إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين (13) بحث مفصل بقلم الشيخ علي هاني

يقدم لنا فضيلة الشيخ بحثاً في المنظور القرآني لعلاقة الإسلام والمسلمين باليهود والنصارى، وذلك من خلال دراسة الآيات الواردة بخصوصهم، وتركيز البحث في الدرجة الأولى على آية {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:62] وعلى ما يشبهها في المائدة والحج، ملخصاً وشارحاً ومستدلاً بأهم ما جاء في كتب التفسير في هذا الموضوع.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

المسألة الثالثة عشرة: أقوال الفقهاء في الصابئة:
قد اضطربت أقوال الفقهاء في إجراء الأحكام على الصابئة على أقوال كثيرة،
وسبب هذا الاضطراب هو اشتباه أحوالهم وتكتمهم في دينهم وإصرارهم على إخفاء تعاليمهم، وامتناعهم عن الدعوة إلى دينهم، واعتقادهم أن دينهم خاص بهم لا عام لكل النّاس، وميلهم إلى الانزواء والابتعاد عن غير أبناء دينهم وتحريمهم تزوّج النساء من غير الصابئين، وأيضا بسبب ما دخل على دينهم من التخليط بسبب قهر الأمم التي تغلبت على بلادهم، ولذلك أُحيطوا بكثير من الغموض واكتنفتهم الأسرار، فالقسم الذي تغلَّب عليهم الفرس اختلط دينهم بالمجوسية، والذين غَلَب عليهم الروم اختل دينهم بالنصرانية فكانوا، وأيضا انقسموا فرقا كثيرة، فلذلك اختلف فيهم الفقهاء، وإليك أقوالهم:
• يَنْطَبِقُ عَلَى الصَّابِئَةِ الأَْحْكَامُ الَّتِي تَنْطَبِقُ عَلَى الْكُفَّارِ عَامَّةً: كَتَحْرِيمِ نِكَاحِ الصَّابِئِ لِلْمُسْلِمَةِ، وَكَعَدِمِ صِحَّةِ الْعِبَادَةِ مِنْهُمْ، وَعَدَمِ إِقَامَتِهِمْ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ.
• وَأَمَّا الأَْحْكَامُ الَّتِي تَخْتَصُّ بِأَهْل الْكِتَابِ: كَجَوَازِ عَقْدِ الذِّمَّةِ لَهُمْ، وَأَنْ يَتَزَوَّجَ الْمُسْلِمُ مِنْ نِسَائِهِمْ، وَأَنْ يَأْكُل مِنْ ذَبَائِحِهِمْ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِجْرَائِهَا عَلَيْهِمْ تَبَعًا لاِخْتِلاَفِهِمْ فِي حَقِيقَةِ دِينِهِمْ، وسأذكر أقوالهم وعليكم أيها القارئ الكريم أن تربط كل حكم فقهي بالطائفة التي تناسبه من الطوائف التي ذكرتها لك من قبل[1] :
القول الأول:
أَنَّهُمْ مِنْ أَهْل الْكِتَابِ،فيعدونهم طَائِفَة مِنْ أَهْل الْكِتَابِ لأِنَّهُمْ يَقْرَءُونَ الزَّبُورَ، وَلاَ يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ، وَلَكِنْ يُعَظِّمُونَهَا كَتَعْظِيمِ الْمُسْلِمِينَ لِلْكَعْبَةِ فِي الاِسْتِقْبَال إِلَيْهَا، فأجروا عليهم الأْحْكَامَ الَّتِي تَخْتَصُّ بِالْكِتَابِيِّ، أَوْ مَنْ لَهُ شُبْهَةُ كِتَابٍ من ذلك أَنَّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَأْكُل مِنْ ذَبَائِحِ الصَّابِئَةِ، وَأَنْ يَتَزَوَّجَ مِنْ نِسَائِهِمْ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ لاَ يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ، وَإِنَّمَا يُعَظِّمُونَهَا كَتَعْظِيمِ الْمُسْلِمِينَ لِلْكَعْبَةِ..
اختاره الإمام أَبُو حَنِيفَةَ والإمام أحمد[2] واستدل الإمام ابو حنيفة عليه بِقَوْل أَبِي الْعَالِيَةِ، وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، وَالسُّدِّيِّ، وَأَبِي الشَّعْثَاءِ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَالضَّحَّاكِ وَإِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ.
القول الثاني:
َقَال الصَّاحِبَانِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ [3]والمالكية[4] : إِنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْل الْكِتَابِ؛ لأِنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ، وَعَابِدُ الْكَوْكَبِ كَعَابِدِ الْوَثَنِ فأجروا عَلَيْهِمُ الأْحْكَامَ الَّتِي تَنْطَبِقُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ[5] من ذلك أنهم أَلاَ تَحِل نِسَاؤُهُمْ وَلاَ ذَبَائِحُهُمْ.
قَال ابْنُ الْهُمَامِ: الْخِلاَفُ بَيْن أبي حنيفة وصاحبيه مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْل بِحَقِيقَةِ أَمْرِهِمْ، فَلَوِ اتَّفَقَ عَلَى تَفْسِيرِهِمُ اتَّفَقَ الْحُكْمُ فِيهِمْ.
