إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين (22) بحث مفصل بقلم الشيخ علي هاني

يقدم لنا فضيلة الشيخ بحثاً في المنظور القرآني لعلاقة الإسلام والمسلمين باليهود والنصارى، وذلك من خلال دراسة الآيات الواردة بخصوصهم، وتركيز البحث في الدرجة الأولى على آية {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:62] وعلى ما يشبهها في المائدة والحج، ملخصاً وشارحاً ومستدلاً بأهم ما جاء في كتب التفسير في هذا الموضوع.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

المسألة الثالثة والعشرون: الإعراب في المائدة والصابئون:
وفي رفعةِ أربعة أقوال:
القول الأول: في الآية تقديم وتأخير،
وأنه من المقدم الذي معناه التأخير، وأنه مرفوع بالابتداء وخبرُه محذوفٌ لدلالةِ خبر الأول عليه، والنيةُ به التأخيرُ،و المعنى: إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم والصابئون والنصارى كذلك أيضا. ونحوه: ” إن زيداً وعمروٌ قائمٌ ” أي: إنَّ زيداً قائم وعمرو قائم، فإذا فَعَلْنا ذلك فالحذفُ من الثاني لدلالة الأول نحو:

فإني وقَيَّار بها لَغَريبُالتقدير: وقيارٌ بها كذلك[1].
وقوله: وإلا فاعلموا أنا وأنتم *** بغاة ما بقينا في شقاقأي فاعلموا أنا بغاة وأنتم كذلك
وهو قول جمهورِ أهلِ البصرة: الخليل وسيبويه وأتباعِهما، وقدره كذلك على مذهب البصريين ابن الأنباري [2] وخالد الأزهري[3] والصبان[4] وابن مالك في التسهيل[5] وابن يعيش[6] وأبو حيان[7] والسيرافي[8] وابن الشجري [9]والطبرسي[10] وابن عطية وابن الجوزي والشوكاني [11]وقرره كذلك ابن أبي زمنين.
القول الثاني: مثل السابق لكن جعلوا الخبر المحذوف فقط لـ(الصابئون)
فـ{والصابئون} رفع على الابتداء وخبره محذوف، والنية به التأخير عما في حيز إنَّ من اسمها وخبرها، كأنه قيل: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى حكمهم كذا، والصابئون كذلك:
اختاره: الزمخشري[12] ،والبيضاوي، والغلاييني[13] ،وأبو علي الفارسي، والبيضاوي وأبو السعود وابن جزي ووحقي البورسوي والشربيني ونسبه السمعاني والبغوي والخازن والرازي[14] والنسفي لسيبويه.
القول الثالث: أنه مرفوعٌ نسقاً على محلِّ اسم ” إنَّ ”
لأنه قبل دخولها مرفوعٌ بالابتداء، فلمَّا دخلَتْ عليه لم تغيِّر معناه بل أكَّدته، غايةُ ما في الباب أنها عَمِلَتْ فيه لفظاً، وفي الجملة فكثير من العلماء قد رَدُّوا هذا المذهبَ، أعني جوازَ الرفعِ عطفاً على محلِّ اسم ” إنَّ ” مطلقاً، أعني قبلَ الخبرِ وبعده، خَفِي إعرابُ الاسمِ أو ظهر وفي المسألةِ أربعةُ مذاهبَ:
أ) مذهبُ البصريين: المنعُ مطلقاً.
ب) ومذهبُ ابن مالك، التفصيل قبل الخبر فيمتنع، وبعده قال في الألفية:
وجائزٌ رفعُك معطوفًا على… منصوبِ إنَّ بعدَ أن تستكملا
ت) مذهب الكسائي: وهو الجوازُ مطلقاً ويَسْتدل بظواهرِ قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ} الآية، وهذا رجحه أبو زهرة والنحو الوافي.
ومذهب الفراء واختاره الرازي والسمرقندي[15] والثعلبي، وانتصر له عباس حسن في النحو الوافي والسامرائي في معاني النحو، ورده الزمخشري[16] والبيضاوي [17] وأبو السعود والزجاج[18].
ث) : إنْ خَفِي إعرابُ الاسم جاز ذلك لزوال الكراهية اللفظية، وحُكِي من كلامهم: ” إنك وزيدٌ ذاهبان “[19]
قال الإمام الرازي: وهو مذهب حسن وأولى من مذهب البصريين، لأن الذي قالوه يقتضي أن كلام الله على الترتيب الذي ورد عليه ليس بصحيح، وإنما تحصل الصحة عند تفكيك هذا النظم، وأما على قول الفراء فلا حاجة إليه، فكان ذلك أولى. ومثل هذا قول الشاعر(وهو ضابئ البرجمي):

فَمَنْ يَكُ أمسى بالمدينةِ رحلُه *** فإني وقَيَّارٌ بها لغريبُ
وبقوله:
يا ليتنا وهما نَخْلُو بمنزلةٍ *** حتى يَرى بعضُنا بعضاً ونَأْتَلِفُ
وبقوله:
وإلاَّ فاعلَمُوا أنَّا وأنتمْ *** بُغاةٌ ما بَقِينا في شِقاقِ..

وبقولهم: ” إنك وزيدٌ ذاهبان ” وكلُّ هذه تَصْلُح أن تكونَ دليلاً للكسائي والفراء معاً، فكان حقه والصابئين وإنما رفعه عطفاً على الذين قبل دخول إنّ فلا يحدث معنى كما تقول: زيد قائم، وإن زيداً قائم معناها واحد.
القول الرابع: اختاره: ابن عاشور[20]،و سيد طنطاوي واطفيش – الهميان واطفيش – التيسير وصلاح الخالدي[21] والجلال وأجازه سليمان الجمل على الجلالين.
وقوله: {إِنَّ الذين آمَنُواْ} أي: إيمانا حقا لا نفاقا وخبر إن محذوف تقديره:لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. دل عليه المذكور.
وقوله: {والذين هَادُواْ} مبتدأ مرفوع المحل والواو عطفَ جملة على جملة، {وَالصَابِئُونَ}: معطوف على الذين هادوا، فهو مرفوع معطوف على مرفوع المحل، {وَالنَّصَارَى}: معطوف على الذين هادوا وقوله {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ}، خبر عن هذه المبتدآت الثلاثة، وقوله: {مَنْ آمَنَ بالله واليوم الآخر} بدل من كل منها بدل بعض من كل فهو مخصص، فكأنه قال: الذين آمنوا من اليهود والنصارى ومن الصابئين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فالأخبار عن اليهود ومن بعدهم بما ذكر مشروط بالإِيمان لا مطلقا[22].
وقريب من هذا القول ما أجازه الشهاب لكن على جعل المراد بـ {الذين آمنوا} المنافقين.
قال الشهاب:” لو صح أنّ المنافقين، واليهود أوغل المعدودين في الضلال، والصابئين، والنصارى أسهل صح تعاطفهما وجعل المذكور خبراً عنهما، وترك كلمة التحقيق المذكورة في الأوّلين دليلاً على هذا المعنى”[23].
الراجح عندي في هذه المسألة قول الزمخشري وهو قول الجمهور.

 

[1] فإن قيل: لِمَ لا يجوزُ أَنْ يكونَ الحذفُ من الأول أيضاً؟ فالجوابُ أنه يلزم من ذلك دخولُ اللام في خبر المبتدأ غيرِ المنسوخِ ب ” إنَّ ” وهو قليلٌ لا يقع إلا في ضرورة شعر
[2] الإنصاف (1/152)
[3] التصريح على التوضيح (1/323)
[4] حاشية الصبان على الأشموني (1/422).
[5] (2/50) قال ” وحمل سيبويه ما أوهم العطف قبل التمام على التقديم والتأخير فالتقدير عنده في: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى). إن الذين آمنوا والذين هادوا مَنْ آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والصابئون والنصارى كذلك”
[6] شرح المفصل (4/544).
