المحاضرة الثامنة عشرة من سلسلة تربية الأولاد في الإسلام للشيخ أنس الموسى: عوامل هدم في تربية الأولاد الجزء الأول

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

اللهم إنا نستهديك لأرشد أمورنا وزدنا عمًا ينفعنا.

وبعد:

كثيرةٌ هي الجهود التي يبذلها الآباء في تربية أبنائهم، ومع ذلك في كثير من الأحيان لا نجد ثمرة مايبذل، أو لا نجد ثمرةً تقابل الجهد الذي يبذله الآباء، والمربون في سبيل الحصول على نشئٍ مبارك طيب.

السبب في هذا هو وجود عوامل هدم كثيرة تَحُول دون تحقيق خطوات التربية التي تحدثنا عنها في المحاضرات السابقة، فالعائلة تبني وغيرهم يهدم، يتقدم المربون خطوة للأمام وهناك من يرجعهم خطوات نحو الوراء، ولن يتم بناء التربية الصحيحة حتى نوقف العملية المعاكسة في هدم الجهود المبذولة، أو نوجد الطرق المناسبة لتخفيف هذا الهدم، والحيلولة دون تأثيره على تربية الأبناء.

صدق بشار بن برد عندما قال:

متى يَبْلُغُ البنيانُ يومًا تمامَهُ     إذا كنت تبنيه وغيرك يهدمُ

تكمن أهمية هذه المحاضرة أنها تعمل على إيقاف عوامل الهدم في تربية الأبناء

إن المعوقات في وجه تربة الأبناء أنواع كثيرة؛ فمنها مايرجع للأم والأب، ومنها مايرجع للبيئة، ومنها مايرجع للطفل نفسه، ومنها مايرجع للجهل بوسائل التربية وسنبدأ بـ:

عوامل الهدم التي ترجع للأسرة ومايلابسها من مشاكل:

1-كثرة العقوبات البدنية، والمالية، والنفسية، واللوم المستمر للولد؛ يُفْقِدان الوالدان ثمرة جهدهم بطريقة تعاملهم مع ولدهم. فقد يبني الوالدان ولكنهما يهدمان بنفس الوقت.

2- النزاع الدائم داخل الأسرة بين الأب والأم، أو بين الأب وابنه، أو بين الأم وابنها أو ابنتها فأنى لطفل نريد بنائه بناء سويا يعيش في بيئة تستمر فيها النزاعات؟! فما ينبغي أن تكون هذه النزاعات سببًا في فشل تربية الأبناء سواء كان الأولاد متفرجين عليها، أم كانوا مشاركين فيها.

3- مجيئ ولد جديد للعائلة، وانصراف الوالدين نحو الزائر الجديد، واهتمام العائلة بهذا الولد، وإهمال الولد الأول؛ يؤدي لأن يصير الولد الأول شرسَاً، ولايسمع النصائح والتوجيه؛ لهذا ينبغي التعامل بحذر مع المولود الأول بإعطائه الحد المناسب من الاهتمام، بحيث لايشعر بعدوانية نحو الولد الجديد، ولا يؤثر هذا في نفسيته وسلوكه وتربيته.

4-الصراع بين الوالدين على الطفل فكِلَا الوالدين يريد الخير للولد، ولكن كل واحد منهم يريد أن يسيطر على الطفل؛ مماينتج عنه خسارة الوالدين للطفل، وقد تحصل هذه المشكلة والزوجية قائمة بين الأب والأم، لكنها تظهر بشكل واضح فيما لوكان هناك طلاق وفرقة بين الزوجين؛ فيضيع الطفل بين أبيه وأمه. فلو كان الولد عند أمه مثلًا، ويذهب لزيارة والده مرة في الأسبوع، فيحاول الأ ب استمالة ولده، من خلال تقديم مايشتهيه من الأطعمة، والألبسة، والهدايا ..وكذلك تفعل الأم، والنتيجة أن الخاسر هو الولد أولاً وآخرًا فلا الولد يربيه والده، ولا تربيه أمه بل يعيش الولد حالة ضياع بينهما.

5-إحساس الطفل بالكره بين الوالدين؛ فيحس الولد أن أمه تكره أباه، أو العكس؛ فيحاول الطفل الهروب من هذا الواقع، فإن كان الولد أنثى فإنها ترضى بأي زوج يتقدم لخطبتها مهما كان فراراً من الواقع، وإن كان ذكراً فإنه يحاول السفر بعيداً عن أسرته! السبب أن الأولاد ماعادوا يشعرون بالسَّكن داخل الأسرة والله تعالى يقول: (هو الذي خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها) [الروم 21] فالسكن يحصل بين الزوجين، ويكون بين أفراد الأسرة الناشئة من الزوجين.

