المبحث الثالث من الفرق بين «فوق» و«من فوق» في اللفظ القرآني، بحث تفصيلي للشيخ علي هاني

بسم الله الرحمن الرحيم

 

المبحث الثالث: أمامه بحذف (من)
أمامه:
كلمة (أمام) وردت في موضع واحد فقط حذف فيها (من) في سورة القيامة: (بَلْ [1] يُرِيدُ الإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ) (75/5).
حذف (من) ليدل على الانطلاق قدما بقوة واستيعاب لجميع الزمان المستقبل، ولأنه ليس المراد أن شيئا مبتدئا من شيء بل ما تقدم.
يريد الإنسان أن يمضي أمامه قُدُما في معاصي الله راكبا رأسه في هواه فيما بين يديه من الأوقات وفيما يستقبله من الزمان لا ينزع عنه، ولا يثنيه عنها شيء، ولا يتوب منها أبدا، ومطيع أمله ومسوفاً بتوبته، فهذا الذي يحمله على الإعراض عن الإقرار بالبعث والنشور.
قال البقاعي قال معللاً: {ليفجر أمامه} أي يقع منه الإرادة ليقع منه الفجور في المستقبل من زمانه بأن يقضي شهواته ويمضي راكباً رأسه في هواه، ونفسه الكاذبة تورد عليه الأماني وتوسع له في الأمل وتطمعه في العفو من دون عمل”.
وقال الراغب:” الفجر شق الشيء شقا واسعا، قال: والفجور شق ستر الديانة”
فالفجور: شق حجاب الشرع شقا واسعا والانبعاث في المعاصي والشهوات والكفر من غير وازع ولا حياء ولا خوف أو وجل.
وسر اختيار أمامه دون (بين يديه) مع أنه الاستعمال الشائع في جميع القرآن الكريم لأن مادة (أم م) كأمَّ الشيء، والإمام، وأمَّة) تدل القصد والتعمد والتوخي الذي لا ينحرف عنه ولا يلوي، فهو قصد للشيء مع توجه إليه، قال الراغب: ” الأم القصد المستقيم وهو التوجه نحو مقصود” قال التحقيق: القصد مع التوجه الخاص إليه وهذا المعنى ملحوظ في جميع مشتقات أم، فالأَمام (بالفتح) ما بين يدي الإنسان في قبال وجهه فيكون موردا للتوجه دائما ” فاستعمال أمام هنا لا يصلح غيره مكانه؛فإنه لما أراد أن المعنى الانطلاق قدما بقوة يمضي في معاصي الله راكبا رأسه في هواه فيما بين يديه من الأوقات وفيما يستقبله من الزمان لا ينزع عنه، ولا يثنيه عنها شيء، ولا يتوب منها أبدا، كان أنسب لفظ لهذا لفظ الأمام.

 

[1] في (بل) قولان:1) القول الأول: قالوا عطف على {أيحسب} جيء للإضراب عن إنكار الحسبان إلى الإخبار عن حال الإنسان الحاسب بما هو أدخل في اللوم والتوبيخ من كأنه قيل ليس هذا فقط بل يفعل ما هو أفظع من ذلك وهو أنه يريد ليدوم على فجوره فيما بين يديه من الأوقات وفيما يستقبله من الزمان لا ينزع عنه، فهو إضراب انتقالي إلى ذكر حال آخر من أحوال فجورهم، 2) القول الثاني: أن المعنى {بل} إضراب عن حسبانه عدم البعث والإحياء بعد الموت.و المعنى: أنه لا يحسب أن لن نجمع عظامه لأنه من الظهور في حد لا يحتاج إلى كبير تأمل فلو مشى مع عقله عرف الحق بل يريد أن يكذب بالبعث ليفجر مدى عمره فلذلك يكذب بالقيامة وإلا فهو في قرارة نفسه يعلم صحة البعث لكن إرادته الفجور أمامه هو الذي يجعله يكذب، وهذا قول مجاهد والحسن وعكرمة والسدي قال الطبري: ما يجهل ابن آدم أن ربه قادر على أن يجمع عظامه، ولكنه يريد أن يمضي أمامه قُدُما في معاصي الله، لا يثنيه عنها شيء، ولا يتوب منها أبدا، ويسوّف التوبة.