المبحث السادس من الفرق بين «فوق» و«من فوق» في اللفظ القرآني، بحث تفصيلي للشيخ علي هاني

بسم الله الرحمن الرحيم

 

المبحث السادس: من يوم
وردت من يوم في آيتين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9)}(62/9) {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60)} (51/60)
فأما آية سورة الجمعة فقد وضحها الشيخ الفاضل محمد الأمين الخضري فقال:
عند قوله تعالى: {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة}:
(من) تفيد التبعيض فلم يقل: (يوم الجمعة) لأن الله تعالى لا يريد من المؤمنين ترك أعمالهم في هذا اليوم والانقطاع إلى الصلاة والعبادة بل طلب إليهم أن يبدأوا يومهم بالعمل فإذا سمعوا النداء لصلاة الجمعة من بعض هذا اليوم لبوا نداء الله تعالى مسرعين، فإذا ما فرغوا من صلاتهم بادروا بالعودة إلى أعمالهم،ألا ترى إلى قوله {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله} أليس الأمر بالانتشار في الأرض ابتغاء لفضل الله ورزقه وتصديره بالفاء المعقبة دليلا على ما يهدف إليه القرآن من أداء هذه الشعيرة في جزء من النهار حتى لا يفهم المسلمون أن احتفاء الإسلام بيوم الجمعة ودعوة المسلمين إلى التجمع فيه واختصاصه بصلاة معينة موجب لترك العمل في هذا اليوم، إن من التبعيضية هي وحدها التي تنهض بهذا الغرض ولا يؤدي حرف الوعاء (في) ما تؤديه (من) في مكانها وذلك ما يتضح من كلام النيسابوري حين رد القول بأن (من) في الآية بيانية فقال (إن اليوم أعم من وقت النداء والعام لإبهامه لا يصير بيانا ظاهرا فالأولى أن تكون من للتبعيض).
يقول علي هاني: وفيه أيضا معنى الابتداء كأن النداء جاءنا من قِبَل يوم الجمعة وهذا فيه تعظيم لهذا النداء وحث على إجابته، ويستفاد من الكلام بيان أن النداء المتكلم عنه في يوم الجمعة لا في يوم آخر.
وقد سبق البقاعي وابن عاشور الشيخ محمد الأمين في بيان هذا المعنى، قال البقاعي: ولما كانت الإجابة يكفي في إيجابها النداء في الوقت المعروف للنداء ولا يشترط لها استغراق النداء لجميع اليوم أتى بالجار فقال: {من يوم الجمعة}، وقال ابن عاشور: و{مِن} في قوله: {من يوم الجمعة} تبعيضية فإن يوم الجمعة زمان تقع فيه أعمال منها الصلاة المعهودة فيه، فنزّل ما يقع في الزمان بمنزلة أجزاء الشيء، ويجوز كون {مِن} للظرفية مثل التي في قوله تعالى: {أروني ماذا خلقوا من الأرض} [فاطر: 40]، أي فيها من المخلوقات الأرضية[1] .
وأما قوله تعالى: {{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60)} (51/60)
} فمعنى من واضح وهو الابتداء تؤول إلى معنى التعليل أي ويل يتحصل لهم من يومهم وبسببه، فهي مثل {يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق}.
قال ابن عطية: {من} لابتداء الغاية.
قال ابن عاشور: و(مِن) للابتداء المجازي، أي سوء حال بترقبهم عذاباً آتياً من اليوم الذي أوعدوه.
قال أبو السعود والآلوسي: ومَنْ في قولِه تعالَى: {مِن يَوْمِهِمُ الذي يُوعَدُونَ} للتعليلِ

 

[1] وفي الآية أقوال غير التبعيض وهي كونها بيانية وكونها بمعنى في قال السمين الحلبي: قوله: {مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ}: ” مِنْ ” هذه بيانٌ ل ” إذا ” وتفسيرٌ لها قاله الزمخشريُّ.وقال أبو البقاء: إنَّها بمعنى ” في “، أي: في يوم.قال الآلوسي: {مِن يَوْمِ الجمعة} أي فيه كما في قوله تعالى: {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرض} [فاطر: 40] أي فيها، وجوز أبو البقاء أيضاً كون {مِنْ} للتبعيض، وفي «الكشاف » هي بيان لإذا وتفسير له، والظاهر أنه أراد البيان المشهور فأورد عليه أن شرط {مِنْ} البيانية أن يصح حمل ما بعدها على المبين قبلها وهو منتف هنا لأن الكل لا يحمل على الجزء واليوم لا يصح أن يراد به هنا مطلق الوقت لأن يوم الجمعة علم لليوم المعروف لا يطلق على غيره في العرف ولا قرينة عليه هنا؛ وقيل: أراد البيان اللغوي أي لبيان أن ذلك الوقت في أي يوم من الأيام إذ فيه إبهام فيجامع كونها بمعنى في، وكونها للتبعيض وهو كما ترى.