الْقَوْل الثَّالِثُ:
وأما اِلشَّافِعِيَّة، وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ ابْنُ قُدَامَةَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ[6] فَقَدْ تَرَدَّدُوا فِيهِمْ، قَال النَّوَوِيُّ: الْمَذْهَبُ أَنَّهُمْ إِنْ خَالَفُوا النَّصَارَى فِي أَصْل دِينِهِمْ فَلَيْسُوا مِنْهُمْ، وَإِلاَّ فَهُمْ مِنْهُمْ. قَال: وَهَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ (أَيْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ)، وَالْمُرَادُ بِأَصْل دِينِهِمْ: سيدنا عِيسَى وَالإْنْجِيل، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فُرُوعٌ، أَيْ: إِنْ كَانُوا يَتَّبِعُونَ عِيسَى – عَلَيْهِ السَّلَامُ – وَيُؤْمِنُونَ بِالإِْنْجِيل فَهُمْ مِنَ النَّصَارَى وَلَوْ خَالَفُوا النَّصَارَى فِي الْفُرُوعِ، مَا لَمْ تُكَفِّرْهُمُ النَّصَارَى بِالْمُخَالَفَةِ فِي الْفُرُوعِ فَإِنْ كَفَّرُوهُمْ فَلَيْسُوا مِنْهُمْ، وَفِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ: لَوْ خَالَفُوا النَّصَارَى فِي أَصْل دِينِهِمْ وَلَوِ احْتِمَالاً كَأَنْ نَفَوْا الصَّانِعَ أَوْ عَبَدُوا كَوْكَبًا حَرُمَ نِسَاؤُهُمْ عَلَيْنَا، وَهَذَا التَّرَدُّدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، إِنَّمَا هُوَ فِي الصَّابِئَةِ الْمُشَابِهَةِ لِلنَّصَارَى (وَهُمُ الْمُسَمَّوْنَ الْمَنْدَائِيِّينَ)، أَمَّا الصَّابِئَةُ عُبَّادُ الْكَوَاكِبِ وَهُمُ الْحَرَّانِيَّةُ؛ فهَؤُلاَءِ مَجْزُومٌ بِكُفْرِهِمْ؛ فَلاَ تَحِل مُنَاكَحَتُهُمْ وَلاَ ذَبَائِحُهُمْ قَوْلاً وَاحِدًا، فَقَدْ جَزَمَ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّ الْخِلاَفَ لاَ يَجْرِي فِيهِمْ.

اشتقاق اسم الصابئة:
في (الصابئين)(الصابئون) قراءتان:
الأولى بالهمز (الصابئين)(الصابئون)، والثانية بدون همز (الصابين، الصابون):
فقرأه الجمهور بهمزة بعدَ الموحدة على صيغة جمع صَابئ بهمزة في آخره، وقرأه نافع وحده بياء ساكنة بعد الموحدة المكسورة (الصابين) على أنه جمع صَابٍ منقوصاً
أولا على قراءة الهمز (الصابئين/ الصابئون):
على قراءة الجمهور فيها قولان:
القول الأول:
فالصابئون جمع صابئ، وصابئ: اسم فاعل صَبَأ مهموزاً، أي ظهر وطلع. ومادة (ص، ب، أ) تدور[7] على: خروج الشيء أو نفاذه بصلابة وحِدة من بين الأثناء التي كانت تضمه.
يقال صبأ ناب ذي الخف والحافر: طلع حدُّه وخرج، وصبأ سن الغلام: طلع، وصبأ النجم والقمر: طلع وبرز، وصبأت النجوم إذا أخرجت من مطلعها، وصبأ علينا فلان موضع كذا وكذا، يعني به طلع، ويقال: صَبَأْتُ على القومِ إذا طَرَأْتُ عليهم، والصابئ أطلقه العرب على غير الملة المعروفة فقد أطلقوه على: من انتقل من دينه إلى دين آخر كالمرتد من أهل الاسلام. وكل خارج من دين كان عليه إلى آخر يسمى صابئا، والصابئة تطلق أيضا على ملة متميزة معروفة عبر التاريخ.
لم سميت الصابئة بذلك على هذا القول:
القول الأول:
1) لخروجهم عن الدين الحق وميلهم إلى الباطل وكأن معنى الصابئ التارك دينه الذي شرع له إلى دين غيره، كما أن الصابئ على القوم تارك لأرضه ومنتقل إلى سواها، فالدين الذي فارقوه هو تركهم التوحيد إلى عبادة لنجوم [8]
اختاره: الآلوسي[9] والشهاب على البيضاوي والشعراوي والطوسي [10] وأجازه البيضاوي.
القول الثاني:
لأنهم تركوا دينهم واستحدثوا دينا سوى دينهم، فالصابئ: التارِكُ لدينِه، كالصابىءِ الطارئِ على القومِ فإنه تارِكٌ لأرضِه ومنتقلُ عنها، فهو المستحدث سوى دينه دينا، كالمرتدّ من أهل الإسلام عن دينه. وكل خارج من دين كان عليه إلى آخر غيره تسميه العرب صابئا [11]
الطبري ومكي [12] والواحدي والبغوي والرازي وابن الجوزي
القول الثالث:
سموا صابئة لأنهم خارجون عن التقيد بكل الأديان لأنهم خرجوا عن الأديان كلها، بمعنى خرجوا إلى اتباع الهوى في دينهم ولم يتبعوا ما جاءت به الرسل من عند الله،فهم يأخذون محاسن كل دين كما يزعمون، فأصل دين هؤلاء فيما زعموا أنهم يأخذون محاسن ديانات العالم ومذاهبهم ويخرجون من قبيح ما هم عليه قولا وعملا، ولهذا سموا صابئة، أي خارجين، فقد خرجوا عن تقييدهم بجملة كل دين وتفصيله إلاّ ما رأوه فيه من الحق.
اختاره: محمد الأمين في الحدائق وابن القيم في إغاثة اللهفان وكذا الزمخشري[13] والخازن[14] والنيسابوري في المائدة.
القول الرابع:
لأنهم عدلوا عن دين اليهودية والنصرانية، فهم ليسوا بيهود ولا نصارى ولا دين لهم.
روي عن مجاهد وقتادة
وهو من صبأ: إذا خرج من الدين وهم قوم عدلوا عن دين اليهودية والنصرانية وعبدوا الملائكة.
اختاره الزمخشري.
القول الخامس:
من صبأ: إذا رفع رأسه إلى السماء لأنهم يعبدون الكواكب، وقيل الملائكة.
القول السادس:
قالوا من لغات عربية قديمة (من لغات سامية)ثم اختلفوا[15] :
أ‌) ذكر الإمام ابن عاشور: أن الأظهر عنده أن أصل كلمة الصابئ أو الصابئة أو ما تفرع منها هو لفظ قديم من لغة عربية أو سامية قديمة هي لغة عرب ما بين النهرين من العراق.
