إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين (1) بحث مفصل بقلم الشيخ علي هاني

يقدم لنا فضيلة الشيخ بحثاً في المنظور القرآني لعلاقة الإسلام والمسلمين باليهود والنصارى، وذلك من خلال دراسة الآيات الواردة بخصوصهم، وتركيز البحث في الدرجة الأولى على آية {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:62] وعلى ما يشبهها في المائدة والحج، ملخصاً وشارحاً ومستدلاً بأهم ما جاء في كتب التفسير في هذا الموضوع.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، والصلاة والسلام على سيد الخلق خاتم النبيين والمرسلين الذي أرسله الله للناس كافة، وأوجب على جميع الخلق اتباعه، وجعل من أركان الإيمانِ الإيمانُ به صلى الله وسلم وبارك عليه، وأنزل القرآن مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه وجعله ناسخا للشرائع قبله، وأمر جميع الخلق بالإيمان به والعمل بمقتضاه، فقد فصل فيه سعادتهم دنيا وأخرى، أما بعد:

فقد أنزل الله سبحانه كتابا أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير، كتابا لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه تنزيل من حكيم حميد، ومَنَّ على من اصطفاهم من العلماء الراسخين بحسن فهمه على ما أراد سبحانه من علمائنا وأسلافنا الذين ما أرادوا من تفسيرهم لكتاب الله سبحانه إلا رضاه، فكانوا كما قال تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}، ثم تغيرت الأزمان وتبدلت الأحوال فجاء المستشرقون وأتباعهم من بني جلدتنا الذين يريدون أن نميل ميلا عظيما فحرفوا كلام الله، وأولوا الآيات على أهوائهم فكانوا مصداق من قال عنهم سبحانه {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}، وتبعهم من اغتر بهم من المسلمين ممن عنده جَهلٌ في الدين أو إلحاد خفي في قلوبهم، أو حب لإرضاء اليهود والنصارى الذين قال سبحانه عنهم {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}، ففرحوا بهذه التأويلات فرحا شديدا، وانتشر هذا الشر وطم في أرجاء الأرض، فكان واجبا على من آتاه الله نصيبا من العلم أن يتصدى لهؤلاء،ولما كنت أعلم من نفسي أني لست من أهل هذا المضمار أحجمت عن ذلك، مدة مديدة مع إلحاح كثير من الإخوان من العرب وغيرهم أن أكتب في هذا الموضع، حتى طلب مني من لا يسعني مخالفته أن أكتب في هذا الموضوع، وأخبرني أن عرى الدين تُنْقض باستدلالتهم،فشرح الله صدري لهذا، فجمعت كلام العلماء جمعا مستقى في كل آية استدلوا بها وحرفوا معناها مما يتعلق باليهود والنصارى، وكان التركيز في البحث في الدرجة الأولى على آية {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)} (البقرة:62) وعلى ما يشبهها في المائدة والحج، ومن خلال البحث بينت الحق في تفسير: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115)}(آل عمران 113 ـ 114)، وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)}المائدة: 47)،{قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68)} (المائدة: 68) وهي الآيات التي يكررون الاستدلال بها، وقد بذلت في البحث غاية جهدي وعصارة خبرتي في تلخيص وتحرير أقوال العلماء في كل آية من الآيات بحيث لا أترك تفسيرا مطبوعا وصلني إلا ذكرت رأيه، وحررت المسائل تحريرا وحبرتها تحبيرا، ليكون هذا الكتاب نهارا يزيل ظلمة شبهاتهم، وسيفا يقطع لسان كل محرف لكتاب الله الذي هو روحنا وحياتنا، وكل هذا من توفيق الخالق الرازق سبحانه،الذي لا يكون شيء إلا إذا أراد سبحانه، {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}.

**************

خطة البحث:

قسمت البحث إلى قسمين: القسم الأول: التفسير التحليلي وفيه ست وعشرون مسألة، والقسم الثاني: أدلة الرد على من فسر الآية على خلاف مراد الله سبحانه، وفيه سبعة عشر دليلا، وإليك تفصيل المباحث:

القسم الأول فيه أربع وعشرون مسألة:
المسألة الأولى: في علاقة آية سورة البقرة بما قبلها
المسألة الثانية: فائدة إِنَّ.
المسألة الثالثة: بيان الأقوال في المراد بالذين آمنوا.
المسألة الرابعة: الأقوال في المراد بـ(الذين هادوا والنصارى) في الآية.
المسألة الخامسة: حاصل الأقوال في معنى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ}.
المسألة السادسة: تحقيق اشتقاق هادوا وبيان الفرق بين هادوا ويهودوهُود
المسألة الثامنة: أصل كلمة النصارى.
المسألة السابعة: هل اليهودية دين سيدنا موسى عليه السلام.
المسألة الثامنة: أصل كلمة النصارى.
المسألة التاسعة: اختلاف العلماء لم سموا “نصارى”.
المسألة العاشرة: السر في أنه تعالى في حق اليهود لم يقل قالوا إنا يهود بل قال {اليهود} وفي حق النصارى قال:” قالوا إنا نصارى”
المسألة الحادية عشر: تاريخ الصَّابِئة وفرقهم.
المسألة الثانية عشرة: أقوال المفسرين في الصابئة.
المسألة الثالثة عشرة: أقوال الفقهاء في الصابئة.
المسألة الثالثة عشرة: اشتقاق اسم الصابئة.
المسألة الرابعة عشرة: من آمن بالله
المسألة الخامسة عشرة: معنى اليوم الآخر في {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ (62)}.
المسألة السادسة عشرة: عبارة {آمن بالله واليوم الآخر} في مصطلح القرآن يراد بها الإيمان بجميع الأركان.
المسألة السابعة عشرة: إعراب (من) في {من آمن بالله واليوم الآخر}.
المسألة الثامنة عشرة: معنى {فلهم أجرهم عند ربهم}.
المسألة التاسعة عشرة: معنى{ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}.
المسألة العشرون: مناسبة آية سورة المائدة وآية سورة الحج لما قبلهما
المسألة الحادية والعشرون: تلخيص أقوال العلماء في سورة المائدة.
المسألة الثانية والعشرون: تفسير آية سورة الحج مع ذكر أقوال العلماء:
المسألة الثالثة والعشرون: الإعراب في المائدة والصابئون.
المسألة الرابعة والعشرون: الفائدة البلاغة في رفع الصابئون.
المسألة الخامسة والعشرون: الرد على من يخطئ القرآن الكريم في رفع الصابئون.
المسألة السادسة والعشرون: أسرار الاختلاف بين الآيات الثلاثة تقديما وتأخيرا ورفعا ونصبا واختلافا في الفاصلة.

القسم الثاني وفيه سبعة عشر دليلا.
الدليل الأول: تفسيرهم يؤدي إلى اختلاف القرآن وتعارضه
الدليل الثاني: أن اسم النصارى لم يرد في القرآن مرادا به الموحدون
الدليل الثالث: قوله تعالى {من آمن بالله} يرد عليهم
الدليل الرابع: هم لا يؤمنون بيوم القيامة كما وصفه الله تعالى
الدليل الخامس: شرط العمل الصالح الإيمان
الدليل السادس: دينهم يخالف دين الإسلام الذي عرفه القرآن
الدليل السابع: القرآن مليء بالآيات التي تدعو الكفار ومنهم أهل الكتاب وتناقشهم
الدليل الثامن: القرآن يقرر أن من عبد مع الله غيره لم يعبد الله سبحانه الدليل التاسع: نص القرآن الكريم على كفر اليهود والنصارى صراحة
الدليل العاشر: قد بشرت جميع الكتب بالنبي صلى الله عليه وسلم وأمته الدليل
الحادي عشر: ترك ملايين النصارى واليهود دينهم عبر التاريخ والدخول في الإسلام دليل على وجوب الإيمان
الدليل الثاني عشر: العمل بالتوراة أو الإنجيل عمل بشريعة منسوخة
الدليل الرابع عشر: أن هذه القول خارق لإجماع علماء المسلمين
الدليل الخامس عشر:جميع الأنبياء أخذ عليهم وعلى أممهم الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم
الدليل السادس عشر: أن الله تعالى أمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وجعل المتولي عنه كافرا
الدليل السابع عشر: القرآن نص على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل للناس جميعا

************