إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين (23) بحث مفصل بقلم الشيخ علي هاني

يقدم لنا فضيلة الشيخ بحثاً في المنظور القرآني لعلاقة الإسلام والمسلمين باليهود والنصارى، وذلك من خلال دراسة الآيات الواردة بخصوصهم، وتركيز البحث في الدرجة الأولى على آية {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:62] وعلى ما يشبهها في المائدة والحج، ملخصاً وشارحاً ومستدلاً بأهم ما جاء في كتب التفسير في هذا الموضوع.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

المسألة الرابعة والعشرون: الفائدة البلاغة في رفع الصابئون:
القول الأول: الزمخشري والبيضاوي وأبو زهرة وحقي البورسوي والخازن والنيسابوري ومحمد رشيد رضا [1] وحسنين مخلوف وابن المنير[2] ، وهم الذين جعلوا “الصابئون” مبتدأ خبره محذوف تقديره “كذلك”.
فإن قلت: ما التقديم والتأخير إلا لفائدة، فما فائدة هذا التقديم؟ فالجواب أنه لا بد أن يكون في عدوله عن النصب الذي هو ظاهر السياق إلى الرفع، معنى قائم بذاته. فما هو ذلك المعنى؟ فالجواب: أن فائدته التنبيه على أن الصابئين الذين هم أشد إيغالا في الكفر من اليهود والنصارى يتاب عليهم إن صحّ منهم الإيمان والعمل الصالح، فما الظنّ بغيرهم، وذلك أن الصابئين أشد الفرق المذكورين في هذه الآية ضلالا وأبين هؤلاء المعدودين وأشدّهم غياً فإذا قبلت توبتهم قبلت توبة غيرهم من باب أولى، فحسن في شرع البلاغة أن ينبه إلى ذلك بتغيير نسق الإعراب، فمثل هذا التغيير يعد من أفصح الأساليب في مثل هذا التعبير الذي يراد منه التنبيه على مثل هذا الأمر الدقيق، بإخراجه عن إعرابات أمثاله ومجاوراته، فإذا قلت (إن زيد وعمرا – وكذا بكر – أو بكر كذلك – قادرون على مناظرة خالد) لم يكن هذا القول بليغا إلا إذا كان بكر في مظنة العجز عن مناظرة خالد؛ وأردت أن تنبه عن خطإ هذا الظن، وعلى كون بكر يقدر على ما يقدر عليه من ذلك زيد وعمرو، ولو نصبه وعطفه لم يكن فيه إفهام خصوصية لهذا الصنف؛ لأن الأصناف كلها معطوف بعضها على بعض عطف المفردات، وهذا الصنف من جملتها،والخبر عنها واحد، وأما مع الرفع فينقطع عن العطف الإفرادي وتبقى بقية الأصناف مخصصة بالخبر المعطوف به، ويكون خبر هذا الصنف المنفرد بمعزل، فيجيء كأنه مقيس على بقية الأصناف وملحق بها، فكأنه قيل في الآية الكريمة: كل هؤلاء الفرق إن آمنوا بالعمل الصالح قَبِل الله توبتهم وأزال ذنبهم، حتى الصابئون مع ظهور ضلالهم فإنهم إن آمنوا تاب عليهم إن صح منهم الإيمان والعمل الصالح[3] ، ففيه الدّلالة على غرابة المُخبر عنه في هذا الحكم وتأكيد للكلام من الرفع، وفي توسيط حال الصابئين بين الذين هادوا والنصارى، وفي تقديم الخبر عن “الصابئون” التّنبيه على تعجيل الإعلام بهذا الخبر فإنّ الصابئين يكادون ييأسون من هذا الحكم أو ييأس منهم من يسمع الحكم على المسلمين واليهود، وأيضا توسط هذا المبتدأ المحذوف الخبر، بين الجزأين، أدل على الخبر المحذوف من ذكره بعد تقضي الكلام وفي نهايته، فجمع الرفع والتقديم فوائد بلاغية كثيرة ولو لم يقدّم ما حصل ذلك الاعتبار.
كما أن الشاعر في قوله وإلاَّ فَاعْلَمُوا أَنَّا وَأَنْتُم *** بُغَاةٌ مَا بَقِيْنَا فِي شِقَاقِأي فاعلموا أنا بغاة وأنتم كذلك،
قدم قوله: (وأنتم) تنبيهاً على أن المخاطبين أوغل في الوصف بالبغاة من قومه، حيث عاجل به قبل الخبر الذي هو (بغاة) لئلا يدخل قومه في البغي قبلهم، مع كونهم أوغل فيه منهم وأثبت قدماً.
ومثل هذا التأكيد يناسب السياق: ففي الآيات السابقة أشار سبحانه إلى استعلاء اليهود والنصارى وجرائمهم وكفرهم وعداوتهم للإسلام وشدة عنادهم، وأنهم مردوا على الجحد، وتمرنوا على البهت، وعتوا عن أوامر الله،و ذكرت المنافقين وأفعالهم وأقوالهم الفاسدة، وختمت بأن اهل الكتاب ليسوا على شيء ما لم يؤمنوا استجابة للبشارات التي في كتبهم، فكان ذلك موجباً أن يخطر في بال القارئ والسامع وأهل الكفر السامعين للقرآن أنه إن آمن منهم أحد ما يقبل، فأخبر أن الباب مفتوح لهم ولغيرهم من جميع أهل الملل، وأن هذا الحكم عام في الكل، فمهما كانت ملتهم السابقة فالباب مفتوح لهم في الدخول في هذا الدين، والإسلام يـَجُبُّ ما قبله حتى الصابئة الذين هم أكفر من اليهود والنصارى تقبل توبتهم، وأكد الإخبار أنه تقبل توبة المنافقين واليهود والنصارى لأن السياق كان يتحدث عنهم، مبالغة في دفع توهم عدم قبول توبتهم.
ومثل هذا الأسلوب وهو مغايرة الإعراب لأمر بلاغي معهود مثله في القرآن الكريم فجاء النصب على المدح في قوله تعالى: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (162)} {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}، وهذا الرأي في توجيه الآية عندي أرجح الأقوال.
القول الثاني: قالوا: أكد في الذين آمنوا المراد بهم المنافقون وفي اليهود لأن سياق سورة المائدة في ذم المنافقين واليهود وذكر قبائحهم بخلاف الصابئة والنصارى فليس السياق لهم فلم يحتج لتأكيد، أو يقال: لما كان المقام للترغيب في التوبة، جعل هؤلاء أي (الصابئون) أو (الصابئون والنصارى) على اختلاف القولين، مع شناعة حالهم بظهور ضلالهم كمن لا إنكار لقبول توبته، فيفهم أن غيرهم أولى بذلك.
وهذا القول في السر البلاغي إنما يتأتى على قول الفراء والكسائي أو على قول سيبويه في بعض الاحتمالات اختاره البقاعي وفاضل السامرائي[4] واجازه الآلوسي[5] والشهاب.
قال البقاعي: “فقال سبحانه: {إن الذين آمنوا} أي قالوا: آمنا {والذين هادوا} أي اليهود {والصابئون} أي القائلون بالأوثان السماوية والأصنام الأرضية {والنصارى} أي الذين يدعون اتباع المسيح عليه السلام، ولما كان اليهود قد عبدوا الأصنام متقربين بها إلى النجوم في استنزال الروحانيات انهماكاً في السحر الذي جاء نبيهم موسى عليهم السلام بإبطاله، وكان ذلك هو معنى دين الصابئة، فرّق بين فريقي بني إسرائيل بهم مكتفياً بهم عن ذكر بقية المشركين لما مضى في البقرة، ولما سبق في هذه السورة من ذم اليهود بالنقض للميثاق والكفر واللعن والقسوة وتكرر الخيانة وإخفاء الكتاب والمسارعة في الكفر والنفاق والتخصيص بالكفر والظلم والفسق وغير ذلك من الطامات ما يسد الأسماع، كان قبول توبتهم جديراً بالإنكار، وكانوا هم ينكرون عناداً فلاح العرب من آمن منهم ومن لم يؤمن، فاقتضى الحال كون الفريقين في حيز التأكيد، ولم يتقدم للصابئة ذكر هنا أصلا فأخرجوا منه تنبيهاً على أن المقام لا يقتضيه لهم، فابتدئ بذكرهم اعتراضاً ودل على الخبر عنهم بخبر”[6] إن “، أو أنه لما كان المقام للترغيب في التوبة، وجعل هؤلاء مع شناعة حالهم بظهور ضلالهم كمن لا إنكار لقبول توبته، كان غيرهم أولى بذلك، ولما كان حال النصارى مشتبهاً، جعلوا في حيز الاحتمال للعطف على اليهود لما تقدم من ذمهم، وعلى الصابئة لخفة حالهم بأنهم مع أن أصل دينهم صحيح لم يبلغ ذمهم السابق في هذه السورة مبلغ ذم اليهود”.
يقول علي هاني: لكن المتتبع لسورة المائدة يجد أن الذم كان للفريقين اليهود والنصارى على السواء.

 

[1] قال محمد رشيد رضا: “وفي هذه الآية بحث لفظي ليس في تلك؛ وهو رفع كلمة الصائبين وتقديمها على كلمة النصارى هي تنبيه الذهن إلى أن الصابئين كانوا أهل كتاب وإن كان حكمهم كحكم المسلمين واليهود والنصارى في تعليق نفي الخوف والحزن عنهم يوم القيامة بشرط الإيمان الصحيح والعمل الصالح، اللذين تتزكى بهما النفوسّ، وتستعد لإرث الفردوس. ولما كان هذا غير معروف عند المخاطبين بهذه الآية، وكان الصائبون غير مظنة لإشراكهم في الحكم مع أهل الكتب السماوية، حسن في شرع البلاغة أن ينبه إلى ذلك بتغيير نسق الإعراب. فمثل هذا التغيير، لا يعد فصيحا إلا في مثل هذا التعبير. وهو ما كان لما تغير إعرابه أخرج عما يماثله، صفة خاصة تريد التنبيه عليها. فإذا قلت (إن زيد وعمرا – وكذا بكر – أو بكر كذلك – قادرون على مناظرة خالد) لم يكن هذا القول بليغا إلا إذا كان بكر في مظنة العجز عن مناظرة خالد؛ وأردت أن تنبه عن خطإ هذا الظن، وعلى كون بكر، يقدر على ما يقدر عليه من ذلك زيد وعمرو.
وهاهنا قاعدة عامة في البلاغة تدخل في بلاغة النطق والكتابة. وهي أن ما يرد تنبيه السمع أو اللحظ إليه من المفردات أو الجمل يميز على غيره، إما بتغيير نسق الإعراب في مثل الكلام العربي مطلقا، وإما برفع الصوت في الخطابة، وإما بكبر الحروف أو تغيير لون الحبر أو وضع الخطوط عليه في الكتابة. والمسلمون يكتبون القرآن في التفسير والمتون المشروحة بحبر أحمر. وفي الطبع يضعون الخطوط فوق الكلام الذي يميزونه كآيات القرآن في بعض كتب التفسير، ثم صار الكثيرون منهم يقلدون الإفرنج في وضع هذه الخطوط تحت الكلام الذي يريدون التنبيه عليه بتمييزه.(المنار/(6/)395
[2] قال الناصر في (الانتصاف):” ثمة سؤال، وهو أن يقال: لو عطف {الصابئين} ونصبه- – لأفاد أيضا دخولهم في جملة المتوب عليهم، ولفهم من تقديم ذكرهم على {النصارى} ما يفهم من / الرفع من أن هؤلاء الصابئين- وهم أوغل الناس في الكفر- يتاب عليهم، فما الظن بالنصارى؟ ولكان الكلام جملة واحدة بليغا مختصرا، والعطف إفرادي؟ ويجاب عن هذا السؤال بأنه لو نصبه وعطفه لم يكن فيه إفهام خصوصية لهذا الصنف. لأن الأصناف كلها معطوف بعضها على بعض عطف المفردات. وهذا الصنف من جملتها، والخبر عنها واحد. وأما مع الرفع فينقطع عن العطف الإفرادي وتبقى بقية الأصناف مخصصة بالخبر المعطوف به. ويكون خبر هذا الصنف المنفرد بمعزل. تقديره مثلا {والصابئون كذلك} فيجيء كأنه مقيس على بقية الأصناف وملحق بها. وهو بهذه المثابة، لأنهم لما استقر بعد الأصناف من قبول التوبة، فكانوا أحقاء بجعلهم تبعا وفرعا مشبهين بمن هم أقعد منهم بهذا الخبر، وفائدة التقديم على الخبر أن يكون توسط هذا المبتدأ المحذوف الخبر، بين الجزأين، أدل على الخبر المحذوف من ذكره، بعد تقضي الكلام وتمامه، والله أعلم.حاشية الانتصاف لابن المنير(1/660).
[3] وفي ذكر المغفرة للصابئين إشارة إلى بيان قبول توبة المشركين إذا آمنوا بعد شرك كما قال تعالى: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنت الأولين38). (الأنفال).

