إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين (15) بحث مفصل بقلم الشيخ علي هاني

يقدم لنا فضيلة الشيخ بحثاً في المنظور القرآني لعلاقة الإسلام والمسلمين باليهود والنصارى، وذلك من خلال دراسة الآيات الواردة بخصوصهم، وتركيز البحث في الدرجة الأولى على آية {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:62] وعلى ما يشبهها في المائدة والحج، ملخصاً وشارحاً ومستدلاً بأهم ما جاء في كتب التفسير في هذا الموضوع.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

المسألة الخامسة عشرة معنى اليوم الآخر في {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ (62)}:
اليوم الآخر: هو يوم القيامة والمراد به:
إما من وقت الحشر إلى ما لا ينتهي من الوقت الذي لا حدّ له وهو الأبد الدائم الذي لا ينقطع، سمي آخرا؛ لأنه ليس بعده يوم آخر، وبعبارة أخرى آخرا: لتأخره عن الأيام المنقضية من أيام الدنيا.
وهذا قدمه البيضاوي وأبو السعود والآلوسي وحقي وسيد طنطاوي واختاره اطفيش
2)أو الوقت المحدود إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار سمي بذلك لأنه آخر الأيام المحدودة بطرفين وما بعده فلا حد له ولا آخر.

************

والإيمان باليوم الآخر: هو الإيمان بالبعث والنشور، والحساب والعقاب والثواب وأنها جنة أبدا، أو نار أبدا، وأن الإنسان مجزى بعمله إن خيرا فخير أو شرا فشر: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}الزلزلة
والإيمان بالله واليوم الآخر يتضمن، الإيمان برسل الله وكتبه والملائكة بقرينة المقام وللأدلة التي ستذكر، هذا هو الإيمان فمن آمن بالله واليوم الآخر وبالنبي والملائكة والكتب وعمل صالحا فهذا هو الإيمان الحقيقي، وقرينة قوله: {وعمل صالحاً} إذ شرط قبول الأعمال الإيمان الشرعي لقوله تعالى: {ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر} [البلد: 17] {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (94)} وقد عد عدم الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم بمنزلة عدم الإيمان بالله لأن مكابرة المعجزات، القائمة مقام تصديق الله تعالى للرسول المتحدي بها يؤول إلى تكذيب الله تعالى في ذلك التصديق فذلك المكابر غير مؤمن بالله الإيمان الحق وفي الإيمان باليوم الآخر اندرج الإيمان بالرسل والكتب، ومنه يتفهم، لأن البعث لم يعلم إلا بإخبار رسل الله عنه تبارك وتعالى[1] .
فإن قيل إذا كان الأمر كذلك من أنه أراد جميع أركان الإيمان فلم اقتصر على الإيمان بالله واليوم الآخر فقط؟
نقول سر الاقتصار على الإيمان بالله واليوم الآخر عدة أمور:
1) الأمر الأول: لأنهما المقصود الأعظم من الإيمان:
أ) فالإيمان بالله: مبدأ الاعتقادات كلها، إذ هو الأصل وبه يصلح الاعتقاد، ولأن الإيمان بالله يحقق المعرفة بالمصدر الأول الذى صدر عنه الكون، الصانع القادر سبحانه، وبما يليق به تعالى من الصفات.
والإيمان بالْيَوْمَ الْآخِرَ، يحقق المعرفة بالمصير الذي ينتهي إليه هذا الوجود. ففي الإيمان بهما إيمان بالمبدأ والمعاد، الإيمان بالله إيمان بالمبدأ والإيمان باليوم الآخر إيمان بالمعاد فعبر بأشرف أجزاء الإيمان.
أ) اليوم الآخر هُوَ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ التَّخْوِيفُ، والوازع والباعث على الأعمال كلها، وفيه صلاح الحال العملي.
ب) اليوم الآخر َتُجْنَى فِيهِ ثَمَرَةُ استجابة الأوامر مُخَالَفَةِ النَّهْيِ.
ت) الإيمان باليوم الآخر هو فيصل الإذعان والتمرد، وفيصل الإيمان بالغيب والجحود به؛ إذ لَا يكفر به إلا من لَا يؤمن إلا بالمحسوس.
