المحاضرة الثامنة من سلسلة تربية الأولاد في الإسلام للشيخ أنس الموسى: الطفل في سنواته الأولى

يقدم لنا فضيلة الشيخ سلسلة في فقه تربية الأولاد على المنهج الإسلامي الصحيح، مع تناول دلالاته في القرآن والسنة والتراث، ومع بيان شروط ومقتضيات وثمار هذا المنهج التربوي، وإبراز واجبات المربي ومسئولياته.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
اللهم إنا نستهديك لأرشد أمورنا وزدنا علما ينفعنا
اليوم سنبدأ الحديث عن المرحلة الأولى من عمر الطفل، وهي مرحلة ما بعد الولادة مباشرة، وعادة ما يهمل الآباء والأمهات هذه المرحلة ظنًا منهم أنها مرحلة إطعام الوليد وتغذيته فقط.
– من الخطأ الاعتقاد أن الطفل في هذه المرحلة لا يحتاج لتربية وإنما يحتاج لمن يغذوه، ويلبسه ويهيئ له سبل استمرار حياته فقط.
– بعض الآباء يقول إنه لم يشعر بقدوم مولوده!! السبب أنه لم يتحمل مسؤولية تربية ولده لأنه لم يدرك أهمية هذه المرحلة وأثرها على الطفل.
– الأسرة التي تظن أن مرحلة ما بعد الولادة هي مرحلة أكل، وشرب فقط؛ قد ضيعت خطوات هامة في التربية في هذه المرحلة.
– لقد أرشدنا رسول الله للتأذين في أذن المولود عقب الولادة مباشرة؛ لعلمه أن لها تأثيرًا على المولود؛ فكيف أثر الذِّكر في السنة الأولى من الولادة عليه؟
– يجب ألّا يغيب عنا أن الطفل في هذه المرحلة واعٍ عاقل؛ فهو يعي الذكر والقرآن، وللذكر الأثر في نفسه مع أنه في الظاهر لا يعقل.
– ممارسات الأب والأم أمام الطفل لها تأثير في شخصيته، وإن كانت هذه الآثار لا تظهر مباشرة على سلوك الطفل؛ ولكنها تشكل مخزونًا فكريًا، وقاعدة بيانات من حيث ندري ولا ندري.
– الطفل آلة حفظ، وإدراك عالية التركيز، وما ينطبع في حافظة الطفل يبقى متأثرًا به طوال حياته.
– الأسرة التي تستحث ذهن الطفل دائمًا، وتعلمه عند كل أكلة، أو شربة أن الذي رزقهم الطعام والشراب هو الله، وأن الخالق هو الله، وهو الذي خلق السماء والأرض … وهكذا يمشي الوالدان مع ابنهما في سلسلة ترسخ في نفسه مبادئ العقيدة السليمة.
طفل عمره ثلاث سنوات يفاجئ والده الذي يرجع للبيت حاملًا معه بعض الفواكه قائلا له: يا أبي إني أحب الله … يسأله الوالد لم؟ فيقول الطفل ببراءة الطفولة وعفويتها: لأنه أعطانا هذه الفاكهة.
– كم قصر الآباء في حق أولادهم عندما تغافلوا عن هذا النوع من التربية السهل البسيط.
– ماذا يضير الوالدين لو علّما طفلهما أن الشافي هو الله؛ وذلك عندما يشعرا بمرض الطفل فيرقيانه برقيا رسول الله: “بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك” [1] ؛ فيتعلم الولد أن يطلب الشفاء من الله عندما يمرض.
طفلة عمرها ست سنوات يمرض والدها؛ فتأتي بكأس ماء، وتقرأ عليه سورة الفاتحة، وتعطيه والدها ليشرب منه ليشفى.
طفل آخر يمرض والده فيضع يده على رأسه، ويقرأ سورة الفاتحة.
من الذي طلب من الأطفال أن يفعلوا هذا؟ لا أحد، ولكنهما عاشا حالة من التربية الإيمانية العملية رأوها تطبق أمامهما؛ فترسخت في ذهنهما، وظهر صدى هذا الذي رأوه بالفعل عندما مرض والداهما.
– المربي الوحيد للطفل في أشهره، وسنواته الأولى هما الوالدان؛ فعليهما أن يستفيدا من هذه الفرصة قبل أن يتدخل في تربيته المدرسة، والشارع، والأصدقاء.

