المبحث الخامس من الفرق بين «فوق» و«من فوق» في اللفظ القرآني، بحث تفصيلي للشيخ علي هاني

بسم الله الرحمن الرحيم

 

المبحث الخامس: من أول
وردت من أول يوم في قوله تعالى: {لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)} (9/108).
(من) تفيد ابتداء الغاية مع التأكيد والاستيعاب للأوقات كلها، ببيان أنه من أول يوم منذ اللبنة الأولى التي وضعت لتأسيسه مصحوبا بالتقوى فما بعده، أي: أسس على التقوى من أول لحظات تأسيسه فما بعده، فهي تفيد الابتداء مع تأكيد، ذلك مع الدلالة على الاستيعاب باللازم لأنه إذا كان من أول لحظاته كذلك فهو دائما على ذلك.
قال محمد الأمين الخضري في (من أسرار حروف الجر): بعد النقل عن الرضي أن (من) بمعنى (في) قوله تعالى: {لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه}
قال الخضري: ولنا أن نسأل إذا كانت (من) بمعنى (في) فما سر العدول عن الحرف الأصلي؟ ولم لم يقل في أول يوم؟ إنني أرى أراها في الآية على أصلها من الابتداء فمن في {لمسجد أسس على التقوى من أول يوم} هي من الابتدائية ولها دلالات في أن هذا المسجد كان منذ اللبنة الأولى التي وضعت لتأسيسه مصحوبا بالتقوى مبالغة في صدق النوايا وإخلاص العمل لوجه إبَّان التفكير فيه ومن بداية العمل في بنائه فأنت حين تقول: (ذهبت إلى الحقل من أول اليوم) عنيت أن ذهابك كان جد مبكر بحيث بدأ ببداية أول اليوم دون أن تنصرم منه لحظة من لحظاته، وإذا قلت: ذهبت إلى الحقل أول اليوم أفدت التبكير نعم لكنك لم تستوعب لحظات اليوم من بداية ما يقال له أول، وعليه فإن (من) في الآية دالة على استيعاب وقت الأولية كله مبالغة في أن جزءا ولو ليسيرا من الوقت لم تكن التقوى مفارقة له وفي ذلك أبلغ الحسم للمرجفين الذين أرادوا الإساءة إلى هذا المسجد وحاولوا الإضرار به وضرب وحدة المؤمنين ببناء مسجد آخر ألا ترى إلى سياق الآية وما يحوطه من الحسم البالغ والتأكيدات المتتالية على سوء النوايا من المنافقين {والذين اتخذوا مسجدا ــ ـ أحق أن تقوم فيه}”.
قال الشهاب:” (من أوّل يوم من أيام وجوده) أي هو أوّل يوم من أيام وجود بنائه وتأسيسه، وإنما قيد به لظهور أنه لم يؤسس على التقوى من أوّل يوم من مطلق الأيام، والمعنى أنّ تأسيسه على التقوى كان مبتدأ من أوّل يوم من أيام وجوده لا حدثا بعده”.