6-غياب الحوار بين الوالدين، وأفراد الأسرة: هناك فرق بين أن يقوم أفراد العائلة بواجباتهم بإرادتهم، وبين أن يقوموا بها مكرهين ..مالمشكلة  أن يستشير الوالدان أولادهم حتى ولو باختيار صنف الطعام الذي يريدون تناوله، أو التشاور في اختيار مكان للنزهة ؛هذه المشاركة تضفي جواً من الراحة في الأسرة لها كبير الأثر في تطبيق ضوابط التربية الصحيحة. إنَّ حسن العلاقة بين الوالدين يُرْخِي بظلاله على أفراد الأسرة هدوءاً واستقراراً؛ فيجب على الوالدين أن يدرِّبا أنفسهما عليه حتى يصير الحوار خُلُقاً بين أفراد الأسرة كلها.

7- الاستجابة لمطالب الولد، وإعطائه  كل مايشتهي، وتوفيرما يتمنى؛ هو ثغرة كبيرة وعامِلُ هدمٍ في تربية الولد؛ لأنك لو عوَّدت الولد أن تعطيه مايريد بلا حساب، سيأتي يوم تَعْجَز عن تلبية طلباته، وإشباع رغباته، وهو لن يصبر لأنك بهذا تخالف ما اعتاده، وتربى عليه، والأخطر من هذا أن أحد الوالدين قد يَعِي هذه الحقيقة، ويطبقها ولكن يأتي الوالد الآخر، ويهدمه من خلال إعطاء الولد ما منعه منه الوالد الأول. فالأم قد تعطي ولدها ما مَنَع منه الأب بحجة حبِّها وحنانها، وعطفها على ولدها وكسبها له. والحقيقة أن الابن استَغْفل كلا الوالدين، وتلاعب بهما.

مهمة: لانعطي الولد كل ما يرغب به، وبنفس الوقت لا نحرمه من كل شيئ، فالمنع المستمر هو مثل المنح المستمر، كلاهما عامل هدم في التربية الصحيحة، والأفضل السير على هدي قول الله عزوجل: (والذين إذا أنفقوا لم يُسْرفوا ولم يَقْتروا وكان بين ذلك قواما) [الفرقان 67] نطبق هذه الآية سواء كان الأب غنيا أم فقيراً.

8- انغماس الوالدين بالملذات المختلفة والخمر والمخدرات بشكل خاص؛ لها أثرها النفسي، والتربوي السيئ على تربية الأولاد بشكل خاص وعلى الأسرة بشكل عام.

أسباب فشل التربية عندما يكون منشؤها الطفل ذاته:

  1. بعض الأطفال يتسم بشيء من العدوانية، والشر الفطري؛ فتجد عنده عِناداً وكِبْراً فطرياً، وقد يكون هذا مكتَسَبَا من البيئة المحيطة به. وعلى كل حال لابد أن ننتبه لهذا ونتعرف عن الوسائل الناجعة لهذا النوع من الأولاد، وما يحمله من الصفات.
  2. إمكانيات الطفل الذهنية، والجسمية المحدودة؛ فهو بطيء الفهم خَمول بطيء الاستجابة محدود الإمكانيات؛ فلا بد أن نتعامل مع هذا الطفل تِبعاً لامكانياته؛ فلا نكلِّفه فوق طاقته، وإمكانياته؛ فلا نُجْبِرُه مثلاً على التفوق الدراسي، ونحن نعلم قصور إمكانياته عن هذا؛ بسبب محدودية إمكانياته العقلية، وإلا فإن هذا يسبب للطفل أزمات نفسية في المدرسة، والبيت لأن طلبنا منه ما يعجز عن تحقيقه، كطلبنا من المشلول الكسيح السَّيْرَ على قدميه.  فوجود الإعاقة الجسمية للطفل في بعض حواسه كالسمع والبصر مثلاً يتطلب منا عنايةً خاصة به بحيث لاتؤثر هذه الإعاقة على تربيته، وشخصيته ونفسيته.

  نتوقف عند هذا الحد، ونكمل بقية المعوقات في المحاضرة القادمة بمشيئة الله.

اللهم وفقنا لمحابك وألهمنا مراشد الصواب والهداية.

آمين آمين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.