ب‌) وكذلك قال المصطفوي في التحقيق: قال الأصل في مادة (ص، ب، أ) هو الخروج وتقرب منها لفظا ومعنى مادة الصبو بمعنى الميل والحب، وهذه اللغة مأخوذة عن أصل سرياني وعبري هو (ص~ ب~ ع~) أي غطس عرفت به طائفة (المنديا) وهي طائفة يهودية نصرانية في العراق يقومون بالتعميد كالنصارى” كذا وفي « دائرة المعارف الإسلامية ” وهي من وضع المستشرقين، يقول علي هاني: ” لكن استنتاجهم هذا ينطبق على فرقة المنديا فقط” دون غيرها من فرق الصابئة التي ذكرناها، لذلك قال في تاريخ الفكر الديني الجاهلي: ” وتقول دائرة المعارف الإسلامية: أن اسم الصابئة مشتق من الأصل العبري “ص. ب. ع” أي غطس، ثم أسقطت العين وهو يدل بلا ريب على المنديا، أو الصبوء وهي فرقة يهودية نصرانية تمارس شعيرة التعميد في العراق “نصارى يوحنا المعمدان” اهـ وهذا استنتاج فيه قصور واضح.
ت‌) وقريب منه قول إبراهيم القطان:”الصابئون: الكلمة آرامية الأصل، تدل على التطهير والتعميد” فهو جعلها آرامية.
ث‌) (جسينوس) الألماني يذهب إلى أن هذه الكلمة عبرية، ولا يستبعد أن تكون مشتقة من كلمة تعني «النّجم »[16] يقول علي هاني: قوله عبرية فيه نظر، وأما قوله تعني النجم فكلام فيه وجاهة لأن فرق الصابئة كلها تعظم النجوم، وصبأ في بعض اللغات القديمة وفي العربية تعني الطلوع والظهور يقال: صبأ النجم طلع، وصبأت ثنية الغلام إذا خرجت لأن النجم يطلع ويظهر وعبادة هؤلاء قائمة على تعظيم الكواكب والله أعلم
ج‌) انه اسم شخص: وزعم بعضهم أنه كان لمتوشلخ ابن غير ملك يسمى صابي، وأن الصابئة سموا به ذكره البيروني[17] .
ثانيا: على قراءة من لم يَهْمز ـ وهي قراءة نافع ـ (الصابين، الصابون): فإنه يحتمل وجهين:
الوجه الأول:
أن يكونَ مأخوذاً من المهموزِ فَأَبْدَلَ من الهمزةِ حرفَ علة إمَّا ياءً أو واواً مثل قراءَته {سَالَ سائل}، فصارَ من باب المنقوصِ مثل قاضٍ أو غازٍ، والأصل: صابٍ، ثم جُمِع كما يُجْمع القاضي أو الغازي، إلا أنَّ سيبويه لا يرى قلبَ هذه الهمزة إلا في الشعر فمثل هذا التخفيف سماعي عنده؛لأنه لا موجب لتخفيف الهمز المتحرك بعد حرف متحرك، والأخفشُ وأبو زيد يَرَيان ذلك مطلقاً.
الوجه الثاني:
أنه اسم فاعل من صَبَا يَصْبو إذا مال إلى الشيء، وأحبه، قال أبو ذئب الهذلي: صَبَوْتَ أَبَا ذِئْبٍ وَأَنْتَ كَبِيرُ [18]، فالصابي كالغازي، أصلُه، صابِوٌ فأُعِلَّ كإعلال غازٍ ورامٍ. اختاره السمرقندي، ورده أبو علي الفارسي[19] .
وعلى هذا، سموا بذلك لأنهم:
1) مالوا عن الطريقة الحقة الإلهية، فمالوا من الحق إلى الباطل.
2) مالوا من سائر الأديان إلى ما هم فيه فمالوا عن الإسلام والوثنية واليهودية والنصرانية، قال ابن عاشور: ” لأنهم مالوا عن أديان كثيرة إذ اتخذوا منها دينهم كما سيأتي”.
3) لأنهم صبوا إلى اتباع الهوى والشهوات في دينهم ولم يتبعوا أدلة الشرع والعقل والسمع.

ذكره الزمخشري والبيضاوي في المائدة.

***********

 

[1] معظم المبحث الفقهي ملخص من الموسوعة الفقهية من عدة مواضع (7/ 140)(15/ 169) (21/ 185) (26/ 294) وكتب فقهية سأذكرها..
[2] وفقد قَال الإمام أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ ثَانِيَةٍ: إِنَّهُمْ قَوْمٌ مِنَ الْيَهُودِ؛ لأِنَّهُمْ يَسْبِتُونَ وَاسْتَدَل لِذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَال: إِنَّهُمْ يَسْبِتُونَ. فِي رِوَايَةٍ للإمام أحمد: هُمْ مِنَ النَّصَارَى؛ لأِنهُمْ يَدِينُونَ بِالإِْنْجِيل وَاسْتَدَل لِذَلِكَ بِمَا نُقِل عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَفِي رِوَايَةٍ ثَالِثَةٍ: أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ؛ فَهُمْ كَعَبَدَةِ الأْوْثَانِ.
