المحاضرة الثالثة من سلسلة تربية الأولاد في الإسلام للشيخ أنس الموسى: قضايا عامة في تربية الأولاد

يقدم لنا فضيلة الشيخ سلسلة في فقه تربية الأولاد على المنهج الإسلامي الصحيح، مع تناول دلالاته في القرآن والسنة والتراث، ومع بيان شروط ومقتضيات وثمار هذا المنهج التربوي، وإبراز واجبات المربي ومسئولياته.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم إنا نستهديك لأرشد أمورنا وزدنا علما ينفعنا.

 

وبعد:

نحن اليوم مع الدرس الثالث من دروس تربية الأولاد، سنتكلم فيها عن بعض الأسس والعوامل التي ينبغي على المربي أن يلاحظها في تربية الولد، وهي قضايا وأسس عامة وليست وسائل تفصيلية.

أولًا: أساس التربية حرقة القلب، وأسّها الشعور بالمسؤولية

حرقة القلب على الأولاد والشعور بالمسؤولية والأمانة تجاههم واجب ديني ودنيوي هذه الحرقة تستحث الأبوان على بذل الوسع واستفراغ الجهد وصولًا لتربية صالحة لأبنائهم ترضي الله سبحانه وتعالى أولًا، وتأخذ بيدهم للنجاح دنيًا وآخرة.

على الوالدين أن يَعلما أن فشل أبنائهم؛ هو فشل لهم، وضياع أبنائهم ضياع لهم في ذات الوقت، وأن الألم الذي يذوقه الأبوان في الدنيا لسوء التربية سيعانيان منه في الآخرة أيضا فيما لوكان بسبب تقصيرهما.

على الوالدين أن يعلما أن الله عز وجل سائل كل عبد عما استرعاه حفظ أم ضيع.. لأنه أمرنا بقوله: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة} [التحريم: ٦]

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كفى بالمرء إثمًا أن يضيّع من يقوت” (أبو داوود (3/118)).

 وليعلم الأبوان أن كل معصية يفعلها الولد يعود شؤمها عليهما لو كان سبب المعصية تقصيرهما.

ثانيًا: حرقة القلب تدفع الوالدين للدعاء لأبنائهم.

يجب على الوالدين الإكثار من الدعاء للولد؛ ليقينهما أن قلب الولد بيد الله وأن الله يهدي كل ضال ويصلح كل فاسد ويرد للرشاد كل ذي غواية.

إن دعاء الوالدين هو في حقيقته استجابة لحرقة قلوبهم على فلذات أكبادهم حرقةً تجعلهم يستغيثون بالله عزو جل أن يوفق للهداية والرشاد أبنائهم.

حسن التربية تتطلب من الوالدين الدعاء لأبنائهما صباحا ومساء، إقبالا وإدبارًا؛ أن يتولاهم الله بعينه التي لا تنام وأن يأخذ قلوبهم لما يحب ويرضى.

ربُّنا علّمنا بقوله: {ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين} [الفرقان: ٧٤].

لقد دعا سيدنا إبراهيم فقال: {رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء} [إبراهيم: ٤٠].

ودعا ربه ثانية فقال: {واجنبيني وبني أن نعبد الأصنام} [إبراهيم: ۳٥].

ودعا قائلا: {ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك} [البقرة: ١۲٨].

والأعجب مما سبق عندما دعا إبراهيم لذريته التي لن يجتمع بها في الدنيا بأن يهيئ لهم من يدعوهم إلى الله لقد تحرك قلبه بالدعاء لذرية ذريته فقال: {ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة إنك أنت العزيز الحكيم} [البقرة: ١۲٩].

 كثيرًا ما يتحرك قلب الأب والأم بالدعاء لولدهم في وقت الشدة، لكنهما يغفلان عن الدعاء له في وقت الرخاء. ينسيا تسييج ولدهم، وتحصينه بحصن وسياج أن يلهم الله قلبه الرشاد.

ثالثا: قراءة كتب تربية الأبناء

لابد أن يعرف الآباء أسس التربية الصحيحة، وقواعدها مستعينين بالكتب التي اهتمت بمثل هذه القضايا وما أكثرها.

وليحذر الآباء من:

1-    أن تتأخر قراءة هذه الكتب لحين كبر الأبناء فلا فائدة عند ذلك بل أن تكون القراءة في بداية الحياة الزوجية للتعرف على قضايا التربية من بدايتها، وقبل فوات أوانها.

