إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين (11) بحث مفصل بقلم الشيخ علي هاني

يقدم لنا فضيلة الشيخ بحثاً في المنظور القرآني لعلاقة الإسلام والمسلمين باليهود والنصارى، وذلك من خلال دراسة الآيات الواردة بخصوصهم، وتركيز البحث في الدرجة الأولى على آية {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:62] وعلى ما يشبهها في المائدة والحج، ملخصاً وشارحاً ومستدلاً بأهم ما جاء في كتب التفسير في هذا الموضوع.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

المسألة الحادية عشر: تاريخ الصَّابِئة وفرقهم:
سأشرح عن الصابئة شرحا مستفيضا يجمع أطراف الموضوع، وذلك لأمرين: الأمر الأول أنه يفيدنا كثيرا في فهم الآية الكريمة ودحض الأقوال الباطلة في تفسيرها، ويبين بعد قول الذين يقولون بنجاتهم مع بقائهم على أديانهم التي هم عليها، والأمر الثاني: أن كتب التفسير والفقه والعقائد اضطربت جدا في تحديد حقيقتهم، فحاولت أن استقصي حالهم وتجميع شتات الموضوع بما يناسب هذا البحث بحيث يجلي حقيقة الحال:
1) الصابئة -كما يذكر المؤرخون للأديان- في مقابلة الحنيفية، فأهم الفرق في زمان سيدنا إبراهيم عليه السلام راجعة إلى صنفين اثنين: الصابئة، والحنفاء،قال صاحب “المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار” وهو يتكلم عن الصابئة:،”وهم أصناف وبينهم وبين الحنفاء مناظرات وحروب مهلكة”[1] ، وقال الشهرستاني:” أهل الأهواء والنحل: من الصابئة، والفلاسفة، وآراء العرب في الجاهلية، وآراء الهند. وهؤلاء يقابلون أرباب الديانات تقابل التضاد، كما ذكرنا”.
2) الذي يفهم من القرآن الكريم أن الصابئة جماعة كانت على دين خاص، وأنها طائفة مثل اليهود والنصارى بدليل اقترانهم معهم في الذكر، أي أن الكلمة تطلق على جماعة لها شعائرها وعباداتها وعقائدها، وليس المراد بها الاطلاق الآخر الذي استعملته العرب: وهو أن كل من خرج عن دينه فهو صابئ ليس هذا هو المراد هنا، فالمراد به هنا دين قديم[2] ظهر في بلاد الكلدان في العراق وانتشر معظم أتباعه فيما بين الخابور[3] ودجلة، وفيما بين الخابور والفرات وكانوا في البطائح[4] وكَسْكَر في سواد[5] واسط وفي حَرَّان[6] من بلاد الجزيرة جزيرةِ الموصل،، ولذلك تعرف الصابئة في كتب العقائد الإسلامية بالحَرْنَانية (بنونين نسبة إلى حرَّان).
جاء في تاريخ الفكر الديني الجاهلي:”يروي الطبري: أن الصابئة كانوا بجزيرة “الموصل”، ويؤكد هذا النقل المسعودي فيقول: وديارهم بين بلد واسط والبصرة من أرض العراق، ويقرر ابن حجر أن أهل بابل كانوا قوما صابئين، [ومعلوم أن بابل هي أحد المحافظات الواقعة في وسط العراق جنوب العاصمة بغداد]، ويقول النيسابوري: وينسب هذا المذهب إلى الكلدانيين، ويتوسع الشهرستاني فيجعلهم يشملون النبط، والفرس، والروم، والهند، فهذا المذهب كان واسع الانتشار الجغرافي، وأمته من الأمم الكبار، وقد اختلف فيه اختلافا كثيرا بحسب ما وصل إليهم من معرفة عن هذا المذهب، ويفيد نقل الشهرستاني: أنه شمل دولا من الشرق، ودولا من الغرب، والنقول السابقة -عدا توسع الشهرستاني- تفيد أن هذا المذهب نشأ في بلاد شرقية، وكانت الدول التي تميزت وتفردت بالسيادة في الشرق هي دولة الفرس، ودولة الفرس: هي التي حكمت تلك المناطق الجغرافية التي ذكرها الرواة تارة، وحكمتها الدولة الرومانية تارة أخرى، فالفرس أخذوا الملك من البابليين، كذلك والعراق كانت تحكم تحت حكم ملوك دولتي الفرس الأولى والثانية”[7] .
3) ودين الصابئة كان معروفاً للعرب في الجاهلية، بسبب جوار بلاد الصابئة في العراق والشام لمنازل بعض قبائل العرب مثل ديار بكر وبلاد الأنباط المجاورة لبلاد تغلب وقضاعة، ألا ترى أنه لما بعث محمد صلى الله عليه وسلم وصفه المشركون بالصابئ وذلك فيه احتمالان:
أ‌) إما لأنهم شبهوه بالصابئة، وربما دَعوه بابن أبي كبشة الذي هو أحد أجداد آمنة الزهرية أمِّ النبي صلى الله عليه وسلم [8] ، كان أظهر عبادة الكواكب في قومه فزعموا أن النبيء ورث ذلك منه وكَذَبُوا.
وهذا رجحه ابن عاشور وابن زيد والطوسي[9] .
ب‌) أو لأن الصابئ في اللغة من خرج من دين إلى دين؛ لأنه خرج عن دينهم وأظهر دينا بخلاف أديانهم.
وهذا رجحه ابن عطية والرازي [10] الشوكاني والشهاب على البيضاوي والقرطبي والماتريدي [11] وجواد علي في المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام [12] ، والظاهر أن الرأي الثاني هو الصحيح، وفي حديث عمران بن حصين أنهم كانوا في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم ونفد دماؤهم فابتغوا الماء فلقوا امرأة بين مزادتين على بعير فقالوا لها: انطلقي إلى رسول الله فقالت: الذي يقال له الصابئ قالوا: هو الذين تَعنين، وساق حديث تكثير الماء، وكانوا يُسمُّون المسلمين الصُّبَاةَ كما ورد في خبر سعد بن معاذ: أنه كان صديقاً لأمية بن خلف وكان سعد إذا مر بمكة نزل على أمية فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة انطلق سعد ذات يوم معتمراً فنزل على أمية بمكة وقال لأمية: انظُر لي ساعة خلوة لعلي أطوف بالبيت فخرج به فلقيهما أبو جهل فقال لأمية يا أبا صفوان من هذا معك قال: سعد، فقال له أبو جهل: ألا أراك تطوف بمكة آمناً وقد أوَيْتم الصُّباةَ.
الصَّابِئَةَ فِرْق متمايزة لاَ تَدْخُل إِحْدَاها فِي الأُخْرَى وَإِنْ تَوَافَقَت فِي الاِسْمِ[13] :
وهناك أشياء مشتركة بينها ذكرها الشهرستاني[14] بقوله: “والصابئون كلهم يصلون ثلاث صلوات، ويغتسلون من الجنابة ومن مس الميت، وحرموا أكل الجزور، والخنزير، والكلب، ومن الطير كل ما له مخلب والحمام، ونهوا عن السكر في الشراب، وعن الاختتان. وأمروا بالتزويج بولي وشهود، ولا يجوزون الطلاق إلا بحكم حاكم، ولا يجمعون بين امرأتين.
وعند تتبع كتب العقائد والتاريخ والتفسير نجد أن أشهر فرق هذه الجماعة ست فرق وهي:
الفرقة الأولى: أصحاب الروحانيات[15] :
ومذهب هؤلاء: أن للعالم صانعا، فاطرا، حكيما، مقدسا عن سمات الحدثان وهو أجل وأعلى من أن يتوصل إلى جلاله بالعبودية له والخدمة من السفليات وذوات الأنفس المنغمسة في عالم الرذائل والشهوات،. والواجب علينا معرفة العجز عن الوصول إلى جلاله، وإنما يتقرب إليه بالمتوسطات المقربين لديه، وهم الروحانيون, المطهرون، المقدسون جوهرا، وفعلا، وحالةً المبرءون عن القوى الجسدانية، المنزهون عن الحركات المكانية, والتغيرات الزمانية. قد جبلوا على الطهارة، المتوسطات بينه وبين السفليات في جوار رب العالمين، وهم مجبولون على تقديسه وتمجيده وتعظيمه دائما وسرمدا، فنحن نتقرب إليهم، ونتوكل عليهم، وهم أربابنا وآلهتنا، ووسائلنا وشفعاؤنا عند الله ووسائلنا إلى حاجاتنا وبهم يتقرب إلى الله تعالى، وهو رب الأرباب، وإله الآلهة رب كل شيء، ومليكه، وهي المدبرة للكواكب الفلكية والمديرة لها على التناسب المخصوص حيث يتبعها انفعالات في العناصر السفلية وحركات بعضها إلى بعض وانفعال بعضها من بعض عند الاختلاط والامتزاج المفضي إلى التركيب الموجب؛ لتنوع المركبات إلى أنواع المعادن والنباتات والحيوانات وتصريف موجودات الأعيان من حال إلى حال ومن شأن إلى شأن إلى غير ذلك من الآثار العلوية والسفلية، وزعموا أن الكواكب الفلكية هي هياكل هذه الروحانيات وأن نسبة الروحانيات إليها في التقدير لها والتدوير، نسبة الأنفس الإنسانية إلى أبدانها، وأن لكل روحاني هيكلا يخصه ولكل هيكل فلكًا يكون فيه.
فالواجب علينا أن نطهر نفوسنا عن دنس الشهوات الطبيعية، ونهذب أخلاقنا عن علائق القوى الشهوانية والغضبية، حتى تحصل مناسبة ما بيننا وبين الروحانيات، فحينئذ نسأل حاجاتنا منهم، ونعرض أحوالنا عليهم، ونصبو في جميع أمورنا إليهم، فيشفعون لنا إلى خالقنا وخالقهم، ورازقنا ورازقهم. وهذا التطهير والتهذيب ليس يحصل إلا باكتسابنا ورياضتنا وفطامنا أنفسنا عن دنيات الشهوات، باستمداد من جهة الروحانيات. والاستمداد هو التضرع والابتهال بالدعوات، وإقامة الصلوات، وبذل الزكوات، والصيام عن المطعومات والمشروبات، وتقريب القرابين والذبائح، وتبخير البخورات، وتعزيم العزائم، فيحصل لنفوسنا استعداد واستمداد من غير واسطة، بل يكون حكمنا وحكم من يدعي الوحي على وتيرة واحدة.
قالوا: والأنبياء[16] أمثالنا في النوع، وأشكالنا في الصورة, يشاركوننا في المادة، يأكلون مما نأكل، ويشربون مما نشرب، ويساهموننا في الصورة. أناس بشر مثلنا، فمن أين لنا طاعتهم؟ وبأية مزية لهم لزمت متابعته؟ {وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ}، فمدعي الرسالة من البشر فلا يمكن لهم أن يكونوا واسطة بين الناس والخالق لأنهم يقولون بالوسائط الروحانية ولا يقولون بوسيط بشري مثل وساطة الأنبياء،[17] ، وهذا من أهم عقائدهم التي صادمهم فيها القرآن.
وإنما أرشدنا إليهم معلمنا [18]الأول 1) عاذيمون (أو غارميون، أو أغَاثَاد يمون) 2) وهرمس[19] [20] اللذان هما أصل علم الهيئة وصناعة النجامة، فهما المعلمان الأولان، وقد أوجدا الصابئة الأولى؛ التي تدعو إلى الروحانية.
ويقولون: إن هرمس هو أول من قسم البروج ووضع أسماءها وأسماء الكواكب السيارة ورتبها في بيوتها وبين الشرف، والوبال والأوج والحضيض والمناظر والتثليث والتسديس والتربيع والمقابلة والمقارنة والرجوع والاستقامة والميل والتعديل، واستقل باستخراج أكثر الكواكب وأحوالها، وقيل إن غارميون هو شيث وهرمس وهو إدريس “عليه السلام”[21] [22]
الفرقة الثانية:
أصحاب الهياكل: وهم جماعة من أصحاب الروحانيات يقرون بالألوهية، وأن للعالم صانعا فاطرا حكيما[23] وأنه واحد حكيم مقدس عن سمات الحوادث، من العيوب والنقائص ويعتقدون بما اعتقده أصحاب الروحانيات من انه لا بد للإنسان من متوسط، لكن قالوا لا بد للمتوسط من أن يرى ويشاهد، فيتوجه إليه، ويتقرب به، ويستفاد منه, والروحانيات ليست كذلك فلا بد من متوسط بينها وبين الإنسان، وأقرب ما إليها هياكلها فزعموا أن هذه الأرواح ساكنة في الكواكب [24]، وكانوا يتقربون إلى الهياكل تقربا إلى الروحانيات، ويتقربون إلى الروحانيات تقربا إلى الباري تعالى، لاعتقادهم بأن الهياكل أبدان الروحانيات، ونسبتها إلى الروحانيات نسبة أجسادنا إلى أرواحنا، فهم الأحياء الناطقون بحياة الروحانيات، وهي تتصرف في أبدانها تدبيرا، وتصريفا، وتحريكا، كما نتصرف في أبداننا. ولاشك أن من تقرب إلى شخص فقد تقرب إلى روحه.
ففزعوا إلى هياكل الأرواح وهي السيارات السبع، وبعضهم إلى البروج الاثني عشر والقمر وبعض النجوم[25] الأخرى أيضا، يعبدونها يصوّرونها في هياكلهم (أماكن العبادة)، ويتعرفون بيوتها ومنازلها، ومطالعها ومغاربها واتصالاتها على أشكال الموافقة والمخالفة مرتبة على طبائعها، وتقسيم الأيام والليالي والساعات عليها، وتقدير الصور والأشخاص والأقاليم والأمصار عليها، فعملوا الخواتيم، وتعلموا العزائم والدعوات، وعينوا ليوم زحل مثلا يوم السبت، وراعوا فيه ساعته الأولى وتختموا بخاتمه المعمول على صورته وهيئته وصنعته، ولبسوا اللباس الخاص به، وتبخروا ببخوره الخاص، ودعوا بدعواته الخاصة به، وسألوا حاجتهم منه: الحاجة التي تستدعي من زحل, من أفعاله وآثاره الخاصة به، وكذلك رفع الحاجة التي تختص بالمشتري في يومه وساعته وجميع الإضافات التي ذكرنا إليه. وكذلك سائر الحاجات إلى الكواكب. وكانوا يسمونها أربابا آلهة، والله تعالى هو رب الأرباب، وإله الآلهة. ومنهم من جعل الشمس إله الآلهة، ورب الأرباب.