[3] قال الجصاص: “الصابئة الذين يعرفون بهذا الاسم في هذا الوقت ليس فيهم أهل كتاب وانتحالهم في الأصل واحد أعني الذين هم بناحية حران، والذين هم بناحية البطائح وكَسْكَر في سواد واسط، وإنما الخلاف بين الذين بناحية حران والذين بناحية البطائح في شيء من شرائعهم وليس فيهم أهل كتاب فالذي يغلب على ظني في قول أبي حنيفة أنه شاهدَ قوماً منهم يظهرون أنهم نصارى تقيةً، وهم الذين كانوا بناحية البطائح وكسْكر ويسميهم النصارى، يُوحنَّاسِيَّة وهم ينتمون إلى يحيى بن زكرياء، وينتحلون كتباً يزعمون أنها التي أنزلها الله على شيث ويحيى. ومن كان اعتقاده من الصابئين على ما وصفنا وهم الحرانيون الذين بناحية حران وهم عبدة أوثان لا ينتمون إلى أحد من الأنبياء ولا ينتحلون شيئاً من كتب الله فلا خلاف بين الفقهاء في أنهم ليسوا أهل كتاب، وأنه لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم وأبو يوسف ومحمد قالا: إن الصابئين ليسوا أهل كتاب ولم يفصلوا بين الفريقين وكذا قول الأوزاعي ومالك بن أنس”.احكام القرآن (2/ 413)(3/ 118)
[4] قَال الْقُرْطُبِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ:” الَّذِي تَحَصَّل مِنْ مَذْهَبِهِمْ فِيمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: أَنَّهُمْ مُوَحِّدُونَ، يَعْتَقِدُونَ تَأْثِيرَ النُّجُومِ، وَأَنَّهَا فَعَّالَةٌ، قَال: وَلِهَذَا أَفْتَى أَبُو سَعِيدٍ الإِْصْطَخْرِيُّ، الْقَاهِرَ بِاللَّهِ بِكُفْرِهِمْ، حِينَ سَأَلَهُ عَنْهُمْ ” انتهى، وَهُوَ قَوْل أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِيهِمْ؛ لأَِنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ، وَعَابِدُ الْكَوَاكِبِ كَعَابِدِ الْوَثَنِ”.الجامع لأحكام القرآن (1 / 435)
[5] قال ابن القيم: “وَبِالْجُمْلَةِ فَالصَّابِئَةُ أَحْسَنُ حَالاً مِنَ الْمَجُوسِ. فَأَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنَ الْمَجُوسِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَخْذِهَا مِنَ الصَّابِئَةِ بِطَرِيقِ الأَْوْلَى، فَإِنَّ الْمَجُوسَ مِنْ أَخْبَثِ الأُْمَمِ دِينًا وَمَذْهَبًا، وَلاَ يَتَمَسَّكُونَ بِكِتَابٍ وَلاَ يَنْتَمُونَ إِلَى مِلَّةٍ، فَشِرْكُ الصَّابِئَةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَخَفَّ مِنْهُ فَلَيْسَ بِأَعْظَمَ مِنْهُ” (أحكام أهل الذمة/ ابن قيم الجوزية/ 242).
[6] جاء في المبدع في شرح المقنع:” وَأَمَّا الصَّابِئَةُ فَقَالَ أَحْمَدُ: هُمْ مِنْ جِنْسِ النَّصَارَى، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: بَلَغَنِي أَنَّهُمْ يَسْبِتُونَ، فَأَلْحَقَهُمْ بِالْيَهُودِ وَفِي ” الْمُغْنِي “: الصَّحِيحُ أَنَّ مَنْ وَافَقَ الْيَهُودَ فِي أَصْلِ دِينِهِمْ وَخَالَفَهُمْ فِي فُرُوعِهِ – فَهُوَ مِنْهُمْ، وَمَنْ خَالَفَهُمْ فِي أَصْلِ دِينِهِمْ، فَلَا، وَمَنْ سِوَاهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ كَالْمُتَمَسِّكِ بِصُحُفِ إِبْرَاهِيمَ، وَشِيثَ، وَزَبُورِ دَاوُدَ، فَلَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ عَلَى الصَّحِيحِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، فَلَا تَحِلُّ نِسَاؤُهُمْ وَلَا ذَبَائِحُهُمْ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ} [الأنعام: 156] الْآيَةَ.(6/140).
[7] ينظر المعجم الاشتقاقي لمحمد حسن جبل (ج3/1188).
[8] قال «الشّهرستاني » في «الملل والنحل » يقول: الصابئة من صبأ أي انحرف عن طريق الأنبياء، وهؤلاء قوم انحرفوا عن طريق الحق ودين الأنبياء فهم «صابئة » اهـ فجعلهم في مقابلة الحنيفية.
[9] قال الآلوسي:”والمناسب لعموم اللفظ وعدم صرفه إلى تخصيص {الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى} بالكفرة منهم/ وتخصيص {مَنْ ءامَنَ} الخ بالدخول في ملة الإسلام، إلا أنه يرد عليه أنه مستلزم أن يكون للصائبين دين، وقد ذكر غير واحد أنه ليس لهم دين تجوز رعايته في وقت من الأوقات ففي «الملل والنحل » أن الصبوة في مقابلة الحنيفية، ولميل هؤلاء عن سنن الحق وزيغهم عن نهج الأنبياء قيل لهم: الصابئة، ولو سلم أنه كان لهم دين سماوي ثم خرجوا عنه، فمن مضى من أهل ذلك الدين قبل خروجهم منه ليسوا من الصابئين فكيف يمكن إرجاع الضمير الرابط بين اسم (إن) وخبرها إليهم على القول المشهور وارتكاب إرجاعه إلى المجموع من حيث هو مجموع قصداً إلى إدراج الفريق المذكور فيهم ضرورة أن من كان من أهل الكتاب عاملاً بمقتضى شرعه قبل نسخه من مجموع أولئك الطوائف بحكم اشتماله على اليهود والنصارى وإن لم يكن من الصابئين مما يجب تنزيه ساحة التنزيل عنه؟ على أن فيه بعد ما لا يخفى فتدبر.(روح المعاني 1/ 280).
[10] قال الطوسي:” فالدين الذي فارقوه هو تركهم التوحيد إلى عبادة لنجوم ” التبيان في تفسير القرآن (1/ 279).
[11] ويدخل في هذا القول قول من قال: سموا بذلك لأنهم مالوا إلى دين يخت نصر قال بعضهم الصابئة هم الذين تخلفوا ببابل من جملة الأسباط الناهضة في أيام كورش وأيام أرطحشست إلى بيت المقدس، ومالوا إلى شرائع المجوس فصبوا إلى دين بخت نصر، فذهبوا مذهبا ممتزجا من المجوسية واليهودية، كالسامرة بالشام ذكره البيروني.