[7] التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل (5/188) قال ” حمله سيبويه على التقديم والتأخير, التقدير: إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن منهم إلى آخر الآية والصابئون والنصارى كذلك.”
[8] شرح كتاب سيبويه (2/483)
[9] الأمالي (3/187)
[10] قال الطبرسي:”وقال سيبويه، والخليل، وجميع البصريين: إن قوله (والصابئون) محمول على التأخير، ومرفوع بالابتداء. والمعنى: إن الذين آمنوا، والذين هادوا من آمن منهم بالله إلى آخره، والصابئون، والنصارى، كذلك أيضا، أي: من آمن منهم بالله واليوم الآخر”.
[11] قال الشوكاني: قال الخليل وسيبويه: الرفع محمول على التقديم والتأخير، والتقدير: إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن بالله واليوم الآخر، وعمل صالحاً، فلا خوف عليهم، ولا هم يحزنون والصابئون والنصارى كذلك، وأنشد سيبويه، قول الشاعر:
وإلا فاعلموا أنا وأنتم *** بغاة ما بقينا في شقاق
أي: وإلا فاعلموا أنا بغاة وأنتم كذلك، ومثله قول ضابي البرجمي:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله *** فإني وقيار بها لغريب
[12] قال الزمخشري: ” والصابئون: رفعٌ على الابتداء، وخبرُه محذوفٌ، والنيةُ به التأخير عمَّا في حَيِّز ” إنَّ ” من اسمها وخبرها، كأنه قيل: إنَّ الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى حكمُهم كذا والصابئون كذلك، وأنشد سيبويه شاهداً على ذلك:وإلاَّ فاعلَمُوا أنَّا وأنتمْ *** بُغاةٌ ما بَقِينا في شِقاقِ
أي: فاعلموا أنَّا بُغاةٌ وأنتم كذلك ” ثم قال بعد كلام: ” فإنْ قلت: فقوله ” والصابئون ” معطوف لا بد له من معطوف عليه فما هو؟ قلت: هو مع خبره المحذوفِ جملةٌ معطوفة على جملةِ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ} إلى آخره، ولا محلَّ لها كما لا محلَّ للتي عَطَفَتْ عليها ” الكشاف(1/ 660). قال محمد محي الدين في تحقيقه لابن عقيل (1/376):” وذهب المحقق الرضي إلى أن جملة المبتدأ والخبر حينئذ لا محل لها معترضة بين اسم إن وخبرها، وهو حسن، لما يلزم على جعلها معطوفة على جملة إن واسمها وخبرها من تقديم المعطوف على بعض المعطوف عليه، لان خبر إن متأخر في اللفظ أو في التقدير عن جملة المبتدأ والخبر، وخبر إن جزء من الجملة المعطوف عليها.” قال وإنما لم تجعل اعتراضاً حقيقة لأنها معطوفة على جملة {إِنَّ الذين} وخبرها”، قال الآلوسي:”وإنما وسطت الجملة هنا بين إن وخبرها مع اعتبار نية التأخير ليسلم الكلام عن الفصل بين الاسم والخبر، وليعلم أن الخبر ماذا دلالة كما قيل على أن الصابئين مع ظهور ضلالهم وزيغهم عن الأديان كلها حيث قبلت توبتهم إن صح منهم الإيمان والعمل الصالح فغيرهم أولى بذلك، ومن هنا قيل: إن الجملة كاعتراض دل به على ما ذكر، وإنما لم تجعل اعتراضاً حقيقة لأنها معطوفة على جملة {إِنَّ الذين} وخبرها، وأورد عليه ما قاله ابن هشام من أن فيه تقديم الجملة المعطوفة على بعض الجملة المعطوف عليها، وإنما يتقدم المعطوف على المعطوف عليه في الشعر، فكذا ينبغي أن يكون تقديمه على بعض المعطوف عليه بل هو أولى منه بالمنع، وأما ما أجاب به عنه بأن الواو واو الاستئناف التي تدخل على الجمل المعترضة، كقوله تعالى: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فاتقوا النار} [البقرة: 24] الخ، وهذه الجملة معترضة لا معطوفة، فلا يتمشى فيما نحن فيه لأنه يفوّت نكتة التقديم من تأخير التي أشير إليها لأنها إذا كانت معترضة لا تكون مقدمة من تأخير.(روح المعاني(3/ 367).