[4] قال السامرائي: ” والذي، يبدو لي في هذا الأمر أن ثمة فرقا في المعنى بين الرفع والنصب، فإن العطف بالنصب على تقدير إرادة (إنَّ)، والعطف بالرفع يكون على غير إرادة (إنَّ)، ومعنى هذا أن العطف بالرفع غير مؤكد، فعلى هذا يكون المعطوف في قولك (إن زيدا مسافر وخالدا) مؤكدا، بخلاف ما لو قلت:(إن زيدا مسافر وخالدٌ) فإن المعطوف غير مؤكد، وهذا شبيه بما مر في قولنا:(ليس زيد بجبان ولا بخيل ولا بخيلا) في بحث ليس، وهذا المعنى حام حوله النحاة ولم يذكروه صراحة فهم حين يقولون إنه معطوف على اسم (إن) قبل دخولها، يعنون إنه معطوف على غير إرادة التوكيد، أي إن المعطوف عليه مؤكد بخلاف المعطوف، وقد رأيت قبل قبل قليل في كلام المفسرين في قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى} ما يشير إلى أن كلمة (الصابئون) خولف حكمها عن أخواتها، لأن هذه الفرقة أبعد ضلالا من الآخرين، فجاءت أقل توكيدا من أخواتها، وما ذكره الرضي من كونها اعتراضية، يشير إلى ذلك أيضا، فإن الجملة الاعتراضية ليست من صميم الجملة المعقود بها الكلام، وإنما هي تبع، فالنحاة يدركون أن هذا المعطوف يختلف عن المعطوف عليه في الحكم، فالصابئون لما كانوا أبعد المذكورين ضلالا كما ذكر المفسرون خولف في توكيدهم فكانوا أقل توكيدا وقال السامرائي في لمسات: “. فالصابئون خرجوا عن الديانات المشهورة. وهم قسمان وقسم قالوا إنهم يعبدون النجوم وقسم متبعون ليحيى عليه السلام فهما قسمان. هؤلاء أبعد المذكورين والباقون أصحاب كتاب، الذين هادوا أصحاب كتاب عندهم التوراة والنصارى عندهم كتاب الإنجيل والذين آمنوا عندهم القرآن الصابئون ما عنجهم كتاب ولكن قسم من الصابئين يقولون عندهم كتاب لكن بالنسبة لنا هم أبعد المذكورين ضلالاً ولذلك هم دونهم في الديانة والاعتقاد ولذلك لم يجعلهم بمنزلة واحدة فرفع فكانوا أقل توكيداً. ورد مثل ذلك في الشعر العربي:إن النبوةَ والخلافةَ فيهم والمكرماتُ وسادةٌ أطهارُ، قال المكرماتُ ولم يقل المكرماتِ لأن هؤلاء السادة لا يرتقون لا إلى النبوة ولا إلى الخليفة”. معاني النحو(ج 1/10).
[5] قال الآلوسي:” وبعض المحققين صرف الخبر المذكور إلى قوله تعالى: {والصابئون} وجعل خبر {إنٍ} محذوفاً، وهو القول الآخر للنحاة في مثل هذا التركيب، وهو موافق للاستعمال أيضاً كما في قوله:
نحن بما عندنا وأنت بما *** عندك (راض) والرأي مختلف
فإن قوله: راض خبر أنت وخبر نحن محذوف، ورجح بأن الإلحاق بالأقرب أقرب، وبأنه خال عما يلزم على التوجيه الأول، نعم غاية ما يرد عليه أن الأكثر الحذف من الثاني لدلالة الأول، وعكسه قليل لكنه جائز، وعورض بأن الكلام فيما نحن فيه مسوق لبيان حال أهل الكتاب، فصرف الخبر إليهم أولى، وفي توسيط بيان حال الصابئين ما علمت من التأكيد، وأيضاً في صرف الخبر إلى الثاني فصل للنصارى عن اليهود وتفرقة بين أهل الكتاب لأنه حينئذ عطف على قوله سبحانه: {والصابئون} قطعاً، نعم لو صح أن المنافقين واليهود أوغل المعدودين في الضلال، والصابئين والنصارى أسهل حسن تعاطفهما وجعل المذكور خبراً عنهما، وترك كلمة التحقيق المذكورة في الأولين دليلاً على هذا المعنى” روح المعاني (3/ 367)
[6] نظم الدرر (6/ 241).