2-   الكتب الدخيلة والمختلطة بمناهج التربية الغربية، التي لا تُدخل في مناهجها قضايا الإيمان بالله واليوم الآخر، كما أن قيم الغرب تختلف عن قيمنا ومبادئنا فهو لا يربي أبناءه على قيم إنجاح فكرة الإسلام، وغرسها في نفوس الناشئة.

3-   نحن لا نرفض كل ما عند الغرب جملة، كما أننا لا نقبل كل ما يأتينا به؛ بل نقبل ما يوافق ديننا، ونرد ما خالفه على مبدأ: خذ ما صفى ودع ما كدر. ولنكن على ذِكر أن كتب التربية الغربية فشلت في إسعاد أبنائهم؛ فأنى لها أن تساهم في نجاة أبنائنا؟!

إن علمائنا – ولله الحمد – أخذوا من كتب التربية المختلفة وقدموها لنا صافية نقية من بين فرث ودم

 مهمة: إن كتب تربية الأولاد تتحدث عن التربية من خلال الصورة المثالية لكن الواقع، والمجتمع الذي تعيش فيه الناشئة لا ينطبق تمام الانطباق على تلك الصورة؛ وهذا قد يوقع المربين بالتناقض أحيانا، واليأس أحيانا أخرى؛ لهذا على المربين أن يأخذوا من كتب التربية ما هم قادرين على تطبيقه، وما يتفق مع الظروف والواقع المحيط بهم، وأن يسألوا الله مستعينين به أن يعينهم على واقع يعجزون عن تغييره.

رابعًا: المسجد ودوره في التربية

إن رسالة المسجد التي يقوم بها فيما يتعلق بالتربية ضعيفة، وتقتصر على العبادات الشعائرية، وتحفيظ القرآن، وشيء من الفقه. والحقيقة أن المسجد يجب أن يكون المَحْضن للناشئة من نعومة أظفارهم حتى يشتد عودهم وهم في تلك البيئة الطاهرة. فيجب للمسجد أن يوفر تلك البيئة الإيمانية بحيث يمتلك نشاطات اجتماعية وفكرية للكبار والصغار ويشترك الجميع في تقديم هذه الرسالة.

خامسًا: تربية دون وقت فاشلة

قضية التربية تحتاج لبذل الوقت الكافي لها من الأبوين.

 الولد يحتاج أن نجلس معه في لهوه وجده، وإذا لم يجلس الوالدان مع أولادها وقت اللهو؛ فلن تؤتي نصائحهم أُكلها وقت الجد.

 إن بذل الوقت للولد ليس مضيعة له، وسيحصد الوالدان ثمرته على مر الوقت، وليعلم الوالدان أنهما لن يحصدا ثمرة بذل الوقت مباشرة، كما أنهما لن يشعرا بضرر الضنّ بالوقت على الولد مباشرة.

بذل الوقت للولد يبني جدار الحوار معه، والتواصل والحوار ركن ركين في حل مشاكل التربية.

 اجلس مع ولدك ساعًة للهو وساعًة للجد، ساعة للمزاح وساعة للنصح.

إن التواصل مع الأبناء وقت الأزمات لتوجيه النصح أو التوبيخ لن يجدي نفعا.

إن نجاح الأب المشغول في بيته يغطي تقصيره في عمله؛ لكن تقصيره في التربية لا يعني نجاحه في العمل.

الأوقات ضيقة وهي لا تسع كل الأعمال فالواجب تقديم الأهم على المهم.

 

 

سادسًا: من صبر ظفر

تربية الأولاد مسيرة طويلة تحتاج لبذل الوقت والجهد، والصبر أهم ركن في التربية؛ فلا تستسلم أيها الأب وأيتها الأم لليأس مهما كان ولدكم في بعد عن طريق الحق، ولتحاول ثم لتحاول ثم لتحاول، واصدق الله في الدعاء بعد بذل الوسع فهو القادر على هداية ولدك، وتذكر قول الله عز وجل لنبيه: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها) [طه: ١۳۲].

وضع نصب عينيك قول الله لرسوله: {وأنذر عشيرتك الأقربين} [الشعراء: ۲١٤].

صل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

اللهم وفقنا لمحابك وألهمنا مراشد الصواب والهداية آمين.