثرة الصلاة والسلام على رسول الله في البيت…فنادرًا ما تجد بيتًا يقيم جلسة أسبوعية للصلاة على رسول الله، ونادرًا ما يسمع الأولاد قصيدة البوصيري تقرأ في البيت.

  محمد سيد الأعراب والعجم    محمد خير من يمشي على قدم

 محمد باسط المعروف جامِعُه   محمد معدِنُ الإنعام والكرم

 محمد دينه حق نَدِين به          محمد مُشْرِف حقًا على علم

فلو حفظ وفهم أولادنا معاني:

 رسول الله علمنا وبالقرآن أدَّبَنا

    وأنقذنا بمنهجه فأنقذنا به الزَّمَنا

رسول الله ربَّانا وبالإسلام أحيانا

  وعلمنا بأن نبقى لدين الله أعوانا

نسينا كل مانهوى وعشنا العمر في تقوى

   هُدَى الإسلام وحَّدنا  فكنا دائمًا أقوى

حفظ الأطفال لهذه الكلمات شيء طيب يغرس في قلوبهم حب النبي صلى الله عليه وسلم.

لو كان الأب وهو في بيته يدندن في محبة النبي، وفي السيارة أيضا يدندن بمعاني المحبة لرسول الله، وكذلك الأم التي تهدهد لولدها، وهي تنشد الأناشيد في محبة رسول؛ حتمًا ستشرق في قلب الولد محبته صلى الله عليه وسلم.

أما اليوم وللأسف الشديد غابت معاني المحبة لرسول الله وقُصِرَت المحبة على حب الرجل للمرأة.

أليس من الأولى لأولادنا ذكورًا، وإناثًا أن يستفيقوا على محبة رسول الله بدل أن يستفيقوا على المحبة بين الجنسين؟

أليس من الأولى في التربية لبناتنا أن نشتري لهنَّ هذه التسجيلات التي تفيض حبًا لرسول الله؟

 :الأمور الواجب فعلها لتحريك المحبة في قلب الطفل في عمر أربع إلى سبع سنوات؟

  1. قراءة سيرة رسول الله بأسلوب قصصي؛ فكم هو رائع أن الأم قبل أن ينام ولدها تذكر له مقطعًا عن حياة رسول الله؛ فتذكر له كيف كان يتعبد في الغار، وكيف هاجر، وكيف كان حاله في الطائف عندما آذاه المشركون، وكيف كان يعامِل الأطفال، و كيف كانت رحمته للإنسان والحيوان، ونتكلم أيضًا عن: عائلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن أولاده وزوجاته، وعن حبه لعائشة وفاطمة، وكيف كان يعاملهم. فهذه القصص البسيطة تترسخ في قلب الطفل فينشأ الطفل على محبة رسول الله، وآل بيته.
  2. التعليق على هذه القصص؛ لبيان جوانب الجمال، والكمال فيها؛ ليترسخ هذا المعنى في نفس الطفل مع القصة.
  3. تحفيظ الطفل الآيات القرآنية الدالة على محبة النبي صلى الله عليه وسلم (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) [التوبة128]، ونحفظهم قول الله تعالى: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم) [الفتح29] ، ونعطي الطفل شيئًا من معانيها؛ فتترسخ أسباب المحبة في قلب الطفل وهو بسن الرابعة للسابعة.
  4. تحفيظ الطفل بعض الأحاديث الواردة عن رسول الله مثلًا:
  • ” إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا” [1]
  • “الدين النصيحة”[2]
  • “إذا لم تستح فاصنع ماشئت” [3]
  • “خيركم من تعلم القرآن وعلمه” [4]
  • ” إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملًا أن يتقنه” [5]

فهذه الأحاديث، وأمثالها قواعد تربوية يتربى بها الطفل على مكارم الأخلاق، وتربطه بشخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الوسائل التربوية لحب رسول الله في مرحلة ما فوق السبع سنوات:

  1. قصص تفصيلية عن رسول الله؛ فنعلمه السيرة النبوية مفصلة، كيف هاجر للمدينة، ولم هاجر، ونكلمه عن غزوة بدر، وأحد والخندق، ونستثير مشاعره أثناء الإعطاء ليتطلَّبَ المزيد.
  2. التركيز على مواقف رسول الله مع الأطفال مثلًا: عندما هاجر للمدينة فمر ببعض المدينة فإذا بجوار يضربن بدُفِّهِنَّ ويتغنَّيْنَ ويقُلْنَ:

نحن جوار من بني النجار ياحبذا محمد من جار

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “والله يعلم إني لأحبكن”[6]

فعندما يشعر الطفل كيف كان يفيض قلب رسول الله حبًا وشفقة على الأطفال؛ فإنه سيتعلق برسول الله.

