إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين (30) بحث مفصل بقلم الشيخ علي هاني

يقدم لنا فضيلة الشيخ بحثاً في المنظور القرآني لعلاقة الإسلام والمسلمين باليهود والنصارى، وذلك من خلال دراسة الآيات الواردة بخصوصهم، وتركيز البحث في الدرجة الأولى على آية {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:62] وعلى ما يشبهها في المائدة والحج، ملخصاً وشارحاً ومستدلاً بأهم ما جاء في كتب التفسير في هذا الموضوع.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الدليل السابع:القرآن مليء بالآيات التي تدعو الكفار
ومنهم أهل الكتاب وتناقشهم القرآن مليء بالآيات التي تدعو أهل الكتاب والصابئين إلى اعتناق الإسلام والإيمان بالرسول محمد وبالقرآن، وتناقشهم بأدلة كثيرة ومواضع لا تعد ولا تحصى بل في سورة كاملة، فعلى قول من يقول لهم أن يتعبدوا بيهوديتهم ونصرانيتهم يكون كل هذا عبثا باطلاـ تعالى الله سبحانه عنه، وكذلك وردت أحاديث كثيرة، أذكر أمثلة على الآيات والأحاديث التي تدعوهم وتناقشهم ليتضح الأمر غاية الاتضاح:
{وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41)} (البقرة:41).
{قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)} (آل عمران: 64).
{يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70)} (آل عمران: 70).
{قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ} (آل عمران: 70).
{يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171)} (النساء:171)
{يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15)} (المائدة: 15)
{يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)} (المائدة: 19)
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (47)} (النساء: 47) فلِمَ يطمس على وجوههم ولِمَ يلعنون إذا لم يؤمنوا، إذا كان الأمر كما يقول هؤلاء؟!
عن أبي هريرة، عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنَّه قال: “والذي نفسُ محمدٍ بيده، لا يَسْمعُ بي أحدٌ من هذه الأمة يهوديٌ ولا نصرانيٌ، ثم يموتُ ولم يؤمِنْ بالذي أُرسِلتُ بهِ إلا كانَ من أصحابِ النَّار”.[1] وفي رواية – وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: («وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ») رَوَاهُ مُسْلِمٌ[2].
(فِي الحديث فَوَائِدُ):
(الْأُولَى): قَوْلُهُ «لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ» يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أُمَّةِ الدَّعْوَةِ مَنْ هُوَ مَوْجُودٌ فِي زَمَنِهِ، وَمِنْ يَتَجَدَّدُ وُجُودُهُ بَعْدَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَذِكْرُهُ الْيَهُودِيَّ وَالنَّصْرَانِيَّ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُمَا تَنْبِيهًا عَلَى مَنْ سِوَاهُمَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَهُمْ كِتَابٌ فَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنُهُمْ مَعَ أَنَّ لَهُمْ كِتَابًا فَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا كِتَابَ لَهُ أَوْلَى قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ.
(الثَّانية) َمَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ بِالنَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مَعْذُورٌ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّهُ لَا حُكْمَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ عَلَى الصَّحِيحِ.
(الثالثة) وَفِيهِ نَسْخُ الْمِلَلِ كُلِّهَا بِرِسَالَةِ نَبِيِّنَا – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(الْرابعة) وَفِيهِ الِانْتِفَاعُ بِالْإِسْلَامِ قُبَيْلَ الْمَوْتِ، وَلَوْ فِي الْمَرَضِ الشَّدِيدِ مَا لَمْ يَصِلْ إلَى الْمُعَايَنَةِ.
(الخامسة) وَفِيهِ تَكْفِيرُ مَنْ أَنْكَرَ بَعْضَ مَا جَاءَ بِهِ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِنَصٍّ قَطْعِيٍّ، وَأَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ[3].

 

[1] صحيح مسلم باب وجوب إيمان أهل الكتاب برسالة الإسلام رقم الحديث 240 وقد ذكر الإمام السيوطي سبب ورود هذا الحديث في اللمع في أسباب ورود الحديث
المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) قال سبب: أخرج الدارقطني في الافراد عن عبد الله بن مسعود قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله رأيت رجلا من النصاري متمسكا بالانجيل ورجلا من اليهود متمسكا بالتوراة يؤمن بالله ورسوله، ثم لم يتبعك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من سمع بي من يهودي أو
نصراني ثم لم يتبعني فهو في النار “. ص 90
[2] أخرجه مسلم في ((صحيحه)) (1 / 134 / رقم 240) كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
[3] طرح التثريب في شرح التقريب (المقصود بالتقريب: تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد) (7/ 160