ثم استخرجوا من عجائب الحيل المرتبة على عمل الكواكب ما كان يقضي منهم العجب. وهذه الطلسمات[26] المذكورة في الكتب، والسحر، والكهانة، والتنجيم، والتعزيم، والخواتيم، والصور كلها من علومهم، وزعموا أن هذه الروحانيات تنزل إلى النفوس الإنسانية وتتصل بها بمقدار ما تقترب نفوس البشر من طبيعة الروحانيات، قالوا فالواجب علينا أن نتقرب إليه بتوسطات الروحانيات المقربة منه المقدسة عن المواد الجسمانية، وعن القوى الجسدانية المجبولة على الطهارة،ولأجل نزول تلك الروحانيات على النفوس البشرية وحصول المناسبة بيننا وبين الروحانيات، واتصال أرواحهم بتلك الروحانيات يتعين تزكية النفس بتطهيرها وتهذيب أخلاقها من آثار القوى الشهوانية والغضبية بقدر الإمكان والإقبال على العبادة بالتضرع إلى الأرواح بالتضرع والابتهال بالدعوات: من الصلوات. والزكوات، وذبح القرابين، والبخورات، والعزائم، وبتطهير الجسم والصيام والصدقة والطيب، وألزموا أنفسهم فضائل النفس الأربع الأصلية (وهي العفة والعدالة والحكمة والشجاعة) والأخذَ بالفضائل الجزئية (المتشعبة عن الفضائل الأربع وهي الأعمال الصالحة) وتجنب الرذائل الجزئية (وهي أضداد الفضائل وهي الأعمال السيئة)، فقالوا حينئذ نسأل حاجتنا منهم، ونعرض أحوالنا عليهم، ونصبوا في جميع أمورنا إليهم، فيشفعون لنا إلى إلهنا وإلههم. قالوا وحينئذ يحصل لنفوسنا استعداد واستمداد من غير واسطة الرسل، بل نأخذ من المعدن الذى أخذت منه الرسل. فيكون حكمنا وحكمهم واحدا: ونحن وإياهم بمنزلة واحدة فنحن نتقرب إليهم، ونتقرب بهم إلى الله، فهم أربابنا وآلهتنا وشفعاؤنا عند رب الأرباب وإله الآلهة. فما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى،وهم يَعْتَقِدُونَ تَأْثِيرَها أي الكواكب، وَأَنَّهَا فَعَّالَةٌ[27] ، وقد بنوا هياكل للكواكب لتكون مهابط لأرواح الكواكب وهي المتعبدات الكبار، كالكنائس للنصارى والبيع لليهود، وحرصوا على تطهيرها وتطييبها لكي تألفها الروحانيات وقد يجعلون للكواكب تماثيل من الصور يتوخون فيها محاكاة صور الروحانيات بحسب ظنهم، وقد يجعلون للكواكب تماثيل من الصور يتوخون فيها محاكاة صور الروحانيات بحسب ظنهم، قال الشهرستاني في الملل والنحل: وأما الهياكل التي بناها الصابئة على أسماء الجواهر العقلية الروحانية، وأشكال الكواكب السماوية[28] .
فمنها: هيكل العلة الأولى، ودونها هيكل العقل، وهيكل السياسة، وهيكل الصورة، وهيكل النفس. مدورات الشكل.وهيكل زحل مسدس، وهيكل المشتري مثلث، وهيكل المريخ مربع مستطيل، وهيكل الشمس مربع، وهيكل الزهرة مثلث في جوف مربع، وهيكل عطارد مثلث في جوفه مربع مستطيل، وهيكل القمر مثمن، قال ابن تيمية: وكان
بحران هيكل العلة وهيكل العقل الأول هيكل النفس الكلية هيكل زحل هيكل المشتري هيكل المريخ هيكل الشمس، وكذلك الزهرة وعطارد والقمر.
قال الآلوسي رحمه الله ملخصا مذهبهم: “(والصابئون): هم قوم مدار مذاهبهم على التعصب للروحانيين واتخاذهم وسائط ولما لم يتيسر لهم التقرب إليها بأعيانها والتلقي منها بذواتها فزعت جماعة منهم إلى هياكلها، فصابئة الروم مفزعها السيارات، وصابئة الهند مفزعها الثوابت، فهذه الفرقة هم عبدة الكواكب وهم أصناف شتى مختلفون في الاعتقادات والتعبدات”[29] .اهـ
وقد بين الإمام الرازي أن من فرقهم من يوحد الله سبحانه لكنه يعظم الكواكب ولا يعبدها ومنهم من يعبدها.
و قال الإمام الفخر الرازي[30] وهو يذكر الأقوال في الصابئة:ثالثها: وهو الأقرب أنهم قوم يعبدون الكواكب، ثم لهم قولان. الأول: أن خالق العالم هو الله سبحانه، إلا أنه سبحانه أمر بتعظيم هذه الكواكب واتخاذها قبلة للصلاة والدعاء والتعظيم. والثاني: أن الله سبحانه خلق الأفلاك والكواكب، ثم إن الكواكب هي المدبرة لما في هذا العالم من الخير والشر والصحة والمرض، والخالقة لها فيجب على البشر تعظيمها لأنها هي الآلهة المدبرة لهذا العالم ثم إنها تعبد الله سبحانه، وهذا المذهب هو القول المنسوب إلى الكلدانيين الذين جاءهم إبراهيم عليه السلام رادا عليهم ومبطلا لقولهم”
وقال البقاعي: “{والصابئين} المنكرين للرسالة في الصورة البشرية القائلين بالأوثان السماوية والأصنام الأرضية متوسطين إلى رب”[31] .
وقال القرطبي[32] :”والذي تحصل من مذهبهم فيما ذكره بعض علمائنا أنهم موحدون معتقدون تأثير النجوم وأنها فعالة، ولهذا أفتى أبو سعيد الاصطخري القادر بالله بكفرهم حين سأله عنهم” يقول علي هاني: ذكر جماعة من العلماء أن هناك فرقة من الصابئة تعظم الكواكب ولا تعبدها فهي تجعلها كالكعبة وعلى هذه الفرقة يحمل كلام أبي حنيفة رحمه الله في إجرائهم كأهل الكتاب؛لأنهم لا يعبدون الكواكب، وَلَكِنْ يُعَظِّمُونَهَا كَتَعْظِيمِ الْمُسْلِمِينَ لِلْكَعْبَةِ فِي الاِسْتِقْبَال إِلَيْهَا” [33]

**********

الفرقة الثالثة: أصحاب الأشخاص [34]
وهؤلاء زعموا أنه إذا كان لا بد من متوسط مرئي والكواكب وإن كانت مرئية إلا أنها قد تُرى في وقت دون وقت؛ لطلوعها وأفولها وظهورها وصفائها نهارا،، فلم يصف لنا التقرب بها، والتوجه إليها، فدعت الحاجة إلى وجود أشخاص مشاهدة نصب أعيينا، تكون لنا وسيلة إلى الهياكل التي هي وسيلة إلى الروحانيات، التي هي وسيلة إلى الله تعالى، فاتخذوا بذلك أصناما وصورا على صور الهياكل السبعة، كل صنم من جسم مشارك في طبيعته لطبيعة ذلك الكوكب، فدعوه وسألوه بما يناسب ذلك الكوكب في الوقت والمكان واللبس والتختم، بما يناسبه والتحيز المناسب له، من اتصال محمود يؤثر في نجاح المطالب التي تستدعي منه. فتقربوا إليه في يومه وساعته، وتبخروا بالبخور الخاص به، وتختموا بخاتمه، ولبسوا لباسه، وتضرعوا بدعائه، وعزموا بعزائمه، وسألوا حاجتهم منه فيقولون: إنه كان يقضي حوائجهم بعد رعاية الإضافات كلها. وذلك هو الذي أخبر التنزيل عنهم أنهم عبدة الكواكب والأوثان.. وأصحاب الأشخاص هم عبدة الأوثان، إذ سموها آلهة في مقابلة الآلهة السماوية، وقالوا: {هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّه}
قال الآلوسي[35] : مبينا أنهم فرقة من الروحانيين:”(والصابئون): هم قوم مدار مذاهبهم على التعصب للروحانيين واتخاذهم وسائط ولما لم يتيسر لهم التقرب إليها بأعيانها والتلقي منها بذواتها فزعت جماعة منهم إلى هياكلها، فصابئة الروم مفزعها السيارات، وصابئة الهند مفزعها الثوابت، وجماعة نزلوا عن الهياكل إلى الأشخاص التي لا تسمع ولا تبصر ولا تغني عن أحد شيئاً ـ أي الاصنام ـ فالفرقة الأولى: هم عبدة الكواكب، والثانية: هم عبدة الأصنام وكل من هاتين الفرقتين أصناف شتى مختلفون في الاعتقادات والتعبدات.”اهـ
وقد ناظر سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام كلاً من أصحاب الهياكل وأصحاب الأشخاص، وكسر مذاهبهم، فابتدأ بكسر مذاهب أصحاب الأشخاص والهياكل، وله: َتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ، وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}[36] ، ثم عدل إلى كسر مذاهب أصحاب الهياكل، كما أراه الله تعالى الحجة على قومه، قال {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}في الآيات التي ذكرت في سورة الانعام{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي}الآيات.
قال الجصاص: ” وَفِرْقَةٌ أُخْرَى قَدْ تَسَمَّتْ بِالصَّابِئِينَ، وَهُمْ الْحَرَّانِيُّونَ الَّذِينَ بِنَاحِيَةِ حَرَّانَ، وَهُمْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ، وَلَا يَنْتَمُونَ إلَى أَحَدٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَا يَنْتَحِلُونَ شَيْئًا مِنْ كُتُبِ اللَّهِ، فَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا أَهْلَ الْكِتَابِ. وَلَا خِلَافَ أَنَّ هَذِهِ النِّحْلَةَ لَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ، وَلَا تُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ”[37] .
الفرقة الرابعة: الحلولية، وقد سماها ابن بطوطة والشهرستاني وغيرهما من ثقات المؤرخين بالحرنانية[38] :
قالوا: إن الصانع المعبود واحد وكثير: أما واحد، ففي الذات، والأول، والأصل، والأزل، وأما كثير، فلأنه يتكثر بالأشخاص في رأي العين، وهي المدبرات السبعة والأشخاص الأرضية الخيرة، العاملة، الفاضلة. فإنه يظهر بها، ويتشخص بأشخاصها، ولا تبطل وحدته في ذاته، فالإله تعالى يظهر في الكواكب السبعة ويتشخص بأشخاصها من غير تعدد في ذاته، وقد يظهر أيضا في الأشخاص الأرضية الخيرة الفاضلة وهي ما كان من المواليد قال المقريزي: والحرّانية: ومن قولهم المعبود واحد بالذات وكثير بالأشخاص في رأي العين، وهي المدبرات السبع من الكواكب والأرضية الجزئية والعالمة الفاضلة[39] .
1. زعموا أن الإله المعبود واحد في ذاته أبدع الفلك وجميع ما فيه من الأجرام والكواكب، وجعلها مدبرات هذا العالم، وهم الآباء والعناصر أمهات، والمركبات مواليد. والآباء أحياء ناطقون، يؤدون الآثار إلى العناصر فتقبلها العناصر في أرحامها، فيحصل من ذلك المواليد. ثم من المواليد قد يتفق شخص مركب من صفوها دون كدرها ويحصل له مزاج كامل الاستعداد، فيتشخص الإله به في العالم[40] .
2. وزعموا أن الله تعالى أجل من أن يخلق الشرور، والقبائح، والأقذار، والخنافس، والحيات، والعقارب. بل هي كلها واقعة ضرورة عن اتصالات الكواكب سعادة، ونحوسة، واجتماعات العناصر صفوة، وكدورة.. فما كان من سعد، وخير وصفو، فهو المقصود من الفطرة، فينسب إلى الباري تعالى. وما كان من نحوسة، وشر، وكدر، فهو الواقع ضرورة، فلا ينسب إليه، بل هي إما اتفاقيات، وضروريات، وإما مستندة إلى أصل الشرور، والاتصال المذموم.
3. زعموا أيضا أنه على رأس ستة وثلاثين ألف وسنة أربعمائة وخمس وعشرين سنة يحدث روحاني على رأس الدور الآخر وكذا إلى ما يتناهى، وأن الثواب والعقاب على أفعال الخير والشر كل دور واقع لكن في الدور الذي بعده في هذه الدار لا غيرها، فطبيعة الكل تحدث في كل إقليم من الأقاليم المسكونة على رأس كل سنة وثلاثين ألف سنة وأربعمائة وخمس وعشرين سنة: زوجين من كل نوع من أجناس الحيوانات، ذكرا أو أنثى، من الإنسان وغيره، فيبقى ذلك النوع تلك المدة. ثم إذا انقضى الدور بتمامه انقطعت الأنواع: نسلها، وتوالدها، فيبتدأ دور آخر، ويحدث قرن آخر من الإنسان، والحيوان، والنبات وكذلك أبد الدهر. وإنما نشأ أصل التناسخ والحلول من هؤلاء القوم، فإن التناسخ هو أن تتكرر الأكوار والأدوار إلى ما لا نهاية له، ويحدث في كل دور مثل ما حدث في الأول. والثواب والعقاب في هذه الدار، لا في دار أخرى لا عمل فيها فلا يوم قيامة ولا بعث ولا حساب ي الآخرة، والأعمال التي نحن فيها إنما هي أجزية على أعمال سلفت منا في الأدوار الماضية. فالراحة، والسرور، والفرح، والدعة التي نجدها هي مرتبة على أعمال البر التي سلفت منا في الأدوار الماضية، والغم والحزن، والضنك، والكلفة التي نجدها هي مرتبة على أعمال الفجور التي سبقت منا، وكذلك كان في الأول. وكذا يكون في الآخر[41] .
وهذه الفرق الأربعة قد انقرضت وقد بين كيفية انقراضهم ابن عاشور وأبو زهرة، وذكرا كيف نشأت الفرقة الخامسة:
قال ابن عاشور[42] :” وَكَانَ أَهْلُ هَذَا الدِّينِ نَبَطًا فِي بِلَادِ الْعِرَاقِ. فلما ظهر الفرس على إقليم العراق أزالوا مملكة الصابئين ومنعوهم من عبادة الأصنام فلم يجسروا بعد على عبادة أوثانهم، وكذلك منع الروم أهلَ الشام والجزيرة من الصابئين فلما تنصر قسطنطين حملهم بالسيف على التنصر فبطلت عبادة الأوثان منهم من ذلك الوقت، وتظاهروا بالنصرانية فلما ظهر الإسلام على بلادهم اعتبروا في جملة النصارى وقد كانت صابئة بلاد كَسْكَر والبَطَائح معتبرين صنفاً من النصارى ينتمون إلى النبيء يحيى بن زكريا ومع ذلك لهم كتب يزعمون أن الله أنزلها على شيث بن آدم ويسمونه (أغاثاديمون)، والنصارى يسمونهم يُوحَنَّاسِية (نسبة إلى يوحنا وهو يحيى)”.