  1. كثير من الأطفال لا يعرفون عن رسول الله إلا أنه قائد عسكري صاحب فتوحات فقط؛ لأننا لا نعطيهم إلا أخبار معاركه في بدر وأحد والخندق، وأخبار شجاعته، وفروسيته. هذا شيء حسن، ولكن لابد من تعليمهم أيضًا كيف كان يعامل الحسن والحسين، ونذكر لهم كيف نزل من فوق المنبر وقطع خطبته  ليأخذ الحسن والحسين وصعد بهما المنبر”[7]، وكيف كان يُرْكِبُ الحسن والحسين على ظهره فعن جابر قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو على أربع والحسن والحسين رضي الله عنهما على ظهره وهو يحبو بهما في البيت وهو يقول:” نعم الجمل جملكما ونعم العِدْلان أنتما”[8] ، وكذلك قصة  تأخر رسول الله في السجود واستغراب الصحابة فقال رسول الله:” ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته”[9]

كم لهذه القصص من تأثير في قلوب أبنائنا؛ فيشعر الأطفال بدفء حنانه صلى الله عليه وسلم، وقربه منهم؛ وهذا له أثره البالغ في التربية.

نذكر للأطفال كيف كان رسول الله يحترم الأطفال، ويعطيهم حقوقهم حتى لو كان ذلك في حضور الكبار فعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: أُتِيَ النبي بقدح فشرب منه، وعن يمينه غلام أصغرُ القوم، والأشياخ عن يساره فقال:”ياغلام أتأذن لي أن أعطيه الأشياخ ” قال: ماكنت لأوثر بفضلي منك أحداً يارسول الله فأعطاه إياه [10]

ونذكر لهم كيف كان يعلم الأطفال:” ياغلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك”[11]

وكيف كان يقول لابن عباس:” ياغلام إن أعلمك كلمات أحفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تُجاهك وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله…”[12]

ونذكر لهم: كيف عقد رسول الله السباق بين الأطفال، وكيف كان الصغار يتصارعون بين يديه، وكان يقول للحسن مَهْ حسينًا.

وكذلك نذكر لهم كيف زُفَّت السيدة عائشة مع لُعَبِها..ونذكر قصة الحُبُش في لعبهم بالحراب في المسجد، ورسول الله يقدِّرُ للسيدة عائشة اهتمامها. تقول السيدة عائشة: والله لقد رأيت رسول الله يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله يسترني بردائه لكي أنظر إلى لَعِبِهم ثم يقوم من أجلي  حتى أكون أنا التي أنصرف..فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن حريصةٍ على اللهو”[13]

مهمة: هناك أمر مهم جدًا يُشْعل فتيل المحبة في قلوب أبنائنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أن تصحب أولادك بزيارة لمدينة رسول الله فكم لهذه الزيارة من معاني التربية، وغرس محبة رسول الله في قلب الطفل.

كم هو جميل أن يزور الأطفال رسول الله ويسلمان عليه: السلام عليك يارسول الله، السلام عليك ياحبيب الله، نشهد أنك بلغت الرسالة، وأديت الأمانة …سيبقى رنين هذه الكلمات، وصداها في قلب الطفل، وروحه قبل أذنيه وعقله.

أليست زيارة رسول الله أولى من غيرها من السياحات؟

اللهم أسكن قلوبنا، وقلوب أبنائنا حب رسولك الله صلى الله عليه وسلم

اللهم وفقنا لمحابك وألهمنا مراشد الصواب والهداية

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]:مسلم كتاب الزكاة 1760

[2]: مسلم عن تميم الداري 55

[3]:البخاري كتاب الأدب5769

[4]: البخاري كتاب فضائل القرآن 4664

[5]: إتحاف الخيرة المهرة عن عائشة أم المؤمنين3/382

[6]: سنن ابن ماجه1899،مسند أبي يعلى 3409

[7]: أبو داوود عن بريدة بن الحصيب الأسلمي1109،النسائي 1585

[8]: الشريعة للآجري كتاب فضائل الحسن والحسين1639

[9]:سنن النسائي 1141

[10] البخاري 2224كتاب الشرب والمساقاة

[11]البخاري عن عمر بن أبي سلمة 5376، مسلم 2022

[12] الترمذي عن ابن عباس 2516

[13] مسلم 1487