[12] قال أبو جعفر:” والصابئون جمع صابىء، وهو المستحدث سوى دينه دينا، كالمرتدّ من أهل الإسلام عن دينه. وكل خارج من دين كان عليه إلى آخر غيره تسميه العرب صابئا، يقال منه: صَبَأ فلان يَصْبَأ صَبْأً، ويقال: صبأت النجوم: إذا طلعت، وصبأ علينا فلان موضع كذا وكذا، يعني به طلع قال مكي: والصابئين: قوم خرجوا من دين إلى دين ” جامع البيان(2/145).
[13] قال الزمخشري: ” وما سموا صابئين إلا لأنهم صبئوا عن الأديان كلها، أي خرجوا”.الكشاف (1/661)
[14] قال الخازن “لأنهم صبأوا عن الأديان كلها، بمعنى: خرجوا لأنهم صبئوا إلى اتباع الهوى والشهوات في دينهم ولم يتبعوا ما جاءت به الرسل من عنده الله “لباب التأويل (2/ 64).
[15] عبر كثير ممن قال بذلك: أن هذه اللغة مأخوذة من أصل سرياني وعبري مثلا وتعبيرات كثير منهم كالمصطفوي في التحقيق في كثير من مواضع كتابه تشير إلى أن السريانية والآشورية ونحوها ليست عربية ” وفيه نظر فكل من السريانية والآشورية والسريانية والآكادية والآرامية وغيرها هي لغات عربية قديمة تطورت عبر التاريخ حتى نضجت وكملت فوصلت للغة العربية الفصيحة أو أن اللغة العربية أم للغات السامية وسائر اللّغات السّاميّة تفرّعت عنها كما العامّيّة عن الفصحى، كما حققه كثير من الباحثين كالدكتور محمد محفل المتخصص في اللغات القديمة والهلالي وعبد الله أمين، وقد كنت جمعت رسالة في الرد على تسمية اللغة العربية باللغة السامية جمعتها من كلام علماء اللغات: وأنقل بعض ما جاء فيها للفائدة: بروز اللهجات وتمكنها من المجتمعات وتشعبها من أصول اللغات هو أمر طبيعي وصحي وحتمي للغاية، فكل لغة مصيرها الزوال والتحور إلى طور آخر مختلف، وأما اللغة العربية الفصحية فهي محفوظة بحفظ القرآن، ويبدأ تطور اللغة من خلال تفرعها إلى عدد من اللهجات تتجه يوماً ما إلى تباين هائل بينها وبين أمها أو إلى لغة متكاملة تحل محل سابقتها وإن كانت من أصلابها , كما حدث للغات القديمة كالسامية واللاتينية والسنسكريتية التي انسلخت منها مئات اللهجات لتتحور بعد دهر من الزمان إلى لغات مستقلة تشعبت هي كذلك إلى لهجات يتحدث بها المتحدثون، كما حدث للغة اللاتينية التي كانت تضم الفرنسية، والإيطالية، والبرتغالية، والرومانية، والأسبانية، والسر الخبيء في استمرار التعاطي مع العربية الفصحى ولأكثر من ألفي عام هو تقديسها وتبجيلها بالقرآن الذي نزل بها وبحكم التصاقها بالدين الذي لا يتوقف العباد عن ممارسته صبيحة كل يوم وعشيته , فلم تغِب عن الذهنية التخاطبية والتحاورية رغم تراكم السنين
1) اللغة العربية هي أم اللغات السامية:
قال عبدالله بن أمين في كتابه الاشتقاق: درست أشهر اللغات السامية السريانية والعبرية وأسفرت الموازنة عن أن بين هذه اللغات الثلاث العربية والعبرية والسريانية من وجوه الشبه ما يحمل الباحث على الجزم بأن ثلاثتها أخوات لأم واحدة أو أن إحداها أم للأخريين، وقد اختلف علماء اللغات السامية في ذلك ثم قال ـ ـ على أني أذهب إلى أبعد من ذلك فأزعم أن اللغة العربية أم للغات السامية كلها أو على الأقل للغتين السريانية والعبرانية اللتين درستهما وذلك لأدلة كثيرة ـ ـ ـ، على أن الرأي الراجح عند علماء اللغات السامية أن مهد الساميين الأصليين بلاد العرب وكاتب هذا يجزم بذلك لما يأتي:
لأن بلاد العرب بلاد جرداء جدبة لا ماء فيها ولا نبات وما يجاورها من البلاد شرقا وشمالا وغربا وهي العراق وما إليه وبلاد الشام كلها ومصر من أخصب بلاد الدنيا وهذه البلاد كلها استوطنها الساميون والثابت المقطوع به أن البشر إذا تكاثروا في البوادي القاحلة وهاجروا إلى ما يجاورها من البلاد الخصبة وإن حدث عكس ذلك كان نادرا ولأسباب قوية.
