المحاضرة التاسعة من سلسلة تربية الأولاد في الإسلام للشيخ أنس الموسى: المرحلة الثانية للطفولة من سن الثالثة للسادسة

يقدم لنا فضيلة الشيخ سلسلة في فقه تربية الأولاد على المنهج الإسلامي الصحيح، مع تناول دلالاته في القرآن والسنة والتراث، ومع بيان شروط ومقتضيات وثمار هذا المنهج التربوي، وإبراز واجبات المربي ومسئولياته.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم إنا نستهديك لأرشد أمورنا وزدنا علما ينفعنا

سبق وتحدثنا عن المرحلة الأولى للطفولة المتضمنة للسنوات الثلاث الأول من عمر الطفل، وسنتحدث اليوم عن المرحلة الثانية من مراحل الطفولة، من سن الثالثة للسادسة أو السابعة وهي المرحلة التي يبدأ الطفل فيها بدخول المدرسة بشكل نظامي.
قبل الحديث عن الوسائل التربوية للطفل في هذه المرحلة لابد من التعرف على خصائص شخصيته؛ لنتمكن من خلالها اختيار الوسيلة الأنفع للتربية.

خصائص شخصية الطفل في هذه المرحلة:

1- شديد الملاحظة، والانتباه لكل ما يراه فهو ينتبه لكل ما يدور حوله، وإن لم يشعر الأهل بهذا.

2- شديد الحفظ قوي الذاكرة، ويخرج ما يحفظه في المواقف المناسبة، ويعرف الأهل هذا عندما يتصرف بمضمون ما سمعه من والديه، وقد مر على ما سمعه ربما شهور.

3- كثير الحركة كبير الطاقة، وهذا يساعده في نمو جسمه وعقله، وطلبنا من الطفل السكون يعاكس طبيعته.

4- كثير السؤال والاستفسار عما حوله، وهذه ظاهرة صحية؛ لأن حواسه تلتقط، ويريد أن يشكل معلومات عما يراه، ويُحسُّ به، ومن الخطأ النظر لهذه الظاهرة على أنها واقع مرضي؛ بل استغلال هذه الأسئلة والإجابة عنها أجوبة صحيحة وسيلة تربوية نافعة، وهنا لابد من الحذر من:

– إعطاء الطفل أجوبة خاطئة لأسئلته، أو أجوبة خرافية؛ لأن الطفل سيحفظها، ويؤمن بها لثقته بمصدرها (الأب أو الأم أو المربي) وستترسخ في ذهنه وفق قاعدة بيانات.
– ترك إجابة الطفل عن أسئلته؛ يجعلها محور اهتمامه، وستبقى في ذهنه، ويبحث لها عن أجوبة؛ فإجابة الطفل أولى من إسكاته مهما كان الجواب بسيطًا، أو يعجز الطفل عن فهمه؛ لأن هذا يشكل عنده مبادئ المعرفة. المهم أن يكون صحيحا فقد يسأل الطفل عن مكان وجود الله فلابد من الإجابة، وقد لا يفهم الطفل الجواب تماما لكنه بعد فترة سيتفاعل مع الإجابة ويفهمها.

5- يقلد الكبار كثيرًا ويتشبه بهم وهذا عامل إيجابي في التربية، ويجب استغلاله فلو هيئنا للطفل القدوة الصالحة المنضبطة؛ فنحن نفعل وسيلة تربوية ناجحة؛ لأن الطفل سيتقمص المواقف التي يراها ويقلدها فتترسخ في ذهنه (يقلد الولدُ أباه في حركته، وصلاته …والبنتُ حجاب أمها، وصلاتها ولباسها في الصلاة..)

6- تبدأ معالم شخصية الطفل بالظهور؛ فيظهر الطفل الشجاع من الجبان، والكريم من الشحيح، والقيادي من المنقاد …فلابد أن يدرك الوالدان شخصية ولدهم، وتحديد نقاط الضعف والقوة في شخصيته؛ ليعرفا كيفية التعامل معه؛ وعليه فلابد من الاحتكاك المباشر مع الطفل للتعرف على شخصيته عن قرب، وقد يكون هذا عن طريق اللعب معه، أو أثناء زيارة الأقارب، والأصحاب.