2) الأمر الثاني: أن الإيمان باليوم الآخر قطرا الإيمان، ومن أحاط بهما فقد حاز الإيمان بحذافيره؛ لأنهما يتضمنان بقية أركان الإيمان، فمعنى الإيمان باللَّه والإيمان باللَّه هو الإيمانُ بجميع الرسل، وبجميع الكتب والملائكة، وبيان ذلك أن:
أ) الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم داخل في الإيمان بالله فإن من آمن بالله واليوم الآخر فقد آمن برسول الله؛ لأن من جهته عرف الإيمان بالله واليوم الآخر؛ لأنه هو الداعي إلى ذلك، فيوم القيامة إنما يعرف من قِبَل الأنبياء وكتبهم، فِالْيَوْمِ الْآخِرِ إِنَّمَا هُوَ مُتَلَقَّفٌ مِنْ أَخْبَارِ الرَّسُولِ، فَيَتَضَمَّنُ الْإِيمَانَ بِالرَّسُولِ.
ب) وِلمـَا علم أن الإِيمان بالله قرينه وتمامه الإِيمان بالرسل، فقد عُلِمَ وَشُهِرَ مِنْ أَنَّ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ تَعَالَى قَرِينَتُهُ الْإِيمَانُ بالرسول، لِاشْتِمَالِ كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ وَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَغَيْرِهَا عَلَيْهِمَا مُقْتَرِنَيْنِ مُزْدَوِجَيْنِ، كَأَنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ لَا يَنْفِكُّ أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ، فَانْطَوَى تَحْتَ ذِكْرِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ تَعَالَى الْإِيمَانُ بِالرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتضمن الإيمان باليوم الآخر الإيمان بالأنبياء، وبما جاءوا به، فلما كان الإيمان بالله واليوم الآخر يتضمن الإيمان بجميع ما يجب أن يؤمن به، اقتصر على ذلك، لأن غيره في ضمنه.
ث) النبي صلى الله عليه وسلم فسر الإيمان بالله بالإيمان بجميع أركان الإيمان حيث كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم ـ وهما أصح الكتب بعد كتاب الله ـ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الجَعْدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، قَالَ: كُنْتُ أَقْعُدُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ يُجْلِسُنِي عَلَى سَرِيرِهِ فَقَالَ: أَقِمْ عِنْدِي حَتَّى أَجْعَلَ لَكَ سَهْمًا مِنْ مَالِي فَأَقَمْتُ مَعَهُ شَهْرَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ القَيْسِ لَمَّا أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ القَوْمُ؟ – أَوْ مَنِ الوَفْدُ؟ -» قَالُوا: رَبِيعَةُ. قَالَ: «مَرْحَبًا بِالقَوْمِ، أَوْ بِالوَفْدِ، غَيْرَ خَزَايَا وَلاَ نَدَامَى»، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لاَ نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيكَ إِلَّا فِي الشَّهْرِ الحَرَامِ، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الحَيُّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ، نُخْبِرْ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا، وَنَدْخُلْ بِهِ الجَنَّةَ، وَسَأَلُوهُ عَنِ الأَشْرِبَةِ: فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ، وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ، أَمَرَهُمْ: بِالإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ، قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ المَغْنَمِ الخُمُسَ» وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنِ الحَنْتَمِ وَالدُّبَّاءِ وَالنَّقِيرِ وَالمُزَفَّتِ “، وَرُبَّمَا قَالَ: «المُقَيَّرِ» وَقَالَ: «احْفَظُوهُنَّ وَأَخْبِرُوا بِهِنَّ مَنْ وَرَاءَكُمْ»[2]
ج) الله سبحانه عندما رد على اليهود اعتراضهم على تحويل القبلة إلى الكعبة بين حقيقة الإيمان فقال:{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}
3) الأمر الثالث: وفي ذكر الإيمان بالله واليوم الآخر إشعار بدعوى حيازة ما طريقه العقل كالإيمان بالله، وما طريقه السمع كالإيمان بالله اليوم الآخر ويتضمن ذلك الإيمان بالنبوة[3] .
4) الأمر الرابع: هذا من ضروب إيجاز القرآن التي بلغت حد الإعجاز، وهو وارد في القرآن كثيرا جدا فما من آية إلا فيها إيجاز حذف أو قِصَر ومن ذلك أن القرآن لم يذكر الإيمان بيوم القيامة اكتفاء بذكر الكتب في قوله تعالى {مَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)} قال أبو السعود[4] : وإنَّما لَمْ يُذكر هَهُنا الإيمانُ باليوم الآخر كَما ذُكر في قولِهِ تعالى {ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين} لاندراجه في الايمان بكتبه.
بناء على ما سبق لا يكون مؤمنا من آمن بالله واليوم الآخر ولم يؤمن ببعض الأنبياء وفرق بينهم في الإيمان، فكيف بالذي كفر بخاتم الأنبياء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وفرق بين الله ورسله، فكيف بالذي لم يؤمن بالله حق الإيمان ولم يوحده فكيف بالذي لم يؤمن بيوم القيامة الوجه الذي أراده الله سبحانه[5] .
سر التصريح والعناية بهذا الركن العظيم من أركان الإيمان وهو الإيمان باليوم الآخر:
وإنما اعتنى القرآن هذا الاهتمام باليوم الآخر، لعدة أسباب:
أ) أولاً: أن المشركين من العرب كانوا ينكرونه أشد إنكار، {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ}.
ب) ثانيًا: أن أهل الكتاب، وإن كانوا يؤمنون باليوم الآخر، إلا أن تصورهم له قد بلغ منتهى الفساد.
فالنصارى مثلاً، يعتمدون فيه على وجود يسوع الفادي المُخلِّص الذى يَفْدي الناس بنفسه، ويخلِّصهم من عقوبة الخطايا، وهذا يطابق ما يقوله الهنود في كرشنه، وبوذا، سواء بسواء.
وعقيدة اليهود في الله وفي اليوم الآخر، لا تقل في فسادها وضلالها عن عقيدة النصارى، والهنود[6] .
ت) ثالثًا: أن الإيمان باليوم الآخر يجعل لحياتنا غاية سامية، وهدفًا أعلى، وهذه الغاية هي فعل الخيرات، وترك المنكرات، والتحلي بالفضائل، والتخلي عن الرذائل الضارة بالأبدان والأديان، والأعراض والعقول والأموال؛ لأن في الإيمان باليوم الآخر إيمان بالثواب والعقاب المرتبين على الطاعة والمعصية اللذين هما مناط التكليف.

 

[1] قال في تفسير فتح البيان: “كأنه سبحانه أراد أن يبين أن حال هذه الملة الإسلامية، وحال من قبلها من سائر الملل، يرجع إلى شيء واحد، وهو أن من آمن منهم بالله واليوم الآخر وعمل صالحا استحق ما ذكره الله من الأجر. ومن فاته ذلك فاته الخير كله، والأجر دقه وجله.
[2] أخرجه مسلم في الإيمان باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وشرائع الدين، الدباء: هو القَرْع اليابس، أي: الوعاء منه. والحنتم: الجرار الخُضْر. والنقير: جذع ينقر وسطه. والمزفت: المطلي بالزفت، ويقال له: المقير. والنهي في هذه الأشياء عن الانتباذ فيها، والنهي عن الانتباذ بهذه الأوعية منسوخ بحديث بريدة عند أحمد 5/355، ومسلم (977)، وصححه ابن حبان (5390) وفيه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: “ونهيتكم عن الأشربة في الأوعية، فاشربوا في أي وعاء شئتم ولاتشربوا مسكراً” وفي رواية مسلم ص 1585، وعلي بن الجعد (2075): “كنت نهيتكم عن الأشربة إلا في ظروف الأدم، فاشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكراً”.
[3]انظر الآلوسي وأبو السعود والزمخشري وابن عاشور والبيضاوي ومحمد رشيد رضا والماتريدي، واطفيسش في هميان الزاد وغيرها من التفاسير في سورة البقرة {آمنا بالله وباليوم الآخر}(2/8)
[4] قال أبو زهرة:”والإيمان بالله تعالى هو الإيمان بالله باعتقاد وحدانيته في الخلق والتكوين بألا يعتقدوا أن أحدا شارك الله تعالى في إنشائه الخلق، وأنه وحده خالق كل من في الوجود وأنه لا تخرج حركة عن حركة في الوجود، وإنما ذلك قيوميته وإرادته، وأنه ليس بوالد ولا ولد ولم يكن له كفوا أحد، وأنه جلت صفاته، فليس كمثله أحد، وهو السميع البصير، وأن يؤمن باليوم الآخر وما فيه من حساب، وثواب وعقاب، وأن يؤمن بملائكته وكتبه ورسله.