ولأن الثابت من التاريخ أن العرب نزحوا إلى العراق وكونوا فيه دولة هي دولة المناذرة ونزحوا إلى الشام وكونوا فيها دولة هي دولة الغساسنة، وكونوا في طرف البادية بين الشام والعراق دولة تدمر ونزحوا إلى مصر وكونوا فيها الأسرتين الرابعة عشرة والخامسة عشرة باسم الهكسوس، فالجماعة الأولى السامية هي الجماعة العربية ومهد الساميين الأول هو مهد هذه الجماعة العربية الأصلي وهو نجد والحجاز والعروض واليمن وما والى هذه البقاع ومنها جميعا ابتدأت الهجرة السامية الأولى إلى شمال الجزيرة العربية حيث مساكن اليهود العرب وإلى فلسطين وسورية ومشارف الشام والعراق حتى تخوم بلاد إيران ثم إلى الحبشة ووادي النيل
والذي قالوه ـ وهو حق ـ وأقول اللغة العربية لقدمها ولعزلتها في الجزيرة العربية بعيدة عن الأمم الأعجمية بقيت محتفظة بطابعها العربي ماضية في سبيل التقدم والنماء اللغوي على النسق العربي وتخلفت عنها في الميدان بنتاها السريانية والعبرية لأنهما وليدتا الهجرة إلى العراق والشام وقد اختلط أهلها بمن في هذه البلاد وغيرها من البلاد المجاورة وكلها أعجمية ففسد لسانها ووقف نماؤها وتقدمها على نحو ما نمت اللغة العربية وتقدمت
وبعد هذا كله نقول ونحن مطمئنون إلى ما نقول إن تسعين في المائة على الأقل من الكلمات المتشابهة في اللغات الثلاث من أصل عربي أما العشرة في المائة الباقية فقد يكون بعضها سريانيا وبعضها الآخر عبرانيا أو غير ذلك اهـ
3) قال محمد محفل:التشابه الكبير بين مختلف لهجات أسلافنا القدامى، إن كان في بلاد الهلال الخصيب أو في الحوض الأدنى لنهر النيل أو في شبه الجزيرة العربية. فيمكن اعتبار اللهجات العتيقة: أكدية / بابلية/ آشورية/ كنعانية، بمثابة العتبات الأولى في السلم اللغوي العربي، ولا تشكّل هذه اللهجات لغات قائمة بذاتها، لدرجة أن أمرها قد اختلط على العلماء الأجانب (المستشرقين)، فمثلاً بالنسبة للغات بلاد الرافدين: أكدية/ بابلية/ آشورية، نراهم يطلقون عليها في البدء اسم “الآشوريات” كما عهدناه سابقاً في جامعاتهم، ثم راحوا يقولون “الأكديات” وهي التسمية الرائجة في أوساطهم حالياً، وفي الواقع، فلا هذه التسمية ولا تلك منطقية: إذ أن هذه التسميات لا تشير إلى عرق/ جنس محددٍ قائم بذاته، بل تعود بنسبتها إلى مواقع أو مدن الخ… فالأكدية، نسبة إلى أكد، عاصمة الامبراطورية الأكدية والبابلية نسبة إلى بابل الخ..” أو ناحية جغرافية {كنعان: أي بلاد الغرب} الخ، قد يستغرب البعض برنامجنا هذا وعلى كل كما قالوا كل جديد غريب، أما بالنسبة لنا فليس بجديد ولا بغريب فمنذ أربعة عقود كتبنا هذا في كتبنا وما جئنا به ليس خطابا بيزنطيا بل برنامج عمل علمي بدأنا نتلمس معالمه منذ بداية تدريسنا الجامعي وبحثنا اللغوي المقارن عام 1967 ونرى أنه الرد المناسب على مدرسة الاستشراق منذ حملة نابليون وحتى اليوم فبعد كل كشف أثري يبادرون إلى ابتداع اسم لغة جديدة وبعد العثور على على “رُقُم إبلا تل مرديخ” جاؤونا بنغمة الإبلائية فأبدينا تحفظاتنا واقترحنا البديل الكنعاني الباكر وأعلناه في الندوات والمؤتمرات المحلية والدولية يقول البعض إننا الورثة الشرعيون لتلك الحضارات المشرقية القديمة وهذا صحيح
ـ ـ ـ ـثم قال كيف نفسر هذا الإهمال الصارخ لتاريخ الوطن العربي منذ فجر الكتابة وحتى عصر الإسلام فإن كان لقدماء أسلافنا عذرهم ألا وهو جهل إرثنا اللغوي القديم لأسباب ذاتية وموضوعية مما جعلهم فريسة أوهام {الإسرائليات} فكيف نعلل حال باحثينا المعاصرين بعد هذا الكشف الكبير الذي أعطانا مئات الألوف من رُقُم متعددة اللهجات
• تنتسب لغتنا “العربية الفصحى” إلى تلك المجموعة اللغوية، التي أُطْلِق عليها تجاوزاً اسم “اللغات السامية”. وهي اللغات واللهجات التي تكوّنت في مختلف أصقاع وطننا العربي القديم اعتباراً من الألف الرابع (ق.م). وأوّل من نادى بالنظرية السامية بدءاً من عام 1781، الباحث النمساوي شلوتسر معتمداً -لأسبابٍ سياسية/ كهنوتية- على ماجاء في (سفر التكوين، الإصحاح العاشر)، ومن يقرأ هذا الإصحاح يلاحظ مباشرةً أن كاتب النصّ يُقسّم الشعوب والأقوام لاعتبارات سياسية، لاسيّما موقفها من أهل التوراة، ومن الأمثلة على ذلك، أنهم أخرجوا الكنعانيين من دائرة “الشجرة السامية”؛ علماً أن مختلف الدراسات المقارنة قد أظهرت الصلات الجوهرية والوشائج المطلقة، التي تشدّ الكنعانية إلى غيرها من لغات مشرقنا العربي القديم. ثم جاء بعد شلوتسر من عمل على ترويج هذه التسمية وفي مقدمتهم العالم الفرنسي (إرنِسْت رِنَان)، بل راح “يفلسفها” عرقياً، خدمة للمدرسة الاستعمارية الفرنسية في القرن التاسع عشر.