وسائل التربية في هذه المرحلة:
1- التعامل مع الطفل بحذر شديد، وعدم التأثر ببعض سلوكياته السيئة؛ لأنها قد لا تمثل شخصيته؛ بل هي مجرد تقليد لما شاهده أمامه، أو للفت الانتباه أو…؛ فعلى الوالدين تجاوز الموقف، ومعالجة السبب من خلال المعرفة السابقة بشخصيته، وهنا ونحن نعالج الموقف لابد من الحذر من إعطاء دواء واحد لكل الأطفال في جميع الأوقات؛ بل لكل طفل علاجه بحسب شخصيته فطفل تنفع معه النظرة، وطفل تنفع مع الكلمة اللطيفة، وطفل يحتاج لبعض رفع الصوت …

2- مراقبة الطفل مراقبة دقيقة في مراحل نموه دون أن يشعر للتعرف على قوة شخصيته، وليست الغاية من المراقبة هي المحاسبة؛ بل على الوالدين حفظ ما يصدر عن ولدهم نتيجة المراقبة، ومعالجة الخلل بعد فترة، وقد تكون هذه المعالجة من خلال عرض قصة، أو استغلال موقف مشابهٍ لأحد الأطفال، أو بمدح خصلة حميدة عند الطفل، وذم المخالف لها …؛ وعليه فلو لم يوجد تصور واضح لشخصية الطفل، ومراقبة لسلوكه، ونموه – من والديه أو مربيه – فلن نهتدي للعلاج المناسب.

3- عدم الضجر من نشاط الطفل، وفرط حركته، وشدة ملاحظته، وكثرة أسئلته؛ لأنها عوامل مساعدة في التربية لو أحسنا استغلالها.

4- الحذر من النظر لهنّات الصغار، وهفواتهم على أنها كبائر.

5- تشجيع الطفل والثناء عليه عند المواقف الإيجابية؛ لأن هذا يحقق للطفل نمو شخصيته، ويرسخ في نفسه القيم التربوية العليا، وذِكر هذه المواقف مرة بعد مرة لتكون عامل تنشيط، وتحفيز للطفل، ولابد من الثناء على الطفل فور الموقف الإيجابي، وعدم تأخيره عن وقته، والتحدث به أمام العائلة فلا نترك صورة إيجابية فارغة دون تعليق، وثناء.

ولابد من الحذر من التكلم بالسلبيات الصادرة من الطفل أمام الناس؛ فهي شديدة الأثر في نفسيته فالسلبيات تحفظ للمعالجة، ولا تعالج أمام الناس.

6- غرس المبادئ الإيمانية الصحيحة، والمعايير الخلقية الكريمة وتفعيلها في عملية التربية عند الطفل فنغرس في الطفل تعظيم الخالق سبحانه، ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، ونمدح الأمانة، ونذم الخيانة نمدح الكرم، ونذم الشح…

7- التلقين، والتكرار للفضائل، والقيم وسيلة هامة في بناء شخصية الطفل فنتحدث دائما أمام الطفل: أن الخالق، والرازق هو الله، ونذكر أمامه العبارات الإيجابية مثل: يد الله مع الجماعة، إن الله يحب المتقين، كونوا عباد الله إخوانا، من لا يرحم لا يرحم، نحن أمة الجسد الواحد، ليس منا من لم يوقر كبيرنا …إلى غير ذلك من العبارات الهادفة فكل واحدة من هذه العبارات تشكل قاعدة خلقية، وتربوية للطفل.

8- القصص والحكايات الهادفة وسيلة هامة في التربية؛ فهي تثبت القيم، والمبادئ بطريقة عملية و سهلة، ومشوقة، ولابد من الحذر من القصص الخرافية والخيالية، واستبدالها بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسير أصحابه، والتابعين من بعده، وغيرها؛ فقد ورد عن علي بن الحسين رضي الله عنهما أنه قال: “كنّا نعلَّم مغازيَ النبي صلى الله عليه وسلم، وسراياه كما نعلَّم السورة من القرآن”؛ فالقصة وسيلة تربوية قد تغني عن كثير من النصائح.

9- عدم الركون إلى إشغال الأطفال بما يريح الوالدين من فرط نشاطهم، وكثرة حركتهم؛ وتركهم في الشارع، أو بصحبة من يؤذيهم، أو أما التلفاز ينظرون لما يفسدهم …

10- القدوة الصالحة أساس هام في التربية خلال هذه المرحلة.

11- الاهتمام بما يهتم له الطفل؛ فهو يُشعِرُ الطفلَ بقرب والديه منه؛ وهذا يساهم في قبول الطفل نصائحهم.

12- عدم الإفراط، والضغط الشديد على الطفل عند وقوع الأخطاء، وخصوصا الأخطاء الاجتماعية؛ فهذا يقتل في الطفل روح الإصلاح.

13- الاهتمام بروح الطفل، وقلبه من خلال تحفيظه القرآن، والأذكار، وتحريك قلبه بمحبة الله و محبة نبيه، وأصحابه، والصالحين من بعدهم.

اللهم وفقنا لمحابك وألهمنا مراشد الصواب والهداية
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم