المحاضرة التاسعة عشرة من سلسلة تربية الأولاد في الإسلام للشيخ أنس الموسى: عوامل هدم في تربية الأولاد الجزء الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

اللهم إنا نستهديك لأرشد أمورنا وزدنا عمًا ينفعنا.

وبعد:

ذكرنا في اللقاء الماضي أن الآباء والمربين يبذلون جهودًا كثيرة في ميدان التربية ومع ذلك فإن هذه الجهود قد لا تؤتي ثمارها أو تؤتي ثمارًا لاتتناسب والجهودُ المبذولة، وأحلنا السبب في هذا على عوامل الهدم التي تَحُول دون وصول جهود التربية لمبتغاها، وذكرنا أيضاً أن أهمية هذه المحاضرة تكمُن في أنها تعمل على إيقاف عوامل الهدم، وذكرنا عواملَ الهدم التي ترجع للولد نفسه، والتي ترجع للأسرة وماتعيشها من مشاكل. واليوم سنكمل الحديث في نفس الأتجاه ونذكر عوامل هدم أخرى في وجه تربية الأبناء، وسنبدأ بـــ:

أسباب فشل التربية التي ترجع للأم:

1- تعرض الأم لبعض الأمراض الصحية أثناء الحمل، والولادة المبكرة قد يؤثر هذا في صحة الطفل وتكوينه الداخلي.

2-الاضطراب النفسي للأم أثناء الحمل؛ فتسري هذه الاضطرابات من الأم لجنينها – ذكرنا سابقا أن الطفل يتأثر بانفعالات أمه في المرحلة الجنينية هدوءاً واضطراباً- فالاضطراب النفسي يشكل أزمات نفسية عند الولد

3-أن يعيش الولد بعيداً عن أمه لفترات طويلة كأن يعيش عند عمته مثلًا، أو جيرانه أو أحد أقاربه.

 لقد فطر الله الخلق أن يعيش الولد مع أمه فالاستقرار النفسي يتحقق عندما يكون الولد مع أمه. جاءت خولة بنت ثعلبة للنبي فقالت له: إن لي صبية صغاراً إن ضممتهم إلي جاعوا وإن ضممتهم إليه (زوجها) ضاعوا.

4-الأم المسيطرة في البيت، فغياب دور الأب، وتهميشُه يُضِرُّ بالولد ضررًا بالغاً لأن الله عزوجل خلق الإنسان ليكون له أب، وأم فلكلٍّ دوره في الأسرة، والتربية، ومهما بلغت الأم من قدرات، وطاقات فلايمكن بأي حال من الأحوال أن تُتْقِنَ مايقدِّمه الأب، وقد سُئِل رسول الله: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” أمك قال: ثم من؟ قال: “أمك” قال: ثم من؟ قال: “أمك” قال: ثم من؟قال: “أبوك” [البخاري 5971]؛ فالأم مطلوبة، والأب مطلوب في تحقيق تربية متوازنة يقول الله تعالى:(ووصينا الإنسان بوالديه حُسْنا)[العنكبوت 8].

5-كثرة مشاغل الأم، وخروجها الكثير، والمتكرر من البيت؛ يشكِّل خطرًا كبيرًا على الأولاد حتى ولوكان خروج الأم بما يُحْمَدُ شرعاً؛ كخروجها في طلب العلم، أو صلاة القيام ..

قد يكون إهمال الأم لابنها، من خلال  ترك شؤون تربيته، والعناية به للخادمة، وقد ذكرنا سابقاً أن الخادمة لن تستطيع القيام بدور الأم مهما تَحْمِله في قلبها من الحنان وغيره؛ فغياب دور الأم يَحْرُمُ الطفلَ من المشاعرالتي لاتقدمها له سوى أمه؛ فيعيش الولد نوعاً من اليُتْمِ حتى بوجود أمِّه وأبيه.

يقول أحمد شوقي:

ليس اليتيم من انتهى أبواه    من همِّ الحياة وخلَّفَاهُ ذليلا

إن اليتيم هو الذي تَلْقَى له    أمَّاً تَخَلَّت أو أبَا مشغولا

6-تخويف الأم طفلَها من الصور الخيالية، والمخيفة، والخارقة التي يراها في التلفاز، وغيره بُغْيَة إسكاته، أورغبةً في طاعته أمرها؛  فيصيب الطفلَ نوباتٌ من الخوف الشديد؛ حيث يستيقظ ليلاً، ويبكي بكاءً شديداً مجهول السبب.

أسباب فشل التربية التي ترجع للأب:

1- تَغْييبُ دَوْرِ الأب – صاحب الشخصية القوية المتسلطة – لدَوْرِ الأم في البيت؛ فالأم مهمشة لا رأي لها، بل ودائماً ماتُهان من قِبَلِ الأب، وأمام أبنائها.

مهمة: قد تشفع الأم لولدها أمام الأب من عقاب يستحقه الولد؛ فيستجيب الأب لشفاعتها، مما يعزز دور الأم أمام أبنائها، ويؤسس لعلاقةٍ جيدة معها، وهذا له أثره الإيجابي في التربية.