• نحن نرفض جازمين نظرية “التسمية السامية”، لأسبابٍ علميةٍ محضة، ثانياً: التسمية ذات أصل توراتي -كما ذكرنا أعلاه- كما أن الاستشراق الغربي قد “ابتدعها” وروّجها، لأسبابٍ سياسية/ مذهبية، لم تعد خافية على أحد، وذلك في أوج اندفاع الاستعمار الغربي، وقبل قرنٍٍ تقريباً من انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول. كما أننا اكتوينا كافياً برعونة سلاح: سامية/ لاسامية، وإضافةَ لهذا وذاك، لا نجد أثراً لهذه التسمية في مؤلفات علمائنا وشيوخنا الأوائل؛ وما نقرّره هنا، قد نَبَّهْنا إليه منذ ربع قرن تقريباً في المقدّمة التاريخية لكتابنا (المدخل إلى اللغة الآرامية)، المقرّر في جامعة دمشق، والمعمول به حتى يومنا هذا، إذ قلنا أن المُهمة ملقاة على عاتق الباحثين العرب المعاصرين لإيجاد بديلٍ للتسمية التوراتية… ويدخل الموضوع في باب “السهل الممتنع” لانتشار هذا الخطأ الشائع في الأوساط الجامعية، عربياً ودولياً. وقد سبق أن انتبه لإبهام التسمية بعض الباحثين العرب، لاسيّما الأستاذين محمد عزّة دروزة وجواد علي، وقد لخّص هذا الأخير الموضوع كما يلي: “… ولعلّني لا أكون مخطئاً أو مبالغاً إذا قلت إن الوقت قد حان لاستبدال مصطلح (سامي) و(سامية) بـ(عربي) و(عربية)… ولما كان العلماء قديماً قد أطلقوا على هذه الأرض التي ظهرت فيها شعوب كثيرة ولغات عديدة اسم (جزيرة العرب) أو (شبه جزيرة العرب) غير مراعين في ذلك تعداد المواضع أو اللغات واللهجات أو القبائل، ولا تاريخ ظهور لفظة (العرب) إلى عالم الوجود، جاز لنا بل وجب علينا -على ما أرى- أن نستبدل مصطلح (السامية) بمصطلح (العربية)، فنكون بذلك قد لاحظنا عاملين مهمّين: عامل القرابة اللغوية والأصل اللغوي، وعامل وحدة المكان
• وغنيّ عن البيان، أنه لا يمكن تمييز أولئك “الساميين” عن غيرهم من أقوام وطننا العربي القديم، استناداً إلى ماهية العرق البشري فقط، إذ أن هؤلاء قد امتزجوا، منذ الألف الرابع (ق.م)؛ بسواهم من الأقوام المنحدرة من جبال زاغروس أو المتدفقة من بلاد الأناضول أو الوافدة من جزر الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط: من سومريين وغوتيّين وحثيّين وكاشيين وحوريين-ميتانيين وفلستينيين وفرس أخمينيين وإغريق ولاتين وغيرهم. ومع أن أولئك الأقوام قد نطقوا بألسنٍ مغايرة لما كان سائداً في ربوعنا، فلم يتمكنّوا من فرض لغاتهم على أهل البلاد، فظّلت محدودة في أوساطهم لتندثر بزوال سلطانهم السياسي.
• وأظهرت شتى الدراسات المقارنة الخاصة بأصول السلالات البشرية (الاثنولوجية)، أن عملية تمازج الشعوب لم تنقطع منذ عصور ماقبل التاريخ، من جراء الهجرات البشرية المختلفة، مما أدّى إلى اختلاط دماء شتى الشعوب، وينطبق هذا الأمر على وطننا العربي القديم كما ذكرنا أعلاه
• فالتسمية السامية التي أطلقها شلوتسر في نهاية القرن الثامن عشر غير منطقية ومخالفة لأبسط الحقائق العلمية، ـ ـ فالتسمية توراتية ومضلّلة، وهدفها الترويج للغة “عبرية” قديمة. مع العلم أنه لا توجد لغة عبرية قديمة، كما يتوهّم البعض، والتوراة ذاتها تقول “شفة كنعان” أو “لسان يهودي” نسبةً إلى سبط يهوذا. والتوراتية ليست سوى خليط كنعاني/ آرامي كما هو معروف أكاديمياً، ولم تظهر تسمية “لغة عبرية” إلا بعد السيد المسيح. فمن ظلّ على يهوديته نَطَقَ “بالعبرية” ومن تنصّر تكلم بالآرامية/ السريانية، (كُتِبَ انجيل متى بالآرامية/ السريانية في حين كُتِبَت الأناجيل الثلاثة الأخرى باليونانية). وعوضاً عن “السامية” -هذا الخطأ الشائع- من الأفضل أن نقول “العربيات العتيقة، لأسبابٍ وجيهة، كما سنوضحه لاحقاً
• إن عربيتنا الفصحى هي اللغة الوحيدة التي حافظت على عبقريتها في الصرف والنحو خلافا لسائر لغات المعمورة ـ مع تعديل وتجديد بسيط في معجمها وهي سنة الكون والحياة الاجتماعية
• يضم معجم العربية الفصحى ثروة لفظية ضخمة لا يعادلها أي معجم سامي آخر. ولهذا أصبحت عونا لعلماء الساميات في إجراء المقارنات اللغوية أو قراءة النصوص السامية القديمة كنصوص الآثار الأكادية والفينيقية والأوغاريتية وحتى نصوص التوراة العبرية.
5) قال صلاح عبدالستار الشهاوي: “أما مصطلح السامية فهو واحدة من شطحات المستشرقين الذين قاموا بنسبة اللغات العربية القديمة – المسندية, الأكادية, الكنعانية, الآرامية, والهيروغليفية, والتي هي لهجات عربية إلى العبرية, فإذا استعصى ذلك أعطيت اسما خاصًا وجمعت بوصفها عائلة لغوية تحت المسمى العام – اللغات السامية.أما أول من اختلق فكرة السامية فهو العالم الألماني اليهودي – أوجست لودفيج شلوتر عام 1781م في مقال عن الكلدانيين مقترحا إطلاق تسمية السامية على مجموعة اللهجات العربية التي كان يتكلم بها سكان الجزيرة العربية وما بين النهرين وسوريا وفلسطين والحبشة ومصر وشمال إفريقيا حيث قال (من البحر المتوسط إلى الفرات ومن أرض الرافدين حتى بلاد العرب جنوبًا سادت – كما هو معروف – لغة واحدة, ولهذا كان السوريون والبابليون حتى والعبريون والعرب شعبًا واحدًا وكان – الحاميون – أيضًا يتكلمون هذه اللغة التي أود أن أسمّيها – اللغة السامية – ومن المؤسف أن ينتشر هذا الرأي حتى أصبح عند علماء الغرب علمًا لهذه التقسيمة الشعوبية, وأنشأوا أقسام اللغات السامية والدراسات السامية والحضارة السامية, ثم كان ما هو أفدح أن سرت إلى المؤرخين العرب وباحثيهم بطرق الاقتباس والتقليد. وهكذا أصبح هناك ما يطلق عليه عندنا بالسامية مع العلم أنها بدعة لم يقصد بها إلا تكملة معاصرة لإسقاط جغرافية التوراة على فلسطين وما حواها كأيديولوجية دينية عنصرية صهيونية, ولذلك يقول د.جواد علي في كتابه – العرب قبل الإسلام – (“يجب علينا إهمال كلمة الشعوب السامية وساميين وتبديلها بكلمة الشعوب العربية وعرب لأن هذه التسمية ملموسة بينما السامية اصطلاح مبهم. إذن فالوقت حان لاستبدال المصطلح سام وسامية بعربي وعربية, فقد رأينا أن تلك التسمية مصطنعة تقوم على أساس فكرة الأنساب الواردة في التوراة, وهي فكرة لا تستند إلى أسس علمية, وإنما قامت على بواعث عاطفية على أساس حب الإسرائيليين أو بغضهم لمن عرفوا من الشعوب). ولأن التوراة هي أكثر من أي كتاب آخر نتاج جهد مشترك وخلاصة عدة ثقافات وحصيلة مستمرة لثقافات متطورة, فمصطلح العرب الذي يقال للسامية أقرب إلى العلم فهو أدق وأصرح وأصدق من اصطلاح – الساميين – الذي وضعه شلوتر ونقله عنه وأيّده علماء من الغرب والشرق اهـ
قال محمد تقي الدين الهلالي:
• فإنَّ الرَّأْي الصّحيح الذي عليه المُحقِّقُون من علماء هذا الشّأن أنَّ اللُّغة العربيّة هي الأصل وسائر اللّغات السّاميّة تفرّعت عنها كما العامّيّة عن الفصحى ومن العجب أنَّ التّطوُّر الذي وقع في اللّغة العبرانيّة واللّغة السّرْيانيّة هو بعينه الذي وقع في اللّغة العاميّة، فإنَّ العبرانيّة والسّريانيّة كان فيهما إعراب في الأصل ولا تزالُ بقاياه في اللُّغة العبرانيّة ولمّا كثر الجهلُ بالقواعد فيهما أخذ الإعرابُ يزولُ شيئًا فشيئًا، حتّى صار معدوما بالمَرَّة، ولنضرب لذلك مثلا: المرأة في اللّغة العبرانيّة اسمها “اشه” وأصلُها “اشة” فتقولُ مثلاً “ها اشه طوبه” فمعناه: المرأة الطّيِّبة.و”ها” هي أداة التّعريف بمنزلة الألف واللاّم في العربيّة، فالأصل “هااشة طوبة” فلمَّا وقع الفسادُ وتغيّرت اللُّغة عن أصلها وانحرفت عنه حُذِفت هاء التّأنيث في الكلمتين وأُبْدِلت بألف مدّ كما يُقالُ في العامّيّة:”الغُرفا العاليا”،وعربِيَّتُها في الأصل: “الغُرفة العالية”. والدّليلُ على ذلك أنَّك إذا أضفتَ كلمة “اشه” يظهرُ الأَصلُ فتقول “اشة خا طوبة” معناه امرأتُك طيِّبة، ولذلك اشتدّ ألمي وعظمت حسْرتي لأنّنا إذا سرنا في هذا الطّريق يزولُ الإعرابُ مِنْ لُغَة القُرْآن وتبْعُدُ عن أصْلِها كُلَّ البُعْدِ كما بعدتْ أُخْتاها.» (تقويم اللّسانين.141-140
6) اللغة العربية أقرب اللغات السامية إلى اللغة الأم أكثر من أي لغة سامية أخرى بل اللغة العربية هي الأصل لكل اللغات السامية [العربية القديمة]
لأن العربية هي أكثر اللغات السامية احتفاظًا بسمات اللغة الأم إن لم نقل هي اللغة الأم:
الأدلة على كون العربية أقرب اللغات السامية إلى اللغة الأم:
• فقد احتفظت بأصوات فقدتها بعض اللغات مثل: غ، ح، خ، ض، ظ، ث، ذ. ولا ينافسها في هذه المحافظة إلا العربية الجنوبية.
• العين والحاء من خصائص اللغات السامية
• احتفظت العربية بعلامات الإعراب بينما فقدتها اللغات السامية الأخرى.
• احتفظت بمعظم الصيغ الاشتقاقية للسامية الأم، اسم الفاعل، المفعول. وتصريف الضمائر مع الأسماء والأفعال: بيتي، بيتك، بيته، رأيته، رآني.
• احتفظت بمعظم الصيغ الأصلية للضمائر وأسماء الإشارة والأسماء الموصولة.
• يقول علي هاني: وقد أخبرني أخ مطلع على الدراسات الاستشراقية في أمريكا أنهم كانوا قديما يقولون العبرية هي أصل اللغات السامية والآن تراجعوا وأقروا أن اللغة العربية هي الأصل لكن يعبرون بعبارات لا تجرح شعور اليهود.

[16] نقل هذا الشيرازي الشيعي في تفسير الأمثل.
[17] نقل هذا الطباطبائي الشيعي في تفسيره
[18] – ديار التي قالت غداة لقيتها… صبوت أبا ذئب وأنت كبير
تغيرت بعدي أو أصابك حادث… من الدهر أو مرت [عليك] مرور.(ورد في “شرح أشعار الهذليين” للسكري 1/ 65، و”الحجة” لأبي علي 2/ 69.)

[19] قائلا:” هذا ليس بجيد، لأنه قد يصبو الانسان إلى دين فلا يكون منه مدين به مع صبوه اليه”