[13] جامع الدروس العربية (2/213).
[14] ونسب إلى سيبويه قدره كذلك وليس كذلك فسيبويه مذهبه هو الأول
[15] قال السمرقندي” وقال: في هذه السورة {والصابئون} وقال في موضع آخر: {والصابئين} لأنه معطوف على خبر إن وكل اسم معطوف على خبر إن، كان فيه طريقان، إن شاء رفع، وإن شاء نصب، كقوله: «إن زيداً قادم وعمرو » إن شاء نصب الثاني، وإن شاء رفعه، كقوله تعالى: {وَأَذَانٌ مِّنَ الله وَرَسُولِهِ إِلَى الناس يَوْمَ الحج الأكبر أَنَّ الله بريء مِّنَ المشركين وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فاعلموا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي الله وَبَشِّرِ الذين كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 3] وقد قرأ: {ورسوله} ولكنه شاذ، وكذلك ها هنا جاز أن يقول: (والصابئين) {والصابئون}، إلا أن في هذه السورة كتب بالرفع”.بحر العلوم (1 /407).
[16] وردَّ الزمخشري الرفع على المحل فقال: ” فإنْ قلت: هَلاَّ زَعَمْتَ أن ارتفاعه للعطف على محل ” إنَّ ” واسمها.
قلت: لا يَصِحُّ ذلك قبل الفراغ من الخبر، لا تقول: ” إنَّ زيداً وعمرو منطلقان ” فإنْ قلت: لِمَ لا يَصِحُّ والنيةُ به التأخيرُ، وكأنك قلت: إنَّ زيداً منطلق وعمرو؟ قلت: لأني إذا رفعته رفعتُه على محل ” إنَّ ” واسمِها، والعاملُ في محلهما هو الابتداء، فيجب أن يكون هو العاملَ في الخبر؛ لأنَّ الابتداءَ ينتظم الجزأين في عمله، كما تنتظِمُها ” إنَّ ” في عمِلها، فلو رَفَعْتَ ” الصابئون ” المنويَّ به التأخيرُ بالابتداء وقد رفَعْتَ الخبرَ ب ” إنَّ ” لأَعْمَلْتَ فيهما رافعين مختلفين ” وهو واضحٌ فيما رَدَّ به إلا أنه يُفْهِمُ كلامُه أن يُجيز ذلك بعد استكمال الخبر، وقد تقدَّم أنَّ بعضَهم نَقَل الإِجماعَ على جوازِه” الكشاف (1 / 661)
[17] قال البيضاوي:” ولا يجوز عطفه على محل إن واسمها فإنه مشروط بالفراغ من الخبر، إذ لو عطف عليه قبله كان الخبر خبر المبتدأ وخبر إن معا فيجتمع عليه عاملان”.(أنوار التنزيل (2/ 137).
[18] خطأ الزجّاج هذا القول وقال: {إن} أقوى النواصب.