وقال أبو زهرة[43] : “الصابئون الذين ظهروا في الإسلام وقبله هم أكتم الناس لعبادة الأوثان، ويعلمون صبيانهم كتمانها، وقد قال عنهم أبو بكر الرازي في كتابه أحكام القرآن: وأصل اعتقادهم تعظيم الكواكب السبعة أو عبادتها واتخاذها آلهة، وهم عبدة أوثان في الأصل إلا أنهم منذ ظهر الفرس على إقليم العراق، وأزالوا مملكة الصابئين لم يجسروا على عبادة الأوثان ظاهرا، لأنهم منعوهم من ذلك، وكذلك الروم وأهل الشام والجزيرة كانوا صابئين، فلما تنصر قسطنطين حملهم بالسيف على الدخول في النصرانية، فبطلت عبادة الأوثان من ذلك الوقت، ودخلوا في غمار النصارى في الظاهر، وبقي كثير منهم على تلك النحلة مستخفين بعبادة الأوثان، فلما ظهر الإسلام دخلوا في غمار النصارى، ولم يميز المسلمون بينهم وبين النصارى، إذ كانوا مستخفين بعبادة الأوثان، كاتمين لأصل اعتقادهم، وهم أكتم الناس لاعتقادهم، فالصابئة يعبدون الكواكب والأوثان، ويظهرون بالنصرانية، هذا ما يجب بيانه هنا، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى كتابنا تاريخ الجدل”.
الفرقة الخامسة:
(الْمَنْدَائِيِّونَ) ويسمون، الصابئة المندائية[44] و”الصابئة المغتسلة ” ويسميهم النصارى يُوحَنَّاسِيَةَ (نِسْبَةً إِلَى يُوحَنَّا وَهُوَ يَحْيَى) ويبرءون منهم[45] ، وهي طائفة الصابئة الوحيدة الباقية إلى اليوم.
• يزعمون أن يحيى عليه السلام هو نبيهم الذي أرسل إليهم.
• وفيهم رأيان: فموسوعة الأديان والفرق ترى: أن هؤلاء كانوا يقيمون في القدس، وبعد الميلاد طردوا من فلسطين فهاجروا إلى مدينة حران ويرى المسعودي والبيروني وابن عاشور أنهم كلدانيون[46] .
• تأثروا هناك بمن حولهم من صابئة حران فأخذوا عنهم عبادة الكواكب والنجوم وتأليهها [47]أو على الأقل تقديس هذه الكواكب وتعظيمها [48]، فهم يقدّسون الكواكب والنجوم ويعظمونها.
• تأثروا بهم في إتقان علم الفلك وحسابات النجوم.
• تأثروا بالأفلاطونية الحديثة التي استقرت فلسفتها في سوريا مثل الاعتقاد بالفيض الروحي على العالم المادي.
• تأثروا بالفلسفة الدينية التي ظهرت أيام سيدنا إبراهيم الخليل – عليه السلام – فقد كان الناس حينها يعتقدون بقدرة الكواكب والنجوم على التأثير في حياة الناس.
• تأثروا بالفلسفة اليونانية التي استقلت عن الدين.
• ودينهم فيه من اليهودية والنصرانية [49]والمجوسية.
• ثم ومن حران هاجروا إلى موطنهم الحالي في جنوبي العراق وإيران وما يزالون فيه، حيث يعرفون بصابئة البطائح، لاَ يُؤْمِنُونَ بِمُوسَى، وَلاَ بِالْمَسِيحِ، وَلاَ التَّوْرَاةِ، وَلاَ الإِْنْجِيل، وَيُؤْمِنُونَ بِالتَّعْمِيدِ.
• يعتقدون من حيث المبدأ – بوجود الإِله الخالق الواحد الأزلي الذي لا تناله الحواس ولايفضي إليه مخلوق.
• ولكنهم يجعلون بعد هذا الإله 360 شخصاً خلقوا ليفعلوا أفعال الإله، وهؤلاء الأشخاص ليسوا بآلهة ولا ملائكة، يعملون كل شيء من رعد وبرق ومطر وشمس وليل ونهار، وهؤلاء يعرفون الغيب، ولكل منهم مملكته في عالم الأنوار، – هؤلاء الأشخاص الـ 360 ليسوا مخلوقين كبقية الكائنات الحية، ولكن الله ناداهم بأسمائهم فخلقوا وتزوجوا بنساء من صنفهم، ويتناسلون بأن يلفظ أحدهم كلمة فتحمل أمرأته فوراً وتلد واحداً منهم.
• يعتقدون بأن الكواكب مسكن للملائكة، ولذلك يعظمونها ويقدسونها.
: قال الجصاص عنهم:” الصابئة فريقان أحدهما بنوا حي كَسْكَرَ وَالْبَطَائِحَ وَهُمْ فِيمَا بَلَغْنَا صِنْفٌ مِنْ النَّصَارَى، وَإِنْ كَانُوا مُخَالِفِينَ لَهُمْ فِي كَثِيرٍ من ديانتهم لِأَنَّ النَّصَارَى فِرَقٌ كَثِيرَةٌ مِنْهُمْ الْمَرْقُونِيَّةُ والْآرْيُوسِيَّةُ وَالْمَارُونِيَّةُ وَالْفِرَقُ الثَّلَاثُ مِنْ النَّسْطُورِيَّةِ وَالْمَلْكِيَّةِ وَالْيَعْقُوبِيَّةِ يبرءون منهم ويحرمون وَهُمْ يَنْتَمُونَ إلَى يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا وَشِيثٌ وَيَنْتَحِلُونَ كُتُبًا يَزْعُمُونَ أَنَّهَا كُتُبُ اللَّهِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى شِيثِ بْنِ آدَمَ وَيَحْيَى بْنِ زكريا والنصارى تسميهم يوحنا سية فَهَذِهِ الْفِرْقَةُ يَجْعَلُهَا أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَيُبِيحُ أَكْلَ ذَبَائِحِهِمْ وَمُنَاكَحَةَ نِسَائِهِمْ” [50]
معبدهم يسمى المندي، وفيه كتبهم المقدسة، ويجري فيه تعميد رجال الدين، يقام على الضفاف اليمنى من الأنهر الجارية، له باب واحد يقابل الجنوب بحيث يستقبل الداخل إليه نجم القطب الشمالي، لابدَّ من وجود قناة فيه متصلة بماء النهر، ولا يجوز دخوله من قبل النساء، ولا بدّ من وجود علم يحيى فوقه في ساعات العمل.
تؤدى ثلاث مرات في اليوم: قبيل الشروق، وعند الزوال، وقبيل الغروب، وتستحبّ أن تكون جماعة في أيام الآحاد والأعياد، فيها وقوف وركوع وجلوس على الأرض من غير سجود، وهي تستغرق ساعة وربع الساعة تقريباً.
يتوجه المصلي خلالها إلى الجدي بلباسه الطاهر، حافي القدمي، يتلو سبع قراءات يمجد فيها الرب مستمداً منه العون طالباً منه تيسير اتصاله بعالم الأنوار.
صابئة اليوم يحرمون الصوم لأنه من باب تحريم ما أحل الله، وقد كان الصوم عند الصابئة على نوعين: الصوم الكبير: ويشمل الصوم عن كبائر الذنوب والأخلاق الرديئة، والصوم الصغير الذي يمتنعون فيه عن أكل اللحوم المباحة لهم لمدة 32 يوماً متفرقة على طول أيام السنة. وقد نص ابن النديم المتوفى سنة 385هـ في فهرسته، وابن العبري المتوفى سنة 685هـ في تاريخ مختصر الدول ينصان على أن الصيام كان مفروضاً عليهم لمدة ثلاثين يوماً من كل سنة. ·
الطهارة مفروضة على الذكر والأنثى سواء بلا تمييز، تكون الطهارة في الماء الحي غير المنقطع عن مجراه الطبيعي، والجنابة تحتاج إلى طهارة وذلك بالارتماس في الماء ثلاث دفعات مع استحضار نية الاغتسال من غير قراءة لأنها لا تجوز على جنب، عقب الارتماس في الماء يجب الوضوء، وهو واجب لكل صلاة، حيث يتوضأ الشخص وهو متجه إلى نجم القطب، فيؤديه على هيئة تشبه وضوء المسلمين مصحوباً بأدعية خاصة.
مفسدات الوضوء: البول، الغائط، الريح، لمس الحائض والنفساء.
التعميد وأنواعه:- يعتبر التعميد من أبرز معالم هذه الديانة ولا يكون إلا في الماء الحي، ولا تتم الطقوس إلا بالارتماس في الماء سواء أكان الوقت صيفاً أم شتاءً، وقد أجاز لهم رجال دينهم مؤخراً الاغتسال في الحمامات وأجازوا لهم كذلك ماء العيون النابعة لتحقيق الطهارة – يجب أن يتم التعميد على أيدي رجال الدين.
يكون العماد في حالات الولادة، والزواج، وعماد الجماعة، وعماد الأعياد [51]
– عماد الأعياد: وهي:
أ – العيد الكبير: عيد ملك الأنوار حيث يعتكفون في بيوتهم 36 ساعة متتالية لا تغمض لهم عين خشية أن يتطرق الشيطان إليهم لأن الاحتلام يفسد فرحتهم، وبعد الاعتكاف مباشرة يرتسمون، ومدة العيد أربعة أيام، تنحر فيه الخراف ويذبح فيه الدجاج ولا يقومون خلاله بأي عمل دنيوي.ب – العيد الصغير: يوم واحد شرعاً، وقد يمتد لثلاثة أيام من أجل التزاور، ويكون بعد العيد الكبير بمائة وثمانية عشر يوماً.
ت – عيد البنجة: سبق الحديث عنه، وهو خمسة أيام تكبس بها السنة، ويأتي بعد العيد الصغير بأربعة أشهر.
ث – عيد يحيى: يوم واحد من أقدس الأيام، يأتي بعد عيد البنجة بستين يوماً وفيه كانت ولادة النبي يحيى عليه السلام الذي يعتبرونه نبيًّا خاصاً بهم، والذي جاء ليعيد إلى دين آدم صفاءه بعد أن دخله الانحراف بسبب تقادم الزمان.
يحرم على أهل الميت الندب والبكاء والعويل، والموت عندهم مدعاة للسرور، ويوم المأتم من أكثر الأيام فرحاً حسب وصية يحيى لزوجته. ش – لا يوجد لديهم خلود في الجحيم، بل عندما يموت الإنسان إما أن ينتقل إلى الجنة أو المطهر حيث يعذب بدرجات متفاوتة حتى يطهر فتنتقل روحه بعدها إلى الملأ الأعلى، فالروح خالدة والجسد فان.
– يعظمون يوم الأحد كالنصارى ويقدسونه ولا يعملون فيه أي شيء على الإطلاق.
– يتنبئون بحوادث المستقبل عن طريق التأمل في السماء والنجوم وبعض الحسابات الفلكية.
– يؤمنون بالتناسخ ويعتقدون بتطبيقاته في بعض جوانب عقيدتهم.
– للرجل أن يتزوج ما يشاء من النساء على قدر ما تسمح له به ظروفه.
– تنص عقيدتهم على أن يكون الميراث محصوراً في الابن الأكبر، لكنهم لمجاورتهم المسلمين فقد أخذوا بقانون المواريث الإسلامي.
– لديهم عدد من الكتب المقدسة مكتوبة بلغة سامية قريبة من السريانية وهي:
1- الكنزاربّا: أي الكتاب العظيم ويعتقدون بأنه صحف آدم عليه السلام، فيه موضوعات كثيرة حول كيفية بدء الخلق، ونظام تكوين العالم وحساب الخليقة وأدعية وقصص، وتوجد في خزانة المتحف العراقي نسخة كاملة منه. طبع في كوبنهاجن سنة 1815م، وطبع في لايبزيغ سنة 1867م.
2- دراشة إديهيا: أي تعاليم يحيى، وفيه تعاليم وحياة النبي (*) يحيى عليه السلام.

3- الفلستا: أي كتاب عقد الزواج، ويتعلق بالاحتفالات والنكاح الشرعي والخطبة.
4- سدرة إدنشاماثا: يدور حول التعميد (*) والدفن والحداد، وانتقال الروح من الجسد إلى الأرض ومن ثمّ إلى عالم الأنوار، وفي خزانة المتحف العراقي نسخة حديثة منه مكتوبة باللغة المندائية.
5- كتاب الديونان: فيه قصص وسير بعض الروحانيين مع صور لهم.
6- كتاب إسفر ملواشه: أي سفر البروج لمعرفة حوادث السنة المقبلة عن طريق علم الفلك والتنجيم (*).
7- كتاب النباتي: أي الأناشيد والأذكار الدينية، وتوجد نسخة منه في المتحف العراقي.
8- كتاب قماها ذهيقل زيوا: ويتألف من 200 سطر وهو عبارة عن حجاب يعتقدون بأن من يحمله لا يؤثر فيه سلاح أو نار.
9- تفسير بغره: يختص في علم تشريح جسم الإنسان وتركيبه والأطعمة المناسبة لكل طقس مما يجوز لأبناء الطائفة تناوله.
10- كتاب ترسسر ألف شياله: أي كتاب الأثنى عشر ألف سؤال.
11- ديوان طقوس التطهير: وهو كتاب يبين طرق التعميد (*) بأنواعه على شكل ديوان.
12- كتاب كداواكدفيانا: أي كتاب العوذ.
· الانتشار ومواقع النفوذ:
· الصابئة المندائيون الحاليون ينتشرون على الضفاف السفلى من نهري دجلة والفرات، ويسكنون في منطقة الأهوار وشط العرب، ويكثرون في مدن العمارة والناصرية والبصرة وقلعة صالح والحلفاية والزكية وسوق الشيوخ والقرنة وهي موضع اقتران دجلة بالفرات، وهم موزعون على عدد من الألوية مثل لواء بغداد، والحلة، والديوانية والكوت وكركوك والموصل. كما يوجد أعداد مختلفة منهم في ناصرية المنتفق والشرش ونهر صالح والجبابيش والسليمانية.
· كذلك ينتشرون في إيران، وتحديداً على ضفاف نهر الكارون والدز ويسكنون في مدن إيران الساحلية، كالمحمرة، وناصرية الأهواز وششتر ودزبول.
· تهدمت معابدهم في العراق، ولم يبق لهم إلا معبدان في قلعة صالح، وقد بنوا معبداً مندياً بجوار المصافي في بغداد، وذلك لكثرة الصابئين النازحين إلى هناك من أجل العمل.
· يعمل معظمهم في صياغة معدن الفضة لتزيين الحلي والأواني والساعات وتكاد هذه الصناعة تنحصر فيهم لأنهم يحرصون على حفظ أسرارهما كما يجيدون صناعة القوارب الخشبية والحدادة وصناعة الخناجر.
· مهاراتهم في صياغة الفضة دفعتهم إلى الرحيل للعمل في بيروت ودمشق والإسكندرية ووصل بعضهم إلى إيطاليا وفرنسا وأمريكا، ليس لديهم أي طموح سياسي، وهم يتقربون إلى أصحاب الديانات الأخرى بنقاط التشابه الموجودة بينهم وبين الآخرين[52] .
