إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين (28) بحث مفصل بقلم الشيخ علي هاني

يقدم لنا فضيلة الشيخ بحثاً في المنظور القرآني لعلاقة الإسلام والمسلمين باليهود والنصارى، وذلك من خلال دراسة الآيات الواردة بخصوصهم، وتركيز البحث في الدرجة الأولى على آية {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:62] وعلى ما يشبهها في المائدة والحج، ملخصاً وشارحاً ومستدلاً بأهم ما جاء في كتب التفسير في هذا الموضوع.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الدليل الخامس: شرط العمل الصالح الإيمان
نحن إذا تتبعنا الآيات التي فيها (عمل صالحا) وجدناها اشترط فيها واقترن بها الإيمان والإسلام أو أن يكون صالحا يرضاه الله، أو الإيمان مع التنصيص على الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن وإلا فلا تنفع الأعمال كما فصل في المسألة السابعة عشرة:
قال تعالى {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)}(النحل: 97).
• وأيضا: ذكر العمل الصالح في مقابل كفر الكفار بالرسل وما أنزل إليهم من ربهم، فالكفر بالرسل وما أنزل عليهم مضاد مناقض للعمل الصالح لا يجتمع معه،ويوضح هذا الآيات الآتية:
{بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (90) مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92) قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ (93) رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (94) وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ (95) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98) حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)} المؤمنون (90ـ 100)
• هذه الآيات لا تترك مجالا لامتراء ممتر فهي تنفي عن الله سبحانه الولد وتقول: سبحانه أي تنزه تنزها تاما عما يصفون، والوصف في اصطلاح القرآن كل وصف باطل كاذب غير صحيح، ثم بينت أنهم سينزل بهم عذاب وأمر الرسول عليه السلام والمسلمون من بعده أن يدعوا الله سبحانه أن لا يجعلهم معهم في العذاب، ثم قالت الآيات: إن هؤلاء يستمرون على باطلهم وكفرهم واتخاذ الولد إلى أن يأتيهم الموت فهناك يقول رب ارجعني لعلي أعمل صالحا، فالصالح هو المقابل والمضاد لما كانوا عليه من اتخاذ الولد والكفر.
• وقد نص القرآن في آيات لا تحصى والنبي صلى الله عليه وسلم أن الشرك من أعظم الجرائم والذنوب التي لا يغفرها الله سبحانه بل توبق وتهلك وليست من الأعمال الصالحة، قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}(سورة النساء:48)، وقد فصل هذا في المسألة السابعة عشرة.
قال سيد قطب:”والآية تقرر أنه أيا كانت النحلة، فإن من آمنوا بالله واليوم الآخر وعملوا صالحا – ومفهوم ضمنا في هذا الموضع، وتصريحا في مواضع أخرى أنهم فعلوا ذلك على حسب ما جاء به الرسول الأخير – فقد نجوا: (فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون).. ولا عليهم مما كانوا فيه قبل ذلك؛ ولا مما يحملون من أسماء وعنوانات.. فالمهم هو العنوان الأخير.. وهذا الذي نقرر أنه مفهوم من الآية ضمنا يعتبر من، المعلوم من الدين بالضرورة، فمن بديهيات هذه العقيدة، أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين، وأنه أرسل إلى البشر كافة، وأن الناس جميعا – على اختلاف مللهم ونحلهم وأديانهم واعتقاداتهم وأجناسهم وأوطانهم – مدعوون إلى الإيمان بما جاء به، وفق ما جاء به؛ في عمومه وفي تفصيلاته، وأن من لا يؤمن به رسولا، ولا يؤمن بما جاء به إجمالا وتفصيلا فهو ضال لا يقبل الله منه ما كان عليه من دين قبل هذا الدين، ولا يدخل في وعده سبحانه بقوله تعالى: (فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)، وهذه هي الحقيقة الأساسية ” المعلومة من الدين بالضرورة ” التي لا يجوز للمسلم الحق أن يجمجم فيها أو يتمتم؛ أمام ضخامة الواقع الجاهلي الذي تعيش فيه البشرية. والتي لا يجوز للمسلم أن يغفلها في إقامة علاقاته بأهل الأرض قاطبة؛ من أصحاب الملل والنحل. فلا يحمله ضغط الواقع الجاهلي على اعتبار أحد من أصحاب هذه الملل والنحل على ” دين ” يرضاه الله؛ ويصلح أن يتناصر معه فيه ويتولاه!” [1]

 

[1]ظلال القرآن (2/ 942).