[19] قال الفراء كلمة {إن} ضعيفة في العمل هاهنا، وبيانه من وجوه: الأول: أن كلمة {إنَّ} إنما تعمل لكونها مشابهة للفعل، ومعلوم أن المشابهة بين الفعل وبين الحرف ضعيفة. الثاني: أنها وإن كانت تعمل لكن إنما تعمل في الاسم فقط، أما الخبر فإنه بقي مرفوعا بكونه خبر المبتدأ، وليس لهذا الحرف في رفع الخبر تأثير، وهذا مذهب الكوفيين الثالث: أنها إنما يظهر أثرها في بعض الأسماء، أما الأسماء التي لا يتغير حالها عند اختلاف العوامل فلا يظهر أثر هذا الحرف فيها، والأمر هاهنا كذلك، لأن الاسم هاهنا هو قوله {الذين} وهذه الكلمة لا يظهر فيها أثر الرفع والنصب والخفض، إذا ثبت هذا فنقول: إنه إذا كان اسم {إن} بحيث لا يظهر فيه أثر الإعراب، فالذي يعطف عليه يجوز النصب على إعمال هذا الحرف، والرفع على إسقاط عمله، فلا يجوز أن يقال: إن زيدا وعمرو قائمان لأن زيدا ظهر فيه أثر الإعراب، لكن إنما يجوز أن يقال: إن هؤلاء وإخوتك يكرموننا، وإن هذا نفسه شجاع، وإن قطام وهند عندنا، والسبب في جواز ذلك أن كلمة {إن} كانت في الأصل ضعيفة العمل، وإذا صارت بحيث لا يظهر لها أثر في اسمها صارت في غاية الضعف، فجاز الرفع بمقتضى الحكم الثابت قبل دخول هذا الحرف عليه، وهو كونه مبتدأ، فهذا تقرير قول الفراء.
[20] قال ابن عاشور:”فالّذي أراه أن يجعل خبر (إنّ) محذوفاً. وحذفُ خبر (إنّ) وارد في الكلام الفصيح غير قليل، كما ذكر سيبويه في « كتابه ». وقد دلّ على الخبر ما ذكر بعده من قوله: {فلا خوف عليهم} إلخ. ويكون قوله: {والّذين هادوا} عطفَ جملة على جملة، فيجعل {الّذين هادوا} مبتدأ، ولذلك حقّ رفع ما عُطف عليه، وهو {والصابُون}. وهذا أولى من جعل {والصابون} مَبْدأ الجملة وتقدير خبر له، أي والصابون كذلك، كما ذهب إليه الأكثرون لأنّ ذلك يفضي إلى اختلاف المتعاطفات في الحكم وتشتيتها مع إمكان التفصّي عن ذلك، ويكون قوله: {من آمن بالله} مبتدأ ثانياً، وتكون (من) موصولة، والرّابط للجملة بالّتي قبلها محذوفاً، أي من آمن منهم، وجملة {فلا خوف عليهم (1)} خبراً عن (مَن) الموصولة، واقترانها بالفاء لأنّ الموصول شبيه بالشرط. وذلك كثير في الكلام، كقوله تعالى: {إنّ الّذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثمّ لم يتوبوا فلهم عذاب جهنّم} [البروج: 10] الآية، ووجود الفاء فيه يعيّن كونه خبراً عن (مَن) الموصولة وليس خبر إنّ على عكس قول ضابي بن الحارث:
ومن يَك أمسى بالمدينة رحلُه *** فإنّي وقبّار بها لغريب
فإنّ وجود لام الابتداء في قوله: « لغريب » عيَّن أنّه خبر (إنّ) وتقديرَ خبر عن قبّار، فلا ينظّر به قوله تعالى: {والصابون} التحرير والتنوير (6/ 269).
[21] لكنه قدر الخبر (مفلحون) إِنَّ المؤمنين مفلحون.فيكونُ مَعْنى الآية: المؤمنونَ من أُمَّةِ محمدٍ – صلى الله عليه وسلم. مُفْلِحون فائزون، وأما الذين هادوا والنصارى ـ ـ إن آمنوا وعملوا الصالحات فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

[22] ويجوز أن يكون: {من آمن بالله} مبتدأ ثانياً، وتكون (من) موصولة، والرّابط للجملة بالّتي قبلها محذوفاً، أي من آمن منهم، وجملة {فلا خوف عليهم} خبراً عن (مَن) الموصولة، واقترانها بالفاء لأنّ الموصول شبيه بالشرط. وذلك كثير في الكلام
[23] عِنَايةُ القَاضِى وكِفَايةُ الرَّاضِى عَلَى تفْسيرِ البَيضَاوي (3/ 264).