هذا هو الإيمان فمن آمن من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم ذلك الإيمان، وأردف إيمانه بالعمل الصالح الذي يكون طاعة لله تعالى وفيه صلاح الناس؛ {ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}،وكذلك من آمن من اليهود بالله والملائكة الأطهار والرسل الأمجاد ومنهم محمد بن عبد الله رسوله الأمين، علم أن الله منزه عن مشابهة المخلوقين، وأنه ليس كمثله شيء وعمل صالح {ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} “. زهرة التفاسير (1/ 254) وقال الشوكاني:”والمراد بالإيمان هاهنا هو: ما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله لما سأله جبريل عن الإيمان فقال: ” أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشرّه ” ولا يتصف بهذا الإيمان إلا من دخل في الملة الإسلامية، فمن لم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولا بالقرآن، فليس بمؤمن، ومن آمن بهما صار مسلماً مؤمناً، ولم يبق يهودياً ولا نصرانياً ولا مجوسياً. فتح القدير (1/254)، وقال الآلوسي:” {مَنْ ءامَنَ بالله واليوم الآخر وعَمِلَ صالحا} أي أحدث من هذه الطوائف إيماناً بالله تعالى وصفاته وأفعاله والنبوات، وبالنشأة الثانية على الوجه اللائق، وأتى بعمل صالح حسبما يقتضيه الإيمان بما ذكر” وقال ابن عطية:”وفي الإيمان باليوم الآخر اندرج الإيمان بالرسل والكتب، ومنه يتفهم، لأن البعث لم يعلم إلا بإخبار رسل الله عنه تبارك وتعالى. وقال البقاعي {بالله} أي لذاته {واليوم الآخر} الذي الإيمان به متضمن للإيمان بجميع الصفات من العلم والقدرة وغيرهما وحاثّ على كل خير وصادّ عن كل ضير {وعمل صالحاً} أي وصدق ما ادعاه من الإيمان باتباع شرع الرسول الذي في زمانه في الأعمال الظاهرة ولم يفرق بين أحد من الرسل ولا أخل بشيء من اعتقاد ما جاءت به الكتب من الصلاح ” روح المعاني(1/280)وقال اطفيش – الهميان: “{وَعَمِلَ صَالِحاً}: العمل الصالح فى جنب من كان قبل بعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن يعمل ما فرض عليه فى شرعه الذي لم ينسخه كتاب بعده وفى جنب من كان بعد بعثته صلى الله عليه وسلم أن يعمل بما فى القرآن، وما يوحى إليه مؤمناً به صلى الله عليه وسلم، والعمل بكتاب نبى يتضمن الإيمان بذلك النبى، وأيضاً فإن الإيمان بنبى في القلب عمل صالح أيضاً، فقد دخل الإيمان بالأنبياء فى قوله: {وعمل صالحاً} هميان الزاد (1/341)، وقال القرطبي:” وفي الإيمان بالله واليوم الآخر اندراج الإيمان بالرسل والكتب والبعث”، وقال أبو حيان:” وقد اندرج في الإيمان باليوم الآخر الإيمان بالرسل، إذ البعث لا يعرف إلا من جهة الرسل” وقال اطفيش – التيسير:”{مَنْ آمَنَ} من اليهود والنصارى والصابئين وترك الإشراك بالله {بِاللهِ} ورسله وأنبيائه وكتبه ولم ينكر نبيا أو كتابا {وَالْيَوْمِ الآخِرِ} يوم البعث والجزاء. ولم يذكر المجوس لأنه ليس منهم من لو تبع كتابه لنجا، إذ كتابهم أضاعوه سرعة {وَعَمِلَ صَلِحاً} ولم يفرق بين أحد من رسله قبل بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم أو بعدها، فآمن به واتبع القرآن، ومن لم يؤمن به، وبالقرآن لم ينتفع بعمله فهو مشرك فى النار، وهو غير متبع للتوراة والإنجيل، بل كافر بهما أيضاً، لأن فيهما الأمر باتباعه صلى الله عليه وسلم، وكذا من كفر من اليهود والنصارى قبل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. لا يدخلون فى الآية، كمن قال، عيسى إله، ومريم إله، أو عيسى ابن الله”.
[5] قال العلامة أبو زهرة:”وقد يقول قائل: لماذا لم يذكر الإيمان برسالة النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه ركن من أركان الإيمان فشهادة أن لا إلاه إلا الله وأن محمدا رسول الله تعالى هي لب الإيمان.
والجواب عن ذلك، أن الإيمان بالرسالة المحمدية التي قامت عليها الأدلة من المعجزات الباهرة ثمرة الإيمان بالله ولازمة له، فلا يمكن أن يكون مؤمنا بالله من يكذب رسوله الذي قامت الشواهد والأمارات على صدق رسالته، والإيمان بالله يقتضي الإيمان بصدق كل ما جاء في كتابه المنزل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهكذا فإن الإيمان بالله تعالى يقتضي الإيمان بالرسالة والرسل والإيمان بما جاءت به الكتب المنزلة “.
[6] قال أبو السعود:” أي من أحدث من هذه الطوائف إيماناً خالصاً بالمبدأ والمَعادِ على الوجه اللائق لا كما يزعمه أهل الكتاب فإن ذلك بمعزل من أن يكون إيماناً بهما، وعمل عملاً صالحاً حسبما يقتضيه الإيمانُ بهما فلا خوف عليهم حين يخاف الكفارُ العقابَ ولا هم يحزنون حيث يحزن المقصرون على تضييع العمر وتفويت الثواب”إرشاد العقل السليم (1/ 108).