قال ابن عاشور: ” أَنَّ اسْمَ الصَّابِئَةِ عُرِفَتْ بِهِ طَائِفَةُ (الْمَنْدِيَا) وَهِيَ طَائِفَةٌ يَهُودِيَّةٌ نَصْرَانِيَّةٌ فِي الْعِرَاقِ يَقُومُونَ بِالتَّعْمِيدِ كَالنَّصَارَى.وَيُقَالُ الصَّابِئُونَ بِصِيغَة جمع صابئ وَهَذَا الدِّينُ دِينٌ قَدِيمٌ ظَهَرَ فِي بِلَادِ الْكِلْدَانِ[53] فِي الْعِرَاقِ وَانْتَشَرَ مُعْظَمُ أَتْبَاعِهِ فِيمَا بَيْنَ الْخَابُورِ وَدِجْلَةَ وَفِيمَا بَيْنَ الْخَابُورِ وَالْفُرَاتِ فَكَانُوا فِي الْبَطَائِحِ وَكَسْكَرَ فِي سَوَادِ وَاسِطَ وَفِي حَرَّانَ مِنْ بِلَادِ الْجَزِيرَةِ، وَكَانَ أَهْلُ هَذَا الدِّينِ نَبَطًا فِي بِلَادِ الْعِرَاقِ فَلَمَّا ظَهَرَ الْفُرْسُ عَلَى إِقْلِيمِ الْعِرَاقِ أَزَالُوا مَمْلَكَةَ الصَّابِئِينَ وَمَنَعُوهُمْ مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ فَلَمْ يَجْسُرُوا بَعْدُ عَلَى عِبَادَةِ أَوْثَانِهِمْ. وَكَذَلِكَ مَنَعَ الرُّومُ أَهْلَ الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ مِنَ الصَّابِئِينَ فَلَمَّا تَنَصَّرَ قُسْطَنْطِينُ حَمَلَهُمْ بِالسَّيْفِ عَلَى التَّنَصُّرِ فَبَطَلَتْ عِبَادَةُ الْأَوْثَانِ مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَتَظَاهَرُوا بِالنَّصْرَانِيَّةِ فَلَمَّا ظَهَرَ الْإِسْلَامُ عَلَى بِلَادِهِمُ اعْتُبِرُوا فِي جُمْلَةِ النَّصَارَى وَقَدْ كَانَتْ صَابِئَةُ بِلَادِ كَسْكَرَ وَالْبَطَائِحِ مُعْتَبَرِينَ صِنْفًا مِنَ النَّصَارَى ينتمون إِلَى النبيء يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا وَمَعَ ذَلِكَ لَهُمْ كُتُبٌ يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَهَا عَلَى شِيثِ بْنِ آدم ويسمونه (أغاثاديمون)، وَالنَّصَارَى يُسَمُّونَهُمْ يُوحَنَّاسِيَةَ (نِسْبَةً إِلَى يُوحَنَّا وَهُوَ يَحْيَى)” [54] ،[55] .
قَال ابْنُ الْهُمَامِ: “وَهَذِهِ الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي قَال الْبَعْضُ إِنَّهُمْ مِنَ النَّصَارَى يُسَمَّوْنَ (الْمَنْدَائِيِّينَ) وَمِنْهُمُ الآْنَ بَقَايَا فِي جَنُوبِا لْعِرَاق”
الفرقة السادسة: الموحدون
أضاف ابْنُ تَيْمِيَّةَ[56] ، وابن القيم فِرْقَةً أخرى ـ كَانَتْ قَبْل التَّوْرَاةِ وَالإْنْجِيل، كَانُوا مُوَحِّدِينَ؛ قَال: فَهَؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ أَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ وَعَمِل صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} قَال: فَهَؤُلاَءِ كَالْمُتَّبِعِينَ لِمِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ – عَلَيْهِ السَّلَامُ – إِمَامِ الْحُنَفَاءِ قَبْل نُزُول التَّوْرَاةِ وَالإِْنْجِيل، هُمُ الَّذِينَ أَثْنَى عَلَيْهِمُ اللَّهُ تَعَالَى، فيكون الصابئة على هذا قسمين: القسم الأول: صابئة حنفاء موحدون، القسم الثاني: مشركون
فالقسم الأول: هم الذين أثنى الله عليهم بهذه الآية فأثنى على من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً من هذه الملل الأربع: المؤمنين واليهود والنصارى والصابئين، فاليهود كانوا يدينون بالتوراة قبل النسخ والتبديل، وكذلك الذين دانوا بالإنجيل قبل النسخ والتبديل، والصابئون الذين كانوا قبل هؤلاء كالمتبعين لملة إبراهيم إمام الحنفاء قبل نزول التوراة والإنجيل، ومنهم قدماء الفلاسفة الذين كانوا يعبدون الله وحده لا يشركون به شيئاً ويؤمنون بأن الله محدث لهذا العالم ويقرون بمعاد الأبدان، فأولئك من الصابئة الحنفاء الذين أثنى الله عليهم.
القسم الثاني: الصابئون ابتدعوا الشرك فصاروا مشركين فهؤلاء هم الكفار.
وقال بوجود موحدين منهم من تقدم ذكرهم من قبل وهم: مجاهد، والسدي، والبيضاوي وسيد قطب والسعدي والأمثل والطوسي، وقد تقدم شرح هذا من قبل. قال البيضاوي: “من كان منهم في دينه قبل أن ينسخ، مصدقا بقلبه بالمبدأ والمعاد، عاملا بمقتضى شرعه. وقيل من آمن من هؤلاء الكفرة إيمانا خالصا، ودخل في الإسلام دخولا صادقا”[57] . [58]
الحاصل:
مما تقدم يتبين لنا أن الصابئة بجميع أقسامهم مشركون بالله سبحانه لا يؤمنون بالأنبياء ولا الكتب ولا اليوم الآخر بالمعنى الذي أراده الله سبحانه ووصفه في القرآن، اللهم إلا القسم السادس، وهذا القول لم يقل به إلا قليل من المفسرين، ورده المحققون كما تقدم، وقد كفانا الآلوسي مؤونة الرد حيث قال: ” إلا أنه يرد عليه أنه مستلزم أن يكون للصائبين دين، وقد ذكر غير واحد أنه ليس لهم دين تجوز رعايته في وقت من الأوقات ففي «الملل والنحل » أن الصبوة في مقابلة الحنيفية، ولميل هؤلاء عن سنن الحق وزيغهم عن نهج الأنبياء قيل لهم: الصابئة، ولو سلم أنه كان لهم دين سماوي ثم خرجوا عنه، فمن مضى من أهل ذلك الدين قبل خروجهم منه ليسوا من الصابئين “[59] اهـ، وأيضا يستحيل أن يكون المراد أن الصابئة الذي هم باقون على ما هم عليه إذا آمنوا بالله واليوم الآخر فلهم أجرهم، لأن الصابئة، كما اتضح لنا ـ عندهم ضلالات شركية كفرية لا تعد ولا تحصى فكيف يقال هم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ثم هم لم يؤمنوا بالله الواحد الذي لا شريك له، ولا يؤمنون بيوم القيامة الذي تحدث عنه القرآن، ولا يؤمنون بالأنبياء إلا المندائيين الذين يؤمنون بسيدنا يحيى عليه السلام، فتبين كم يلحد كثير من الناس في آيات الله عندما يحرفون تفسيرها وفهمها.

ما تقدم كان خلاصة أقوال العلماء في الصابئة مع تحقيق مذهبهم، واستيفاء للموضوع ألخص أقوال المفسرين في الصابئة ثم أقوال الفقهاء.

 

[1] أحمد بن علي العبيدي، تقي الدين المقريزي (4/ 168).
[2] قال ابن حزم في كتاب « الفِصَل »: كان الذي ينتحله الصابئون أقدم الأديان على وجه الدهر والغالب على الدنيا إلى أن أحدثوا فيه الحوادث فبعث الله إبراهيم عليه السلام بالحنيفية اهـ انظر الخرائط في نهاية البحث توضح هذه المناطق المذكورة.
[3] قال في تاج العروس: الخَابُورُ: نَهرٌ بَيْنَ رَأْسِ عَيْنٍ والفُراتِ مَشْهُور. (و) الخَابُورُ: نَهرٌ (آخرُ شَرْقِيَّ دِجْلَةَ المَوْصِلِ)، بَينه وَبَين الرَّقَّة، عَلَيْهِ قُرًى كَثِيرةٌ وبُلَيْدَاتٌ قال في موسوعة ويكيبيديا: الخابور: وهو أحد روافد نهر دجلةوينبع من منطقة الأناضول الشرقية في محافظة هكاري في تركيا باتجاه كردستان العراق حيث يمر بمدينة زاخو. يصب الخابور في نهر دجلة بالقرب من قرية فيشخابور. ويشكل النهر جزء من الحد الفاصل مابين حدود تركيا والعراق بالقرب من بلدة سيلوبي التركية. حيث يربط جسران يعبران هذا النهر مابين منفذي إبراهيم الخليل (العراق) والخابور (تركيا).
[4] البطائح هي محافظة في جنوب شرقي العراق وذي قار سميت ذي قار: لانها تحتوي في ارضها مادة القار فسميت ذات القار،ولكثرة استعمال القار في أبنيتها، وليس كما يذكر نسبة إلى معركة ذي قار فالمعركة أخذت اسمها من المنطقة وليس العكس فهي بلاد سومر في العصور القديمة، وواسط أيام الدولة الأموية، ثم البطائح في العصر العباسي، فالمنتفق في العهد العثماني نسبة إلى المنتفق بن عامر بن عقيل بن كعيب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة” انظر ويكيبيديا.
[5] سواد المدينة: ما حولها من القُرى والرّيف.
[6] حران مدينة قديمة في بلاد ما بين النهرين تقع حالياً جنوب شرق تركياعند منبع نهر البليخ أحد روافد نهر الفرات، تابعة لتركيا.
[7] تاريخ الفكر الديني الجاهلي / محمد إبراهيم الفيومي / 256
[8] ذكر العلماء في قوله تعالى {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49)} قال البيضاوي: عبدها أبو كبشة أحد أجداد النبي صلى الله عليه وسلم[أي أحد أجداده لأمه] وخالف قريشا في عبادة الأوثان، ولذلك كانوا يسمون الرسول صلى الله عليه وسلم ابن أبي كبشة، ولعل تخصيصها للإشعار بأنه عليه الصلاة والسلام وإن وافق أبا كبشة في مخالفاتهم خالفه أيضا في عبادتها.[أبو كبشة أحد أجداد النبي لأمه] انتهى الشِّعْرَى: كوكب مضيء يطلع بعد الجوزاء ـ وهي النجم المسمى بهذا الاسم وسميت الجوزاء لشدة بياضها في سواد الليل تشبيهاً له بالشاة الجوزاء وهي الشاة السوداء التي وسطها أبيض، فالشعرى نجم من نجوم برج الجوزاء وبرج الجوزاء ذو كواكب كثيرة ولكثير منها أسماء خاصة وتسمى الجوزاء الجبار تشبيهاً لها بملك على كرسيه وعلى رأسه تاج والعرب يتخيلون مجموع نجومها في صورة رجل واقف بيده عصا وعلى وسطه سيف، فلذلك سموه الجَبّار. وربما تخيّلوها صورة امرأة فيطلقون على وسطها اسم المنطقة، والشعرى أبهر نجم برج الجوزاء أكثرها لمعاناً ويطّلع عند السحر وترى عند صلاة الصبح نيرة زائداً نورها على نور سائر الكواكب حولها، وقد طمس الصبح نور سائر الكواكب.
وكانت ينسب إليها الغنى عبدته قبيلة جميعها خزاعة في الجاهلية من دون الله تعالى ظنوا أن ما في ذلك الكوكب من الحسن والجمال لقدر له عند الله ومنزلة لأنها أكبر جرماً وأكثر ضياءاً، وأن تدبيرهم يرجع إليه، فعبدوه لذلك واعتقدوا أن لها تأثيرات ومن ذلك اعتقادهم أن نوره يأتي بمطر بارد في الشتاء ويتكلمون على المغيبات عند طلوعها والذي عليه الجمهور أن الشّعرى لم يعبدها من قبائل العرب إلاّ خزاعة. وغير خزاعة كانوا يرصدونه ويعتقدون أنه ذو شأن، وأول مَن سنّ لهم ذلك رجل من أشرافهم يقال له: أبو كبشة.
[9] قال الطوسي:” وقال ابن زيد: الصابئون هو اهل دين من الاديان كانو بالجزيرة: جزيرة الموصل، يقولون لا إله إلا الله ولم يؤمنوا برسول الله ” صلى الله عليه وسلم “، فمن اجل ذلك كان المشركون يقولون للنبي ” صلى الله عليه وسلم ” واصحابه: هؤلاء الصابئون: يشبهونهم بهم” التبيان(1/280).
[10] قال الرازي(3/ 536) قال” وَالصَّابِئِينَ فَهُوَ مِنْ صَبَأَ إِذَا خَرَجَ مِنْ دِينِهِ إِلَى دِينٍ آخَرَ، وَكَذَلِكَ كَانَتِ الْعَرَبُ يُسَمُّونَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَابِئًا لِأَنَّهُ أَظْهَرَ دِينًا بِخِلَافِ أَدْيَانِهِمْ”
[11] قال الماتريدي في التفسير:” ويقال: الصبو: هو الخروج عن الأمر؛ يقال: كل مَنْ خرج عن دينه فقد صبا.
وبهذا كان المشركون يُسَمون النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: صابئا، أي: خرج مما نحن عليه.” (6/ 236).
[12]” حيث قال: “ونحن إذا ما تتبعنا ما ورد عن لفظة صبأ وصابئ في الموارد الإسلامية نرى أن هذه الموارد تفسر ما ورد عن لفظة صبأ وصابئ في الموارد الإسلامية نرى أن هذه الموارد تفسير لفظة صبأ بمعنى خرج من شيء إلى شيء، وخرج من دين إلى دين غيره. وتذكر أن قريشًا كانت تسمي النبي صابئا، والصحابة الصباة، أي الخارجين على دين قومهم، فإن هذا يدل على أن المراد من الصابئة بين العرب عند ظهور الإسلام هم المنشقون الخارجون على ديانة قومهم، أي على عبادة الأوثان والمنادين بالتوحيد، واطلاق قريش لفظة الصابئ والصباة على المسلمين بدلا من تسميتهم بمسلمين قضية مهمة جدا، يجب الاهتمام بها، وفي الأخبار أمثلة كثيرة على ذلك، ذكرت كتب الحديث والسير واللغة أن قريشًا دعت النبي صابئا، وفي جملة من دعاه بذلك عمر قبل إسلامه، ثم رمي عمر بها بعد إسلامه أيضًا. ولما أسلم أبو ذر الغفاري، انهال عليه أهل مكة بالضرب، لأنه صبأ وفتن وخرج عن دينهم. ولما أرادت زوج مطعم بن عدي خطبة ابنة أبي بكر إلى ابنها، ذكرت له أنها تخشى أن يؤثر على ولدها، فيكون من الصباة. وقد كانت لفظة الصباة والصباء بمعنى مسلمين عند المشركين،، فالصابئون في نظر المشركين هم المسلمين، ولما ذهب سعد بن معاذ إلى معركة، أنبه أبو جهل على قدومه إليها بعد أن دخل في دين الصابئين، ولما قدم خالد بن الوليد على بني جذيمة، نادوه بأنهم صبئوا، أي دخلوا في الإسلام ويلاحظ أن الوثنيين أطلقوا هذه التسمية على كل من أسلم، وعلى كل من شكوا فيه ورأوا أنه ميال إليهم، فكانوا يرمونه بهذه التهمة. أما المسلمون، فلم يرتاحوا إليها. والظاهر أنها كانت سبة بالنسبة إليهم في ذلك العهد، بدليل إنهم كانوا يكذبون من كان يطلقها من المشركين عليهم ويرد عليهم ردا شديدا، فلما نادى جميل بن معمر الجمحي في قريش:ألا، إن ابن الخطاب قد صبأ، وذلك حين دخل في الإسلام، وشهد بذلك أمام النبي، نادى عمر من خلفه: كذب، ولكني أسلمت، وقالت قريش: صبأ عمر. ولا بد أن يكون لتكذيب عمر وغيره الوثنيين لتسميتهم المسلمين بهذه التسمية من سبب. وهو سبب يشعر أن أهل مكة إنما أطلقوها عليهم إهانة لهم وازدراء لشأنهم وعلى سبيل السبة، لأنها كانت سبة عندهم وذلك قبل الإسلام. وإلا لما انزعج المسلمون منها، وردوا على قريش بسببها ردا قبيحا. وقد رأيت أن المسلمين كانوا يفتخرون باطلاق الحنيفية عليهم، وإنهم كانوا يرون أن الحنفاء هم سلف المسلمين، وأن إبراهيم كان حنيفا وكان أول المسلمين.
فالصابئون إذن هم أولئك الخارجون على عبادة قومهم المخالفون لهم في ديانتهم شأنهم في ذلك في نظر قريش شأن من يسميهم المسلمون في أيامنا بالملحدين، أو أي مصطلح آخر يراد به الرمي بالخروج عن دين القوم، وذلك ازدراء بهم، وتنفيرا للناس عنهم”. المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام(12/ 278)

[13]من أحسن من توسع في بيان الفرق الأربعة الأولى في هذا البحث الإمام الشهرستاني في الملل والنحل ثم جاء والإمام أبو الحسن علي بن محمد المكنى بأبي علي بن سالم التغلبي الفقيه الأصولي الملقب سيف الدين الآمدي المتوفى عام 631هـ؛ فلخصها في “كتاب أبكار الأفكار” حقق بعضه د. أحمد المهدي، ونقلها عنه: كتاب تاريخ الفكر الديني الجاهلي،و لخص أيضا من كتاب السيد عبد الرازق الحسيني: “الصابئة قديما وحديثا” وقد وأشار إلى بعضها ا الإمام الرازي والآلوسي أشارة مختصرة مفيدة.
المراجع التي لخصت منها عن الصابئة هي: كتب التفسير لا سيما (التحرير والتنوير(1 / 534)، زهرة التفاسير (1/ 256).، روح المعاني (1/ 279). الرازي(3/ 536)، (أحكام القرآن للجصاص(2/ 413)، القرطبي (1/ 435). البقاعي (1/ 456).
الموسوعة الكويتية (26/ 299)، المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام(12/ 278)، وتاريخ الفكر الديني الجاهلي محمد إبراهيم الفيومي ص256، الملل والنحل للشهرستاني “2/ 98″،المسعودي في التنبيه والإشراف(1/ 137): “، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار أحمد بن علي العبيدي، تقي الدين المقريزي (4/ 168) الرد على المنطقيين لابن تيمية 289.، تاريخ الفكر الديني الجاهلي محمد إبراهيم الفيومي، كتاب بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب للسيد محمود شكري الألوسي البغدادي، إغاثة اللهفان ابن القيم (2/ 250). “، “كتاب أبكار الأفكار” للإمام أبو الحسن على بن محمد المكنى بأبي علي بن سالم التغلبي الفقيه الأصولي الملقب سيف الدين الآمدي “الصابئة قديما وحديثا” السيد عبد الرازق الحسينين، قال الآثار الباقية لأبي ريحان البيروني، الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (2 / 714)وهي أخذت من هذه الكتب من: الصابئة المندائيون، الليدي دراوور – مطبعة الإرشاد – بغداد – 1969م.- مندائي أو الصابئة الأقدمون، عبد الحميد عبادة – طبع في بغداد – 1927م.-الصابئة في حاضرهم وماضيهم، عبد الرزاق الحسني – طبعة لبنان – 1970م.-الكنزاربّا، وهو كتاب الصابئة الكبير ومنه نسخة في خزانة المتحف العراقي.- الفهرست، ابن النديم – طبع في القاهرة – 1348هـ. المختصر في أخبار البشر، تأليف أبي الفداء – طبع في القاهرة – 1325هـ.- الملل والنحل، للشهرستاني – طبعة لبنان – 1975م.- معجم البلدان، لياقوت الحموي – طبع في القاهر – 1906م.- مقالة لأنستاس الكرملي، مجلة المشرق – بيروت – 1901م.- مقالة لزويمر، مجلة المقتطف – القاهرة – 1897م.- مقالة لإبراهيم اليازجي، مجلة البيان – القاهرة – 1897م.- الموجز في تاريخ الصابئة المندائين العرب البائدة، لعبد الفتاح الزهيري، مطبعة الأركان ببغداد 1403هـ.- الصلاة المندائية وبعض الطقوس الدينية، لرافد الشيخ عبد الله نجم – بغداد 1988م.- اعتقادات فرق المسلمين والمشركين، فخر الدين الرازي – القاهرة – 1356هـ.-إبراهيم أبو الأنبياء، عباس محمود العقاد – دار الكتاب العربي – بيروت – لبنان – صفحة 139-148 طبعة عام 1386هـ/1967م،و والدمشقي في «نخبة الدهر في عجائب البحر » وكتب عنهم السيد عبد الرزاق الحسن رسالةً مطبوعة بمصر
[14] الملل والنحل” 2/ 115)
[15] قال الشهرستاني: وفي العبارة لغتان:روحاني، بالضم؛ من الروح، وروحاني، بالفتح؛ من الروح.والروح والروح متقاربان1، فكأن الروح جوهر، والروح: حالته الخاصة به.
[16] ولكن هناك فرقة من الصابئة وهي الصابئة المندائية كما سيأتي، يؤمنون َبِبَعْضِ الأْنْبِيَاءِ، مِنْهُمْ: َيَحْيَى – عَلَيْهِ ْالسَّلَامُ – وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِسيدنا مُوسَى، وَلاَ بِالْمَسِيحِ، وَلاَ التَّوْرَاةِ، وَلاَ الإْنْجِيل
[17] قال ” السيد محمود شكري الألوسي البغدادي في كتاب بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب ” (1273 – 1342 هـ = 1857 – 1924 م) وهو مؤرخ، عالم بالأدب والدين”: فهؤلاء الصابئة كفروا بالأصلين اللذين جاءت بهما جميع الرسل والأنبياء من أولهم إلى آخرهم.
الأول: عبادة الله وحده لا شريك له، والكفر بما يعبد من دونه من إله.
والثاني: الإيمان برسله وما جاءوا به من عند الله تصديقا وإقرارا وانقيادا وامتثالا.
وليس هذا مختصا بمشركي الصابئة كما غلط فيه كثير من أرباب المقالات، بل هذا مذهب المشركين من سائر الأمم، ولكن شرك الصابئة كان من جهة الكواكب والعلويات.

[18] هناك تناقض عند أصحاب الروحانيات من الصابئة الذين يقولون بعدم الحاجة إلى الرسل لأنهم يقولون إنهم أخذوا معلوماتهم من عاذيمون وهرمس فيقال لهم: بأن قالت: بم عرفتم معاشرة الصابئة وجود هذه الروحانيات؟ والحس ما دلكم عليه، والدليل ما أرشدكم إليه؟. قالوا: عرفنا وجودها، وتعرفنا أحوالها من عاذيمون، وهرمس: شيث، وإدريس عليهما السلام. قالت الحنفاء: لقد ناقضتم وضع مذهبكم. فإن غرضكم في ترجيح الروحاني على الجسماني: نفي متوسط البشري، فصار نفيكم إثباتا. وعاد إنكاركم إقرارا.
[19] روى ابن النديم عن الكندي من أنه قال:” إنه نظر في كتاب يقربه هؤلاء القوم: وهو مقالات لـ “هرمس” في التوحيد كتبها لابنه على غاية من التقائه في التوحيد -لا يجد الفيلسوف إذا اتعب نفسه مندوحة عنها وعن القول بها
[20] يرى الشهرساتاني: أن عاذيمون وهرمس هما شيث بن آدم وإدريس، وأن هرمس أتى بالتوحيد وأنه بريء مما يقوله الصابئة من الضلال فقد قال:” حكم هرمس العظيم, لا على أنه من جملة فرق الصابئة، حاشاه، بل على أن حكمه مما تدل على تقرير مذهب الحنفاء، في إثبات الكمال في الأشخاص البشرية، وإيجاب القول بإتباع النواميس الإلهية، على خلاف مذاهب الصابئة:هرمس المحمودة آثاره، المرضية أقواله وأفعاله، الذي يعد من الأنبياء الكبار، ويقال هو إدريس النبي عليه السلام. وهو الذي وضع أسامي البروج والكواكب السيارة، ورتبها في بيوتها، وأثبت لها الشرف والوبال، والأوج والحضيض، والمناظر بالتثليث والتسديس والتربيع، والمقابلة والمقارنة، والرجعة والاستقامة، وبين تعديل الكواكب، وتقويمها، وأما الأحكام المنسوبة إلى هذه الاتصالات، فغير مبرهن عليها عند الجميع. ومن حكم هرمس:
قوله: أول ما يجب على المرء الفاضل بطباعه، المحمود بسنخه، المرضي في عادته، المرجو في عاقبته: تعظيم الله عز وجل، وشكره على معرفته، وبعد ذلك، فللناموس عليه حق الطاعة له، والاعتراف بمنزلته، وللسلطان عليه حق المناصحة والانقياد، ولنفسه عليه حق الاجتهاد، والدأب في فتح باب السعادة. ولخلصائه عليه حق التحلي لهم بالود، والتسارع إليهم بالبذل. فإذا أحكم هذه الأسس لم يبق عليه إلا كف الأذى عن العامة، وحسن المعاشرة، وسهولة الخلق”.
ثم قال الشهرستاني:انظروا معاشر الصابئة: كيف عظم أمر الرسالة، حتى قرن طاعة الرسول الذي عبر عنه بالناموس بمعرفة الله تعالى. ولم يذكر ههنا تعظيم الروحانيات، ولا تعرض لها،. وقال الشهرستاني في موضع آخر وهو يقسم الفرق الضالة: ثم يتلوهم، ويقرب منهم قوم يقولون بحدود وأحكام عقلية، وربما أخذوا أصولها وقوانينها من مؤيد بالوحي، إلا انهم اقتصروا على الأول منهم، وما نفذوا إلى الآخر وهؤلاء هم الصابئة الأولى، الذين قالوا بعاذيمون وهرمس، وهما: شيث وإدريس عليهما السلام، ولم يقولوا بغيرهما من الأنبياء عليهم السلام. وقال عبد القاهر الإسفراييني في” الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية:” الصائبين يدعونَ نبوة هرمس” اهـ
2) وقال الإمام ابن كثير: “إن إدريس عليه السلام وهو خنوخ، قال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً}. [سورة مريم، الآية: 56-57]. وقد كان قبل نوح عليه السلام، ويزعم كثير من علماء التفسير والأحكام أنه أوّل من تكلم عن الخطّ بالرمل، ويسمونه هرمس الهرامسة. ويكذبون عليه أشياء كثيرة كما كذبوا على غيره من الأنبياء والعلماء الحكماء والأولياء” البداية والنهاية (1/ 111)، وجاء في كتاب “تخجيل من حرف التوراة والإنجيل/ صالح بن الحسين الجعفري أبو البقاء الهاشمي “(1/ 440): هرمس: وجمعه هرامس، يسمى عند العرب إدريس، وعند اليونانيين أطرسمسين، وعند العبرانيين أخنوخ، وعند الفرس: أبهجل أو اللهجد – وتفسيره – ذو عدل. وقد اشتهر من الهرامسة ثلاثة:
1- هرمس الأوّل ويسمونه: (هرمس الهرامسة) – وقد كان قبل الطوفان – وهو أخنون أو إدريس، وللصابئة شرائع يسندونها إليه، وقيل أوّل من استخرج الحكمة وعلم النجوم والطبّ.
2- هرمس الثاني: من أهل بابل الكلدانيين وكان بعد الطوفان.
3- هرمس الثالث: سكن مصر.
(انظر: الفهرست لابن النديم ص 492، الفصل لابن حزم 1/90، الشهرستاني 2/45، الكامل لابن الأثير 1/34، أخبار العلماء للقفطي ص 5، دائرة معارف فريد وجدي 10/504).اهـ
4) وقال صاحب: الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر/: عبد اللطيف بن يوسف البغدادي، موفق الدين، ويعرف بابن اللباد، وبابن نقطة 629هـ) وهو يتكلم على الأهرامات:” وقرأت في بعض كتب الصابئة القديمة أن أحد هذين الهرمين هو قبر عاذيمون، والآخر قبر هرميس ويزعمون أنهما نبيان عظيمان، وأن (عاذيمون) أقدم وأعظم”.
[21] روى ابن النديم عن الكندي من أنه قال: إنه نظر في كتاب يقربه هؤلاء القوم: وهو مقالات لـ “هرمس” في التوحيد كتبها لابنه على غاية من التقائه في التوحيد -لا يجد الفيلسوف إذا اتعب نفسه مندوحة عنها وعن القول بها

[22] قال الشهرستاني: “:فقالوا: الروحانيات هم الأسباب المتوسطون في الاختراع، والإيجاد، وتصريف الأمور من حال إلى حال، وتوجيه المخلوقات من مبدأ إلى كمال يستمدون القوة من الحضرة القديسة، ويفيضون الفيض على الموجودات السفلية.فمنها مدبرات الكواكب السبعة السيارة في أفلاكها، وهي هياكلها، فلكل روحاني هيكل، ولكل هيكل فلك، ونسبة الروحاني إلى ذلك الهيكل الذي اختص به، نسبة الروح إلى الجسد، فهو ربه ومدبره ومديره. وكانوا يسمون الهياكل: أربابا، وربما يسمونها: آباء، والعناصر أمهات. ففعل الروحانيات تحريكها على قدر مخصوص، ليحصل من حركاتها انفعالات في الطبائع والعناصر، فيحصل من ذلك تركيبات وامتزاجات في المركبات، فيتبعها قوى جسمانية، وتركب عليها نفوس روحانية، مثل أنواع النبات وأنواع الحيوان. ثم قد تكون التأثيرات كلية صادرة عن روحاني كلي، وقد تكون جزئية صادرة عن روحاني جزئي، فمع جنس المطر ملك، ومع كل قطرة ملك” الملل والنحل (2/65).
[23] قال أبو ريحان البيروني في الآثار الباقية: “عن هذه الفرقة والتي بعدها: ونحن لا نعلم منهم إلا أنهم أناس يوحدون الله، وينزهونه عن القبائح، ويصفونه بالسلب لا الإيجاب كقولهم: لا يحد، ولا يرى، ولا يظلم، ولا يجور ويسمونه بالأسماء الحسنى مجازا، إذ ليس عندهم صفة بالحقيقة، وينسبون التدبير إلى الفلك وأجرامه، ويقولون بحياتها ونطقها وسمعها وبصرها، ويعظمون الأنوار، ومن آثارهم القبة التي فوق محراب عند المقصورة من جامع دمشق، وكان مصلاهم، كان اليونانيون والروم على دينهم، ثم صارت في أيدي اليهود، فعملوها كنيستهم، ثم تغلب عليها النصارى، فصيروها بيعة إلى أن جاء الإسلام وأهله فاتخذوها مسجدا وكانت لهم هياكل وأصنام بأسماء الشمس معلومة الأشكال كما ذكرها أبو معشر البلخي في كتابه في بيوت العبادات، مثل هيكل بعلبك كان لصنم الشمس، وقران فإنها منسوبة إلى القمر، وبناؤها على صورته كالطيلسان وبقربها قرية تسمى سلمسين، واسمها القديم صنمسين، أي صنم القمر، وقرية أخرى تسمى ترععوز أي باب الزهرة ويذكرون أن الكعبة وأصنامها كانت لهم، وعبدتها كانوا من جملتهم، وأن اللات كان باسم زحل، والعزى باسم الزهرة، ولهم ثلاث صلوات مكتوبات.
أولها: عند طلوع الشمس ثماني ركعات.
والثانية: عند زوال الشمس عن وسط السماء خمس ركعات، وفي كل ركعة من صلاتهم ثلاث سجدات، ويتنفلون بصلاة في الساعة الثانية من النهار، وأخرى في التاسعة من النهار.
والثالثة: في الساعة الثالثة من الليل، ويصلون على طهر ووضوء، ويغتسلون من الجنابة ولا يختتنون إذ لم يؤمروا بذلكولهم قرابين متعلقة بالكواكب وأصنامها وهياكلها وذبائح يتولاها كهنتهم وفاتنوهم، ويستخرجون من ذلك علم ما عسى يكون المقرب وجواب ما يسأل عنه”.
[24] وروي عن الحسن وقتادة إنهم عَبدوا الملائكةَ وكذلك قال الخليل والسمين الحلبي.
[25] قال الواحدي في الوسيط:” وهم قوم كانوا يعبدون النجوم ويعظمونها”.(1/ 149)
[26] الطلسم: خطوط أو كتابة، يستعملها الساحر ويزعم أن يدفع بها كل مؤذ: واصل الكلمة يونانية.
وربما احتجوا على وجود هذه المدبرات وأنها أحياء ناطقة بأن حدوث العالم؛ إذ الكلام فيه إما أن يكون مستندا إلى حادث أو قديم، ولا جائز أن يكون مستندا إلى حادث؛ إذ الكلام فيه كالكلام في الأول، والتسلسل والدور محالان، فلم يبقَ إلا أن يكون مستندا إلى ما في نفسه قديم، وذلك القديم إما أن يكون موجبا لذاته أو بالاختبار، فإن كان الأول فإما أن يكون كل ما لا بد منه في إيجاد الحوادث متحققا معه، أو أنه متوقف على تجدد، فإن كان الأول فيلزم قدم المعلوم والقدم علته وشرطه، وإن كان الثاني فالكلام في تحديد ذلك الأمر كالكلام في الأول، وهو تسلسل، فلم يبقَ إلا أن يكون فاعلا مختارا، وليس في عالم الكون والفساد فاعل قديم مختار إلا الأفلاك والكواكب؛ ولذلك حكموا بأنها أحياء ناطقة
[27] وقد بنوا هياكل للكواكب لتكون مهابط لأرواح الكواكب وهي المتعبدات الكبار، كالكنائس للنصارى والبيع لليهود.

[28] وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان: “ولتلك الكواكب عندهم هياكل مخصوصة، وهى المتعبدات الكبار، كالكنائس للنصارى والبيع لليهود.فلهم هيكل كبير للشمس، وهيكل للقمر، وهيكل للزهرة، وهيكل للمشترى، وهيكل للمريخ، وهيكل لعطادر، وهيكل لزحل وهيكل للعلة الأولى.ولهذه الكواكب عندهم عبادات ودعوات مخصوصة. ويصورونها فى تلك الهياكل” (2/ 250).
[29] روح المعاني (1/ 279).
[30] الرازي (3/ 536).
[31] البقاعي (1/ 456).
[32] القرطبي (1/ 435).
[33] وهناك قول ضعيف يقول إنهم لم يكن اسمهم الصابئة فقد َذَكَرَهُمُ ابْنُ النَّدِيمِ فِي فَهْرَسَتِهِ، وَذَكَرَ قُرَاهُمْ وَأَحْوَالَهُمْ وَمَعَابِدَهُمْ، وَنَقَل عَنِ الْمُؤَلِّفِينَ النَّصَارَى: أَنَّهُمْ لَمْ يَكُنِ اسْمُهُمْ الصَّابِئَةَ، وَأَنَّ الْمَأْمُونَ مَرَّ بِدِيَارِ مُضَرَ فَتَلَقَّاهُ النَّاسُ، وَفِيهِمْ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحَرْنَانِيِّينَ، فَأَنْكَرَ الْمَأْمُونُ زِيَّهُمْ. فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا يَهُودًا وَلاَ نَصَارَى وَلاَ مَجُوسًا أَنْظَرَهُمْ إِلَى رُجُوعِهِ مِنْ سَفْرَتِهِ، وَقَال: إِنْ أَنْتُمْ دَخَلْتُمْ فِي الإِْسْلاَمِ، أَوْ فِي دِينٍ مِنْ هَذِهِ الأَْدْيَانِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَإِلاَّ أَمَرْتُ بِقَتْلِكُمْ. وَرَحَل عَنْهُمْ إِلَى أَرْضِ الرُّومِ، وَهِيَ رِحْلَتُهُ الَّتِي مَاتَ فِيهَا. فَمِنْهُمْ مَنْ أَسْلَمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَنَصَّرَ، وَبَقِيَ مِنْهُمْ شِرْذِمَةٌ عَلَى دِينِهِمْ، احْتَالُوا بِأَنْ سَمَّوْا أَنْفُسَهُمْ الصَّابِئَةَ، لِيَسْلَمُوا وَيَبْقَوْا فِي الذِّمَّةِ،. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ لَمْ يَكُنِ اسْمُهُمُ الصَّابِئَةَ أَوَّلاً، وَأَنَّهُمْ تَسَمَّوْا بِذَلِكَ فِي آخِرِ عَهْدِ الْمَأْمُونِ، وَأَفَادَ الْبَيْرُونِيُّ: أَنَّ هَذِهِ النِّحْلَةَ هِيَ نِحْلَةُ فَلاَسِفَةِ الْيُونَانِيِّينَ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قَبْل النَّصْرَانِيَّةِ، وَأَنَّ مِنْ فَلاَسِفَتِهَا: فِيثَاغُورْسُ، وَأَغَاذِيمُونُ، وَوَالِيسُ، وَهُرْمُسُ، وَكَانَتْ لَهُمْ هَيَاكِل بِأَسْمَاءِ الْكَوَاكِبِ، وَأَنَّ الْيُونَانِيِّينَ، وَمِنْ بَعْدِهِمُ الرُّومَانُ، كَانُوا عَلَى هَذِهِ النِّحْلَةِ، ثُمَّ لَمَّا غَلَبَتِ النَّصْرَانِيَّةُ عَلَى بِلاَدِ الرُّومِ وَالْيُونَانِ وَتَنَصَّرَ أَهْل هَذِهِ النِّحْلَةِ: بَقِيَ عَلَيْهَا مِنْ أَهْل الْمَشْرِقِ بَقَايَا، وَلَمْ يَكُنِ اسْمُهُمُ الصَّابِئَةَ، وَإِنَّمَا تَسَمَّوْا بِذَلِكَ فِي عَصْرِ الْمَأْمُونِ سَنَةَ 228 هـ، وَهُمْ لَيْسُوا مِنَ الصَّابِئَةِ فِي الْحَقِيقَةِ، بَل حَقِيقَةُ الصَّابِئَةِ هُمُ الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ ” اهـ وهذا قول ضعيف، فَدَعْوَى أَنَّ الْحَرَّانِيِّينَ الْمُشْرِكِينَ لَمْ يَكُونُوا يَتَسَمَّوْنَ الصَّابِئَةَ حَتَّى كَانَ عَهْدُ الْمَأْمُونِ، دَعْوَى هِيَ مَوْضُوعُ شَكٍّ – وَإِنْ دَرَجَ عَلَيْهَا بَعْضُ الْمُؤَرِّخِينَ – فَإِنَّ كُتُبَ الْحَنَفِيَّةِ، تَنْسُبُ إِلَى أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ الصَّابِئَةَ الَّذِينَ يُعَظِّمُونَ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ لَيْسُوا مُشْرِكِينَ؛ بَل هُمْ أَهْل الْكِتَابِ؛ لأَِنَّهُمْ لاَ يَعْبُدُونَ تِلْكَ الْكَوَاكِبَ، بَل يُعَظِّمُونَهَا كَتَعْظِيمِ الْمُسْلِمِينَ الْكَعْبَةَ، وَأَنَّ صَاحِبَيْهِ قَالاَ: بَل هُمْ كَعُبَّادِ الأَْوْثَانِ وَأَبُو حَنِيفَةَ كَانَ قَبْل الْمَأْمُونِ فَإِنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ 150 وَالْمَأْمُونُ سَنَةَ 218 هـ. وَكَلاَمُهُ وَكَلاَمُ صَاحِبَيْهِ مُنْصَبٌّ عَلَى الْحَرَّانِيِّينَ؛ فَإِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ، مِمَّا يَدُل عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا فِي زَمَانِهِ مُسَمَّيْنَ بِاسْمِ الصَّابِئَةِ.
[34] قَال الْجَصَّاصُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: و”َهَذِهِ الْفِرْقَةُ تَسَمَّتْ بِالصَّابِئَةِ، وَهُمُ الْفَلاَسِفَةُ الْحَرَّانِيُّونَ الَّذِينَ بِنَاحِيَةِ حَرَّانَ، وَهُمْ عَبَدَةُ أَوْثَانٍ، وَلاَ يَنْتَمُونَ إِلَى أَحَدٍ مِنَ الأَْنْبِيَاءِ، وَلاَ يَنْتَحِلُونَ شَيْئًا مِنْ كُتُبِ اللَّهِ، فَهَؤُلاَءِ لَيْسُوا أَهْل كِتَابٍ.(أحكام القرآن للجصاص(2/ 413).
[35] روح المعاني (1/ 279)
[36] قال الشهرستاني:” مناظرات إبراهيم الخليل لأصحاب الهياكل وأصحاب الأشخاص، وكسره مذاهبهما:وقد ناظر الخليل عليه السلام هؤلاء الفريقين.فابتدأ بكسر مذاهب أصحاب الأشخاص، وذلك قوله تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ}، وتلك الحجة أن كسرهم قولا بقوله: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ، وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} ولما كان أبوه آزر هو أعلم القوم بعمل الأشخاص والأصنام، ورعاية الإضافات النجومية فيها حق الرعاية، ولهذا كانوا يشترون منه الأصنام لا من غيره كان أكثر الحجج معه، وأقوى الإلزامات عليه، إذ قال عليه السلام لأبيه آزر: {أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} 3، وقال: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} 1 لأنك جهدت كل الجهد، واستعملت كل العلم حتى عملت أصناما في مقابلة الأجرام السماوية، فما بلغت قوتك العلمية والعملية إلى أن تحدث فيها سمعا وبصرا، وأن تغني عنك، وتضر وتنفع. وأنت بفطرتك وخلقتك أشرف درجة منها، لأنك خلقت سميعا بصيرا، نافعا، ضارا، والآثار السماوية فيك أظهر منها في هذا المتخذ تكلفا والمعمول تصنعا، فيالها من حيرة! إذ صار المصنوع! {يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا، يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ} ثم دعاه إلى الحيفية الحقة. قال: {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا} 3 {قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ}؟ 4 فلم تقبل حجته القولية: فعدل عليه السلام عن القول إلى الكسر للأصنام بالفعل، {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ} 5، فقالوا: {مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا} 6 {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ 7، فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ 8، ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ} 9 فافحمهم بالفعل، حيث أحال الفعل على كبيرهم، كما أفحمهم بالقول، حيث أحال الفعل منهم. وكل ذلك على طريق الإلزام عليهم، وإلا فما كان الخليل كاذبا قط.
ثم عدل إلى كسر مذاهب أصحاب الهياكل، وكما أراه الله تعالى الحجة على قومه، قال {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} فأطلعه على ملكوت الكونين والعالمين تشريفا له على الروحانيات وهياكلها. وترجيحا لمذهب الحنفاء على مذهب الصابئة، وتقريرا أن الكمال في الرجال، فأقبل على إبطال مذهب أصحاب الهياكل {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي} على ميزان إلزامه على أصحاب الأصنام {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا}، وإلا فما كان الخليل عليه السلام كاذبا في هذا القول، ولا مشركا في تلك الإشارة.
ثم استدل بالأفول والزوال، والتغير، والانتقال, على أنه لا يصلح أن يكون ربا إلها. فإن الإله القديم لا يتغير، وإذا تغير احتاج إلى مغير, هذا لو اعتقدتموه ربا قديما، وإلها أزليا، ولو اعتقدتموه واسطة، وقبلة، وشفيعا، ووسيلة، فإن الأفول, الزوال, يخرجه أيضا عن حد الكمال. وعن هذا ما استدل عليه بالطلوع, وإن كان الطلوع أقرب إلى الحدوث من الأفول، فإنهم إنما انتقلوا إلى عمل الأشخاص لما عراهم من التحير بالأفول، فأتاهم الخليل عليه السلام من حيث تحيرهم، فاستدل عليهم بما اعترفوا بصحته، وذلك أبلغ في الاحتجاج.
ثم لما {رَأى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ}، فيا عجبا مما لا يعرف ربا كيف يقول {لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} رؤية الهداية من الرب تعالى غاية التوحيد، ونهاية المعرفة، والواصل إلى الغاية والنهاية، كيف يكون في مدارج البداية؟! ـ ـ ـ فإن الموافقة في العبارة على طريق الإلزام على الخصم من أبلغ الحجج، وأوضح المناهج، وعن هذا قال: {فَلَمَّا رَأى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ} لاعتقاد القوم أن الشمس ملك الفلك، وهو رب الأرباب الذي يقتبسون منه الأنوار، ويقبلون منه الآثار، {فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ، إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}
قرر مذهب الحنفاء، وأبطل مذهب الصابئة، وبين أن الفطرة هي الحنيفية، وأن الطهارة فيها، وأن الشهادة بالتوحيد مقصورة عليها وأن النجاة والخلاص متعلقة بها، وأن الشرائع والأحكام مشارع ومناهج إليها. وأن الأنبياء والرسل مبعوثون لتقريرها وتقديرها. وأن الفاتحة والخاتمة والمبدأ والكمال منوطة بتحصيلها وتحريرها {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}، والصراط المستقيم، والمنهج الواضح، والمسلك اللائح، قال الله تعالى لنبيه المصطفى صلى الله عليه سلم {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ، مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}.
[37] أحكام القرآن (3/ 118) (2/413).
[38] جاء في كتاب اتاريخ الفكر الديني الجاهلي: ” حران مدينة من مدن العراق عرفت مدرستها في التاريخ الفكري بأنها مدرسة وثنية، كانت ذات أهمية كبرى لمرور طرق القوافل، وأن اشتقاق اسم المدينة في البابلية هو: “حرانو” أو “حرانو” تعني الطريق.كما اشتهرت في التوراة في سفر التكوين: 24، 4، 29، 21، وقد كانت الموطن الأصلي للآباء العبرانيين الأوائل قبل ذهابهم إلى فلسطين.والمرجح كثيرًا أن إبراهيم وأحفاده كانوا من سكان أراضي هذه المنطقة كما تشير إلى ذلك التوراة نفسها في هذا المركز عاشت الصابئة، فمدرسة حران عرفت وتخصصت في الوثنية ولا نرى مؤلفا أو باحثا في تاريخ الفكر العربي يذكرها دون أن يصفها بالوثنية وكانت إلى جانب هذا نقطة مهمة للتبادل والاتصال، أما أهلها فكانت الغالبية منهم وثنيين يعبدون الكواكب مما دفعهم إلى ملاحظة السماء والتعمق في الدراسات الفلكية (303).
[39] قسم ابن تيمية الحرنانيين إلى قسمين”: قال: وأما قدماء الفلاسفة الذين كانوا يعبدون الله وحده لا يشركون به شيئاً ويؤمنون بأن الله محدث لهذا العالم ويقرون بمعاد الأبدان، فأولئك من الصابئة الحنفاء الذين أثنى الله عليهم” الرد على المنطقيين 289.
[40] وأما الحلول فهو التشخص الذي ذكرناه، وربما يكون ذلك بحلول ذاته، وربما يكون بحلول جزء من ذاته، على قدر استعداد مزاج الشخص.وربما قالوا إنما تشخص بالهياكل السماوية كلها، وهو واحد، وإنما يظهر فعله في واحد واحد بقدر آثاره فيه، وتشخصه به.فكأن الهياكل السبعة أعضاؤه السبعة. وكأن أعضاءنا السبعة هياكله السبعة فيها يظهر، فينطق بلساننا، ويبصر بأعيننا، ويسمع بآذاننا، ويقبض ويبسط بأيدينا، ويجيء ويذهب بأرجلنا، ويفعل بجوارحنا.
[41] هذه الفرقة تتشابه مع ما سماه كتاب “تاريخ العرب الديني” صابئة الهند حيث قال: “: صابئة الهند:صابئة الهند منزعها الثوابت من حيث إنهم رابطوا عبادتهم بزحل وزحل من شأنه البقاء والثبوت وهم الذين قالوا بالتناسخ والحلول.1- التناسخ: يعني لديهم أن تتكرر الأدوار والأطوار إلى ما لا نهاية ويحدث في كل دور مثل ما حدث في الأول.وأن الثواب والعقاب سيحدث في هذه الدار لا في دار أخرى لا عمل فيها.2- الحلول: يعني لديهم أن الشخص ربما يحدث ذلك منه بحلول ذاته وربما يكون بحلول جزء من ذاته على قدر استعداد المزاج الشخصي.والهياكل تحل فيه، فينطق بلسانها ويبصر بعينها ويسمع بآذانها ويقبض بيدها ويبسط بها”
[42] (1/534).
[43] زهرة التفاسير (1/ 256).
[44] جاء في كتاب تخجيل من حرف التوراة والإنجيل / صالح بن الحسين الجعفري:” الصابئة المندائيون: ويزعمون أنهم أتباع النبيّ يحيى عليه السلام. ويُقَدَّر عددهم حالياً بعشرة آلاف شخص تقريباً معظمهم في العراق وإيران. والصابئة يقدسون الكواكب والنجوم، ويعتبر الاتّجاه نحو القطب الشمالي والتعميد في المياه الجارية من أبرز معالم ديانتهم”.
[45] قال الإمام الجصاص: وَالْفِرَقُ الثَّلَاثُ مِنْ النَّسْطُورِيَّةِ وَالْمَلْكِيَّةِ وَالْيَعْقُوبِيَّةِ يبرءون منهم ويحرمونهم.
[46] قال المسعودي في التنبيه والإشراف(1/ 137):” والكلدانيون وهم البابليون الذين بقيتهم في هذا الوقت بالبطائح بين واسط والبصرة في قرايا هناك وتوجههم في صلاتهم إلى القطب الشمالي والجدي”، وقال البيروني يصف أقواما شبيها حالهم بهؤلاء فيقول: “وقد قيل: إن هؤلاء الحرانية ليسوا هم الصابئة بالحقيقة، بل هم المسمون في الكتب بالحنفاء والوثنية، فإن الصابئة هم الذين تخلفوا ببابل من جملة الأسباط الناهضة في أيام كورش وأيام أرطحشست إلى بيت المقدس، ومالوا إلى شرائع المجوس فصبوا إلى دين بخت نصر، فذهبوا مذهبا ممتزجا من المجوسية واليهودية، كالسامرة بالشام، وقد توجد أكثرهم بواسط وسواد العراق بناحية جعفر والجامدة ونهري الصلة منتمين إلى أنوش بن شيث، ومخالفين للحرانية، عائبين مذاهبهم، لا يوافقونهم إلا في أشياء قليلة، حتى أنهم يتوجهون في الصلاة إلى جهة القطب الشمالي والحرانية إلى الجنوبي” قال ابن تيمية في الفتاوى: وَقَدْ كَانَ بَقَايَا الصَّابِئَةِ أَعْدَاءِ إبْرَاهِيمَ إمَامِ الْحُنَفَاءِ بِنَوَاحِي الْبَطَائِحِ مُنْضَمِّينَ إلَى مَنْ يُضَاهِيهِمْ مِنْ نَصَارَى الدَّهْمَاءِ. وَبَيْنَ الصَّابِئَةِ وَمَنْ ضَلَّ مِنْ الْعِبَادِ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى هَذَا الدِّينِ نَسَبٌ يَعْرِفُهُ مَنْ عَرَفَ الْحَقَّ الْمُبِينَ.”.(مجموع الفتاوى (11/ 455).
[47] وقد ذكر تأليههم لها عبد الرازق الحسيني في كتابه الصابئة قديما وحديثا ص25، 26 حيث قال:” صابئة البطائح:”يعيش بين ظهرانينا في العراق قسم من الناس لهم تقاليدهم، وعاداتهم ولغتهم، ويكادون يكونون ممتازين في كل مظاهر حياتهم حتى بأشكالهم وسحنة وجوههم، ويطلق عليهم اسم “الصابئة” وقد يكون هؤلاء هم الصابئة الأصليون وقد.لا يكونون، إلا أن الشيء المحقق هو أن قسما كبيرا من عبادة الصابئة من القدماء وطقوس دينهم، بارزة بين معتقدات هؤلاء القوم وطقوسهم، فعبادة النجوم واستقبال نجم القطب وتأليه الكواكب وغير ذلك من أصول الدين الصابئ مما يتدين به هذا المجموع المتميز.
وقد يتعرف الباحث من اللغة التي يتكلم بها هؤلاء ومن إسبالهم شعور لحاهم ورءوسهم، أنهم شعب غريب نزح إلى هذه البلاد واستوطنها واحتفظ بما له من تقاليد وعادات والتزم بالسكنى على ضفاف الأنهر، وبقرب المياه الجارية؛ نظرا لما يقيمه من الطقوس التي لا تتم إلا بالارتماء في الماء الجاري، لذا عرف هذا القسم من الناس بصابئة البطائح نسبة إلى بطائح العراق المشهور.فإما أن يكون هذا الشعب قد انحدر من الصابئة الحرنانية أو أنه من بقية الصابئة الأقدمين، وهذا أمر مشكوك فيه وموكول إلى فحص التاريخ الدقيق.
ونظن أن أحسن رواية -وقد تكون أقربها إلى الحقيقة- هي التي أثبتها هنري يونيون في كتابه الفرنسي الموسوم بـ “الفرقة المندائية” المطبوع في عام 1898، فقد جاء في ص224 منه تحت عنوان “الفرق الدستئاية” وهي المندائية التي اشتهر بها الصابئة الحاليون ما مضمونه: أن صاحبها “أي صاحب هذه الفرقة” كان متسولا وقد جاء من بلاد ما بين الزابين إلى ميسان “أي جنوب العراق”؛ للتسول، وكان مسيحيا اسمه “دبدا” واسم أمه “أم كشطا”، ثم توطن ضفاف نهر قارون وأسس ديانة جديدة وعقائد مأخوذ معظمها من فرق المرقيونيين والمانويين والكنتيين وغيرها من الفرق الصابئة، ثم توسعت هذه الطائفة على مر السنين وسموا بالصابئة المغتسلة؛ لأن جميع طقوسهم الدينية لا تتم إلا بالاغتسال في الماء الجاري اهـ، والذي يؤسفنا كثيرا ويجعل تاريخ الصابئة مفصولا وغير مرتبط الحلقات، خلو هذا التلخيص من الزمن الذي يعين قدوم “دبدا” إلى جنوبي العراق “ميسان” الأمر الذي يوقفنا على تاريخ منشأ صابئة البطائح والصلة بينم وبين الصابئة الحرنانية. ومع ذلك لا يخلو من فائدة تاريخية تكشف لنا عن تاريخ غامض من تاريخ الصابئة”.
[48] قال أبو زهرة في تفسير سورة المائدة: “والصابئون أو الصابئة طائفة ظهرت في بلاد المشرق، وقد قيل فيها: إنهم يعبدون الكواكب، وبعضهم قال: إنهم يقدسونها من غير عبادة، ولا يخرجهم ذلك عن الشرك لأن تقديس ما لا سبب لتقديسه نوع من العبادة وإن لم تكن بالصلاة “.
[49]سماهم فيليب حتى في كتابه تاريخ سورية الصابئة النصارى فقال: ” صابئة أهل الكتاب:
أ- صابئة اليهود: وهم الذين وافقوا أبوللونيوس عندما أعلن الوثنية في معبدهم ووضع تمثالا لهيكل إغريقي.ب- صابئة مسيحيون:وهم الذين اتبعوا القديس يوحنا المعمدان في شعيرة التعميد “وهؤلاء هم المنديون” ولا يزال قوم منهم يسكنون إلى الآن الأغوار المحاذية لمصب الفرات.
[50] احكام القرآن (2/ 413)(3/ 118)
[51] 1- الولادة: يعمد المولود بعد 45 يوماً ليصبح طاهراً من دنس الولادة حيث يُدخل هذا الوليد في الماء الجاري إلى ركبتيه مع الإتجاه جهة نجم القطب، ويوضع في يده خاتم أخضر من الآس.2- عماد الزواج: يتمّ في يوم الأحد وبحضور ترميدة وكنزبرا، يتم بثلاث دفعات في الماء مع قراءة من كتاب الفلستا وبلباس خاص، ثم يشربان من قنينة ملئت بماء أُخذ من النهر يسمى (ممبوهة) ثم يطعمان (البهثة) ويدهن جبينهما بدهن السمسم، ويكون ذلك لكلا العروسين لكل واحد منهما على حدة، بعد ذلك لا يُلمسان لمدة سبعة أيام حيث يكونان نجسين وبعد الأيام السبعة من الزواج يعمدان من جديد، وتعمد معهما كافة القدور والأواني التي أكلا فيها أو شربا منها.- عماد الجماعة: يكون في كل عيد (بنجة) من كل سنة كبيسة لمدة خمسة أيام ويشمل أبناء الطائفة كافة رجالاً ونساءً كباراً وصغاراً، وذلك بالارتماس في الماء الجاري ثلاث دفعات قبل تناول الطعام في كل يوم من الأيام الخمسة. والمقصود منه هو التكفير عن الخطايا والذنوب المرتكبة في بحر السنة الماضية، كما يجوز التعميد في أيام البنجة ليلاً ونهاراً على حين أن التعميد في سائر المواسم لا يجوز إلا نهاراً وفي أيام الآحاد فقط.· تعميد المحتضر ودفنه: – عندما يحتضر الصابيء يجب أن يؤخذ – وقبل زهوق روحه – إلى الماء الجاري ليتمّ تعميده.ومن مات من دون عماد نجس ويحرم لمسه.خ – أثناء العماد يغسلونه متجهاً إلى نجم القطب الشمالي، ثم يعيدونه إلى بيته ويجلسونه في فراشه بحيث يواجه نجم القطب أيضاً حتى يوافيه الأجل.د – بعد ثلاث ساعات من موته يغسل ويكفن ويدفن حيث يموت إذ لا يجوز نقله مطلقاً من بلد إلى بلد آخر.ذ – من مات غيلة أو فجأة، فإنه لا يغسل ولا يلمس، ويقوم الكنزبرا بواجب العماد عنه.ر – يدفن الصابيء بحيث يكون مستلقياً على ظهره ووجهه ورجلاه متجهة نحو الجدي حتى إذا بعث واجه الكوكب الثابت بالذات.ز – يضعون في فم الميت قليلاً من تراب أول حفرة تحفر لقبره فيها.

[52] أفكار ومعتقدات أخرى:- البكارة: تقوم والدة الكنزبرا أو زوجته بفحص كل فتاة عذراء بعد تعميدها وقبل تسليمها لعريسها وذلك بغية التأكد من سلامة بكارتها.
– الخطيئة: إذا وقعت الفتاة أو المرأة في جريمة الزنى فإنها لا تقتل، بل تهجر، وبإمكانها أن تكفر عن خطيئتها بالارتماس في الماء الجاري.
– الطلاق: لا يعترف دينهم بالطلاق إلا إذا كانت هناك انحرافات أخلاقية خطيرة فيتمّ التفريق عن طريق الكنزبرا.
– السنة المندائية: 360 يوماً، في 12 شهراً، وفي كل شهر ثلاثون يوماً مع خمسة أيام كبيسة يقام فيها عيد البنجة.
– يعتقدون بصحة التاريخ الهجري ويستعملونه، وذلك بسبب اختلاطهم بالمسلمين، ولأن ظهور النبي (*) محمد صلى الله عليه وسلم كان مذكوراً في الكتب المقدسة الموجودة لديهم.
– ينفرون من اللون الأزرق النيلي ولا يلامسونه مطلقاً. – ليس للرجل غير المتزوج من جنة لا في الدنيا ولا في الآخرة.
– لكل مناسبة دينية ألبسة خاصة بها، ولكل مرتبة دينية لباس خاص بها يميزها عن غيرها.
– إذا توفي شخص دون أن ينجب أولاداً فإنه يمرّ بالمطهر ليعود بعد إقامته في العالم الآخر إلى عالم الأنوار ثم يعود إلى حالته البدنية مرة أخرى حيث تتلبس روحه في جسم روحاني فيتزوج وينجب أطفالاً.
– يرفضون شرب الدواء، ولا يعترضون على الدهون والحقن الجلدية.
– الشباب والشابات يأتون إلى الكهان (*) ليخبروهم عن اليوم السعيد الذي يمكنهم أن يتزوجوا فيه، وكذلك يخبرون السائلين عن الوقت المناسب للتجارة أو السفر، وذلك عن طريق علم النجوم.
– لا تؤكل الذبيحة إلا أن تذبح بيدي رجال الدين وبحضور الشهود، ويقوم الذابح – بعد أن يتوضأ – بغمسها في الماء الجاري ثلاث مرات ثم يقرأ عليها أذكاراً دينية خاصة ثم يذبحها مستقبلاً الشمال، ويستنزف دمها حتى آخر قطرة، ويحرم الذبح بعد غروب الشمس أو قبل شروقها إلا في عيد البنجة.
من رجالهم الدينيين: الكنزبرا الشيخ عبد الله بن الشيخ سام الذي كان مقيماً في بغداد سنة 1969م وهو الرئيس الروحي لهم، وقد كان في عام 1954م يسكن في دار واقعة بجوار السفارة البريطانية في الكرخ ببغداد.
طبقات رجال الدين: يشترط في رجل الدين أن يكون سليم الجسم، صحيح الحواس، متزوجاً منجباً، غير مختون، وله كلمة نافذة في شؤون الطائفة كحالات الولادة والتسمية والتعميد والزواج والصلاة والذبح والجنازة، ورتبهم على النحو التالي:
1- الحلالي: ويسمى “الشماس” يسير في الجنازات، ويقيم سنن الذبح للعامة، ولايتزوج إلا بكراً، فإذا تزوج ثيباً سقطت مرتبته ومنع من وظيفته إلا إذا تعمد هو وزوجته 360مرة في ماء النهر الجاري.2- الترميدة: إذا فقه الحلالي الكتابين المقدَّسين سدره إنشماثا والنياني أي كتابَيْ التعميد والأذكار فإنه يتعمد بالارتماس في الماء الموجود في المندي ويبقى بعدها سبعة أيام مستيقظاً لا تغمض له عين حتى لا يحتلم، ويترقى بعدها هذا الحلالي إلى ترميدة، وتنحصر وظيفته في العقد على البنات الأبكار.3- الأبيسق: الترميدة الذي يختص في العقد على الأرامل يتحول إلى أبيسق ولا ينتقل من مرتبته هذه.
4- الكنزبرا: الترميدة الفاضل الذي لم يعقد على الثيبات مطلقاً يمكنه أن ينتقل إلى كنزبرا وذلك إذا حفظ كتاب الكنزاربّا فيصبح حينئذٍ مفسراً له، ويجوز له ما لا يجوز لغيره، فلو قتل واحداً من أفراد الطائفة لا يقتص منه لأنه وكيل الرئيس الإلهي عليها.5- الريش أمه: أي رئيس الأمة، وصاحب الكلمة النافذة فيها ولا يوجد بين صابئة اليوم من بلغ هذه الدرجة لأنها تحتاج إلى علم وفير وقدرة فائقة.6- الربّاني: وفق هذه الديانة لم يصل إلى هذه الدرجة إلا يحيي بن زكريا عليهما السلام كما أنه لا يجوز أن يوجد شخصان من هذه الدرجة في وقت واحد. والرباني يرتفع ليسكن في عالم الأنوار وينزل ليبلغ طائفته تعاليم الدين ثم يرتفع كرة أخرى إلى عالمه الرباني النوراني · الإِله (*):
[53] قال المسعودي في التنبيه والإشراف: ” والكلدانيين وهم البابليون الذين بقيتهم في هذا الوقت بالبطائح بين واسط والبصرة في قرايا هناك وتوجههم في صلاتهم إلى القطب الشمالي والجدي”
[54] قال أبو زهرة: “الصابئون الذين ظهروا في الإسلام وقبله هم أكتم الناس لعبادة الأوثان، ويعلمون صبيانهم كتمانها، وقد قال عنهم أبو بكر الرازي في كتابه أحكام القرآن: وأصل اعتقادهم تعظيم الكواكب السبعة أو عبادتها واتخاذها آلهة، وهم عبدة أوثان في الأصل إلا أنهم منذ ظهر الفرس على إقليم العراق، وأزالوا مملكة الصابئين لم يجسروا على عبادة الأوثان ظاهرا، لأنهم منعوهم من ذلك، وكذلك الروم وأهل الشام والجزيرة كانوا صابئين، فلما تنصر قسطنطين حملهم بالسيف على الدخول في النصرانية، فبطلت عبادة الأوثان من ذلك الوقت، ودخلوا في غمار النصارى في الظاهر، وبقي كثير منهم على تلك النحلة مستخفين بعبادة الأوثان، فلما ظهر الإسلام دخلوا في غمار النصارى، ولم يميز المسلمون بينهم وبين النصارى، إذ كانوا مستخفين بعبادة الأوثان، كاتمين لأصل اعتقادهم، وهم أكتم الناس لاعتقادهم، فالصابئة يعبدون الكواكب والأوثان، ويظهرون بالنصرانية، هذا ما يجب بيانه هنا، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى كتابنا تاريخ الجدل” زهرة التفاسير (1/ 256). قال الجصاص: ” وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ أَيْضًا فِي حُكْمِ الصَّابِئِينَ، وَهَلْ هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ أَمْ لَا، وَهُمْ فَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: بِنَوَاحِي كَسْكَرَ وَالْبَطَائِحَ، وَهُمْ فِيمَا بَلَغْنَا صِنْفٌ مِنْ النَّصَارَى، وَإِنْ كَانُوا مُخَالِفِينَ لَهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ دِيَانَاتِهِمْ; لِأَنَّ النَّصَارَى فِرَقٌ كَثِيرَةٌ مِنْهُمْ الْمَرْقُونِيَّةُ والْآرْيُوسِيَّةُ، وَالْمَارُونِيَّةُ، وَالْفِرَقُ الثَّلَاثُ مِنْ النَّسْطُورِيَّةِ وَالْمَلْكِيَّةِ، وَالْيَعْقُوبِيَّةِ يَبْرَءُونَ مِنْهُمْ، وَيُحَرِّمُونَهُمْ، وَهُمْ يَنْتَمُونَ إلَى يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا، وَشِيثٌ، وَيَنْتَحِلُونَ كُتُبًا يَزْعُمُونَ أَنَّهَا كُتُبُ اللَّهِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى شِيثِ بْنِ آدَمَ، وَيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا،, وَالنَّصَارَى تُسَمِّيهِمْ يُوحَنَّاسِيَّةَ; فَهَذِهِ الْفِرْقَةُ يَجْعَلُهَا أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَيُبِيحُ أَكْلَ ذَبَائِحِهِمْ، وَمُنَاكَحَةَ نِسَائِهِمْ. وَفِرْقَةٌ أُخْرَى قَدْ تَسَمَّتْ بِالصَّابِئِينَ، وَهُمْ الْحَرَّانِيُّونَ الَّذِينَ بِنَاحِيَةِ حَرَّانَ، وَهُمْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ، وَلَا يَنْتَمُونَ إلَى أَحَدٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَا يَنْتَحِلُونَ شَيْئًا مِنْ كُتُبِ اللَّهِ، فَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا أَهْلَ الْكِتَابِ. وَلَا خِلَافَ أَنَّ هَذِهِ النِّحْلَةَ لَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ، وَلَا تُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ، فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي جَعْلِهِ الصَّابِئِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَحْمُولٌ عَلَى مُرَادِهِ الْفِرْقَةَ الْأُولَى. وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فَقَالَا: “إنَّ الصَّابِئِينَ لَيْسُوا أَهْلَ الْكِتَابِ” وَلَمْ يُفَصِّلُوا بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ.(أحكام القرآن (3 / 118)..
[55] جاء في الموسوعة الكويتية: وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ: إِلَى أَنَّ الصَّابِئَةَ يَجُوزُ أَنْ تُعْقَدَ لَهُمُ الذِّمَّةُ بِالْجِزْيَةِ، عَلَى الْقَوْل بِأَنَّهُمْ مِنَ النَّصَارَى، إِنْ وَافَقُوهُمْ فِي أَصْل دِينِهِمْ، وَلَوْ خَالَفُوهُمْ فِي فُرُوعِهِ، وَلَمْ تُكَفِّرْهُمُ النَّصَارَى. أَمَّا إِنْ كَفَّرَتْهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى لِمُخَالَفَتِهِمْ فِي الْفُرُوعِ، فَقَدْ قِيل: يَجُوزُ أَنْ يُقَرُّوا بِالْجِزْيَةِ وَإِنْ لَمْ تَجُزْ مُنَاكَحَتُهُمْ، لأِنَّ مَبْنَى تَحْرِيمِ النِّكَاحِ، الاِحْتِيَاطُ، بِخِلاَفِ الْجِزْيَةِ.
وَهَذَا التَّرَدُّدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، إِنَّمَا هُوَ فِي الصَّابِئَةِ الْمُشَابِهَةِ لِلنَّصَارَى (وَهُمُ الْمُسَمَّوْنَ الْمَنْدَائِيِّينَ)، أَمَّا الصَّابِئَةُ عُبَّادُ الْكَوَاكِبِ: فَقَدْ جَزَمَ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّ الْخِلاَفَ لاَ يَجْرِي فِيهِمْ، وَأَنَّهُمْ لاَ يُقَرُّونَ بِبِلاَدِ الإْسْلاَمِ. قَال: وَلِذَلِكَ أَفْتَى الإْصْطَخْرِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ – الْخَلِيفَةَ الْقَاهِرَ – بِقَتْلِهِمْ، لَمَّا اسْتَفْتَى فِيهِمُ الْفُقَهَاءَ، فَبَذَلُوا لَهُ مَالاً كَثِيرًا فَتَرَكَهُمْ(26/ 299)
[56] قال ابن تيمية في كتابه في الرد على المنطقيين:” إن حران كانت دار هؤلاء الصابئة وفيها ولد إبراهيم عليه السلام أو انتقل إليها من العراق على اختلاف القولين، وكان بها هيكل العلة هيكل العقل الأول هيكل النفس الكلية هيكل زحل هيكل المشتري هيكل المريخ هيكل الشمس، وكذلك الزهرة وعطارد والقمر، وكان هذا دينهم قبل ظهور النصرانية فيهم، ثم ظهرت النصرانية فيهم مع بقاء أولئك الصابئة المشركين حتى جاء الإسلام ولم يزل بها الصابئة والفلاسفة في دولة الإسلام إلى آخر وقت، ومنهم الصابئة الذين كانوا ببغداد وغيرها أطباء وكتاباً وبعضهم لم يسلم.
ولما قدم الفارابي حران في أثناء المائة الرابعة دخل عليهم وتعلم منهم وأخذ عنهم ما أخذ من المتفلسفة، وكان ثابت بن قرة الحراني صاحب الزيج قد شرح كلام أرسطو في الإلهيات، وقد رأيته وبينت بعض ما فيه من الفساد، فإن فيه ضلالاً كثيراً، وكذلك كان دين أهل دمشق وغيرها قبل ظهور دين النصرانية وكانوا يصلون إلى القطب الشمالي، ولهذا يوجد في دمشق مساجد قديمة فيها قبلة إلى القطب الشمالي، وتحت جامع دمشق معبد كبير له قبلة إلى القطب الشمالي كان لهؤلاء، فإن الصابئة نوعان صابئة حنفاء موحدون، وصابئة مشركون، فالأول هم الذين أثنى الله عليهم بهذه الآية فأثنى على من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً من هذه الملل الأربع: المؤمنين واليهود والنصارى والصابئين، فهؤلاء كانوا يدينون بالتوراة قبل النسخ والتبديل، وكذلك الذين دانوا بالإنجيل قبل النسخ والتبديل، والصابئون الذين كانوا قبل هؤلاء كالمتبعين لملة إبراهيم إمام الحنفاء قبل نزول التوراة والإنجيل، وهذا بخلاف المجوس والمشركين فإنه ليس فيهم مؤمن، فلهذا قال تعالى (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شي شهيد) فذكر الملل الست هؤلاء، وأخبر أنه يفصل بينهم يوم القيامة لم يذكر في الست من كان مؤمناً، وإنما ذكر ذلك في الأربعة فقط، ثم إن الصابئين ابتدعوا الشرك فصاروا مشركين، والفلاسفة المشركون من هؤلاء المشركين.
وأما قدماء الفلاسفة الذين كانوا يعبدون الله وحده لا يشركون به شيئاً ويؤمنون بأن الله محدث لهذا العالم ويقرون بمعاد الأبدان، فأولئك من الصابئة الحنفاء الذين أثنى الله عليهم”.ابن تيمية، الرد على المنطقيين 287
[57] أنوار التنزيل (1/85). قال الطباطبائي:”ذكرهم مع أهل الأديان يدل على أنهم كانوا يدينون بدين سماوي” قال الأمثل: ” وذكرهم إلى جانب المؤمنين واليهود والنصارى يدل على أنهم كانوا يدينون بدين سماوي ويؤمنون بالله واليوم الآخر “. الامثل في تفسير كتابِ اللهِ المُنزَل (1/ 254 ” وقال أيضا” من مجموع ما سبق يتبين أن الصابئين كانوا في الأصل أتباع أحد الأنبياء وإن اختلف المحققون في تعيين نبيّهم “.(الأمثل (1 / 257)انتهى
يقول علي هاني: وهناك فرقة سابعة: سماهم المقريزي الصابئة الحنفاء، ذكرهم المقريزي، وهو يتلكم عن فرق الصابئة: “قال: والحنفاء هم القائلون بأن الروحانيات منها ما وجودها بالقوّة، ومنها ما وجودها بالفعل، فما هو بالقوّة يحتاج إلى من يوجده بالفعل، ويقرّون بنبوّة إبراهيم، وأنه منهم. وهم طوائف:
أ‌) الكاظمة أصحاب كاظم بن تارح، ومن قوله أنّ الحق في الجمع بين شريعة إدريس وشريعة نوح وشريعة إبراهيم عليهم السّلام.
ب‌) ومنهم البيدانية: أصحاب بيدان الأصغر، ومن قوله اعتقاد نبوّة من يفهم عالم الروح، وأن النبوّة من أسرار الإلهية.
ت‌) ومنهم القنطارية: أصحاب قنطار بن أرفخشد، ويقرّ بنبوّة نوح.، وهم أصناف
[58] وبينهم وبين الحنفاء مناظرات وحروب مهلكة، وتولدت من مذاهبهم الحكمة الملطية. المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار / المقريزي (4/ 168).(المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار/ المقريزي/(4/ 168).
ولم أجد من شرح حقيقة هذا القسم الذي ذكره المقريزي.
[59] روح المعاني (1/280)