إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين (33) بحث مفصل بقلم الشيخ علي هاني

يقدم لنا فضيلة الشيخ بحثاً في المنظور القرآني لعلاقة الإسلام والمسلمين باليهود والنصارى، وذلك من خلال دراسة الآيات الواردة بخصوصهم، وتركيز البحث في الدرجة الأولى على آية {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:62] وعلى ما يشبهها في المائدة والحج، ملخصاً وشارحاً ومستدلاً بأهم ما جاء في كتب التفسير في هذا الموضوع.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الدليل العاشر: قد بشرت جميع الكتب بالنبي صلى الله عليه وسلم وأمته
وهددت من لم يؤمن به إذا جاء، فبشارات الظهور وعلائم النّبي وصفاته مذكورة في هذه الكتب السماوية لا سيما التوراة والإنجيل، وهي تدعو أتباعهما إلى الإيمان بالنبي صلى الله عليه واتباع شرعه، ثم يأتي هؤلاء ويقولون:يجوز لليهود والنصارى البقاء على دينهم المحرف، وهذا شيء عجيب!، فالصادقون من أهل الكتاب الذين يؤمنون فعلا بكتبهم يستجيبون لها ولرسلهم كما قال تعالى قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ـ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ـ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (سورة البقرة: 121) “الذين آتيناهم” مبتدأ، وجملة “يتلونه” حال، والخبر هو {أولئك يؤمنون به}.
{وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (54)} (القصص (51ـ 54)
{وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66)}
بعض البشارات التي وردت في التوراة والإنجيل:
1) جاء في التوراة في سفر التثنية الإصحاح الثامن عشر الفقرات 18و19: ” يا موسى أني سأقيم لبني إسرائيل نبيا من إخوتهم مثلك أجعل كلامي فيه، ويقول لهم ما أمره به والذي لا يقبل قول ذلك النبي الذي يتكلم باسمي أنا أنتقم منه ومن سبطه “، وهذا النص موجود عندهم الآن، فقوله:” من إخوانهم “، لو كان منهم من بني إسرائيل لقال سأقيم لهم نبياً منهم، لكنه قال من إخوتهم أي أبناء إسماعيل..
2) جاء في إنجيل يوحنا الإصحاح السادس عشر الفقرات 16-17: ” إن خيراً لكم أن أنطلق لأني إن لم أذهب لم يأتكم الفارقليط فإذا انطلقت أرسلته إليكم فإذا جاء فهو يوبخ العالم على الخطيئة، وان لي كلاماً كثيراً أريد قوله ولكنكم لا تستطيعون حمله لكن إذا جاء روح الحق ذاك الذي يرشدكم إلى جميع الحق لأنه ليس ينطق من عنده بل يتكلم بما يسمع ويخبركم بكل ما يأتي “، وكلمة (المعزي) أصلها منقول عن الكلمة اليونانية باراكلي طوس المحرفة عن الكلمة بيركلوطوس التي تعني أحمد وهذا لا ينطبق إلا على النبي صلى الله عليه وسلم . [1]
” جاء في التوراة في السفر الخامس: ” أقبل الله من سيناء (وفي رواية ربنا)، وتجلى من ساعير، وظهر من جبال فاران، ومعه ربوات الإظهار عن يمينه “.
وهذه متضمنة للنبوات الثلاثة: نبوة موسى، ونبوة عيسى، ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فمجيئه من ” سينا “: وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى، ونبأه عليه إخبار عن نبوته، وتجليه من ساعير هو مظهر المسيح من بيت المقدس، و” ساعير “: قرية معروفة هناك إلى اليوم، وهذه بشارة بنبوة المسيح، “وفاران “: هي مكة، وشبه سبحانه نبوة موسى بمجيء الصبح، ونبوة المسيح بعدها بإشراقه وضيائه، ونبوة خاتم الأنبياء باستعلاء الشمس، وظهور ضوئها في الآفاق، ووقع الأمر كما أخبر به سواء، فإن الله سبحانه صدع بنبوة موسى ليل الكفر فأضاء فجره بنبوته، وزاد الضياء والإشراق بنبوة المسيح، وكمل الضياء واستعلن وطبق الأرض بنبوة محمد صلوات الله وسلامه عليهم، وذكر هذه النبوات الثلاثة التي اشتملت عليها هذه البشارة نظير ذكرها في أول سورة (والتين والزيتون، وطور سينين، وهذا البلد الأمين “[2].
قال البقاعي:” فأضاف الرب إليهم، وجعل الإتيان من جبال فاران – التي هي مكة، لا نزاع لهم في ذلك – تبدياً وظهوراً أي لاخفاء به بوجه، ولا ظهور أتم منه”
ذكر الشيخ عبد المجيد الزنداني في كتابه: (البشارات بمحمد صلى الله عليه وسلم في الكتب السماوية السابقة) أن إنجيل برنابا في الباب 22 جاء فيه:
” وسيبقى هذا إلى أن يأتي محمد رسول الله الذي متى جاء كشف هذا الخداع للذين يؤمنون بشريعة الله ”
وجاء في سفر أشعيا: إني جعلت اسمك محمدا يا محمد، يا قدوس الرب: اسمك موجود من الأبد.
وجاء في سفر أشعيا: ” وما أعطيته لا أعطيه لغيره، أحمد يحمد الله حمدا حديثا يأتي من أفضل الأرض، فتفرح به البرية، ويوحدون على كل شرف، ويعظمونه على كل رابية “.
وجاء في سفر حبقوق:” إن الله جاء من التيمان والقدوس من جبل فاران، لقد أضاء السماء من بهاء محمد، وامتلأت الأرض من حمده.”.
يقول مطران الموصل السابق الذي هداه الله للإسلام، وهو البروفيسور عبد الأحد داود الآشوري في كتابه (محمد في الكتاب المقدس): إن العبارة الشائعة عن النصارى: المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة. لم تكن هكذا، بل كانت: المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض إسلام، وللناس أحمد.

 

[1] وقد توسع محمد رشيد رضا في الكلام على أصل الكلمة في المنار (9 /215).
[2] انظر هداية الحيارى ص 110، وما ذكره ابن القيم هو في العهد القديم سفر التثنية الإصحاح 33.