2-إدمان الأب على المخدرات والمسكرات يُعَدُّ جريمةً في حق الأبناء وقتلٌ معنوي لهم فنقول للأب: تخلَّى عن هذه المحرمات حباً بولدك، وإكراما له.

3-اكتشاف الولد أن أباه يكذب، أويسرق، أو عنده مخالفات شرعية؛ فتنعكس مخالفات الأب على الولد. فقد يكذب، ويسرق، ويتهاون بالأوامر الشرعية كالصلاة وغيرها، والسبب هو الأب الذي لم يتنبَّه أنه قدوة لأبنائه.

أحد الآباء يأمر ولده بالذهاب لصلاة الجمعة في حين يبقى هو في البيت، أو يتظاهر بالذهاب للصلاة، ويكتشف الولد خداع الأب له فيبدأ بالتحايل على الفرائض الشرعية كوالده، بل ويؤثِّر هذا في كِبَرِه، حيث يتوقف عن الذهاب للمسجد وحِلَقِ القرآن؛ لأن تصرُّف والده رسَّخ في ذهنه أن حلقات التحفيظ، والعلم هي للصغار فقط.

أسباب فشل التربية التي ترجع للظروف المحيطة:

1-الفقر: قد يسبب مشكلةً كبيرةً في التربية داخل البيت فالأب لايستطيع تأمين حاجات أولاده، ومستلزماتهم كالآخرين، وفي بعض الحالات يُفَرِّغ الأبُ غضبه الناشئ عن عدم تأمين احتياجات أسرته في أولاده؛ فيجتمع على الأولاد الفقر، وضغط الوالد، أو الوالدة؛ فلابد من تعويض هذا النقص بالرعاية النفسية الملائمة.

2-وجود حالة طلاقٍ لأحد أفرادِ الأسرة كالأخت، أو العمة، أوالأم، وهذا يشكِّل أزمة نفسية للطفل؛ لرؤيته لهذا النموذج الخاطئ، وتحمُّلِه تبعاته.

3-وجود نماذج قدوةٍ سيئةٍ في الأسرة، كجدِّ الطفل أو عمِّه أو خاله، وهذا يؤثر في تربية الولد الذي يَرَى قُدُواته على الخطأ، فلابد من مزيد الانتباه، والرعاية لتلافي تبعات هذه المشكلة.

4-تقصير المؤسسات التربوية كالمدرسة، والمسجد، وغيرها بالقيام بواجباتها. فما أسوأ أن تتحول المَدْرسة، أو المسجد من كونهما سبباً في التربية الصالحة، إلى سببٍ في سوء التربية؛ فيجب أن يسعى المربُّون لإيجاد التناغم بين المدرسةُ والمسجد والبيت.

5-عدم توفر أماكن تحقق للطفل رغباته، كالملاعب، والمسابح المنضبطة مما يضطر الطفل للعب في الشارع، وهذا فيه مافيه من مخاطر سوء التربية كلقاء رفقاء السوء وغير ذلك؛ فيقع الوالدان بين مشكلة مَنْعِ الولد من اللعب، وتفريغ الطاقات الكامنة فيه، ومشكلة عدم توفُّر المكان المناسب. فلابد من البحث عن أماكن توفر للطفل حقه من اللهو واللعب، من غير أن يتسبب هذا في مضار تعود على أخلاقه وعقيدته وسلوكه.

6-غياب الثقافة التربوية وطرائق التربية الصحيحة عن المربين أنفسهم، فالأب والأم عاجزان، والمدرس عاجزٌعن تربية الطفل وفق الطرائق الصحيحة للتربية ولنا في رسول الله أسوة حسنة للمربي العارف بطرق التربية، والتأديب.

نماذج من تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الأطفال:

1- توجيه رسول الله الطفل الذي كانت تطيش يده في الصحفة أثناء الطعام فقال له :”ياغلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك”[1].

2- ابن عباس وإرشاد النبي له، وهو يركب خلف رسول الله على الدابة:”ياغلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك..”[2].

3- تسليم رسول الله صلى الله عليه وسلم على غلمان الأنصار في المدينة.[3].

4- تعامله مع أبي محذورة، وتحويله له من شخص يستهزئ بالأذان إلى مؤذن يدعو الناس لطاعة ربهم.[4].

5- تعامله صلى الله عليه وسلم مع الصحابي الذي بال في المسجد حيث تركه ينهي بوله ولم يؤذه ثم عالج المشكلة بأسلوب تربوي لطيف.[5]

ما أحوجنا لهذه الأساليب التربوية، وتطبيقها مع أبنائنا، بل ما أحوج المربين إلى معرفتها.

اللهم وفقنا لمحابك وألهمنا مراشد الصواب والهداية.

آمين آمين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وصلى الله على سيدن ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

_____________________________

[1]: البخاري عن عمربن أبي سلمة 5376

[2]: سنن الترمذي 2516

[3]: مسلم 40كتاب السلام

[4]: مسلم379

[5]: البخاري كتاب الوضوء باب ترك النبي صلى الله عليه وسلم والناس الأعرابي حتى فرغ من بوله في المسجد219