أمور يجب الانتباه لها:

أولًا: الأم الصالحة المدركة لعظيم مسؤوليتها؛ هي الركيزة الأساسية لتربية الطفل؛ لأن الطفل يلتصق بأمه ويسري إليه حالها، وصلاحها، وكل شيء فيها.
أكبر مشكلة أن تظن الأم أن الخادمة يمكن أن تحل محلها في تربية أولادها. وأن ولدها صار عبئًا عليها، وأن تفكر الأم أن توفير رغبات الزوج أهم من تأمين البيئة الصالحة لتربية الأبناء.

ثانيًا: الرضاع ليس غذاء جسميا فقط؛ ولكنه سكن نفسي، واستقرار عاطفي، وتأثر بشخصية الأم، وارتباط بين الأم وولدها بكل أبعاده.
يحتاج الطفل لمربية واحدة، ومرضعة واحدة تؤمّن بناء علاقة متوازنة بين الرضيع، ومرضعته، والطفل الذي تتقاذفه المربيات، والمرضعات؛ ينشأ على غير استقرار، أو توازن؛ فلا يغني عن صدر الأم صدر، ولا عن حنانها أي حنّانة.
يجب أن تعلم الأم أن ما تخسره في تربية أولادها لن يعوضه أي نجاح تحققه، والأم التي تذكر الله، وتقرأ القرآن وهي ترضع ولدها، أو وهي تهدهد له؛ سترى ثمرة هذا عندما يكبر طفلها.

ثالثًا: الاستقرار، والطمأنينة في البيت أساس في بناء شخصية الطفل المتوازن.
رابعًا: بيئة الاستقامة، والطاعة والذكر وقراءة القرآن؛ تعكس جوها الإيماني والنفسي، والسلوكي في شخصية الطفل.

من المفيد في التربية: أن يرى الطفل أمه وأباه، وهما يقرآن أورادهما وأذكارهما. ومن المفيد أيضا: أن يرى الطفل تأثر والديه بقراءة القرآن، أو أثناء التضرع والتبتل إلى الله عز وجل؛ فالدمعة التي يذرفها الوالدان من خشية الله أمام ناظر الطفل مدرسة كاملة في التربية.
الأم التي تطعم ولدها، وتسقيه وهي تذكر الله؛ كتاب في التربية ينهل منه الطفل.
طفل عمره ثلاث سنوات اعتاد أن يرى والدته تستغفر عقب الصلوات، وعندما نسيت الاستغفار ذكرها الطفل.
أصوات تلاوة القرآن، والأذكار المختلفة كأذكار النوم، والاستيقاظ، ودخول البيت والخروج منه، وغيرها؛ لها كبير الأثر في التربية.
حجاب الأم ولباسها المحتشم، ولحية الأب دروس عملية في التربية.
كيف استطاع طفل أن يحفظ القرآن بإتقان بعمر خمس سنوات؟ إنه صدى التربية وثمرة الاستقامة الصحيحة.

خامسًا: جو المخالفة، والانحراف، والمعصية، وكشف العورات، والنظر لما حرم الله؛ عوامل هدم في شخصية الطفل، والخطير أن شؤم هذه المخالفات لا يظهر مباشرة على شخصية الطفل.

سادسًا: تنظيم حياة الطفل في منامه، ويقظته، وحتى في مواعيد أكله، ورضاعه يبني في شخصية الطفل النظام والاستقرار.

سابعًا: الالفاظ الطيبة، والذكر في البيت عموما، ومع الطفل خصوصا؛ يربي الطفل على الآداب الإسلامية الظاهرة، والباطنة.

ثامنًا: أكل الوالدين الحلال، وإطعام الولد منه أساس هام في التربية؛ “لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت النار أولى به” [2]
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص على أن يطعم أحفاده من الحلال
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة”.[3]

تاسعًا: الدعاء الدائم للطفل، والالتجاء إلى الله – خصوصًا عند النظر للطفل – أن يحفظه الله تعالى، ويتولاه؛ يعينك على حسن التربية.

قال تعالى: {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم} [آل عمران: ۳٦]
{وأصلح لي في ذريتي} [الأحقاف: ۱٥]
{رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء} [إبراهيم: ٤٠]

عاشرًا: عاطفة الحب والحنان غذاء من أهم الأغذية للطفل فيجب تحقيق التوازن وعدم الاضطراب حال التغذية بها.
صل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
اللهم وفقنا لمحابك وألهمنا مراشد الصواب والهداية.

 

[1] مسلم من حديث أبي سعيد الخدري برقم (2186)
[2] مسند أحمد برقم (14441)
[3] البخاري كتاب الزكاة، باب ما يذكر في الصدقة للنبي 2/542(1420)