المحاضرة الرابعة والعشرون من سلسلة تربية الأولاد في الإسلام للشيخ أنس الموسى: وسائل تربية الأولاد الجزء الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم إنا نستهديك لأرشد أمرنا وزدنا علماً ينفعنا.

وبعد:

فهذا هو الجزء الثاني في الحديث عن وسائل تربية الأولاد،  واليوم بمشيئة الله سنبدأ بذكر وسائل التربية التي يحتاجها المربون.

الوسيلة الأولى – القدوة الصالحة والمَثَلُ الأعلى: هذه الوسيلة لو وُجدت تحقق أعظم عاملٍ في التربية، وإذا فُقِدت يَنقص مفعول فوائد وسائل التربية الأخرى، أو يختفي.

عندما يقدِّم الوالدان أنفسهما نموذجاً صالحاً لأولادهم؛ نكون قد تجاوزنا الكثير من عقبات التربية. الأب الذي يصلي في المسجد، ويهتم بصلاة الجماعة سينشأ ولده على حب الصلاة، والجماعة، بل وسيربي أبناءه في المستقبل على ماتربى عليه.

الأب الذي يكذب لايمكن أن يربي ولده على الصدق، والأب الذي ينظر للمحرمات لايمكن أن يربي ولداً يتخلق بخلق غض البصر.

الأب أو الأم البررة بوالِدِيهم قدوةٌ صالحةٌ لأولادهم؛ ليكونوا بارِّين بهم؛ لأنهم يشاهدون قدوتهم يطبق البر فيتأثرون به.

الخائن لايربي أمينا، والعاقُّ لايربي بارَّاً، والكاذب لايربي صادقاً والجبان لايربي شجاعاً، والبخيل لايربي كريماً ..

مهمة:

1-عندما أراد الله أن يربي الأمة على الفضائل؛ جعل أمامهم قدوةً صالحةً هي رسول الله صلى الله عليه وسلم. (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً) [الأحزاب 21]

لقد كان رسول الله يتكلم عن الحِلْم، والشجاعة، واللين، والرفق، والحياء.. فكان أحلم الناس، وأشجع الناس، وألين الناس، وأرفق الناس، ومن أشد الناس حياءً.

2-لابد للمقتدي أن يُحِبَّ قدوته؛ ليستفيد منه، ويقتدي به فأول مراحل الاقتداء المحبة لأن المحبَّ لمن يحبُّ مطيع.

3-قد نرى ولداً يصلي في المسجد، ويهتم بالصلاة مع أن والداه يتركان الصلاة، وقد نرى فتاةً محجبة مع أن أمها ليست كذلك؛ هذا وغيره لايقدح في القاعدة الأغلبية العامة؛ لأن سبب هذا قد يكون راجعاً إلى أن الله قد يسَّرَ لهذا الولد من أدخل في قلبه حبَّ الصلاة، وحبَّ الحجاب كصديقٍ مثلاً، أو أستاذٍ في المدرسة، أو موقفاً من المواقف رآه الولد فأثر فيه ..

4-لاداعي لأن  تُخبر ولدك عن خُلُق من الأخلاق الفاضلة؛ لتربِّيْه عليه؛ كالأمانة مثلاً ، بل يكفي أن يَرَى ولدُك منك موقفاً من مواقف الأمانة؛ وهنا سيُعظِّمُ الولد الأمانة، وسيَكْبُرُ الوالد في عين ولده.

5-ليَحْذَر الوالدان أن يَسْقطا من عين الولد؛ فهذا يشكل عقبة كبيرة في طريق التربية فلابد أن تبق مكانة الوالدين محفوظةً في عين أبناءه .

الوسيلة الثانية – التقليد والتدريب والمحاكاة: يحبُّ الطفل تقليد الكبار بفطرته؛ فعلى الوالدين تشجيع ولدهم أن يقلِّد أصحاب الكمال، والخير. فلو استولت شخصية ما على فكر الولد فإنه سيعمل مباشرة على تقليدها.

شركات الإعلان لو أرادت ترويج سلعةٍ ما فإنها تستعين بالشخصيات المشهورة في المجتمع لتروِّج لهذه البضاعة عن طريقهم، وهذا من الأدلة الواضحة على أثر التقليد، وأهميته. فعلى الوالدين تشجيع ولدهم للتعلق بأهل الفضائل، والسير الحسنة.

الوسيلة الثالثة – التلقين وترسيخ الفكرة بالتكرار: إعادة الفكرة، وتكرارها يجعل معانيها تترسخ في نفس الولد؛ فعلينا تكرار شعارات التربية، وعلى الولد أن يكررها أيضاً، فهذا شيءٌ ملاحَظٌ في تعاليم الإسلام، وشعاراته؛ فالأذان يتكرر خمس مرات، وسورة الفاتحة التي تشتمل على معاني وحقائق كبيرة في الإسلام تتكرر في كل ركعة في الصلاة، وكذلك الأذكار بعد الصلوات.

لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل:” والله إني لأحبك  لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك”[صحيح ابن حبان 2020] فهذا التكرارله أثره في ترسيخ الفكرة.

الخطير أن يَرْسَخَ في نفس الولد أفكارٌ خاطئة؛ فينشأ الولد عليها، ويظنها حقائق؛ عند ذلك يصعب تغير هذه الحقائق في نفسه.

الوسيلة الرابعة – الملاحظة والمراقبة والمتابعة: الأب الذي لايجلس مع أولاده إلا مربياً، ومعلماً؛ لن يستطيع تربية أولاده؛ لأنه سيكون جاهلاً في ميول ولده؛ وبالتالي لن يهتدي للوسيلة المناسبة لتربيته؛ لهذا يجب أن يكون الوالدان على تصور واضحٍ لشخصية ولدهم بحيث لو طلبنا منهم كتابة تصورٍ واضحٍ عن شخصية ولدهم لفعلا.

رسول الله كان يصف العلاج لأصحابه متناسباً مع احتياجاتهم، وما هذا إلا لمعرفته التامة بهم، فيأتيه شخص ويقول له: أوصني فيقول له صلى الله عليه وسلم:” لاتغضب ” ويقول لأخر:” اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن”[الترمذي 1987وأحمد21392].

كيف سيوجِّه الوالد نصائحه لولده، وهو لايعرف شخصيته؟! فعلى الوالد أن يعامل ولده على حقيقته لا كما يريده هو منه.

الوسيلة الخامسة – التعليق على المواقف بما يخدم العملية التربوية: ما ينبغي للوالدين أن يسمحا لمعلومة ما، أو صورة ما، أن تدخل عقل ولدهم، وذهنه دون تعليق، ودون أن يستفيدا من هذه الصورة أو المعلومة في العملية التربوية؛ لأن هذه المعلومات إما أن تكون صحيحة، أو خاطئة فلو كانت خاطئة سيشكل خطراً على تربية الولد؛ لأنها ستشكل قاعدة بيانات خاطئة، ولو كانت صحيحة أكون قد ضيعت فرصة تربوية في وقتها المناسب.   

الوسيلة السادسة – ضرب الأمثال، وتثبيت المبادئ: وهذا منهج قرآني واضح كقول الله تعالى: (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء) [إبراهيم24]  وقال أيضاً: (ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار) [إبراهيم 26]

وهو منهج نبوي أيضاً فقد شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن بالنخلة فقال: “إن من الشجر شجرةً لا يسقط ورقها وإنها مِثْلُ المؤمن” [صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر62]

الوسيلة السابعة – الموعظة الحسنة من غير إملال: الموعظة الخفيفة من غير إملالٍ لها أثرها الواضح في العملية التربوية؛  فقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: كان رسول الله يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهية السآمة علينا” [البخاري 6048]، وقد أمر الله عزوجل رسولاه هارون و موسى بأن يذهبا لفرعون وقال لهما: (فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى) [طه44]  فكيف حالنا مع أولادنا؟

الأسلوب السيئ، وغير اللائق في الموعظة؛ يُفْقِدُها فائدتها لهذا قالوا:” أدب ولدك سرَّاً ووقره جهراً”

وانظر إلى  رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعلمنا الرفق في الأسلوب حيث قال:” رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فصلَّت فإن أبت نَضَحَ في وجهها الماء..”[سنن أبي داوود من حديث أبي هريرة 1450]

وقد وصف الله رسوله الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولكنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) [آل عمران 159]

الوسيلة الثامنة – التربية عن طريق البيئة واختيار الصديق: فلا يجوز أن يعلِّم الأب ابنه، أو ابنته في مدرسة لغير المسلمين، أو يترك ولده يعمل عند شخص لايصلي، أو أن يتركه يلعب في بيئة سيئة…

ما أجمل أن يسكن الولد مع عائلته بجانب المسجد، أو قريباً منه؛ بحيث لو أذَّنَ المؤذن يَسْهُل عليه الذهاب للمسجد كل وقت؛ فتهيئة البيئة الصالحة يساعد، ويسهل على الوالدين التربية.

لقد نبه الله لِعِظَم الصُّحْبَة الصالحة في سورة الفرقان عندما قال: (ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً ياويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً) [الفرقان27-28-29]

وقال تعالى أيضا: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) [التوبة 119]

نقف عند هذه الوسيلة، ونتابع في المحاضرة القادمة بإذن الله تعالى.

اللهم وفقنا لمحابك وألهمنا مراشد الصواب والهداية.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .